آية قرآنية ستحطّم لديك «القلق» و «الخوف» من المستقبل!

إن الاضطراب والقلق من أكبر المصاعب في حياة الناس، والنتائج الحاصلة منهما في حياة الفرد والمجتمع واضحة للعيان، والاطمئنان واحد من اهمّ اهتمامات البشر، وإذا حاولنا أن نجمع سعي وجهاد الإنسانية على طول التاريخ في بحثهم للحصول على الاطمئنان بالطرق الصحيحة وغير الصحيحة، فسوف تتكوّن لدينا كتب كثيرة ومختلفة تعرض تلك الجهود.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

يقول بعض العلماء: عند ظهور بعض الأمراض المعدية ـ كالطاعون ـ فإنّ من بين العشرة الأفراد الذين يموتون بسبب المرض ـ ظاهرا ـ أكثرهم يموت بسبب القلق والخوف، وعدّة قليلة منهم تموت بسبب المرض حقيقة.

وبشكل عام «الاطمئنان» و «الاضطراب» لهما دور مهمّ في سلامة ومرض الفرد والمجتمع وسعادة وشقاء الإنسانية، وهذه مسألة لا يمكن التغافل عنها، ولهذا السبب الّفت كتب كثيرة في موضوع القلق وطرق التخلّص منه، وكيفيّة الحصول على الراحة، والتاريخ الإنساني مليء بالمواقف المؤسفة لتحصيل الراحة، وكيف أن الإنسان يتشبّث بكلّ وسيلة غير مشروعة كأنواع الاعتياد على المواد المخدّرة لنيل الاطمئنان النفسي.

ولكن القرآن الكريم يبيّن أقصر الطرق من خلال جملة قصيرة ولكنّها كبيرة المعنى حيث يقول: (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)!

ولتوضيح هذا المعنى ومعرفة عوامل القلق والاضطراب لا بدّ من ملاحظة ما يلي:

أوّلا: يحدث الاضطراب مرّة بسبب ما يجول في فكر الإنسان عن المستقبل المظلم، فيحتمل زوال النعمة، أو الأسر على يد الأعداء، أو الضعف والمرض، فكلّ هذه تؤلم الإنسان، لكن الإيمان بالله القادر المتعال الرحمن الرحيم، الله الذي تكفّل برحمة عباده.. هذا الإيمان يستطيع أن يمحو آثار القلق والاضطراب ويمنحه الاطمئنان في مقابل هذه الأحداث ويؤكّد له انّك لست وحيدا، بل لك ربّ قادر رحيم.

ثانيا: ومرّة يشغل فكر الإنسان ماضيه الأسود فيمسي قلقا بسبب الذنوب التي ارتكبها وبسبب التقصير والزلّات، ولكن بالنظر إلى أن الله غفّار الذنوب وقابل التوبة وغفور رحيم، فإنّ هذه الصفات تمنح الإنسان الثقة وتجعله أكثر اطمئنانا وتقول له: أعتذر إلى الله من سالف أعمالي السيّئة واتّجه إليه بالنيّة الصادقة.

ثالثا: ضعف الإنسان في مقابل العوامل الطبيعيّة، أو مقابل كثرة الأعداء يؤكّد في نفسه حالة القلق وانّه كيف يمكن مواجهة هؤلاء القوم في ساحة الجهاد أو في الميادين الأخرى؟

ولكنّه إذا تذكّر الله، واستند إلى قدرته ورحمته.. هذه القدرة المطلقة التي لا يمكن أن تقف أمامها أية قدرة أخرى، سوف يطمئنّ قلبه، ويقول في نفسه: نعم إنني لست وحيدا، بل في ظلّ القدرة الإلهية المطلقة!

فالمواقف البطولية للمجاهدين في ساحات القتال، في الماضي أو الحاضر، وشجاعتهم النادرة حتّى في المنازلة الفردية لهم، كلّها تبيّن حالة الاطمئنان التي تنشأ في ظلّ الإيمان.

نحن نشاهد أو نسمع أن أحد الضبّاط المؤمنين فقد بصره مثلا أو أصابته جراحات كثيرة بعد قتال شديد مع أعداء الإسلام ولكن عند ما يتحدّث كأنّه لم يكن به شيء، وهذه نتيجة الاستقرار والطمأنينة في ظلّ الإيمان بالله.

رابعا: ومن جانب آخر يمكن أن يكون أصل المشقّة هي التي تؤذي الإنسان، كالإحساس بتفاهة الحياة أو اللاهدفية فيها، ولكن المؤمن بالله الذي يعتقد أن الهدف من الحياة هو السير نحو التكامل المعنوي والمادّي، ويرى أن كلّ الحوادث تصبّ في هذا الإطار، سوف لا يحسّ باللاهدفيّة ولا يضطرب في المسيرة.

خامسا: ومن العوامل الأخرى أن الإنسان مرّة يتحمّل كثيرا من المتاعب للوصول إلى الهدف، ولكن لا يرى من يقيّم أعماله ويشكر له هذا السعي، وهذه العملية تؤلمه كثيرا فيعيش حالة من الاضطراب والقلق، وأما إذا علم أن هناك من يعلم بهذا السعي ويشكره عليه ويثيبه، فليس للاضطراب والقلق هنا محل من الأعراب.

سادسا: سوء الظنّ عامل آخر من عوامل الاضطراب والذي يصبّ كثيرا من الناس في حياتهم ويبعث فيهم الألم والهمّ، ولكنّ الإيمان بالله ولطفه المطلق وحسن الظنّ به هي من وظائف الفرد المؤمن التي سوف تزيل عنه حالة العذاب والقلق وتحلّ محلّها حالة الاطمئنان والاستقرار.

