هل نقلّد فقيه ’ الحيض والنفاس’؟ الجواب بـ ’ كلمة قارصة’!

ابتُليتُ في أول الشباب وحداثته بشخصٍ مُتدينٍ غير متفقّه، سلك بي في المعارف الدينيَّة مسالكَ غير محمودة، وسُبُلاً غير ممدوحة، حتى قلَّدتُ في سنةٍ واحدةٍ خمسةً من المراجع، إلى أن هدانِي الله بشخصٍ متدينٍ متفقّهٍ أوجعني بكلمةٍ قارصة أرجعتني إلى صوابي، وللكلمة الموجعة حين غَلَبَة الهوى ما ليس للدليل القاطع من تأثير.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وكان من أسباب تخبّطي هو غلبة الفكر الزيدي على قلبي، الفقيه الحركيّ، المجاهد، هو الأحرى بالتقليد، وفقيه الحيض والنّفاس جبانٌ ساكت.

وقد حدَّثني الشخص غير المُتفقّه أنَّه رأى في منامه مرجعاً من المراجع حليق اللحية، وأوَّلَ ذلك - واستغفر الله - بضعف تديُّنه، وكنت من السَّذاجة والغباء والجهل أن أخذتُ هذه الرؤيا على محمل الجدّ، وصدَّقتُ الرؤيا.

التقيت بصاحبي المتفقّه، وكان استاذاً حوزويَّاً يُدرّس المكاسب في وقتها – كان ذلك سنة 1992 ، وطلب مني – وبيده كتاب الاجتهاد والتقليد من  التنقيح في شرح العروة الوثقى أن أقرأه، وكانت يدُ الحصار تأخذ بخناق النَّاس فباع أولو العلم منهم مكاتبهم – واحاسرتاه عليها وعليهم – وكنت متمكناً على نحوٍ ما من النَّاحية الماديَّة لأني كنتُ أعمل ولا أعيل أحدا، فاشتريتُ كتابي (العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى) أربعة أجزاء لآية الله السيد علي شبر، والد سماحة السيد صباح شبّر، و (مقاليد الهدى في شرح العروة الوثقى) في جزأين ، لآية الله السيد عبد الرضا الشهرستاني والد سماحة السيد جواد الشهرستاني، والعروة الوثقى بتعليقة السيد الخوئي – قُدِّس سره – ودرست بجهدٍ شخصيٍّ مسائل العروة على ضوء هذه الشروح، وكان شرح الشيخ الغروي سهولة عبارة، وسلاسة بيان، ووضوح المطلب خير معينٍ على فهم كثيرٍ من المسائل فهماً صادقاً في الجملة.

كانت الكهرباء مقطوعة، ويستمر انقطاعها نحو عشرين ساعةً في اليوم، ولم تكن هناك مولّدات أهلية، فكنتُ أخرج إلى الطارمة وأقرأ الكتب، والقلم بين أصابعي، والأوراق نصب عيني، والكتب بين يدي، والعرق من شدَّة الحرِّ يتصبَّبُ عن جبيني، ومع كلِّ قطرةٍ تسقط، يسقط معها شيءٌ من جهلي.

كتبتُ هذا لأُبيّن أمراً عشتُهُ تجربةً شخصيَّة استمرت نحو سنةٍ من التخبط والتيه والعمى، وهذا الأمر من شقّين

الأول: المانع عن تقليد الأعلم عند كثيرٍ من الشباب هو فكرة أن يكون الفقيه حركيَّاً، وتأثر الشباب بهذه الفكرة سببها بعض الأشخاص غير المتفقهين وإن كانوا متدينين، وبعض الأدبيات الإسلامية الحزبية؛ لذلك لا بد من توضيح فكرة تقليد الفقيه الأعلم لا الفقيه الحركيّ من خلال المنابر، ووسائل التواصل، والكتب والمجلات والندوات الشخصية، والمناظرات.

الثاني: هناك كثيرٌ من التجمّعات المباركة تقيم النَّدواتِ والحوارات يُحاضر فيها طلبة العلم وفضلاؤه ويكون المدعوون في الغالب من المتدينين ، وهذا أمرٌ حسن، والأحسن أن تُقام الندوات هذه ويحضرها من يخالف الخط المتديّن المتفقّه، فإنَّ كثيراً من الشباب الذي لا غنى فيه – بحسب الظاهر – طيب القلب، نقيّ الروح، وإذا وجد الإنسان الصالح العالِم الذي يأخذ بيده سرعان ما يُصبح متدينا؛ لذلك لا بد من العمل على هؤلاء وكسبهم، والاستماع إلى اسئلتهم التي ينبغي أن يطرحوها بوضوحٍ تامٍ وبحريّة، ليُجاب عنها بوضوحٍ تامٍّ وعلميّة.

عندما كنتُ أتقلَّب من تقليد مرجعٍ إلى تقليد مرجعٍ آخر في وقتها، لم يكن ذلك عن هوى، بل عن بحثٍ حقيقيٍّ وجاد، ولكن كان عن جهلٍ وقلَّة تفقّه، ولولا أن أخذ ذلك الرجل بيدي الله أعلم ما يكون حالي الآن، هل مع دجال البصرة، أو في برَّاني بعض المتمرجعين، أو منتميَّاً لحركةٍ ضالَّةٍ مضلَّة، (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ)