داخل العقل الملحد: فضح ديانة اولئك اللذين لا يقولون بوجود أله لـ ’انطوني ديستيفانو’

إن نظرة خاطفة لتاريخ الالحاد، تثبت لنا وبشكل قاطع ضآلة الحيز الذي شغله الالحاد في الحياة الانسانية على الصعيد الفكري والنفسي، وأعني بالنفسي التقبلَ الطاغي عند أفراد النوع الانساني لفكرة الخالق والغيب، استجابة للفطرة وطبيعة النفس الانسانية  على امتداد التاريخ البشري منذ العهود الاولى لوجود الانسان على هذه الارض والى يومنا هذا، وأما على الصعيد الفكري فلعل ماقاله ديمقريطس في معرض فلسفته هو المنشأ الاول لفكرة الالحاد، حيث جعل الوجود مقتصرًا على المادة المتكونة من ذرات غاية في الصغر حتى أنها لا تدرك بالحواس ولاتقسّم الى أصغر منها، تتحرك في الفضاء وتتقابل على أنحاء لاتحصى، فتأتلف في مجاميع هي الأجسام المنظورة الملموسة وتفترق بفعل الحركة ايضا فتنحل تلك الأجسام ليتكون غيرها، وهكذا. واختلاف الأجسام في خصائصها يرجع الى اختلاف تلك الجواهر أو الذرات المؤلفة لها عددًا وشكلًا ومقدارًا وترتيبًا بعضها من بعض..

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

      وواضح أن مقال ديمقرطيس، والذي يعدّ الحجر الاساس لفكرة الالحاد، لايعدو عن كونه رؤية فلسفية للكون تفتقر الى البرهنة.

       ثم تلا ذلك المنشأ، طوران مهمان في العصور الوسطى. الاول في الامبراطورية الاسلامية العباسية، وفيه لم يكن الاتجاه الالحادي ـ في الاغلب ـ على مساس بالذات المقدسة ووجودها بل عنيّ بنقد النبوة والرسالات السماوية، وقد جاء ذلك انعكاسًا لما أدت اليه السياسة العباسية الجائرة في تمثيلها النبوة والشريعة الاسلامية السمحاء، من تشويه بالغ لهما. أو كما يعبر عن ذلك الاتجاه، بأنه غلبّ العقل على النقل. وأما بالنسبة لإنكار الله سبحانه، فلم يعتمد أي أساس منطقي رصين لمزعمه.. يقول ابن المقفع للإمام الصادق ع في حوار دار بينهما (أحدث في الموضع، ثم ألبث عنه، فيصير دوابا، فكنت أنا الذي خلقتها). والثاني في اوربا، وقد كان السائد فيه المساس بالذات المقدسة، غير أن من الضروري الاشارة الى ملاحظتين هامتين تبينان لنا شكل ذلك المساس:

أ ـ لقد جاء ذلك الاتجاه الالحادي ـ هو الاخر ـ انعكاسًا للواقع السياسي المنحرف آنذاك، والمتمثل بالهيمنة الكنسية التي شوهت معالم الذات الالهية الحقة، وملأت موضوعها بالتناقضات المنطقية والخرافة.

ب ـ لم يتضمن، إنكارًا مباشرًا لوجود الخالق، بل حوارًا منطقيًا لما افرزه الطرح الكنسي من تناقضات وثغرات لايستسيغها العقل.

وبالنسبة للنهضة الاوربية فإن في الملاحظة الثانية بيانًا واضحًا لحقيقة ما كان فيها من موقف إزاء الدين. حيث لم تكن مناوئته تتجاوز المحاكمة العقلانية لما تطرحه الكنيسة المسيحية، انطلاقًا من الاساس الذي راهنت عليه النهضة - العقل. وأما الالحاد فقد كانت علاقته بالتنوير والنهضة، علاقة طارئة حيث لم ينبثق من صميم إرهاصاتها الفكرية ونجاحاتها العلمية والتقنية، فلم تكن تلك النجاحات تعني دحضًا لفكرة الخالق. فاكتشاف العلم للجاذبية وكيف أنها ـ الجاذبية ـ هي من يسيّر الكون لم تؤد ـ منطقيًا ـ الى خطل المقولة (في أن الخالق هو من أوجد الجاذبية، تمامًا كما يوجد الصانع آليات الجهاز الذي يصنعه). وماذا بعد أن يقرّ دارون نفسه في أن نظريته التطورية لاتتقاطع مع وجود إله لهذا الكون، وأنه لاينكر وجوده.

رغم هذا فقد تمكن متبنو الالحاد ـ آنذاك ـ من تسخير المنجز العلمي والتقني في خلق جبهة فكرية قبالة الايمان. لتنتج عن ذلك حرب ضروس، اتخذت في سجالها طابعين..

الاول.. علمي منطقي نابع من العقل. والاخر أشبه بالحملة الاعلامية القائمة على اساس من الخلفية النفسية للمتحدث.. فقد أفرز هذا الطابع مفردات رُوّجَت لها الالحادية متهمة بها أرباب الايمان، مثل التعصب الاعمى والجهل وعدم العلمية والتطرف والعنف والارهاب..  لتجتهد ـ بعد هذا ـ في التعتيم على ما في جبهتها من اختراق بيّن لهذه المفردات.

كتاب "داخل العقل الملحد" للمؤلف الامريكي انطوني ديستيفانو هو شهادة رصينة تكشف عما هو كائن عند الكثير من الملحدين من تلك المفردات. تقدمه وحدة الترجمة ‏التابعة لشعبة البحوث والدراسات\قسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة. عملًا بقوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم...)

والله من وراء القصد...

 

الفصل الأول

عجرفة الملحدين

     أنا متأكد من أنك قد رأيتهم من قبل - الأطفال المتعجرفون المدللون. الأطفال الذين لا يحترمون والديهم ومعلميهم وكبارههم وأقرانهم. الذين - لسبب ما - يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء، في حين انهم في الواقع لا يعرفون شيئًا، إنهم متعجرفون وبغيضون ولؤماء وأنانيون ويميلون إلى الصراخ. إنهم الأطفال الذين يتفاخرون دائمًا بأن لديهم أفضل الملابس، وأفضل الأحذية، وأفضل الألعاب، وأفضل المنازل وأنهم الأفضل في كل شيء بين أصدقائهم. هم لا يتعلمون التواضع أبدًا كما يبدو. فهم يطالبون دائما بأن يكونوا أولا، ودائمو البحث عن الاهتمام، ودائمو الصراخ ليتم اعتبارهم الأفضل. وإذا صادف أن لم يتم منحهم الفضل الذي يعتقدون أنهم يستحقونه، فويل للجاني المذنب الذي يقع ذلك التقصير على عاتقه، سوف يتعرض لنوبة غضبهم المزعجة.

     إن نوع الأطفال الذين أتحدث عنهم هم المتعجرفون الذين لا يتقبلون النصح والتسديد من الآخرين، سيما إذا كان ذلك النصح يقدح بحالة التفوق المزعومة من قبلهم. بل إنه غالبًا ما تكون ردة فعلهم هي الغضب والفظاظة. والأسوأ من ذلك، أن هؤلاء الأطفال لا يعرفون أبدًا متى يحتفظون بآرائهم لأنفسهم. وقد وصفهم أحد ذات مرة بقوله Sثلثا ما يفكرون به حول موضوع ما مستعار من آبائهم أو أشقائهم الأكبر سنًا، والثلث المتبقي يعتمد على ما إذا كانت لديهم رغبة فورية في شيء ماR([1]).

     إن أطفالا مثل هؤلاء لا يملكون ما يدعم ايمانهم في الأشياء التي يفعلونها. وينبع موقفهم من شكل من أشكال عدم النضج أو عدم الاستقرار النفسي. ولكن وان حدث وكانت عجرفتهم قد تأسست في ظروف حقيقية - على سبيل المثال، إذا كان الطفل من عائلة ثرية أو كان "موهوبًا" بطريقة ما – فإنها غالبًا ما تكون من أسوأ الأنواع. سيصبح هؤلاء الأطفال المتنمرون سيئي السمعة و "الحاقدين" الذين نراهم اليوم إذا ما تُركوا دون رقابة أو تصحيح.

ولكن سواء أكان تعجرف الطفل ناتجًا عن الثروة أو التربية أو عدم النضج أو انعدام الاستقرار النفسي، أو ببساطة عن تصرف طبيعي، فإن المحصلة هي نفسها دائماً: الوقاحة والسلوك السيئ. وتكون النتيجة النهائية دائمًا طفلًا ذي ظن خاطئ هو أن الجميع تحته، ويقنع نفسه بأنه ـ بطريقة أو بأخرى ـ أذكى وأفضل من أي شخص آخر، في حين أنه في الواقع أسوأ منهم بكثير.

      إن معظم من يقرأ هذه الكلمات يكون قد واجه أطفالًا من هذا النوع في وقت ما. إن كنتم قد قابلتموهم من قبل فأرجو ان تثبتوا هذه الصورة في اذهانكم لبضع دقائق فقط، لأنها ستكون ذات قيمة كبيرة، ليس في فهم موضوع هذا الفصل فحسب بل في موضوع هذا الكتاب بأكمله، لأن هذه الصورة النموذجية للطفل المتعجرف المتعالي والمتنمر التي وصفتها للتو هي في الواقع الصورة الدقيقة للملحد التقليدي المعاصر.

     وهذا ما يؤكده الواقع المعاش، بما يشهده من تماثل بين صورة الأطفال المدللين سيئي التصرف، وصورة الملحدين الجدد الذين ينشرون الغطرسة السامة في جميع أنحاء المجتمع. انت تعلم من هم. إنهم الأشخاص الذين يستاؤون من أدنى قدر من الصور الدينية في الأماكن العامة، والذين يشعرون بالإهانة من سماعهم كلمة "عيد مبارك" من شفاه موظف حسن النية خلال ايام الأعياد، والذين يعترضون بشدة على عبارة "بالله نثق" على الأوراق النقدية أو على جدران المباني الحكومية. هؤلاء هم الأثرياء الذين يتسببون بعاصفة من الاحتجاج كلما تم الحديث عن شيء ديني صريح وبأي طريقة عدا الهمس أو خلف الأبواب المغلقة. هؤلاء الناس صاخبون، وسيئون، وعدائيون، وغير مستعدين للإعتذار، ولسوء الحظ، هم في كل مكان.

     في الصفحات التالية، لن أركز على إثبات وجود الله أو إظهار مدى منطقية أن تكون مؤمنًا به لأن الكثير من الكتب الدينية تناولت هذه المواضيع بإسهابٍ كبير. بدلًا من ذلك، سيكون هدفي الرئيس هنا هو فضح النفاق الصارخ وعدم الأمانة والإفلاس الفكري للملحدين أنفسهم. لأنه عندما تنظر حقًا إلى ما يقوله الملحدون الجدد، فإنك لا تجد حجة منطقية مبنية بعناية ضد الموقف الإيماني؛ بل إنك لا تجد أية حجة على الإطلاق. ما تجده هو الكثير من الكلام السخيف. الكثير من الضجيج، ومن الدوغمائية المتكبرة والفارغة التي لا أساس لها من الصحة، وقبل كل شيء ستجد العجرفة.

     لطالما كانت العجرفة هي السمة المميزة للملحدين. إنها لم تبدأ مع ريتشارد دوكينز أو بيل ماهر. فقد بدأت في القرن التاسع عشر عندما أعلن فريدريك نيتشه - قديس الإلحاد وشفيعه، والذي كان الفيلسوف المفضل لأدولف هتلر  Sأن الله "مات" و "في قبره"R([2]).  وقد حدد هذا التصريح المنافي للعقل ايقاع العجرفة الإلحادية على مدى المائة عام القادمة.

     لقد رفع الملحدون المتطرفون في القرن الحادي والعشرين هذا النوع من الغرور الرنان إلى شكل فني. وكمثال:

    كتب سام هاريس بشكل متغطرس، Sلقد حان الوقت أن نعترف بأن الإيمان ليس أكثر من رخصة يمنحها المتدينون لبعضهم البعض ليستمروا في الاعتقاد عندما تفشل المبرراتR، وأن Sالإلحاد ليس فلسفة، وليس حتى وجهة نظر للعالم، بل هو ببساطة اعتراف بما هو واضحR([3]).

     ويقول ريتشارد دوكينز باستعلاء: Sالإيمان هو العذر العظيم للتهرب من الحاجة إلى التفكير وتقييم الأدلة. الإيمان هو العقيدة بالرغم من - وربما بسبب - عدم وجود دليلR([4]).

ويقول بيل ماهر: Sالإيمان يعني صنع الفضيلة من عدم التفكير. . . وأولئك الذين يبشّرون بالإيمان ويمكّنون له ويرفعون من شأنه هم المفكّرون النخّاسون الذين يجعلون البشر عبيداً للوهم واللغو الذي أنتج وبرّر الكثير من الجنونR([5]).

      اما كريستوفر هيتشنز فيقدم لنا موعظته بتعال قائلًا أن Sالدين يأتي من فترة ما قبل التاريخ البشري حيث لا أحد. . . كان لديه أدنى فكرة عما كان يحدث. إنه يأتي من طفولة جنسنا البشري الصاخبة والخائفة، وهو محاولة طفولية لتلبية طلبنا الذي لا مناص منه للمعرفة (بالإضافة إلى الراحة والطمأنينة والاحتياجات الطفولية الأخرى)R([6]).

     هذه ليست حجج. إنها تهكمات وضيعة كنا نسمعها من الأطفال المتنمرين في ساحة المدرسة. وهي تُظهر تمامًا الإحساس الراسخ بالتفوق الذي يتصور الملحدون في العصر الحديث أنهم يمتلكونه.

إن الملحدين، من خلال السخرية من المؤمنين بسبب "عدم قبولهم للأمر الواضح" و "الإنسحاب" و "التهرب من الأدلة" وكونهم "طفوليين"، يبدون بشكل واضح إنهم يمتلكون نفس السمات المميزة للأطفال المتعجرفين الذين وصفتهم للتو.

       ويمكن تلخيص ‏آراء الملحد النموذجي اليوم بالطريقة التالية:

       الإيمان بالله ليس مجرد خطأ أو ضلال. إنه بمثابة جنون. إنه مماثل للإيمان بسانتا كلوز أو أرنب عيد الفصح. نظرًا لعدم وجود دليل تجريبي أو علمي على الإطلاق على وجود الله، فلا يمكن أن يكون هناك أساس منطقي للإيمان به. نظرًا لأنه لا يمكن رؤية الله أو الشعور به أو سماعه بالحواس، وبما أنه لا يوجد أي سجل جيولوجي أو أحفوري له، ولأنه لا يمكن إثباته رياضياتياً، فهو ببساطة غير موجود. نقطة نهاية سطر.

       ويؤكدون بتعجرف أن السبب الذي جعل الكثير من الناس يؤمنون بالله عبر التاريخ هو أن هؤلاء القدامى الفقراء كانوا يجهلون الحقائق العلمية، ولو كانوا يعرفون ما نعرفه، فلن يؤمنوا أبدًا بالله.

      أما بالنسبة للأشخاص الذين لا يزالون يؤمنون اليوم على الرغم من معجزات الإنجاز العلمي، فمن الواضح أنهم تعرضوا لغسيل دماغ من خلال تربيتهم الدينية، أو لديهم نوع من الحاجة النفسية للإيمان بكائن خارق للطبيعة والحياة الآخرة. ويعتقدون أن هذا الاعتماد يأتي من ثلاثة مصادر أساسية: الخوف من الموت، وعدم الرغبة في قبول الخسارة الدائمة للأحباء، وعدم القدرة على التعامل مع الحياة نفسها.