سابعا: الهوى وحبّ الدنيا من أهمّ عوامل القلق والاضطراب، وقد تصل الحالة في عدم الحصول على لون خاص في الملبس، أو أي شيء آخر من مظاهر الحياة البرّاقة أن يعيش الإنسان حالة من القلق قد تستمر أياما وشهورا.

ولكن الإيمان بالله والتزام المؤمن بالزهد والاقتصاد وعدم الإستئسار في مخالب الحياة المادية ومظاهرها البرّاقة ينهي حالة الاضطراب هذه، وكما قال الإمام علي عليه‌ السلام: «دنياكم هذه أهون عندي من ورقة في فمّ جرادة تقضمها» فمن كانت له مثل هذه الرؤية كيف يمكن أن تحدث عنده حالة الخوف والقلق نتيجة لعدم الحصول على شيء من وسائل الحياة الماديّة أو فقدانها؟!

ثامنا: من العوامل المهمّة الأخرى الخوف من الموت، وبما أن الموت لا يحصل فقط في السنّ المتأخّرة، بل في كافّة السنين وخصوصا أثناء المرض والحروب، والعوامل الأخرى فالقلق يستوعب كافّة الأفراد. ولكن إذا اعتقدنا أن الموت يعني الفناء ونهاية كلّ شيء (كما يعتقده المادّيون) فإنّ الاضطراب والقلق في محلّه، ولا بدّ أن يخاف الإنسان من هذا الموت الذي ينهي عنده كلّ الآمال والأماني والطموحات. ولكن الإيمان بالله يمنحنا الثقة بأنّ الموت هو باب لحياة أوسع وأفضل من هذه الحياة، وبرزخ يمرّ منه الإنسان إلى دار فضاؤها رحب، فلا معنى للقلق حينئذ، بل أن مثل هذا الموت ـ إذا ما كان في سبيل الله يكون محبوبا ومطلوبا.

إن عوامل الاضطراب لا تنحصر بهذه العوامل المذكورة فقط، فهناك عوامل كثيرة أخرى، ولكن كلّ مصادرها تعود إلى ما ذكرناه أعلاه.

وعند ما رأينا أن كلّ هذه العوامل تذوب وتضمحلّ في مقابل الإيمان بالله سوف نصدّق انّه (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

الطمأنينة والخوف من الله

طرح بعض المفسّرين هنا هذا السؤال، وخلاصته: نحن قرأنا في الآية أعلاه (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) ومن جانب آخر فإنّ الآية ٢ من سورة الأنفال تقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) فهل أن هاتين الآيتين متناقضتين؟

الجواب: إن الطمأنينة المحمودة هي ما كانت في مقابل العوامل المادية التي تقلق الإنسان ـ كما أشرنا إليه سابقا ـ ولكن المؤمنين لا بدّ وان يكونوا قلقين في مقابل مسئولياتهم، وبعبارة أخرى: أن المؤمنين لا يشكون من الاضطراب المدمّر الذي يشكّل غالبية أشكال القلق والاضطرابات، ولكن القلق البنّاء الذي يحسّ به الإنسان تجاه مسئولياته أمام الله فهو المطلوب ولا بدّ منه، وهذا هو الخوف من الله.

ما هو ذكر الله، وكيف يتمّ؟

«الذكر» كما يقول الراغب في مفرداته: حفظ المعاني والعلوم، ويستعمل الحفظ للبدء به، بينما الذكر للاستمرار فيه، ويأتي في معنى آخر هو ذكر الشيء باللسان أو القلب، لذلك قالوا: أن الذكر نوعين «ذكر القلب» و «ذكر اللسان» وكلّ واحد منها على نوعين: بعد النسيان أو بدونه.

وعلى أية حال ليس المقصود من الذكر ـ في الآية أعلاه ـ هو ذكره باللسان فقط فنقوم بتسبيحه وتهليله وتكبيره، بل المقصود هو التوجّه القلبي له وادراك علمه وبأنّه الحاضر والناظر، وهذا التوجّه هو مبدا الحركة والعمل والجهاد والسعي نحو الخير، وهو سدّ منيع عن الذنوب، فهذا هو الذكر الذي له كلّ هذه الآثار والبركات كما أشارت إليه عدّة من الرّوايات.

فمن وصايا النّبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم للإمام علي عليه‌ السلام يقول له: «يا علي، ثلاث لا تطيقها هذه الأمة: المواساة للأخ في ماله، وإنصاف الناس من نفسه، وذكر الله على كلّ حال، وليس هو سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر، ولكن إذا ورد على ما يحرم عليه خاف الله عز وجل عنده وتركه».

وقال الإمام علي عليه السلام: «الذكر ذكران: ذكر الله عز وجل عند المصيبة، وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرّم الله عليك فيكون حاجزا».

ولهذا السبب اعتبرت بعض الرّوايات الذكر وقاية ووسيلة دفاعية، كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «إن النّبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم خاطب أصحابه يوما فقال لهم: اتّخذوا جننا، فقالوا يا رسول الله امن عدو وقد أظلنا؟ قال: لا، ولكن من النار، قولوا: سبحان الله والحمد لله ولا اله الّا الله والله اكبر».

وإذا ما رأينا أن بعض الرّوايات تتحدّث عن «ذكر الله» انّه رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم فذلك لأنه صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم يذكّر الناس بالله تعالى، وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الآية (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) قال: «بمحمّد تطمئن القلوب وهو ذكر الله وحجابه».

*من كتاب: تفسير الأمثل ج 7 – آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي