أحزاب وإعلام: أين موقف المرجعية؟!

المرجعية الدينية لها رأيها

"عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيْهِ السَّلام) قَالَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلام) يَقُولُ: إِنَّ مِنْ حَقِّ الْعَالِمِ أَنْ لا تُكْثِرَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ وَلا تَأْخُذَ بِثَوْبِهِ وَإِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ جَمِيعاً وَخُصَّهُ بِالتَّحِيَّةِ دُونَهُمْ وَاجْلِسْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلا تَجْلِسْ خَلْفَهُ وَلا تَغْمِزْ بِعَيْنِكَ وَلا تُشِرْ بِيَدِكَ وَلا تُكْثِرْ مِنَ الْقَوْلِ قَالَ فُلانٌ وَقَالَ فُلانٌ خِلافاً لِقَوْلِهِ وَلا تَضْجَرْ بِطُولِ صُحْبَتِهِ فَإِنَّمَا مَثَلُ الْعَالِمِ مَثَلُ النَّخْلَةِ تَنْتَظِرُهَا حَتَّى يَسْقُطَ عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْ‏ءٌ وَالْعَالِمُ أَعْظَمُ أَجْراً مِنَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ الله". (الكافي: ج1، ص37).

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

فعل الإنسان من جهة شرعية باختصار إما أن يكون واجبا، أو محرما، أو مباحاً، وفعل المرجع الديني في هذا الأمر كغيره من الناس، ولكن الفارق أن المرجع هو الذي يحدد تكليفه الشرعي، باجتهاده، وأما غيره فلابد أن يرجع الى مرجع ديني يحدد له تكليفه الشرعي.

بعض الناس يتطاول على المرجعية الدينية لأنها لم تقل شيئا اتجاه الأحداث السياسية الأخيرة وملابساتها وصراعاتها ومخططاتها الدولية والاقليمية، كالذي نراه اليوم من تطاول لشخصيات إعلامية وحزبية هي أساسا بحسب فكرها لا تحترم منصب المرجعية الدينية كمنصب له النيابة عن صاحب الأمر (عجل الله فرجه الشريف) ولا ترى له قيادة أصلا. هذا الصنف لا يستحق الكلام لوضوح عناده وتناقض كلامه مع ما يؤمن به وما يرمي اليه.

ولكن الذي يستحق الكلام والتوضيح من يتساءل ويطلب بحسن نية أن يكون للمرجعية موقف، معتبراً ان الموقف يجب أن يكون بالكلام لا بالصمت، ومعتبراً كذلك أن طلبه هو الذي ينبغي أن ينفذ وانه هو الصحيح.

فنقول لهذا المؤمن من باب التذكير لا النصيحة:

إن كلام المرجعية والموقف الذي تطالبها به وتعتبره هو الذي ينبغي أن يكون، فهل ترى أنه واجب شرعي، على المرجعية فعله وهي تخلت عن ذلك الواجب مثلا؟ أم أنه أمر مباح يجوز فعله ويجوز تركه؟

فان كنت تدعي وجوبه فإنك تتدخل فيما لا يعنيك بل ما لا يحق لك أن تحدده من فعل أي شخص، إلا أن تخبر عن حكم ضروري معروف كوجوب الصلاة والصوم وما شاكل، وأما ما يدخل تحديد وجوبه وحرمته ضمن مساحة اجتهاد المجتهد فيجب أن تعرف أنه ليس من شأنك ذلك، وأي حديث لك فيه فهو حديث لغو لا أكثر. فالمرجع يُرجَع اليه لا أن يرجع هو اليك.

وأما أن كنت تدعي أيها المؤمن أنه أمر مباح، ويمكنك أن تُصوِّب أو تُخطِّئ رأي المرجع فيه فذاك شأنك أنت الخاص بك، وتقييمك للموقف، فللمرجع رأيه الخاص به ايضاً كما لك رأيك انت، ففي ضمن مساحة الإباحة التي يكون المرء فيها مخيراً لا وجه لمطالبته بأن يتبعك على نحو تجزم فيه بصحة رأيك وخطأ رأيه، فله نظرته وتقييمه وأسبابه، وليس واجبا عليه أن يطلعك عليها فهو صاحب الشأن وحده في ذلك، ويعمل وفق ما يدركه هو من المصلحة لا وفق ما تدركه أنت.

المرجعية الدينية العليا كانت عندما تبدي موقفاً ليس فيه إلزام كانت تصرح، بأن الناس بالخيار إن أرادوا موافقته أو مخالفته، كما في المشاركة بالانتخابات وعدمها، وكما في المشاركة في المظاهرات وعدمها.

ففي شأن الانتخابات جاء في البيان الصادر من مكتب المرجعية الدينية بمناسبة انتخابات عام 2018 ما نصه: "ان المشاركة في هذه الانتخابات حق لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية، وليس هناك ما يُلزمه بممارسة هذا الحق الا ما يقتنع هو به من مقتضيات المصلحة العليا لشعبه وبلده، نعم ينبغي ان يلتفت الى ان تخليه عن ممارسة حقه الانتخابي يمنح فرصة اضافية للآخرين في فوز منتخبيهم بالمقاعد البرلمانية وقد يكونون بعيدين جداً عن تطلعاته لأهله ووطنه، ولكن في النهاية يبقى قرار المشاركة او عدمها متروكاً له وحده وهو مسؤول عنه على كل تقدير، فينبغي أن يتخذه عن وعي تام وحرصٍ بالغٍ على مصالح البلد ومستقبل ابنائه.))

وفي شأن المظاهرات جاء في خطبة الجمعة بتاريخ (8/11/2019)

"إن التظاهر السلمي حق لكل عراقي بالغ كامل، به يعبّر عن رأيه ويطالب بحقه، فمن شاء شارك فيه ومن لم يشأ لم يشارك، وليس لأحد أن يلزم غيره بما يرتئيه، ولا يليق أن تكون المشاركة أو عدم المشاركة مثاراً لتبادل الاتهامات بين المواطنين عند الاختلاف في الرأي، بل ينبغي أن يحترم كلٌ رأي الآخر ويعذره فيما يختاره".

اذاً فلتحترم أيها المؤمن رأي المرجعية الدينية في المساحة المباحة، كما هي تحترم رأيك، ولا تملي عليها وتحدد لها ما هو الصحيح و ما هو الخطأ وكأنك محيط بكل تفاصيل المشهد وحددت المصلحة أين تكمن بما لا خلاف فيه وشبهة!