      وبعبارة أخرى، يعتقد الملحدون المعاصرون أن أولئك الذين يؤمنون بالله ينقسمون إلى فئتين عامتين: إما أنهم بلهاء أو جبناء!

      هذه ليست مبالغة. هذا حقًا ما يؤمن به الملحدون الجدد. اقرأ كتاب "الإله ليس عظيماً" لهيتشنز، أو كتاب "وهم الإله" لدوكينز، أو كتاب "نهاية الإيمان" لهاريس. عناوين هذه الكتب قد تخون آراء مؤلفيها. لا يقدم أي من هذه الأعمال حجة منطقية مقنعة ضد الإيمان بالله. كلها عبارات هجاء ومساجلات ضد فكرة الإيمان.

      خلاصة القول هي أن الملحدين اليوم لا يعترفون بأي صلة بين الإيمان والعقل. وفقًا لهم أن يكون المرء مؤمناً يعني بحكم الواقع أنه يجب أن يكون لديه ذكاء أقل من المتوسط. وهذا يعني أن هذا المرء ليس لديه القدرة على التفكير بعقلانية ويفتقر إلى القوة العقلية والعاطفية اللازمة لمواجهة مشاكل الحياة دون مساعدة من خلال اللجوء إلى الصلاة والدعاء وغيرها من الممارسات "الخرافية". في الغالب يعني أنه على المرء أن يخلو من أي فهم حقيقي للعلم.

      الشيء الأكثر إثارة للضحك في رأيهم هذا هو ليس أنه غير عادل أو غير صحيح - وهو بالطبع كذلك - ولكنه مثير للسخرية بشكل غير عادي. في الواقع، إنه من أكثر الحجج اثارة للضحك.

      إن نظرة خاطفة على التاريخ تظهر أن النظام الكامل للتفكير العقلاني على هذا الكوكب - بالإضافة إلى كل معرفتنا العلمية تقريبًا - لا يأتي من الملحدين، بل من عقول الرجال والنساء الذين آمنوا إيمانًا عميقًا بالله.

      لنضع الفلسفة والمنطق والرياضيات جانبًا للحظة، ونأخذ مجال العلوم كمثال نجري عليه مسحًا مختصرًا لأهم الشخصيات التاريخية.

      أرسطو، الذي يعرّف حتى اليوم كأعظم مفكر انجبته البشرية، والذي نظم التفكير البشري وصنفه إلى فئات مثل علم الأحياء، والفيزياء، وعلم الحيوان ونظرية المعرفة.. كان مؤمناً وكان يؤمن بالتدبير الإلهي، رغم أنه لم يعرف شيئًا عن أنبياء الأديان الرئيسية في العالم.

لقد رفض أرسطو فكرة الكون المادي تمامًا وافترض بدلاً منها، وجود "السبب الأول" أي سبب أول غير مُسبَّب للكون([7]). وهذه المقولة هي الطريقة الأخرى التي آمن بها أرسطو بفكرة "وجود اله"..

      ماذا عن فرانسيس بيكون؟

      مبتكر المنهج العلمي ورائد المذهب التجريبي القائل بأن Sكل المعرفة البشرية مستمدة من التجربة الحسيةR، ويُنسب اليه الفضل في إنشاء الطريقة الاستقرائية للعلم التجريبي([8]).. رغم هذا، ورغم ما يبديه الملحدون من اعتزاز بالغ بالمنحى التجريبي.. إلا إن بيكون كان رجلًا متدينًا. وقد كانت كلماته المكتوبة الأخيرة على شكل دعاء: Sربي نجني برحمتك وتقبلني بعطفكR([9]).

لنختر عالمًا مشهورًا آخر من التاريخ، بشكل عشوائي، وليكن المخترع وعالم الرياضيات وعالم النبات وعالم الفلك والمهندس ليوناردو دافنشي.

يعدّ دافنشي، بالإضافة الى نبوغه في هذه العلوم، واضع جملة من علوم أخرى كعلم التشريح الطبي وعلم الحفريات والجيولوجيا وعلم الآثار الحيوية وتصميم الطائرات ومجموعة من التخصصات العلمية الأخرى. فكان جديرا بأن يوصف بالرجل النموذجي العالمي أو رجل "النهضة". إننا إزاء هذا الرجل نراهن أنه كان مؤمنًا – بعد أن رسم بعضًا من أرقى اللوحات الدينية على مر التاريخ([10]).

     جابر بن حيان هو عالم في الفلسفة، والطبيعة، والأدب، والفلك، والكيمياء، وهو مؤسس علم الكيمياء التجريبي، حيث تمكن من استنتاج مجموعة من المعلومات حول الكيمياء، عن طريق التجارب والقراءة التي ساعدته على الوصول إلى العديد من الاكتشافات في مجال الكيمياء، وكان يقول: Sإن دراسة العلوم الطبيعية أساسها التجربة، وأول واجب أن تعمل وتجري التجارب لأن من لا يعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان فبالتجربة كمال العلمR .. كان مؤمناً بالله ايضًا.

عبقري الفيزياء الحديثة إسحاق نيوتن.. مكتشف مبدأ الجاذبية وأبرز علماء الثورة العلمية في القرن السابع عشر([11])..

دانيال برنولي، من أعظم عباقرة الفيزياء والذي تشكل أعماله أساس تشغيل السيارات الحديثة وجناح الطائرة.

 فيلهلم رونتجن، مكتشف الأشعة السينية والحائز على جائزة نوبل الأولى في الفيزياء؛ وماكس بلانك وماكس بورن، مؤسسا نظرية الكم وميكانيكا الكم([12]).

وفي علم الفلك، كانت جميع الشخصيات البارزة مثل كوبرنيكوس وجاليليو وكبلر([13]). وجميع الشخصيات البارزة في مجال علم النبات - برونفيلس وتورنر وبويرهاف - تؤمن بالله...

والد الكيمياء الحديثة.. الرجل الذي طوّر الجدول الدوري الأول للعناصر وافترض قانون حفظ الكتلة - أنطوان لافوازييه.

مؤسس الكهرومغناطيسية - فولتا، الذي اخترع البطارية والذي سميت وحدة "الفولت" على اسمه؛ وكذلك اندريه ماري أمبير، الذي سميت وحدة قياس شدة التيار "أمبير" باسمه.

مايكل فاراداي، الذي ساعد في تأسيس النظرية الكهرومغناطيسية والتحليل الكهربائي في مجال الكيمياء.

      جميع أولئك الافذاذ كانوا مؤمنين بالله.

      وكان لويس باستور، الكيميائي الفرنسي الشهير وأحد المؤسسين الرئيسيين لعلم الجراثيم، المعروف باكتشافاته لمبادئ التطعيم والتخمير الميكروبي والبسترة، والذي قدمت انجازاته العلمية الدعم المباشر لنظرية جرثومية المرض، أحد الدعاة الاشداء للايمان بالله ونبذ الالحاد([14]).

      في الطب، ألبريشت فون هالر، والد علم وظائف الأعضاء الحديث، وويليام هارفي، والد دراسة التشريح الحديثة كانا يؤمنان بالله([15]). وكذلك كان ويليام كين، رائد جراحة المخ، وجوزيف موراي الحائز على جائزة نوبل ورائد جراحة الزرع.

       في الواقع، كان المؤمنون هم من رواد عصر العلم الحديث بأكمله.

       العالم الألماني ويرنر فون براون الرائد في تكنولوجيا الصواريخ، وإرنست والتون أول شخص في التاريخ يقوم بتقسيم الذرة بشكل مصطنع، ووالد التكنولوجيا اللاسلكية - بما في ذلك الهواتف المحمولة وأجهزة الراديو ونظام الاتصالات العالمي بالكامل - غولييلمو ماركوني. وعالم الرياضيات وفيلسوف التحليل تشارلز باباج الذي يُعرف اليوم بأنه أول عالم كمبيوتر والرجل الذي ابتكر فكرة الكمبيوتر القابل للبرمجة.

كل هؤلاء الرجال آمنوا بالله([16]).

وبينما نحن في موضوع رواد العلم 

       من برأيك صاغ مصطلح العلماء في المقام الأول؟

       الجواب: هو ويليام ويويل، الذي كان رجل دين، وهو اول من صاغ كلمات "الفيزيائي" و "الكاثود" و "الأنود" والعديد من المصطلحات العلمية الأخرى الشائعة الاستخدام. في الأساس، تأتي اللغة نفسها التي يستخدمها العلماء اليوم من عقل رجل مؤمن([17]).

        إن القائمة تطول وتطول وتطول حتى عشرات الحائزين على جائزة نوبل ورؤساء الأكاديميات والمؤسسات العلمية. إنها قائمة تمتد لتشمل العالم والتاريخ. إنها قائمة مذهلة حقًا.

      وماذا يفعل الملحدون حيال تلك القائمة؟

لا شيء! إنهم يتجاهلونها ويرفضونها، لأنهم يتجاهلون ويرفضون الكثير من التحديات الأخرى لتفكيرهم. أو يبذلون قصارى جهدهم الضعيف لدحضها. سيقولون، مثلاً، إن هؤلاء العلماء الذين يخشون الله لم يعرفوا عن نظرية التطور أو علم الوراثة أو نظرية الانفجار العظيم. لذلك استنتجوا أن القائمة ليست مثيرة للإعجاب كما قد تبدو.

لكن حتى هذا الاعتراض ينم عن جهل، بتاريخ العلم، قد يصل الى الجنون.

       عندما كتب تشارلز داروين أصل الأنواع في عام 1859 - الكتاب الذي قدم نظرية التطور الى العالم - كان بالتأكيد مؤمنًا بالله. صحيح أنه مع تقدمه في السن، كان مشهد المعاناة الإنسانية - كما يقول - يثقل كاهل قلبه وجعله يشك في وجود خالق يهتم بمخلوقاته، لكن داروين كان يعاني دائمًا من قلة إيمانه. كان في بعض الأحيان مسيحيًا وأحيانًا لا أدريًا. لكنه لم يعتقد أبدًا أن نظريته العلمية تتعارض مع فكرة الله. بدلًا من ذلك، كان يعتقد ان الله بالرغم من أنه لم يخلق الأنواع المختلفة على الكوكب بشكل مباشر، لكنه أنشأ بالفعل القوانين الطبيعية التي تحكم الكون - بما في ذلك قوانين التطور. لذلك لم يكن تشارلز داروين، أبو نظرية التطور، ملحدًا([18]).

وماذا عن علم الجينات - الوسائل التي من المفترض أن يحدث التطور من خلالها؟ وفقًا لأنصار النظرية التطورية، لا يمكن للحياة على هذا الكوكب أن تخضع للتطور التدريجي إلا من خلال الطفرة الجينية وعملية الانتقاء الطبيعي. من كان إذن والد هذا المجال البحثي؟

       الجواب هو جريجور مندل – رجل دين!

       لقد كان هذا الراهب وعالم النبات وأستاذ الفلسفة هو الرجل الذي أدت تجاربه الشهيرة على البازلاء إلى صياغة قواعد الوراثة وإلى اقتراح وجود "جينات" غير مرئية - والتي هي بمثابة أساس علم الوراثة الحديث.

حسنًا، ماذا عن نظرية الانفجار العظيم وهي التفسير الأبرز لكيفية بدء الكون؟ بالتأكيد يجب أن يكون للملحد يداً فيها.

لا - خطأ مرة أخرى!

       لقد كان الرجل الذي اقترح نظرية توسع الكون وكذلك نظرية الانفجار العظيم لأصل الكون - التي غيرت بشكل فعّال مجرى علم الكونيات الحديث - الأب جورج لومتر، عالم الفلك ورجل الدين البلجيكي!

       نعم أنت سمعت ذلك بشكل صحيح. جاء رجل دين بنظرية الانفجار العظيم! إذا كنت لا تصدق ذلك، ابحث عنه.

       ألقى رجل الدين، الذي كان يُدرس الفيزياء في جامعة لوفين الدينية، محاضرة شهيرة عن نظرياته عام 1933 حضرها ألبرت أينشتاين في كاليفورنيا. عندما سمع أينشتاين رجل الدين هذا الذي يدعى لومتر يشرح نظريته، قال: Sهذا هو أجمل وافضل تفسير للخليقة استمعت إليه على الإطلاقR([19]).

الآن كيف يكون هذا ممكنًا؟ كيف يمكن ان يكون والد علم الوراثة ووالد نظرية الانفجار العظيم رجلا دين؟ ألم يعرف هذان الرجلان بما يبدو أن جميع الملحدين المعاصرين يعتبرونه أمرًا مفروغًا منه - إن النظريات التي اعتنقاها تتعارض مع فكرة الله وتبطل إمكانية وجوده؟ ألم يعلما أن إيمانهما بالله قد اصبح بلا معنى؟ هل كانا حقا بهذا العمى؟

       أو ربما هناك تفسير آخر!

       هل يمكن أن يكون هؤلاء الرجال العظماء في العلم ليسوا عميانًا على الإطلاق، بل بالأحرى أن الملحدين المعاصرين يفشلون في فهم أبسط مبدأ للفكر العقلاني - أي أن شرح "كيفية" نشوء الكون لا يفسر بأي حال من الأحوال "سبب" ظهوره. اي إنه لا يفسر السر الأساسي للوجود نفسه.

       هذا السر لا يمكن أبداً تفسيره عن طريق العلم المادي. حتى لو افترضنا ان نظرية التطور صحيحة، وتطورت الحياة على هذا الكوكب تدريجيًا على مدى ملايين السنين، فلن تنفي بأي حال وجود الله. لماذا؟ لأنه، كما قال أحدهم ذات مرة، إن المعجزة البطيئة تبقى معجزة حالها حال المعجزة السريعة([20]).

       لهذا السبب كتب جويل بريماك، عالم الفيزياء الفلكية الأمريكي الذي طور "نظرية المادة المظلمة الباردة" (التي تسعى لشرح تكوين وبنية الكون)، Sمنذ سنوات ليست ببعيدة اجتمع علماء الفلك في محاولة لمعرفة قصة متماسكة عن كيف بدأ الكون، ومع وجود نظريات قوية تستطيع تفسير ذلك اليوم فإن ذلك لا ينفي وجود الإله، بل بالعكس يعظم ويوسع فكرة الله بداخلناR([21]).

      كما ترى، يبدو أن ما لا يفهمه الملحدون (أو ربما لا يريدون قبوله) هو أنه بغض النظر عن مدى روعة دراسة العلوم والتوسع بها، الا انها محدودة للغاية. لن يتمكن العلم أبدًا من الإجابة على السؤال: "من أين أتى كل شيء؟" أو "لماذا يوجد شيء بدلاً من لا شيء؟" أو، "كيف يمكن للمادة أن تكون أبدية؟" أو "لماذا الكون منظم هكذا؟" أو، "كيف نشأت الحياة من اللا حياة؟"

       إن الأجوبة على هذه الأسئلة تقع خارج نطاق العلم. لهذا السبب لم يكن أعظم العلماء في التاريخ أبداً ملحدين. حتى ألبرت أينشتاين، الذي لم يعتنق اي ديانة، أبدى نفورًا عندما اعتقد الناس ـ خطأ ـ أنه قد لا يؤمن بالله:

      حيث صرح مؤكداً Sأنا لست ملحداًR([22]). واضاف Sنحن نرى الكون مرتبًا بطريقة رائعة مطيعًا لقوانين معينة ومحددة ولكننا فقط وبشكل خافت نكاد نفهم هذه القوانين، رغم ذلك ترى أشخاصًا يقولون بعدم وجود اله. لكن ما يغضبني حقًا هو أنهم يقتبسون مني لتأييد مثل هذه الآراءR([23]).

       كان أينشتاين يعلم أن هناك شيئًا في الكون يفوق فهمه هو أو فهم أي شخص آخر. في الواقع، قال ذات مرة: Sإن أروع شعور يمكن ان يملأ الأنسان هو الشعور بالروحانية والغموض – ان هناك سر وراء كل شيء. إنها عاطفة أساسية هي الأصل الحقيقي لكل الفن والعلم. الشخص الذي لا يألف هذه المشاعر، والذي لم يعد يستشعر جلال هذا السر، ويقف متسمراً من البهجة والرهبة، هو شخص في عداد الامواتR([24]).

       يريد الملحدون منا أن نرفض فكرة الروحانية. يريدون منا أن نصدق أن العالم يتكون من أشياء مادية ولا شيء آخر. يريدون منا أن نصدق أن كل شيء في الحياة - أفكارنا، أحلامنا، عواطفنا، حبنا، كرهنا، آمالنا، فضائلنا، خطايانا، أحزاننا، فنوننا، أعمق رغباتنا للحياة الأبدية - أن كل هذا هو مجرد نتيجة لتفاعلات كيميائية حيوية ولحركة الجسيمات دون الذرية!

     هذا ليس تفكيرًا منطقيًا. هذه خرافة!

     ومع ذلك، يستمر الملحدون في تكرار شعارهم الغبي: Sمن السخف الإيمان بإله من الواضح أنه غير موجود. من السخف أن تؤمن بشيء لا يمكنك رؤيته. كل المعتقدات الدينية تتعارض مع الأدلة العلمية والتجريبية. اخترع البشر مفهوم الله، فقط لأنهم يريدون الذهاب إلى الجنةR.

ضع في اعتبارك أننا لم نتناول سوى النزر اليسير من المسألة. لقد تحدثنا فقط عن العلماء في هذا الفصل. لم نذكر حتى أعظم المؤرخين والرسامين والنحاتين والمهندسين المعماريين والموسيقيين والروائيين والشعراء والجنرالات والملوك والمستكشفين والأطباء. ليس لدينا الوقت أو المكان لسرد الشخصيات البارزة في هذه المجالات. ولكن إذا فعلنا ذلك، فكن مطمئنًا أن الغالبية العظمى تؤمن بالله.

       مرة أخرى، لا أهدف هنا الى إثبات وجود الله من خلال تقديم قائمة بجميع المؤمنين اللامعين، ولا الى اثبات صحة دين معين، ولا حتى دحض موقف الملحدين. هدفي ببساطة هو إظهار الغطرسة المذهلة للملحدين في العصر الحديث. يسخر هؤلاء المتشددون المتكبرون من المؤمنين لكونهم "طفوليين" و "غير راغبين في مواجهة الحقائق"، ومع ذلك فهم لا يرفضون فقط أعظم شخصيات العلم ولكن أيضًا أعظم العقول في التاريخ - وكذلك الغالبية العظمى من الناس من جميع الأماكن وفي كل العصور.

       وهذا ما يعيدنا إلى مثال الأطفال المتعجرفين الذين بدأنا معهم. يمكنك اصطحاب الأطفال من هذا القبيل باليد وشرح افكارك لهم بصبر. ويمكنك أن تبين لهم مئات الأمثلة عن سبب كون سلوكهم فظًا ومتعاليًا. يمكنك محاولة كل شيء ممكن لتكون مهذبًا وتجادل معهم بشكل معقول. لكن لا شيء من ذلك سيجدي نفعًا، فالفطرة السليمة والاحتكام الى المنطق ليسا ذا فاعلية ازاء التكبر والفهم الخاطئ المترسخين بعمق.

 

الفصل الثاني

جهل الملحدين

      السمة الغالبة للملحد المعاصر بعد العجرفة هي الجهل - الجهل الهائل. يُظهر الملحدون جهلاً أكثر من أي جماعة في العالم، وهذا الجهل، في واقع الحال، يجب أن يُحسب على أنها سمتهم المميزة الرئيسية، وذلك لحجم المعلومات التي يبدو أنهم غافلون عنها. غير أن هذا الجهل سيتحول الى المرتبة الثانية، في سماتهم، إذا ما نظرنا الى الطبيعة النوعية لعجرفتهم - أي مستوى التعالي الذي يظهرونه تجاه المؤمنين.

       يُعرَّف الجهل بأنه "نقص في المعرفة أو المعلومات"، ويمكن أن يتخذ أشكالاً عديدة، لكن النوع الأسوأ – النوع الذي يمكن أن يتسبب بالكثير من المشاكل – هو ذلك النوع الذي يحمل معه قدراً ضئيلاً من المعرفة.

      إن معظمنا يعرف مقولة ألكسندر بوب المشهورة، Sالقليل من التعلم شيء خطيرR، وهذا ما أعنيه بالضبط.

      يمكن لمقدار صغير من المعلومات، المستقاة من الكتب أو البرامج التلفزيونية أو المقررات الجامعية، أن يضلل الناس ويجعلهم يعتقدون أنهم أكثر خبرة مما هم عليه في الواقع. يمكن أن يمنحهم الوهم بأنهم يمتلكون المعرفة حقًا وهم بعيدون كل البعد عنها. وهذا الوهم - تمامًا مثل السراب الناجم عن ارتفاع الهواء الساخن في الصحراء - يمكن أن يدفع الناس إلى التصرف بطرق مدمرة.

      على سبيل المثال، في أوائل القرن العشرين كان يُعرف القليل عن عنصر الراديوم الكيميائي. لم يتم اكتشاف مخاطر النشاط الإشعاعي بعد، لذلك بدأ عدد قليل من الأطباء الجهلة في استخدام هذه المواد المشعة كعلاج لمختلف الأمراض([25]). في الواقع، تم تصنيع جميع أنواع المنتجات - بما في ذلك الأدوية ومعاجين الأسنان وكريمات الوجه وحتى أجهزة الاستنشاق - باستخدام هذه المواد الخطرة([26]). كانت النتيجة عددًا كبيرًا من الوفيات الجديدة بالسرطان - كل ذلك لأن بعض "الخبراء" كانوا يمتلكون قدرًا محدودًا ‏للغاية من المعرفة.

      يمكن رؤية هذه الديناميكية نفسها عمليًا في كل مجال من مجالات الحياة. كم عدد الشباب الذين تلقوا بعض الدروس في فنون الدفاع عن النفس وخلصوا عن طريق الخطأ إلى أن لديهم مهارات قتالية كبيرة؟ ماذا يحدث لهؤلاء الهواة الجاهلين عندما يدخلون في مشاجرة مع شخص لديه بالفعل مهارات متقدمة في القتال غير المسلح - أو مع شخص لديه سلاح؟

      أو ماذا عن عالم الأعمال؟ كم عدد الأشخاص الذين قرأوا بعض الكتب عن ريادة الأعمال وعادوا معتقدين أنهم يتمتعون بدهاء جي بي مورجان التجاري - ليهدروا مدخراتهم على بعض الخطط الغبية التي كان سيتجاهلها أي رجل أعمال متمرس؟

      وماذا عن كل تلك النماذج البشرية من الذين يقومون بالقليل من البحوث الطبية على الانترنت وبعدها يعتبرون أنفسهم أطباء، ويشخصون أنفسهم والآخرين على أساس بعض الأعراض العشوائية، وبالتالي يتسببون بكمية هائلة من القلق لجميع المعنيين؟

      أو ماذا عن المدرسين الذين يعتقدون أن لديهم عقول جبارة لمجرد أنهم تمكنوا من اكتساب بعض الأحرف بعد أسمائهم؟ ما مقدار الدمار الذي أحدثه هؤلاء الطغاة المتحذلقون في الفصل؟ ما مقدار الضرر الذي لحق بالعقول الشابة سريعة التأثر؟

في كل هذه الحالات وأكثر، يؤدي قدر ضئيل من المعرفة إلى الغلو والتكبر، ومن ثم إلى اتخاذ قرارات خاطئة وأحكام كارثية. هذا هو السبب في أن هذا النوع من الجهل مُغَرِّر للغاية: لأنه يمكن أن يكون غبيًا وخطيرًا.

      وهنا مرة أخرى نصل إلى الصورة المثالية للملحد المعاصر، الذي يختلط جهله بالتاريخ مع المقدار المناسب من المعرفة ليصبح ضالاً مضلاً.

      الملحدون اليوم لديهم انطباع بأن الإيمان بالله دائمًا ما كان ضارًا بالحضارة. في الواقع، لقد أكدوا أنه، على مدار التاريخ الطويل، أن أولئك الذين اعتنقوا الدين مذنبون بأعظم الشرور التي يمكن تخيلها، وظلوا يرددونها إلى حد الغثيان بأن "الدين كان مسؤولاً عن حروب وقتل وسفك دماء أكثر من أي عامل آخر" - وبالتالي يجب اعتباره آفة على البشرية.

       خذ، على سبيل المثال، بعض العبارات النموذجية التي خرجت من قطاع السينما والأفلام. لا يبدو أن المشاهير - الذين لا يُعرف معظمهم بالتفكير العميق - يترددون أبدًا في التعبير عن آرائهم السلبية عن الدين. إلتون جون، على سبيل المثال، قال: Sمن وجهة نظري سأحظر الدين تمامًا.... الحقيقة هي لا يبدو أن الدين يجدي نفعاً. إنه يحول الناس إلى قوارض كريهة وهو ليس رحيمًا حقًاR([27]).

       وتتفق الممثلة غوينيث بالترو مع هذا الرأي فتقول: Sالدين هو سبب كل المشاكل في العالم. . .  وهو السبب في التفرقة بين الناس، فكل ديانة لا تمثل الا مجموعة معينة من الناس، وتتسبب بالحروبR.

       الكوميدي بيل موراي يعلن: Sالدين هو أسوأ عدو للبشرية. لم تقتل حرب واحدة في تاريخ البشرية مثلما قتل الدين من الناسR([28]).

       ويقول مقدم البرنامج الحواري بيل ماهر: Sيجب أن يموت الدين لكي تعيش البشرية. . . نحن أمة غير مستنيرة بسبب الدينR([29]).

يمكن تلخيص هذه الطريقة في التفكير بأكملها بتصريح لاري فلينت، ناشر مجلة هاستلر سيئة الصيت، الذي قال: Sلقد تسبب الدين في ضرر أكثر من أي فكرة أخرى منذ بداية الزمن. لا يوجد شيء جيد يمكنني أن أقوله عنهR([30]).

لا شيء جيد يمكن أن يقال عنه.

الدين هو أسوأ عدو للبشرية.

يجب حظره.

كلمات قوية جداً قد يعتقد المرء أنها ستكون مدعومة بأدلة دامغة، ولكنها ليست كذلك، اذ لا يوجد اي دليل عليها.

       لا يمكن لهؤلاء المشاهير الحمقى أن يتجاوزوا العبارات المبتذلة والكليشيهات. وأستطيع القول إنه لا أحد من هؤلاء لديه أدنى فكرة عن كيفية تكون حضارتنا أو ما هي القوى التاريخية التي ساهمت في تقدم المجتمع الحديث. معظمهم ببساطة يرددون أفكارا سمعوها أو قرأوها، والتي يصدف أنها تتفق مع مشاعرهم الخاصة او مع نوعية اخلاقهم "المنحلة". عندما يحاولون استخدام الحجج للتعبير عن معتقداتهم، فإنهم عادة ما يشيرون إلى نفس الكتب القديمة المعادية للدين والقيم والأخلاق، ككتاب "الإله ليس عظيماً" لهيتشنز، أو "وهم الإله" لدوكينز.

‏       بمثل هذا الفهم الضيق ومثل هذه النعوت البغيضة التي يصفون الله بها جل وعلا، لا عجب أن ينظر الملحدون المعاصرون إلى الدين من منظور أسود، ولا عجب أن فهمهم للتاريخ مشوه بالكامل.

       باختصار، يعتقد الملحدون أن الدين كان قد أضر بالبشرية لخمسة أسباب أساسية: أولاً، يدعون أن الإيمان بالله يسلب الناس قدرتهم على الانخراط في التفكير النقدي، فضلاً عن قدرتهم على تعلم حقائق جديدة قد تتعارض مع عقيدتهم الخرافية. ثانياً، يعتقدون أن الدين هو عدو للفن والجمال – أنه مسؤول عن الرقابة الواسعة النطاق على الكتب والموسيقى واللوحات والكلام. ثالثاً، يقولون إن الدين يعلم الناس أن يكونوا عاجزين ويعتمدون على كائن أسمى وهمي، بدلاً من أن يعتمدوا على أنفسهم، وبالتالي يدمرون حرية الإنسان ويستعبدون البشرية. رابعاً، يقولون إن الإيمان بالآخرة يمنع الناس من الاستفادة القصوى من هذه الحياة. خامساً، يعتقدون أن الدين يسعى إلى السلطة ويشجع على إراقة الدماء، وبالتالي فهو مسؤول عن عدد لا يحصى من الوفيات.

هذا ما يعتقده الملحدون. لكن هل ان أيا من هذه النقاط صحيح حقًا؟

لنبدأ بفكرة أن الدين يضر بالتفكير النقدي. كما ناقشنا في الفصل السابق، لم يؤمن العديد من عباقرة العلم بالله فحسب، بل كانوا أيضًا أُناس متدينين. لقد رأينا كيف اختار الملحدون تجاهل هذه الحقيقة لأنها تتعارض مع اعتقادهم بأن العلم والإيمان عدوان طبيعيان. لكن إذا حاول الملحدون للحظة أن يكونوا منصفين وسألوا أنفسهم سؤالًا بسيطًا عن سبب إنتاج الدين للعديد من العلماء العظماء، فربما يكونون قد أدركوا ان الجواب بسيط أيضًا: لأن نظام الإيمان بالله قائم على فكرة أن هناك إله عاقل هو مصدر الحقيقة العقلانية.

        يعلمنا الدين أن هناك هدفًا وتصميمًا للكون، فإذا كان لشيء ما تصميم، هذا يستتبع أنه يجب أن يظهر نوعًا من السلوك المنطقي والعقلاني. يجب أن يؤدي، بحكم التعريف، إلى ظهور قوانين ومبادئ معينة يمكن التنبؤ بها. هذا النظام من القوانين والمبادئ هو الأساس الكامل للبحث العلمي. لهذا السبب نشأت ممارسة العلم، كمشروع منظم ومستدام للجنس البشري. أحد المعتقدات الأساسية للمؤمنين هو أن الأمور تسير بشكل منطقي، وأكثر من ذلك، أنه من واجبنا كبشر معرفة كيف ولماذا تكون منطقية. هذا هو أساس كل التفكير العقلاني.

في الواقع، من المستحيل دراسة التاريخ دون رؤية الدور الاستثنائي الذي لعبه الأيمان ليس فقط في تطوير التفكير العقلاني ولكن أيضًا في انتشار مثل هذا التفكير - أي إنشاء نظام تعليمي. على الرغم من أهمية التعليم في العالم الوثني، إلا أنه لم يتم إضفاء الطابع المؤسسي عليه حتى جاءت الديانات السماوية وبدأت مسيرتها في جميع أنحاء العالم. لم يكن لدى الإغريق والرومان الأوائل مدارس عامة للتعليم العالي. وكان المؤمنون هم من أنشأ هذه المدارس. عندما اجتاح الهون والقوط والوندال والقوط الغربيون وغيرهم من القبائل "البربرية" ما تبقى من الإمبراطورية الرومانية، كان المؤمنون هم من أخذ القارة الأوروبية المحطمة وفرض عليها العلم والنظام والاستقرار. ‏وفي فترة ما يسمى بالعصور المظلمة، كان المؤمنون مرة أخرى هم الذين حفظوا المخطوطات من العصور القديمة، ونسخوها، ودرسوها بشق الأنفس من أجل نقلها إلى الأجيال القادمة([31]). لذلك، كان المؤمنون مسؤولون بالتالي عن عصر النهضة، أو "إعادة الميلاد" للثقافة اليونانية والرومانية.

       فإذا كان الدين معارضًا حقًا للتفكير النقدي، فلماذا كان المؤمنون حريصين على حماية كتابات أفلاطون وأرسطو والفلاسفة الوثنيين الآخرين والحفاظ عليها؟ لماذا لم يحرقوها في نار كبيرة، كما يزعم الملحدون أنهم مولعون جدًا بحرق الكتب التي "تتعارض" مع الإيمان؟

      مع كل هذا التركيز على التعلم، فهل من المفاجئ أنه في وقت لاحق، تأسست جميع الجامعات الـ 123 الأولى في أمريكا الاستعمارية  -باستثناء واحدة - كمؤسسات دينية بما في ذلك هارفارد، وبرينستون، وييل؟

      اما بالنسبة للنقد القائل بأن الدين عدو للفن والجمال؟ يقول جاك هوبرمان، في كتابه "الملحد المقتبس": Sلطالما سعت السلطة الدينية إلى ... السيطرة والرقابة على الفن والأدبR([32]). وبالمثل، كتب روب بوسطن في مجلة الكنيسة والولاية: Sالحقيقة هي أن الرقابة الدينية [للفنون] من قبل الحكومة لها تاريخ طويل في أوروبا والولايات المتحدةR([33]).

      وهنا يظهر جهل الملحدين التام بأبهى صوره، كيف يمكن لأي شخص أن يتجاهل التأثير الهائل الذي مارسه الإيمان الديني على جميع الأشكال الفنية – البصرية والسمعية والأدبية؟ كيف يمكن لأحد أن يقول إن الدين قد أضر بالعالم في حين أن أعظم اللوحات والهياكل والزخارف المعمارية والمقامات الموسيقية والروائع الأدبية في العالم كانت مستوحاة من المؤسسات الدينية ان لم تكن بطلب منها؟

       هل من الممكن أن الملحدين لم يسمعوا عن لوحات مايكل أنجلو أو ليوناردو دافنشي، أو أي من الأعمال الدينية لرامبرانت، وباخ، وموتسارت، وبيتهوفن، وشكسبير، ودوستويفسكي، وميلتون، وديكنز، والآلاف من الآخرين؟ هل من الممكن أنهم رأوا روائع العمارة الهندسية والزخرفة ‏المسيحية والإسلامية في الكاتدرائيات القوطية أو الباروكية والمساجد والمعابد والأديرة ولم يعترفوا بالمرتفعات الفنية التي يمكن للشخص أن يرتفع إليها عندما يستلهم الدين؟

      فكما تأسس البحث العلمي على فكرة ان الكون وما فيه مصمم من قبل خالق حكيم عليم، كذلك تأسس الفن الديني على فكرة جمال الله وخلقه الذي صوره بأحسن صورة. هذه هي الفلسفة التي تكمن وراء الكثير من أعظم الأعمال الفنية في العالم.

     ومع ذلك يستمر الملحدون في الادعاء بأن الدين كان وما يزال عدوا للفن والجمال!

كما يؤكدون أن الدين يقضي على الحرية. ولكن مرة أخرى، فإن نظرة غير متحيزة للتاريخ تظهر العكس تمامًا. إن المفهوم الكتابي القائل بأن كل الناس خلقهم الله وكرمهم هو أساس حقوق الإنسان العالمية - بما في ذلك الحرية. في الوثنية، كانت الحياة البشرية على هذا الكوكب تعتبر رخيصة. لم يكن قتل الأطفال شائعًا فحسب، بل كان موضع ترحيب. يتم بشكل روتيني التخلي عن الأطفال حديثي الولادة على سفح التل، أو يُتركون ليموتوا جوعاً أو يتجمدوا حتى الموت([34]). او يتم رميهم في النهر - خاصة إذا كانوا اناثاً([35]).

     لم يكن الكبار أفضل حالاً.. لقد سمع الجميع عن الساحات الرومانية مثل الكولوسيوم، حيث تعرضت عائلات بأكملها للضرب بالهراوات حتى الموت، أو لنهش الحيوانات البرية، أو للحرق ‏وهم على قيد الحياة فقط للرياضة والتسلية([36]). لم يبد أعظم الكتاب والفلاسفة القدماء واوقرهم اي شكل من اشكال الاعتراض على هذه الممارسات الهمجية. كان المؤمنون هم من حرّموها وحظروها في النهاية.

لماذا؟

لأن الاعتقاد الديني القائم على تساوي البشر، أي أن “جميع البشر خلقوا متساوين" ليس حقيقة واضحة بذاتها، كما ذكر توماس جيفرسون.

بالنسبة للثقافات الوثنية، كانت المساواة مفهومًا غريبًا تمامًا. عندما نظر الناس في العصور القديمة حول العالم، رأوا عدم المساواة في كل مكان - في المظهر الجسدي، والقدرة العقلية، والسلوك الأخلاقي، والممتلكات الاقتصادية والمادية، والسلطة السياسية. فكانت الفكرة القائلة بأن جميع البشر متساوين تبدو غير معقولة بالنسبة لهم.

لهذا فإن الديانات السماوية هي التي أدخلت المبدأ الراسخ "بأن جميع البشر متساوون" ربما ليس في الصفات الجسدية أو الممتلكات المادية، ولكن في الكرامة، وفي الشرف، والقيمة، والروح. والأهم من ذلك هو ما تقوله التعاليم السماوية من أن البشر متساوون لأن الله خلقهم ويحبهم بالتساوي وبدرجة لانهائية. لذلك، لكل حياة بشرية قيمة متساوية وغير محدودة.

النقطة التي يرفض الملحدون فهمها هي أن الديانات السماوية تبنت فلسفة ثورية للمساواة أدت إلى إطلاق عملية فكرية غيّرت كل شيء تدريجيًا.

لقد كانت هذه الديانات السماوية هي التي رفضت الزنا وقدست مؤسسة الزواج - الحب الموجه نحو تربية الأطفال، والذي هو أساس الأسرة التقليدية، وبغض النظر عن مدى استنكار العلمانيين لتلك المؤسسة اليوم، فلا يوجد حتى الآن قوة أخرى أكثر استقرارًا ونفعًا للحضارة منها.

لقد عملت هذه الديانات على رفع مكانة المرأة بشكل كبير، في الوقت الذي كانت فيه ثقافات العالم اجمعها تؤدي في النهاية الى حالة من اضطهادها. 

العالم القديم كان يعامل النساء مثل الحيوانات([37]) ... اقرأ المؤرخين اليونانيين والرومانيين (مثل ثيوسيديدس وبوليبيوس وليفي) للتحقق من صحة ذلك!

والنساء كن ملكًا للرجال، لا يكادون يرقون على العبيد. في عدم امتلاك الحقوق بشكل تام، وهذا ما كان يجعلهن عرضة لنفس الأهوال التي يتعرض لها الأطفال الرضع.

الديانات السماوية غيرت كل هذا الى حد كبير. حيث تمتعت النساء، في ظل تلك الديانات بمميزات هامة، فقد كانت لهن أدوار قيادية في نشر الدين. وكان يتم دعمهن مالياً عندما يموت أزواجهن. كما حصلن على فرص للتعليم إسوة بالرجال، وتم إيواؤهن وحمايتهن.

وهذا التغيير من الواقع السيء المستبد الى واقع أفضل، فيما يخص النساء، قد شمل العبيد أيضا.. 

الملحدون نفدوا من إباحة الديانات السماوية للرق والعبودية وامتلاك المؤمنين، في أدوار متعددة في التاريخ، للعبيد.. نفدوا من هذا الى الطعن في انسانية الدين السماوي، ومن ثم نعته بالبشاعة والتخلف. والحال أن هذا الطعن خالٍ من سمات الحقيقة، فالإنسان ـ حسب المنظور الديني ـ هو الكائن الذي اختاره الله وميّزه وجعله خليفته على الارض. مما أدى الى التزام الاديان السماوية ـ بشكل مطلق ـ بكل ما يحفظ للإنسان المكانة والكرامة، فألزمت ـ الاديان السماوية ـ اتباعها بعدم المساس بكرامة العبيد واضطهادهم، فضلا عن الحث الكبير على عتقهم ومنحهم الحرية. رغبة في الوصول الى النقطة التي يصبح فيها من الممكن التخلص من الرق نهائيًا.

بحلول العصور الوسطى، استبدلت مؤسسة العبودية – التي قامت عليها الحضارات اليونانية والرومانية والمصرية - بنظام القنانة إلى حد كبير، وهو نظام يضمن على الأقل حقوق الإنسان الأساسية لجميع العمال - مثل الحق في الزواج والتملك.

وعلى العموم فقد كان المتدينون ـ في وقت لاحق ـ هم من بدأوا أول حركة مناهضة للعبودية في التاريخ. ولم تكن الفئات المحايدة للدين كالديمقراطيين، او الجمهوريين أو السياسيين أو النقابات أو أي نوع آخر من الجماعات ذات الوعي الاجتماعي فضلًا عن الملحدين هم من فعلوا ذلك. لقد كانت المؤسسة الدينية هي التي انهت العبودية في أوروبا والعالم بسبب عمل الناشطين المؤمنين.

ونحن نرى هذا التأثير الإيجابي نفسه في كل مجال من مجالات الإصلاح الاجتماعي.

خذ الحرية الاقتصادية مثلا: لم يكن للعالم القديم – المبني على ظهر العبيد – أي مفهوم حقيقي لقيمة العمل. ومع ذلك، أحدثت الديانات السماوية - بتركيزها على المساواة والكرامة الإنسانية - ثورة في مكان العمل. فمفاهيم الملكية الخاصة وحقوق الملكية وحقوق العمال والنقابات، كلها نابعة من التعاليم السماوية الخاصة بالعمل وعلاقتها السليمة بالعدالة الاجتماعية.

خذ عالم السياسة: لقد رأينا كيف أن فكرة كون جميع البشر خلقوا متساوين لها أصولها في الكتب المقدسة. حسناً، فكرة الحكومة المحدودة بأكملها تأتي من التقاليد الكتابية أيضاً. إن فكرة وجود بعض الامور الأخلاقية المطلقة التي وهبها الله، ولا يمكن التهاون والجدال فيها - مثل الحق في الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة - التي لها الأسبقية على أي مرسوم ‏ملكي او جمهوري، مستمدة من الأديان السماوية. هل من المستغرب أن العديد من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، وما لا يقل عن خمسين من الموقعين الخمسة والخمسين على الدستور الأمريكي، كانوا مؤمنين ملتزمين؟([38])

وبالنسبة للحجة القائلة بأن الأديان السماوية مهتمة للغاية بدخول الناس إلى الجنة لدرجة أنها تتجاهل العناية بهم في هذه الحياة؟

ربما يكون هذا هو أكثر ادعاءات الملحدين سخافة. فقبل الأديان السماوية الرئيسية، لم يكن هناك أي اهتمام مؤسسي فعلي بمساعدة الفقراء أو المرضى أو المختلين عقليًا أو المعاقين أو المسنين أو المحتضرين؛ ولكن بسبب التعاليم الدينية حول كرامة الإنسان، توقفت هذه القسوة المجتمعية بشكل صارخ.

في عام 369 ميلادية، أسس القديس باسيل القيصري مستشفى بثلاثمائة سرير - أول مستشفى واسع النطاق للمرضى والمعاقين في العالم([39]). بدأت المستشفيات ودور العجزة والملاجئ الدينية في الظهور في جميع أنحاء القارة الأوروبية. كانت هذه أولى المؤسسات الخيرية التطوعية للحضارة، وقد قامت المؤسسة الدينية ببنائها ودفع تكاليفها.

وحتى يومنا هذا، يتغلغل التأثير الديني في نظام الرعاية الصحية. ما عليك سوى البحث على الإنترنت عن الجمعيات الخيرية الدينية لترى كمية الأسماء التي تظهر. ستجد عددا ضخما من البعثات إلى دول أجنبية، ومنظمات لمكافحة الجوع في العالم، ومؤسسات لمساعدة أولئك الذين يعانون من جميع أنواع الإعاقة. فكر في الصليب الأحمر والهلال الأحمر.

فكر في حملة الأم تيريزا للأعمال الخيرية... في جميع دور الأيتام الدينية التي ساعدت الكثير من الأطفال المهجورين والمعوزين على مر القرون... في آلاف المستشفيات الدينية التي لا تزال تعمل في جميع أنحاء العالم. ببساطة لا يوجد حد لعدد المؤسسات الخيرية التي تأسست باسم الله.

ما سبب وجود كل هذه المؤسسات الخيرية؟

التفسير الوحيد المعقول هو أنه، على عكس ما يؤمن به الكثير من الملحدين، فإن الكتب السماوية لا تتعلق فقط بالدخول إلى الجنة، بل تعنى بتحسين الظروف في هذه الحياة أيضاً.

أليس هذا منطقيًا؟ إذا كان البشر مخلوقين بأحسن صورة، وإذا كان لديهم ـ حقًا ـ قيمة لا نهائية، فمن واجبنا بالطبع أن نكون مهتمين ورحيمين - لمساعدة الناس في كل مكان، وخاصة أولئك الأقل حظًا.

ومع ذلك، يصر الملحدون على أن المؤمنين يسعدهم الجلوس في بيوتهم يطقطقون اصابعهم شاردي الذهن وهم ينتظرون الحياة الأخرى.

هذا ليس بالشيء السهل القيام به. يتطلب الأمر الكثير من الجهد لإبقاء عينيك مغلقة أمام الكثير من الحقائق. كيف يمكن لأي شخص لديه أبسط معرفة بالتاريخ أن يجهل كل هذه الهدايا الاجتماعية والفكرية والعلمية والثقافية والسياسية والتعليمية والمؤسسية والفنية التي منحها الدين للحضارة؟

 ضع في اعتبارك أننا لا نقول إن هذه الأديان مثالية بالكامل، وأن جميع اتباعها خالون من النفاق. لكن عند تقييم نسبة التكلفة إلى الفائدة لأي شيء - خاصةً شيء كبير مثل الدين - يجب عليك فصل الأمثلة الفردية للشر عن النمط العام للخير. يجب أن تنظر إلى الصورة الكبيرة.

وهنا نعود مرة أخرى إلى هذا الشكل الخاص من الجهل المتجذر في "القليل" من المعرفة. يحب الملحدون ان يبحثوا في التاريخ عن "الفاكهة الفاسدة". وعندما يكتشفون البعض منها، يسارعون بحماس إلى الحكم دون أي فهم حقيقي للتاريخ نفسه. وجدوا أمثلة لمؤمنين منعوا كتبًا معينة على أنها تجديف، واستنتجوا أن الدين هو عدو للتعليم. وجدوا أمثلة للمؤمنين استنكروا بعض اللوحات باعتبارها فاحشة، واستنتجوا أن الدين هو عدو الفن. وجدوا أمثلة لمؤمنين امتلكوا عبيدًا، واستنتجوا أن الدين هو عدو الحرية. وجدوا أمثلة لمؤمنين كتبوا عن السعادة في الجنة، واستنتجوا أن الدين هو عدو السعادة على الأرض.

