غسيل التواصل الاجتماعي: الأسرار خلف الأزرار!

الأسرار خلف الأزرار

عادل جبار:

) خلف كُلِ بابٍ سر) هذا ماكُنا نسمعه وماكان يُردده الاباء لأولادهم نُصحا وموعظة وحِفاظا على ما يدور داخلها، لا احد يعلم ما يدور خلف الابواب ولاحق لاحد بالتدخل مهما كانت صِلته بأهل الدار، حتى الجار والاقارب.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 لذا كانت تُحل أغلب المشاكل داخل البيوت والتي غالبا ما تكون ابوابها موصده بإحكام ودِقة دون اللجوء للتهويل والتشهير والامر ايضا ينطبق في حالات الخصام الزوجي فالبيوت كانت مكامن خفية لا يعلم أحد ما يدور في كنفِها وحتى المناسبات الخاصة كانت لا تتعدى جدران المنزل لذا كان أحدنا يخرج للناس بوجه حسنٍ بشوش يخفي جراحاته وهمومه بعيدا عن الاعين ولا يُظهر الا الجانب المشرق من حياته، بمرور الايام وتقادم الزمن واستهلاك الساعات وبعد ان اقتحمت التكنولوجيا اعمارنا وحشرت في كل تفاصيلنا من اصغرها لأكبرها  وخلافا لكل ما قد سمعناه من آبائنا واعتدنا على حفظه اثرا يبقى لأجيال أُخر، فما نعيشه اليوم بات مُختلفا بشكل جذري حيث لم  يعد للبيت سرا فكلها اصبحت بمتناول الجميع خصوصا في الآونة الاخيرة وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي وبهذا الكم الهائل التي اجتاحت حياتنا وخصوصيتنا وانتهكت جميع الاسرار ورُفع عنها الحجاب واخترقت جميع القيم والعادات وبدأت توثق ادق تفاصيل حياتنا فلم يعد للإنسان مكمن لأسراره الا نفسه التي ربما لا تريد ذلك هي الاخرى.

فالخصومات والافراح والاحزان والمواقف العائلية البحتة أصبح الجميع يعلم عنها حتى الشعور النفسي هو معلوم من خلال الخاصيات التي تعمل عليها مواقع التواصل الاجتماعي فلانٌ يشعر بالجوع او الغضب او الغبطة او الحزن، واخر يحتفل بعيد ميلاده او زوجته او اطفاله، وهناك عائلة اخرى لديها مشاكل بين الابناء والاباء او الازواج ويطلبون الحل والمشورة،  كُثر هي حالات الطلاق والزواج والفضائح التي  نسمع ونشاهد عنها عشرات الحالات يوميا او ذهابنا الى مكان ما وجلسنا في ذاتِ مطعم وكان مذاقه ليس جيدا ويبدأ الناس بإعطاء آرائهم وتحليلاتهم حول المواضيع التي تُطرح على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة الى العنف الاسري والاضطهاد وبعض المفاهيم العشائرية التي سادت بالفترة الاخيرة تُجاه العوائل وانتشرت بشكل موسع في الفضائيات ومواقع التواصل كُلها امورٌ ادت بطبيعة الحال الى تلاشي اسرار تلك البيوت واصبحت حديث الشارع العراقي، فجدران المنازل لم تعد تُخفي ما يدور خلفها بعدما اُخترقت من قبل تلك المنصات الاجتماعية  التي اضحت شاهدةً على كل شاردة وواردة داخل كنف العائلة، استسهال استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، الكبت النفسي، الضغوطات الاقتصادية، عدم ايجاد فرص العمل، عدم استخدام الانترنت بصورةٍ سليمةٍ كُلها عوامل تظافرت بإعلان المواقف الحياتية للجميع وإباحتها للعلن كما ان ظهور ما يسمى بالـ( الكروبات) على مواقع السوشال ميديا جعل من مُرتاديها كاميرات مُراقبة على تفاصيل الحياة اليومية وتداولها كل هذا  يُعد تطورا تكنولوجيا علينا ان نبقى مفتوحي الاعين بشكل مستمر، هل هو تطورٌ ام انفتاح ام حريةٌ ان اسرارك باتت بين صفحات ملايين البشر الالكترونية؟ هل تلك المواقع قلبت موازين المعادلة الحياتية وهل هذا التفكك الاسري والاضطهاد والعنف هو جزء من كينونة المجتمع في فترة الحرية والديمقراطية، تتكاثر الاسئلة وتكبر وتتعقد الاجابات ويبقى الجزء الاكبر معقودا على فقدان الحصة الاكبر من المنظومة التعليمية على وجه الخصوص، فأضحت جميع مفاصل الحياة بحاجة الى اعادة ترميم لما فقدته من تلك القيم والعادات التي غادرت ونخشى ان تكون دون رجعة، مالم تكن هناك وقفة حقيقة وجادة تبدأ من داخل العائلة وصولا الى جميع افراد المجتمع مع اشراك الدولة في مفاصلها كافة لإعادة تلك المنظومة القيمية والاخلاقية الى رونقها والسمة الانسانية التي خُلقنا بها، فإحكام العقل قبل العواطف تُجاه الاشياء المصيرية او الاسرية للحفاظ عليها من التفكك.