باختصار، هم يبحثون عن بقع داكنة على لوحة التاريخ الواسعة، وعندما يكتشفونها، يستنتجون أن اللوحة نفسها سوداء تمامًا - بينما هي بيضاء بشكل مذهل في الواقع.

 

الفصل الثالث

وحشية الملحدين

في الفصل السابق، نظرنا إلى أسطوانة الملحدين المشروخة: في أن الدين مسؤول عن الموت وسفك الدماء والحروب أكثر من أي عامل آخر في التاريخ. وأن الملحدين يصرخون في كل مكان بهذه التهمة، ثم يرفعها المتعاطفون معهم في مجالات صناعة الترفيه، والإعلام، والعالم الأكاديمي. حتى اصبحت ـ التهمة ـ مألوفة حتى بالنسبة لأطفال المدارس، الذين تعلموا في وقت مبكر جدًا عن الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش والعديد من الجرائم الأخرى ضد الإنسانية، التي تُرتكب باسم الله.

سيكون لدينا ما نقوله عن تلك الأحداث الشائنة لاحقاً، ولكن النقطة الأولى التي يجب توضيحها هي:

ان الدين ليس سبب معظم الحروب التي وقعت. إنه ليس سبب معظم جرائم القتل التي حدثت. إنه ليس سبب معظم الدماء التي اريقت. إن طرح مثل هذا الشيء السخيف يعني إظهار جهل ـ يصل إلى حد البلاهة ـ بالتاريخ.

السبب الأول للحروب وإراقة الدماء على هذا الكوكب كان وسيظل دائمًا هو المكاسب الاقتصادية. حيث يرغب بلد أو مدينة أو بلدة في السيطرة على ثروة بلد او مدينة اخرى ويحاول القيام بذلك بالقوة، ويترتب على ذلك صراع دموي عنيف، يموت بسببه عدد كبير من الناس. في العصور القديمة قد تكون الفائدة الاقتصادية ذهب أو فضة او مجوهرات ثمينة أو أرض أو أدوات أو ماشية أو عبيد. أما في الأزمنة الحديثة، فعادة ما تأخذ المنفعة الاقتصادية شكل النفط أو التكنولوجيا أو الآلات أو الموارد للتصنيع. بغض النظر عن الغرض المحدد الذي سيتم اكتسابه، فإن الدافع الأساسي هو نفسه دائمًا - المال.

الى جانب الاقتصاد - وغالبًا ما يكون مرتبطًا به - كان السبب الأكثر شيوعًا للحروب وإراقة الدماء في العالم هو المكاسب الإقليمية. إذ تتوصل دولة أو مدينة أو بلدة معينة إلى استنتاج مفاده أنها بحاجة ماسة إلى المزيد من الأراضي - إما لأسباب اقتصادية (كالزراعة أو النفط)، أو لأنها تريد المزيد من "مساحة المعيشة" (مثل الغزو النازي للبلدان المجاورة لها)، أو إنشاء مناطق عازلة بينها وبين الأعداء (كما هو الحال في الشرق الأوسط أو أوكرانيا).

هذان هما السببان الرئيسيان للصراع العنيف في تاريخ البشرية - ولا شيء آخر. وهما ذاتا طبيعة دنيوية وليست دينية. علاوة على ذلك، كانت الأنواع الرئيسية من الحروب أهلية أو ثورية، حيث ينشأ الخلاف داخليا، أي داخل بلد معين حول كيفية حكم الأمة. فتلتهب المشاعر، وتتبعها الحروب والمجازر. أو ربما تثور شريحة من السكان ضد حكامها بغرض تغيير القيادة أو لتقرير المصير.

تمثل الحروب الأهلية والثورية عددًا كبيرًا من الصراعات الدموية التي حدثت على هذا الكوكب، وكلها تقريبًا تتعلق باكتساب السلطة السياسية. القليل منها فقط كان له علاقة بالدين أو الإيمان بالله. في الواقع، حتى عندما يكون الغرض المعلن للحرب إيديولوجيًا بطبيعته، يكون السبب الأساسي عادةً مدنيًا أو ثوريًا أو اقتصاديًا أو إقليميًا.

على سبيل المثال، خاضت فرنسا وإنجلترا الحرب مرات لا حصر لها على مر القرون. لكن هل تعتقد حقًا ولو لوهلة أن السبب يرجع الى أن الإنجليز بروتستانت والفرنسيون كاثوليك؟ وبالمثل، على الرغم من كثرة الحديث أثناء الثورة الأمريكية حول النضال من أجل القضية النبيلة المتمثلة في "الحقوق الغير قابلة للتنازل"، فهل هناك أي شك في أن السبب الرئيسي لثورة المستعمرين ضد بريطانيا العظمى هو الحصول على الحرية السياسية والاقتصادية؟

الحقيقة الاكيدة هي أنه من غير المعقول الادعاء بأن الدين قد تسبب في معظم الحروب في التاريخ، وهذا ما تؤكده النظرة الخاطفة للتاريخ الانساني، فوفقاً لموسوعة فيليبس وأكسلرود المؤلفة من ثلاث مجلدات عن الحروب، والتي تؤرخ حوالي 1763 حرباً التي دارت بين 8000 قبل الميلاد و2000 ميلادية، يمكن تصنيف 123 حرباً فقط على أنها دينية في طبيعتها([40]). وهذا يمثل 6.98 في المائة من جميع الحروب التي وقعت على الإطلاق.

كيف يمكن للملحدين أن يشتكوا بشكل هستيري من أن المؤمنين قد تسببوا في الكثير من إراقة الدماء وهم يمثلون أقل من 7 في المائة من جميع حروب البشرية - في حين أن أكثر من 93 في المائة كانت بسبب عوامل أخرى؟!

ضع في اعتبارك أننا لم نتحدث حتى الآن عن عدد ضحايا الحرب.

إذا نظرت إلى قائمة بجميع النزاعات العنيفة التي حدثت في التاريخ - من حرب فيتنام إلى الحرب العالمية الثانية إلى الحرب الأهلية الصينية إلى الثورة المكسيكية إلى الحروب النابليونية إلى الفتوحات المغولية - سترى أن الغالبية العظمى من القتلى كانوا ضحايا الحكومات وليس الأديان. لقد صاغ رودولف رومل، (أستاذ العلوم السياسية الشهير الذي قضى حياته المهنية بأكملها في دراسة البيانات حول الحروب والعنف الجماعي)، مصطلح democide "الإبادة الجماعية" لوصف الظاهرة التاريخية الشاملة "القتل على يد الحكومة". وفقًا لرومل، في المائة عام الماضية وحدها:

تعرض ما يقرب من 170 مليون رجل وامرأة وطفل للرصاص والضرب والتعذيب والطعن والحرق والجوع والتجميد والسحق والعمل حتى الموت؛ وتم دفنهم أحياء، أو اغراقهم، أو شنقهم، أو قُصفهم، أو قُتلهم بأي طريقة أخرى من طرق لا تعد ولا تحصى اتبعتها الحكومات في قتل المواطنين والأجانب العزل والعاجزين، وهناك من يقدر عددهم بحوالي 360 مليون شخص.

يبدو الأمر كما لو أن جنسنا قد دمره الطاعون الأسود الحديث. وقد تم ذلك بالفعل ولكن هذه المرة كان المتسبب وباء السلطة، وليس الجراثيم([41]).

اننا إذا ما صنفنا الحروب التي اندلعت في العالم منذ بزوغ فجر التاريخ وفقاً لأعداد الضحايا وخسائر الأرواح سنجد ان ثلاثة حروب من أكثر عشرة حروب دموية على الإطلاق حدثت في القرن العشرين: الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، والحرب الصينية اليابانية الثانية. الحرب العالمية الثانية وحدها، التي حدثت بين عامي 1939 و1945، تفوقت على جميع الحروب الأخرى في أعداد القتلى، حيث قُتل ما يزيد عن سبعين مليون شخص.

فهل يحتاج الملحدون إلى التذكير بأن الحرب العالمية الثانية لا علاقة لها بالدين؟

لكن الأسوأ لم يذكر بعد. إن الأرقام الدموية التي ذكرناها تظهر فقط الحقيقة الواضحة وهي أنه عندما يتعلق الأمر بالحروب، فإن القضايا الدنيوية مثل الاقتصاد والسياسة تفوق بكثير القضايا الدينية. لكن ماذا لو تعمقنا أكثر؟ ماذا لو نظرنا إلى القادة الملحدين ودرسنا ما يحدث عندما يكونون في السلطة؟ ماذا لو نظرنا على وجه التحديد إلى الحروب والقتل الجماعي التي حدثت في عهد الأنظمة الملحدة؟

وهنا نكتشف سبب رضا الملحدين على جهلهم بالتاريخ. ونرى أحد الأسباب الرئيسية لكذبتهم الكبيرة حول علاقة الحروب بالدين. الحقيقة هي أن الفلسفات القائمة على الألحاد وقادته يتحملون اللوم على الغالبية العظمى من الوفيات الناجمة عن الحروب والقتل الجماعي في العالم. ما عليك سوى إلقاء نظرة على قائمة مختصرة لبعض الديكتاتوريات اللادينية سيئة السمعة في الماضي القريب:

جوزيف ستالين (الاتحاد السوفيتي): تسبب بمقتل 42,672,000 انسان

ماو تسي تونغ (الصين): تسبب بمقتل 37,828,000 انسان

أدولف هتلر (ألمانيا): تسبب بمقتل 20,946,000 انسان

شيانغ كاي شيك (الصين): تسبب بمقتل 10,214,000 انسان

فلاديمير لينين (الاتحاد السوفيتي): تسبب بمقتل 4,017,000 انسان

هيديكي توجو (اليابان): تسبب بمقتل 3,990,000 انسان

بول بوت (كمبوديا): تسبب بمقتل 2,397,000 انسان([42])

يذكر ستيفان كورتوا في كتابه "الكتاب الأسود للشيوعية"، أن الحكومات الملحدة الشيوعية قتلت أكثر من مائة مليون شخص في القرن العشرين وحده([43]). ويوافقه الملحد السابق ثيودور بيل الرأي قائلاً: Sكانت هناك ثمانية وعشرون دولة في تاريخ العالم يمكننا التأكيد بأنها حُكِمَت من قبل أنظمة يقودها ملحدون . . . أكثر من نصفهم قاموا بأعمال ابادة جماعية من النوع الذي ارتكبه ستالين وماو. . . وبلغ إجمالي عدد القتلى خلال التسعين عامًا بين عامي 1917 و2007 ما يقرب من 148 مليون قتيل على أيدي اثنين وخمسين ملحداً دموياًR ([44]).

دعونا نتفحص سيرة اثنين من هؤلاء الديكتاتوريين.

جوزيف ستالين، الذي صعد إلى السلطة في الاتحاد السوفيتي عام 1927 وظل أمينًا عامًا للحكومة الشيوعية حتى وفاته عام 1953، يتصدر قائمة القتلة على وجه البسيطة. كان ستالين بالطبع ملحدًا مُصَرّحاً بألحاده. بصفته ديكتاتورًا، روج للإلحاد من خلال نظام التعليم، والدعاية المعادية للدين، وقوانين التمييز ضد الدين، وإنشاء "رابطة الملحدين العسكرية"، والأهم من ذلك، حملة اضطهاد بربرية ودموية ضد المؤمنين تابعها بلا هوادة لمدة خمسة وعشرين عامًا.

في ظل نظامه الملحد، تم قمع جميع الأديان في الاتحاد السوفييتي بعنف. قُتل الرهبان والشيوخ، واغتُصبت الراهبات، ودُنِست وحُرقت مئات الكنائس والمعابد والمساجد والأديرة([45]).

لم يقتصر اضطهاد ستالين على المؤمنين، فقد قتل كل من كان يهدد سلطته. خلال فترة حكمه الديكتاتوري، فرض عهدًا من الإرهاب لا مثيل له في سجلات التاريخ - بإعدامات جماعية، وعمليات تطهير، ونفي إلى معسكرات العمل العقابية([46]). كما قام بهندسة المجاعات بشكل منهجي على مساحات شاسعة من الأراضي في أوكرانيا لغرض محدد هو تدمير الناس هناك الذين سعوا إلى الاستقلال عن حكمه. ونتيجة لذلك، لقي ما يقرب من سبعة ملايين فلاح حتفهم في هذه المنطقة الزراعية، التي كانت تعرف في وقت من الاوقات باسم "سلة الخبز في أوروبا"([47]).

من الصعب تقدير العدد الإجمالي للقتلى في عهد ستالين، لكن تقديرات معظم المؤرخين تتراوح بين 40 و60 مليون شخص([48]).

الآن، دعونا نلقي نظرة على هتلر. ستسمع أحيانًا أن الملحدين يدعون بشكل مثير للسخرية أن هتلر كان يؤمن بالله، لكن هذه مجرد كذبة أخرى. هتلر كان مخترع الكذبة الكبيرة وسيد الدعاية السياسية. خلال صعوده المبكر إلى السلطة، كان يغازل المتدينين بنفس الطريقة التي كان يغازل بها أي شخص يعتقد أنه يمكن أن يساعده على تحقيق أهدافه. في الأساس، أراد هتلر استخدام الدين لتمكينه من الوصول إلى السلطة، وتقويضه لأسباب سياسية، ومن ثم القضاء عليه بعد ترسيخ الرايخ الثالث. وبالفعل، ما أن أصبح هتلر مستشارا لألمانيا، بدأ حملة اضطهاد وحشية على الدين والتدين، وسجن وقتل أعداد كبيرة من رجال الدين.

أي شخص يصر على الاعتقاد السخيف بأن هتلر كان مؤمناً ليس عليه سوى قراءة بعض محادثاته الخاصة، التي نشرت لأول مرة في عام 1953 من قبل كل من فارار وشتراوس ويونغ. فيما يلي بعض الاقتباسات المتنوعة للفوهرر:

• Sأقوى ضربة تلقتها البشرية كانت مجيء الدينR ([49]).

• Sالاشتراكية الوطنية (النازية) والدين لا يمكن أن يتواجدا معًاR ([50]).

• Sالسبب في أن العالم قديما كان في غاية النقاء والضياء والهدوء تمثل في عدم معرفته بالسوطين الكبيرين الذين ادميا ظهر البشرية: داء الجدري والتدينR ([51]).

• Sالدين من اختراع العقول المريضةR ([52]).

• Sعصرنا سيشهد بالتأكيد نهاية مرض اسمه الدينR ([53]).

 كما تكشف وثائق نورمبرغ بوضوح كيف تبنى أدولف هتلر المبادئ الملحدة لزميله الألماني فريدريش نيتشه، الذي اقترح مفهوم الإنسان الأعلى (Übermensch)، وكان لهذا المفهوم اضافة الى الرؤية الداروينية القاسية في السياسة الاجتماعية تأثير قوي على هتلر اذ دفعاه إلى الاعتقاد بأنه قادر على إنشاء عرق ألماني متسيد. ببساطة، كان يعتقد أنه يمكن تحسين أعداد كبيرة من السكان وراثيًا عن طريق استخدام "التربية الانتقائية"، والتي تتطلب القضاء على السلالات "الدونية" وسلالات الدم من أجل تنقية الجينات في ألمانيا. في نهاية المطاف أدى هذا الوهم إلى إبادة ما يقرب من عشرة ملايين من مختلف الديانات والأعراق التي اعتبرها النازيون أقل شأنا.

عندما تضيف هذا الرقم الى مجموع الأرواح الأخرى التي ازهقت في الحرب العالمية الثانية، فإن الرقم الإجمالي يصل إلى أكثر من عشرين مليون شخص قتلوا كنتيجة مباشرة لهذا الوحش الملحد.

     الدليل التاريخي واضح: ففي الكتالوج الطويل للفظائع البشرية، أنتج الإلحاد عددًا لا يُعلى عليه من الجثث والأرواح المزهقة. هذه ليست تكهنات ولا رأي منحاز. إنها حقيقة لا جدال فيها.

ولكن هناك سؤال أعمق وأكثر إثارة للقلق، وهو لماذا كان الملحدون مسؤولين عن هذا العدد الكبير من جرائم القتل في التاريخ؟ لماذا كلما أخذ نظام ملحد مقاليد السلطة، تصبح الحياة فجأة رخيصة الى هذا الحد؟ بعد كل شيء، يدعي الملحدون أن فلسفتهم إنسانية لأنها تركز على الإنسانية وليس على "خرافة" الأيمان بالله كما يقولون. ولكن إذا كان هذا صحيحاً، فلماذا حاول الطغاة الملحدون تدمير الإنسانية بهذا الشكل المرعب؟

الجواب هو شيء لا يريد الملحدون سماعه. إنه شيء يرفضون الاعتراف به. ومع ذلك فهو في غاية البساطة بحيث يستطيع الطفل فهمه.

الحل لهذا اللغز القاتل هو أنه من دون الله، لا يوجد قاض أخلاقي حاسم لأفعال أي شخص. ومن دون الله، لا توجد سلطة مطلقة، ولا يوم قيامة، ولا مساءلة أخلاقية. لقد قتلت الحكومات الملحدة من البشر أكثر من ما قتل اي دين في التاريخ لأن الملحدين لا يؤمنون بالله الذي يقول أن القتل حرام وخطأ. لا يؤمنون بـ "بحكم شرعي" ضد القتل. لا يؤمنون بحكم شرعي ضد أي شيء، فكل شيء عندهم مباح.

بالتأكيد، قد يعتقد الملحدون أن بعض الجرائم تستحق الشجب، ولكن في نهاية المطاف، أسبابها إما عاطفية أو عملية في طبيعتها - وليست وجودية. وبعبارة أخرى، قد يعتقدون أنه من الخطأ ارتكاب جريمة معينة لأنها منفرة من الناحية النفسية، أو لأنهم يعتقدون أن المجتمع لا يمكن أن يعمل بشكل صحيح في بيئة من السلوك الإجرامي المتفشي - ولكن ليس لأن الجريمة خاطئة في حد ذاتها. ليس لأن الجريمة هي فعل مخالف لطبيعة الله ذاته – الذي هو الخير والحق والحياة. لذلك، إذا كان الديكتاتور الملحد يعتقد أنه لا يوجد اي مشكلة أخلاقية في ذبح عشرات الملايين من الناس - ولديه القدرة على القيام بذلك - لماذا لا يفعل ذلك؟ (المزيد حول هذه النقطة لاحقاً).

علاوة على ذلك، فالملحدون لا يؤمن بالقيمة اللانهائية للإنسان، الأمر الذي ناقشناه بإيجاز في الفصل السابق. يؤمن اتباع الديانات السماوية أن الله تعالى خلق البشر بأحسن صورة وتقويم، يعتقدون أن البشر لديهم أرواح خالدة، ويؤمنون بأن الله يحب كل واحد منا - وبالتالي فإن كل واحد منا يستحق أكثر من الكون المخلوق بأكمله.

الملحدون لا يوافقون على هذا الرأي. في الواقع، هم يعتقدون أنه غير معقول. لهذا السبب قاموا بإنشاء أنظمة أخلاقية قائمة على الفلسفات الوحشية مثل الداروينية الاجتماعية أو الآرية النازية - وليس على المبدأ الأساسي القائل بأن الحياة البشرية كلها مقدسة. هم فقط لا يحكمون بصحة هذا المبدأ.

ونظراً لعدم إيمانهم بقيمة الحياة الإنسانية وكرامتها، فإن القادة الملحدين أحرار في أن يفعلوا ما يريدون من أجل الاستيلاء على السلطة، والحفاظ على السيطرة، وإعادة هيكلة المجتمع وفقاً لأي رؤية طوباوية للمستقبل يمكن ان يتوهموها – ويشمل ذلك ارتكابهم أعمال إرهابية سادية بلا رحمة وبدم بارد، ومعاملة البشر على أنهم قمامة لا قيمة لها.

قد يبدو هذا حكماً قاسياً، لكنه ليس كذلك. لقد رأينا بالفعل كيف أن الملحدين في العصر الحديث مذنبون بالغطرسة والجهل والخداع المذهلين، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتركة الملطخة بالدماء التي ورثوها. لكننا لم نر شيئاً بعد، اذ اننا لم نناقش ـ بعد ـ كيف حاولوا طمس حقيقة فلسفتهم الوحشية بخلقهم مناخ من الخوف والترهيب والتعصب.

الفصل الرابع

تعصب الملحدين

كم مرة سمعنا من الملحدين مَن يئن وينوح على التعصب الديني؟ اضافة الى دعوى "الدم الذي أُريق باسم الله"، بل تكاد هذه الدعوى أن تكون هي المفضلة لديهم. إنهم يحبون تكرار هذا الاتهام بلا انقطاع.. بأن الناس الذين ينتمون إلى دين معين لا يحملون شيئًا سوى العداء والكراهية تجاه أتباع الديانات الأخرى. فيما يجلسون هم، كمخلوقات نبيلة، يهزون رؤوسهم في حالة من اليأس ويتأملون بأسف مأساة الكراهية في العالم، التي يواجهونها هم بما ينشرون من عقيدة أكثر إنسانية ومحبة وعقلانية واحترام، وقبل كل شيء، أكثر "تسامحاً" – كما يؤكدون لنا.

نعم، يعد التعصب كلمة رنانة ومهمة للملحدين اليوم.

إن تعريف التعصب ببساطة هو الرغبة في عدم قبول أو تحمل آراء أو معتقدات أو سلوك الآخر، والرغبة في عدم منح حرية تعبير متساوية للآخرين الذين تختلف آرائهم أو معتقداتهم أو سلوكهم عنا.

الملحدون يزعمون أنهم يعارضون بشدة أي نوع من التعصب - وخاصة ذلك النوع الذي يحمله ويمارسه الرجال والنساء المتدينون. في رفضهم للرؤية العقائدية التي تتمحور حول الله فهم يعتنقون الفلسفة الإنسانية العلمانية، التي تعتبر العقل والعلم والعدالة الاجتماعية أعلى مُثُل في الحياة. وبالتالي، يعتقد الملحدون أن السمة المميزة لتفكيرهم هي التسامح مع الآخرين ووجهات نظرهم المتنوعة.

لا شك إن ضرورة التسامح واحترام وجهات النظر المختلفة وذات الاساس العقلاني، من وبالتالي ترسيخ العدالة الاجتماعية في مجتمع تعددي مثل مجتمعنا هي فكرة صائبة. 

ولكن هنا تصبح الأمور مربكة قليلاً، فبما أن الغالبية العظمى من الرجال والنساء هم مؤمنون بالله، فينبغي ـ حينئذ ـ أن يكون للإيمان الديني (على الأقل ثقلاً منطقياً). قد تختلف معي في هذا، ولكن المنطق يتطلب منك على الأقل الاعتراف بهذه الحقيقة. يفترض المرء على هذا الأساس وحده – شهادة أعداد كبيرة من البشر المنتشرين في جميع أنحاء العالم وعلى طول التاريخ – أن يظهر الملحدون التسامح والاحترام لأولئك الذين يحملون وجهة نظر دينية.

ومع ذلك، عندما نجري مسحًا سريعًا لتعليقات الملحدين المعروفين، نرى شيئًا مذهلاً للغاية. بدلاً من الحجج المنطقية المليئة بالحس السليم والحكمة والفهم والعدالة و"التسامح"، نجد ما يلي:

Sإن كتاباتنا وأفعالنا هي محاولات مخلصة لتخليص العالم من أحد أعظم شروره: الدينR.

—جيري كوين([54])

Sلو كنت املك عصا سحرية وكان بإمكاني التخلص اما من الاغتصاب أو الدين، فلن أتردد في التخلص من الدينR.

— سام هاريس([55])

Sبعض العقائد خطيرة لدرجة أنه قد يكون من الأخلاق قتل النّاس لأنهم يؤمنون بها... R

— سام هاريس([56])

Sأولاً، لا توجد ديانات عظيمة. فهي جميعها غبية وخطيرة – وعلينا اهانتهاR.

-بيل ماهر([57])

Sجميع دعاوى الإيمان. . . هي بالية، وكاذبة، ومخادعة، وفاسدة، وخطيرة.. R

- كريستوفر هيتشنز([58])

Sأعتقد أن الدين يجب أن يعامل بالسخرية والكراهية والازدراء، وأنا اطالب بهذا الحقR.

-كريستوفر هيتشنز([59])

لا يوجد الكثير من التسامح هنا، أليس كذلك؟

ولا يوجد الكثير من الاحترام للرأي الآخر. لا يوجد الكثير من محاولات التفاهم أو التفكير التحليلي. إذا كانوا يقولون إن الدين غير متسامح إلى هذا الحد، فلماذا لا نسمع مثل هذا الكلام من البابا، أو رئيس أساقفة كانتربري، أو البطريرك المسكوني للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، أو كبار القادة الإنجيليين في الولايات المتحدة، او من القادة المسلمين؟

لماذا الملحدون هم من يستخدمون مثل هذه التعميمات الشاملة ومثل هذه اللغة المتعصبة؟ ما الذي يمكن أن يفسر هذا السقوط المذهل في المبدأ الإنساني العلماني - هذا الهجوم الغاضب والمضلل والتعصب الوحشي والنفاق الصارخ على جميع أشكال الدين؟

يكشف ستيفانيلي، مدير منظمة الملحدين الأمريكيين بولاية جورجيا، الحقيقة: Sأحيانًا يصبح [التعصب] ضروريًا للغاية. ويجب الإشادة بعدم التسامح تجاه المعتقدات والمذاهب التي لا تعمل إلا على نشر الكراهية والتعصب والتمييز، وكذلك يجب الإشادة بوجهات النظر المتطرفة تجاه القضاء على هذه المعتقدات والعقائد... كثير من [المؤمنين] هم من السيكوباتيين وعدد كبير منهم مختل عقلياR ([60]).

الآن أصبح الأمر منطقياً يجب القضاء على التعصب بأي ثمن ما لم يكن – بالطبع – عدم تسامح الملحد تجاه الأُناس المؤمنين. عندها يصبح التعصب ليس مقبولا فحسب، بل هو ضروري وجدير بالثناء أيضا، لأنه يخدم الغرض الأسمى المتمثل في تحسين حالة الإنسان. وعلاوة على ذلك، فإن المؤمنين هم مجرد مختلين عقليا على أي حال، لذلك من يهتم بما يفكرون فيه أو ما نفعله بهم؟

بعبارة أخرى: الملحدون متسامحون، طالما أنك توافقهم. إذا لم يكن الأمر كذلك، فعليك ان تنتبه لنفسك! إذا توصلت إلى استنتاج مختلف عن استنتاجهم حول وجود الله (حتى لو كان يتفق مع ما يؤمن به معظم البشر دائمًا)، فأنت لست سوى متعصب ومثير للكراهية وبالتالي تستحق التمييز.

نرى هذا النوع من "عدم التسامح الجدير بالثناء" معروضًا في أبشع صوره وأكثرها رعباً عندما يشكك الملحدون بحقوق الآباء في تربية أطفالهم على الإيمان.

على سبيل المثال، يسأل ريتشارد دوكينز: Sقد يقول قائل أن الناس يجب أن يكونوا أحرارًا في تصديق ما يريدون، ولكن هل يجب أن يكونوا أحرارًا في فرض معتقداتهم على أطفالهم؟ هل هناك شيء يمكن أن يقال عن تدخل المجتمع؟ وماذا عن تربية الأطفال على تصديق الأكاذيب الواضحة؟R([61]).

يوافق سام هاريس على ذلك بقوله: Sعندما نجد طرقًا موثوقة لجعل البشر أكثر اعجاباً بحقيقة ظهورنا في الكون، لن نكون بحاجة إلى أساطير دينية مثيرة للانقسام. عندها فقط سيتم الاعتراف بشكل كبير ان تربية أطفالنا على الاعتقاد بأنهم مسيحيون أو مسلمون أو يهود ما هو الا بذاءة سخيفةR([62]).

ويقول عالم النفس والأستاذ نيكولاس همفري: Sيمكنني القول ان الأطفال لهم حق إنساني في ألا تشل عقولهم من خلال التعرض لأفكار الآخرين السيئة - بغض النظر عن هؤلاء الأشخاص الآخرين... يجب ألا نسمح للآباء بعد الآن بتعليم أولادهم أن يؤمنوا بالحقيقة الحرفية للكتب المقدسةR([63])

ويؤكد جيوفاني سانتوستاسي، عالم الأعصاب في كلية الطب في جامعة نورث وسترن فاينبرغ: Sيجب أن يبقى الدين مسعى خاصاً للبالغين. . . إن القياس المناسب للدين هو أنه يشبه نوعًا ما الإباحية، مما يعني أنه ليس شيئًا يعرض الطفل اليهR([64]).

لذا – وفقاً لهذه الرؤية الإلحادية – الدين هو نوع من الإباحية، وبذاءة سخيفة، وزيف واضح. إنه يشل عقول الأطفال، الذين يجب حمايتهم من والديهم من قبل الدولة.

هذا كثير جداً على التسامح!

بالطبع يتخذ بعض الملحدين، مثل المؤلف زولتان استفان، موقفًا أكثر "اعتدالًا"، فيكتب في صحيفة الهافينغتون بوست قائلاً:

Sأشارك في الدعوة إلى تنظيم يقيد التلقين الديني للأطفال حتى يبلغوا سن السادسة عشر. بمجرد أن يصل الطفل إلى منتصف سن المراهقة، يمكنك تعريضه للأفكار الدينية - إذا كان الدين هو الشيء الذي يثير اهتمامه. يكون الأطفال في سن السادسة عشر متحمسين وفضولين وقادرين على البدء بعقلانية في استكشاف عالمهم، مع أو بدون توجيه الوالدين. لكن قبل ذلك السن، يكونون سريعي التأثر إذا ما تم تلقينهم مرارًا وتكرارًا بالأفكار الدينية، غير المثبتة. إن إجبار القاصرين على الدين ما هو في الأساس الا شكل من أشكال إساءة معاملة الأطفال، مما يضعف قدرتهم على التفكير ويحد أيضًا من قدرتهم على النظر إلى العالم بطريقة غير منحازةR([65]).

كم هذا لطفٌ من السيد استفان! كم هو مراع وشهم وسخي بأن يمنح الوالدين الحق القانوني في ‏استخدام الوعظ الديني مع أطفالهم بعد تجاوزهم سن التأثر! يجب على المؤمنين أن يعدوا أنفسهم محظوظين لأن يكون لديهم مثل هذا المفكر والمحامي العادل!

اظن أن الحقيقة واضحة. وفقًا للملحدين، فإن الإيمان الديني "خطير" للغاية بحيث لا يمكن تعليمه للأطفال. رغم حقيقة أنه دعم الإنسانية منذ زمن سحيق وأدى إلى ظهور الفلسفة والتعليم والعلوم والفن والأدب والمساعدات الإنسانية، إلا أنه في الحقيقة مجرد شكل من أشكال إساءة معاملة الأطفال.

يعتقد بعض الملحدين اليوم أن زملائهم غير المؤمنين قد ذهبوا بعيدًا بعض الشيء، لكن من الصعب العثور على هؤلاء الملحدين المعتدلين. في الواقع، إذا بحثت على الانترنت فسترى مئات المواقع التي يديرها الملحدون تحت عناوين مثل: "المؤمنون مقرفون"، و "كل الأديان شريرة"، و "هل هناك ما يسمى بالمؤمن الذكي؟" و "يجب تدمير الدين!" انظر بنفسك - إنها عربدة غضب حقيقية على الإنترنت.

ومع ذلك، وسط محيطات من السم، ووسط الدعوات للاستهزاء بالدين وتجريمه وحظره، هناك عدد قليل من الأصوات الهادئة والتي يبدو أنها تمثل شكلاً أقل تشددًا من الإلحاد. يتنصل هؤلاء الأشخاص من الخطاب المعادي ‏للأديان السماوية من قبل مثيري الشغب مثل دوكينز وهاريس وهيتشنز، ويحاولون الاعتراف بالمساهمة العظيمة التي قدمها الدين في تاريخ البشرية على هذا الكوكب.

وعلى الرغم من تثمين المؤمنين لاعترافات هؤلاء ويقدرون جهودهم، إلا أن الحقيقة هي أن هؤلاء الملحدين "اللطفاء" هم في الواقع ساذجون للغاية، فهم لا يفهمون سبب وجود حركتهم ولم يفكروا مطلقاً في نتائج الألحاد المنطقية، فمن خلال سعيهم في أن يكونوا ودودين نسوا أن يكونوا دقيقين. في الواقع، لقد فاتتهم الصورة التاريخية تمامًا. لو أدركوا حقًا كم هم جاهلون بتقاليدهم الطويلة من العداء والعنف والتعصب، فلن يكونوا الى هذا الحد من الحماقة أبدًا للتفكير بأنهم يستطيعون تغيير الأساليب البغيضة لإخوانهم الملحدين. هذا لن يحدث.

      هم يعتنقون نفس الفلسفة التي اعتنقها رجال مثل أوغست كونت ولودفيج فيورباخ وكارل ماركس وفريدريك نيتشه. لم يقتصر الأمر على قيام هؤلاء الملحدين بإدانة الإيمان بالله علنًا، بل شاركوا أيضًا في الكراهية الشديدة للدين وجادلوا بقوة بأنه من واجب الإنسانية الجاد تدمير القناعة الدينية تمامًا. وزعموا أن معارضة هذا التدمير عمل مخالف للعقل والتقدم التاريخي. لم يكن التسامح جزءًا من مفرداتهم.

      كان هؤلاء الفلاسفة الملحدون في القرن التاسع عشر هم من وضعوا الأساس الأيديولوجي للقادة السياسيين الملحدين في القرن العشرين. إن عدم تسامحهم مع الدين والمبادئ الدينية مهد الطريق لأشد الحروب دموية والقتل الجماعي على الإطلاق على مسرح تاريخ البشرية.

تذكر ما ناقشناه في الفصل الأخير: الأنظمة الملحدة في القرن العشرين - والتي شملت الاتحاد السوفيتي تحت حكم لينين وستالين، والصين تحت حكم ماو تسي تونغ، وألبانيا تحت حكم إنور خوجا، وكمبوديا تحت حكم الخمير الحمر - قتلت بلا رحمة أكثر من مائة مليون شخص. مئة مليون! لا تتجاوز هذا الرقم بسرعة. انظر إليه. فكر فيه. فكر مليا. تم القضاء على مائة مليون شخص - تم قمع جميع أشكال الدين بوحشية، وتم تدنيس الكنائس والمعابد والمساجد وتدميرها - كل ذلك على يد الملحدين المتشددين.

ما هو سبب هذه المذبحة؟ فالمؤمنون الذين ذبحوا لم يرتكبوا أي جريمة. لم يكونوا يخططون للثورات. لم يكونوا يحاولون السيطرة على السلطة السياسية. لم يحاولوا الإطاحة بالديكتاتوريين. كانت جريمتهم الوحيدة هي ممارسة شعائر دينهم. كانوا يعتقدون أن ولاءهم الأول هو لله وليس للدكتاتور. لهذا السبب ذبحهم الملحدون الذين سيطروا على الدولة. في الواقع هذا ما يحدث دائمًا عندما يسيطر الملحدون على الدولة. سواء كانوا أباطرة روما الوثنية، أو أتباع عبادة العقل الفرنسيين، أو الدكتاتوريين الملحدون في القرن العشرين، أظهر الملحدون المتشددون تسامحهم مع الأشخاص الذين لديهم وجهات نظر أخرى بقتلهم.

وهذا هو سبب عدم جدوى أي جهد لتشجيع الإلحاد المتسامح اليوم. التسامح بالنسبة للملحدين هو جزء من الكذبة الكبرى. إنه غير موجود. تصريحات الملحدين التي ذكرناها سابقًا حول التزام الدولة بتقييد حقوق الآباء في تربية أطفالهم هي غيض من فيض. مع اكتساب الملحدين مزيدًا من السلطة السياسية وممارسة المزيد من السيطرة على وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية وصناعة الترفيه، فإن هجماتهم على الحرية الدينية تزداد دائمًا بشكل صارخ وفاضح. إنها جزء من هويتهم.

لقد بدأ بالفعل اضطهاد العصر الحديث للدين من قبل الملحدين، والأدلة في كل مكان حولنا.

فعلى مدى السنوات الخمسين الماضية في الولايات المتحدة، تم ازالة الرموز والصور والمشاعر الدينية بشكل منهجي من الساحات العامة. وتم منع أي شكل من اشكال الصلاة في المدارس العامة. كما أزيلت كل اقتباسات الكتب المقدسة من المحاكم والمباني الاتحادية. لم يعد مسموحاً لموظفي الحكومة بالتعبير عن أنفسهم بتعليق الإشارات الدينية في أماكن عملهم، ولكن لهم الحرية الكاملة في تعليق أي نوع آخر من العلامات العلمانية غير المتعلقة بالعمل. وأصبح من النادر إصدار الطوابع البريدية التي تحيي الأعياد الدينية والمقدسين، في حين يبدو أنه لا توجد نهاية لعدد الطوابع التذكارية التي تضم مشاهير علمانيين مثل جانيس جوبلين وجيمي هندريكس وإلفيس وويلت تشامبرلين وباتمان. ولم يعد لدى أطفال المدارس إجازات عيد الميلاد وعيد الفصح، بل فترات الراحة الشتوية والربيعية. خلال موسم العطلات، وقد تم التخلص من الصور الدينية من معظم الأماكن العامة، ويمكن مقاضاة أولئك الذين يحاولون الاحتفاظ بها من قبل منظمات مثل اتحاد الحريات المدنية ومؤسسة الحرية من الدين. حتى الإشارة إلى كلمة عيد الميلاد تخضع للرقابة بشكل متزايد من قبل المعلنين وتجار التجزئة والمدارس والمكاتب الحكومية. وعلى الرغم من أن بعض الجوانب العلمانية لعيد الميلاد (مثل الزينة المضاءة) قد تم الحفاظ عليها لتحفيز الإنفاق على البيع بالتجزئة، إلا أنها ـ عادة ـ لا يتم عرضها الا بشرط أن تكون مرتبطة بموسم عطلة "غير محدد" بدلاً من تحديدها بولادة السيد المسيح.

وفي نفس الوقت، الذي تحدث فيه هذه الإزالة لكل شعار ديني، يشن الملحدون حملة اعلامية لا هوادة فيها للاستهزاء بالأديان - خاصة في فترة المناسبات الدينية. حيث تظهر لوحات إعلانية تحمل شعارات تصادمية يدفع ثمنها جماعات الحادية – مثل جماعة الملحدين الأمريكيين - في جميع أنحاء الولايات المتحدة من قبيل: "من يحتاج الله خلال عيد الميلاد؟ لا أحد!" و "إنضج! أنت كبرت على الحكايات الخيالية "و" أنت تعلم أنها خرافة: احتفل بالعقل هذه السنة"([66]).

من الواضح أن مثل هذه الإعلانات المباشرة مقصودة لإثارة الغضب والسخرية من أعمق معتقدات الناس في أقدس أوقات العام. إذا كانت التعددية الثقافية قيمة مقدسة للمجتمع العلماني، فأين كل دعوات الحساسية تجاه الثقافة الدينية؟ فقط تخيل لو تم وضع لوحات إعلانية مماثلة ضد الحركة النسوية أو المثلية أو الأقليات العرقية أو حتى المعتقدات العلمانية الشعبية. سوف يتم اعتبارها جرائم كراهية، أليس كذلك؟ ومع ذلك، في أمريكا العلمانية في القرن الحادي والعشرين، لا يتم التصدي للهجمات على المعتقدات الدينية.

     كيف يمكن أن يكون هذا؟

أفاد استطلاع حديث لراسموسن أن 76 في المئة من الأميركيين ما زالوا يعتقدون أنه ينبغي السماح بالرموز الدينية على الأراضي العامة، و83 في المئة يعتقدون أن المدارس العامة يجب أن تحتفل بالأعياد الدينية بطريقة ما([67]). إذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن لأميركا أن تسمح لنفسها بأن تصبح أمة يتم فيها منع جميع الصلوات والمواكب والمناسبات الدينية، في حين أن التعصب المناهض للديانات لا يتم التسامح معه فحسب، بل يتم قبوله كأمر طبيعي؟

السبب البسيط هو أن العديد من الأميركيين قد تم خداعهم بكذبة كبيرة. لقد تم خداعهم لقبول فكرة أن الدين يشكل خطراً على الدولة وأنه يجب أن يكون هناك جدار لا يمكن اختراقه يقام بينها وبينه. إذا تجرأ الناس على تحدي هذا الهراء، فإنهم يتعرضون للصراخ والترهيب من قبل جوقة صاخبة ووقحة من أقلية ملحدة معادية.

الحقيقة هي أن دستور الولايات المتحدة لا يقول شيئًا عن جدار الفصل بين الدين والدولة. عندما تم التصديق على التعديل الأول في عام 1791، احتوى على بند التأسيس، الذي يحظر على الحكومة إنشاء أي دين للدولة؛ ولكن هناك فرق كبير بين إقامة دين للدولة وإقصاء الدين كليًا عن الدولة.

لم يرغب واضعو دستورنا في أن تنشئ الحكومة الفيدرالية شكلاً من أشكال الكنيسة أو تتدخل في الممارسة الحرة للدين. كان هذا هو هدفهم، ولا شيء أكثر من ذلك. إن الفكرة القائلة بأن وضع رموز دينية مسيحية أو يهودية أو مسلمة على الممتلكات العامة هو، بطريقة ما، انتهاك لشرط التأسيس هي فكرة سخيفة - وكان مؤسسو هذا البلد ليعتبرونها - هذه الفكرة - تحريفًا صارخاً لنياتهم.

على مدى الخمسين عامًا الماضية، أساء القضاة العلمانيون غير المنتخبين في هذا البلد ـ بشكل روتيني ـ استخدام سلطاتهم مع الإفلات من العقاب. ولم يقتصر الأمر على تقييد الأنشطة الدينية للحكومة، بل قاموا أيضًا بتقييد حرية التعبير الديني للناس. يقول المضيف الإذاعي مارك ليفين في كتابه "رجال بالسواد: كيف تدمر المحكمة العليا أمريكا":

S   إن الجهد المكثف والمتضافر لاستبعاد الإشارات إلى الدين أو الله من الأماكن العامة هو اعتداء على مبادئنا التأسيسية. إنها محاولة لتعزيز الاعتماد المتزايد على الحكومة – وخاصة القضاء – كمصدر لحقوقنا. فلو لم تكن حقوقنا غير قابلة للمساس، ولم تأت من مصدر اسمى (منا)، فعندئذ فهي مرنة بناء على إرادة الدولة. وهذه وصفة للأستبدادR([68]).

الاستبداد - هذا هو بالضبط ما تسعى الأقلية الملحدة المتشددة دائمًا إلى فرضه. لا أحد لديه أي منطق سليم يمانع حقًا عندما يقول الناس "عيدك مبارك" في مكتب بريد أو مبنى حكومي. لا أحد يشعر حقًا بالتمييز عندما يرى شجرة عيد الميلاد أو فانوس رمضان في ساحة عامة. يجب أن تكون هناك حالة من الاستبداد حتى يتم قمع مثل هذه التعبيرات البسيطة عن التقوى.

وهذا هو نوع الحالة التي نعيشها اليوم.

لقد حان الوقت لمواجهة الحقائق. فالملحدون لا يحملون شيئاً سوى عدم التسامح الشمولي تجاه المؤمنين. إنهم مصممون على اقتلاع وإزالة أي آثار متبقية للدين في أوروبا وأمريكا، وحتى إنكار حق الآباء في تربية أطفالهم على الإيمان الديني. يستخدمون نفس لغة الأنظمة الشيوعية في القرن العشرين ولديهم نفس طموحاتها. على الرغم من أنهم لم يصلوا إلى حد استخدام العنف الجسدي لتأسيس رؤيتهم لمدينة فاضلة ملحدة (امنحهم الوقت فقط وسيصلون)، فقد قاموا بدلاً من ذلك بطرد خصومهم من الساحة العامة بمزيج قاتل من الازدراء والتشهير والخداع والتخويف القانوني.

 

 

 

 

 

 

الفصل الخامس

سطحية الملحدين

قلنا في بداية هذا الكتاب أن أبرز سمات الملحدين المعاصرين هي ما يمكن تسميته بالضحالة الفكرية، ومن الدلائل المؤكدة على صحة هذه الصفة بالنسبة للملحدين هي وفرة التصريحات الغبية التي طالما صدرت عن أفواههم الى درجة غير محصورة. حتى أن المحامي الشهير فينسينت بوجليوسي (الذي تولى محاكمة تشارلز مانسون) والذي يعد واحدا من أكثر المحامين نجاحًا في كل العصور، وعلى الرغم من أنه كان لا أدري، إلا أنه حين حلل ـ بشكل دقيق ـ أعمال الملحدين الثلاثة الجدد ذوي الأكثر نفوذاً - ريتشارد دوكينز، وسام هاريس، وكريستوفر هيتشنز. وبعد أن أنهى بحثه، خلص إلى أن جميع حججهم كانت فارغة وغير منطقية وسطحية بشكل يدعو للإحراج.

يقول مانسون في كتابه "لاهوت الشك":

Sفي تحقيقاتي المختلفة طوال مسيرتي المهنية، اكتشفت [انه]. . . إذا بدأت بفرضية صحيحة (وليس نتيجة نهائية)، فإن كل ما تكتشفه بعد ذلك يقع في محله. . . . في هذه الحالة، لأن الاعتقاد الأساسي لهؤلاء المؤلفين الثلاثة الملحدين كان غير سليم في جوهره. . . لم يتمكنوا من تقديم أي دليل قوي أو حتى تقديم أي حجج مقنعة. . . لطرحهم القائل بعدم وجود إلهR([69]).

"الإلحاد"، كما يصفه، Sهو في الحقيقة ليس سوى سلسلة مؤسفة من الاستنتاجات غير المترابطة مع المقدمات او ما يسمى بالاستنتاجات الخُلْفيّة  non-sequitur([70])R.

:non-sequitur هي عبارة لاتينية تعني "لا يتبع". يعرّفها القاموس على أنها وسيط غير صالح لا ينشأ فيه الاستنتاج منطقياً من العبارات أو الفرضيات التي تأتي قبله. على سبيل المثال:

      جون سميث لا يملك سيارة. لذا فإن جون سميث فقير.

يمكن لأي شخص لديه أدنى قدر من الذكاء أن يرى أن مثل هذا البيان لا معنى له. قد يكون صحيحًا أن جون سميث فقير، لكن هذه الحقيقة لا يمكن إثباتها لمجرد أنه لا يمتلك سيارة. ربما يستأجر جون سيارة. ربما كان جون يبلغ من العمر عشر سنوات فقط وهو أصغر من أن يشتري سيارة. ربما يعيش في المدينة ويمكنه ان يستقل المواصلات العامة في كل مكان ولا يحتاج إلى سيارة. ربما يكون في الواقع ثريًا جدًا وقادرًا على استئجار سيارة ليموزين وسائق. ربما يكون ثريًا ولكنه في السجن بتهمة التهرب الضريبي. ربما لديه رهاب من القيادة.

هناك العديد من الأسباب المشروعة لعدم امتلاك هذا الشخص المسمى جون سيارة؛ ومع ذلك، هناك بعض الأشخاص الحمقى الذين يفترضون أن جون يجب أن يكون فقيرًا. بالنسبة لهم، نقص الأموال هو التفسير الوحيد الممكن لحالته.

     ماذا يمكنك أن تقول عن هؤلاء الناس؟

هل من القسوة حقًا الاستنتاج بأنهم ضحلون أو سطحيون أو أغبياء؟ وهنا مرة أخرى، نصل إلى الصورة المثالية للملحدين المعاصرين.

اذ يتكون تفكيرهم - إذا كان بإمكانك تسميته تفكير - بشكل حصري تقريبًا من مغالطات منطقية من قبيل الاستنتاج الخُلْفيّ (الإستنتاج اللا مترابط منطقياً). إنهم يكتبون كتباً مليئة بالهجمات اللاذعة على الله والدين والتي في النهاية لا تثبت شيئًا على الإطلاق لأن حججهم هي من النوع الأكثر هشاشة وضحالة. حتى أنها لدرجة سطحيتها وضعفها يمكن ان نطلق عليها تسمية حجة "رجل القش".

وحجة رجل القش هي ‏أسلوب يقوم فيه شخص ما بالمبالغة في تبسيط موقف خصمه أو المبالغة فيه أو تحريفه حتى يتم دحضه بسهولة أكبر. إنه يخلق أساسًا رجل قش وهمي لغرض وحيد هو إسقاطه وادعاء النصر بعد ذلك. الملحدون يحبون هذا النوع من الجدل ويستخدمونه طوال الوقت.

على سبيل المثال، هم يزعمون دائمًا أن الكتاب المقدس يدحض وجود الله. حيث يقولون: Sإذا كان الكتاب المقدس حقًا كتابًا حقيقيًا (كما يعتقد المسيحيون)، فمن الواضح أن الله غير موجود لأن الكتاب المقدس مليء بالأكاذيب والأخطاء والتناقضاتR.

     وهذا سطحي للغاية بسبب:

اولاً: حتى لو تمكنت من إثبات أن الكتاب المقدس مليء بالأخطاء، فإن ذلك لن يثبت أن الله غير موجود. فالملايين من الناس في جميع أنحاء العالم، يؤمنون بالله لكنهم لا يقبلون الكتاب المقدس على أنه حقيقي. قد يؤدي دحض الكتاب المقدس إلى التشكيك في بعض جوانب ديانة معينة، لكنه لن يشكك في وجود الله. الافتراضان - دقة الكتاب المقدس وحقيقة الله - غير مرتبطين منطقيًا. وعليه فإن مهاجمة الكتاب المقدس، كما يفعل الكثير من الملحدين من أجل تعزيز قضيتهم ضد الله، هو ببساطة أمر غير مترابط منطقياً. إنه مثل القول: جون سميث لا يمتلك سيارة. لذلك فإن جون سميث فقير.

كما يفعل الملحدون الشيء نفسه عندما يتعلق الأمر بالدين.  رأينا في الفصل الثالث، زعم الملحدين في أن الدين هو أسوأ عدو للبشرية، وأنه مسؤول عن معظم جرائم القتل وإراقة الدماء في التاريخ. فيشيرون إلى جميع الأفعال السيئة التي ارتكبها المتدينون على مر القرون - الرذائل والوحشية والغباء والنفاق - ثم يستنتجون ليس فقط أن الدين سيء، ولكن أيضًا أن الإيمان بالله ضرب من الجنون. بعبارة أخرى، يقتلون تنين الدين ثم يعلنون أنهم قد قتلوا الله أيضًا. هذه هي الفرضية الكاملة لكتاب كريستوفر هيتشنز الأكثر مبيعًا، "الأله ليس عظيمًا - كيف يسمم الدين كل شيء".

إن كتاب هيتشنز ليس حجة منطقية ضد الله. انه مجرد خطبة استهزائية ضد الدين والمتدينين. يحتوي العنوان ذاته على استنتاج خُلْفيّ صارخ: لأنه حتى لو كان صحيحًا أن الدين "يسمم كل شيء"، فمن المؤكد أنه لا يتبع أن "الله ليس عظيمًا" أو أنه غير موجود. مثلما لا يقبل الملايين من الناس في العالم الكتاب المقدس، فإن الملايين من الناس في العالم لا يؤمنون بمبادئ المسيحية او أي دين آخر - ومع ذلك لا يزالون يؤمنون بالله.

أو خذ مثالاً آخر. الكتاب الذي تقرأه الآن يتناول كل شيء عن الملحدين. لقد قدمنا عشرات الأمثلة التي تظهر غطرسة هؤلاء الكفار، وجهلهم، وقسوتهم، وتعصبهم، وضحالة تفكيرهم. لكن هل زعمنا ذات مرة ان هذا يدحض آرائهم؟ هل أكدنا ولو لمرة أنه بما أن الملحدين متعجرفون، فلا بد إذن من وجود إله؟ بالطبع لا. كل ما فعلناه هو إظهار أن الملحدين، أنفسهم، جهلة، وعديمو الرحمة.. إلى آخره. لن نجادل في أن هذا يثبت بطريقة ما صحة الكتب السماوية او الأديان أو الإيمان بالله. إذا فعلنا ذلك، فسنرتكب نفس النوع من المغالطة المنطقية ‏التي يرتكبها الملحدين؛ وسنكون بمستوى ضحالتهم - ونحن لسنا كذلك!

بالإضافة إلى هذا اللاترابط المنطقي الواضح، فإن الملحدين لم ينجحوا ولو من بعيد في النيل من الدين. كما ناقشنا، كان عليهم وضع عصابات ضخمة على أعينهم لتجنب رؤية كل الخير الذي فعله الدين عبر التاريخ. لقد اضطروا في الأساس إلى إجبار أنفسهم على عدم الاعتراف بالمساهمات الإستثننائية في الحضارة التي قدمها الدين للثقافة والسياسة والتعليم والفنون.

قال الكاتب والفيلسوف جلبرت تشيسترتون ذات مرة: Sإن الانتهاكات التي من المفترض أنها تنتمي بشكل خاص إلى الدين تنتمي إلى جميع المؤسسات البشرية. إنها ليست خطايا المعجزات، بل خطايا الطبيعة. . . . عندما ينسب الناس الرذائل الخاصة إلى المؤسسة الدينية، يبدو أنهم ينسون تمامًا ان هذا العالم. . . لديه هذه الرذائل وبشكل أكبر بكثير. اذ يقولون ان المؤسسة الدينية كانت فاسدة وينسون ان العالم اشد فساداً ... ويقولون إن المؤسسة كانت قاسية، وينسون ان العالم كان أشد قسوةR([71]).

خلاصة القول هي أن تسليط الضوء على انحراف فئة من المحسوبين على الدين وسلوكهم السيء لا يعني إلا أن بعض المحسوبين على الدين لهم سلوك سيء ومنحرف. ولا يثبت بالتأكيد أن الدين بحد ذاته سيء. ولا يقترب حتى من إثبات أن الإيمان بالله أمر سيء.

هل يمكنك أن تتخيل ما إذا حاول شخص ما طرح نفس الحجة ضد العلم؟ ماذا لو قال أحدهم إنه يجب حظر الدراسة العلمية لأنها "ضارة" بالبشرية؟

     لم يكن تاريخ العلم ناصعًا للغاية... هذا حق

لقد سمع الجميع قصصًا عن الأطباء النازيين السيئي السمعة الذين أجروا تجارب طبية يعجز اللسان عن وصف شناعتها على أطفال لا ذنب لهم من أجل النهوض بالواقع العلمي. فكر فقط في جميع الآثار الضارة التي أحدثها العلم على مدار المائة عام الماضية - والضرر المحتمل الذي قد يحدثه في المستقبل. تذكر أن العلم قدم لنا القنبلة الذرية والقنبلة الهيدروجينية، وقدم لنا صواريخ باليستية وآلاف من أسلحة الدمار الشامل الأخرى. لقد أعطانا العلم القدرة الشنيعة على محو جميع سكان الأرض عن طريق الضغط على بضعة أزرار. لقد منحنا القدرة على ارتكاب أفظع أعمال الإرهاب، وأبشع الجرائم، وإلحاق أشد المعاناة التي يمكن تخيلها.

ولكن هل سيكون من الإنصاف القول إنه بسبب إمكاناته التدميرية، فإن العلم نفسه سيء؟ أو أنه ينبغي حظره؟ أو أننا يجب أن نتجاهل الخير الهائل الذي قدمه؟ ما مدى سخافة هذه الاستنتاجات؟

     بالضبط هذا ما يستخدمه الملحدون ضد الدين.

حجة أخرى مثيرة للضحك يطرحها الملحدون هي أن نظرية التطور تدحض وجود الله. التطور، بطبيعة الحال، هو العملية التي تتغير بها الكائنات الحية مع مرور الوقت نتيجة لمختلف الصفات الجسدية والسلوكية التي يتم نقلها من جيل إلى جيل بسبب قدرتها على المساعدة في بقاء الأنواع. يعتقد الملحدون أن هذه النظرية تفسر بطريقة ما سر الحياة. وهم يؤكدون أساسا أنه بما أن البكتيريا تطورت إلى بيتهوفن، والميكروبات تحورت إلى موتسارت، فإن الكون ليس لديه خالق. ويقولون إن العالم نفسه مسؤول عن أشكال الحياة التي فيه.

وهذا الادعاء واضح فيه مقدار عدم الترابط المنطقي، فالتطور ـ الذي مازال مجرد نظرية علمية ليس إلا ـ ليس فيه ما يحتم عدم وجود الله، أو أن الحياة التي يكتنف موجوداتها التطور، هي من صنع الله. إن التطور لا يفسر بأي شكل من الأشكال كيف بدأت الحياة؟ أو لماذا؟ كل ما يفسره هو كيف يمكن أن تتغير الحياة. بمعنى آخر، التطور هو عملية اجرائية، ولا علاقة له بالنشأة([72]).

يوضح مايكل بول، في كتابه الصغير الممتاز عن الملحدين الجدد، هذا الاختلاف الحاسم بمثال: إذا كنت بمفردك في المنزل ولاحظت أن ضوءًا في الغرفة المجاورة ظهر فجأة، فقد تسأل نفسك بطبيعة الحال، من فعل ذلك؟ قد تتساءل عما إذا كانت زوجتك قد أشعلت الضوء، أو ربما طفلك، أو ربما دخيلًا. كل هذه ستكون تفسيرات معقولة. لكن إذا سألت كهربائي هذا السؤال: "لماذا أضاء الضوء؟" وهذا الكهربائي بالذات لم يكن يمتلك حسن تمييز، فقد يجيبك بقوله: Sسبب ظهور الضوء هو أن تيارًا كهربائيًا يتدفق عند ضغط منخفض ينقل الطاقة إلى الغازات المتأينة في المصباح الكهربائي، مما يؤدي إلى رفع ذراتها إلى مدار طاقة أعلى، ثم يتراجع مرة أخرى، مما يتسبب في إعادة إصدار طاقتها في شكل إشعاع، والذي بدوره يثير طلاء الفوسفور الموجود داخل الأنبوب في المصباح، مما يتسبب في انبعاث الضوءR([73]).

الآن ماذا فعل الكهربائي؟ هل أجاب على السؤال: "من أشعل الضوء؟" أم أنه فعلاً أجاب على سؤال: "ما هي العملية العلمية التي ينبعث من خلالها الضوء؟"

هذا هو بالضبط ما يفعله الملحدون ذوو التفكير السطحي عندما يزعمون أن التطور يدحض فكرة وجود الله. إنهم يستخدمون أوصافًا علمية طويلة لشرح الآلية التي يعتقدون أن الحياة قد تطورت من خلالها ثم يقفزون إلى الاستنتاج غير العقلاني في أنهم شرحوا سبب الحياة نفسها. من الناحية الفلسفية، فهم يخلطون بين العملية والوكالة([74]).

في الواقع، الملحدون لا يسيئون فهم التطور فحسب؛ بل أنهم يسيئون فهم النظام العقلي للعلم بأكمله. يبدو أنهم لا يفهمون على الإطلاق ما تستلزمه الدراسة العلمية بالفعل. إذا كلفوا أنفسهم عناء الرجوع إلى القاموس، فسيجدون أن العلم يتعامل مع الأحداث والأشياء والظواهر التي تحدث داخل الكون القابل للقياس والملاحظة تجريبياً - وهذا كل شيء. من ناحية أخرى، تتعامل الفلسفة والدين مع الأسباب الأولى والنهائية.

يمكننا أن نعذر المراهقين - المنغمسين في التكنولوجيا العلمية ولا يفكرون كثيرًا (حتى الآن) في الأسئلة الميتافيزيقية للحياة – لاعتقادهم أن العلم يشرح من أين جاء الكون. لكن البالغين الذين يكتبون كتباً معادية للغاية تتألف من تصريحات صبيانية شعواء لا عذر لهم.

إن أكثر الادعاءات الإلحادية حماقة في العالم هي أنه "لا يوجد أي دليل علمي تم اكتشافه على وجود الله".

بالطبع لا يوجد! ما نوع الأدلة التي يتوقعون العثور عليها؟ ان يترك لهم بصمة هائلة على كوكب زحل؟

بالله عليكم! لا يعتقد أي مؤمن عاقل أن الله هو أحد "الأشياء" التي يمكن ملاحظتها في خليقته. إذا كان هناك إله خلق الكون، فمن المؤكد أنه مختلف جذريًا عن ذلك الكون. مثل أي صانع، يجب بالضرورة أن يكون خارج صنيعته.

      لنفرض – جدلاً – أن جميع الشخصيات الخيالية في "هاملت" استطاعت أن تجتمع بطريقة سحرية وتقوم بسلسلة من التجارب العلمية، فهل سيكونون قادرين على تحديد موقع ويليام شكسبير داخل دولة الدنمارك أو في أي مكان آخر في صفحات تلك المسرحية؟ ولو قررت جميع الشخصيات المرسومة في لوحة "دورية الليل" التحقيق علميًا في كل سنتيمتر مكعب من القماش الذي رسمت عليه، فهل سيكتشفون رامبرانت؟ أو لو استطاعت جميع المكونات في كعكة الشوكولاتة بطريقة ما إجراء اختبار تجريبي على جميع المكونات الأخرى لتلك الكعكة، فهل سيتمكنون من العثور على الخباز؟

هذا هو بالضبط نوع التفكير الذي يستخدمه الملحدون عندما يتحدّون المؤمنين لتقديم دليل علمي على وجود الله. انه طرح لا معنى له وغير مترابط منطقيًا. رجل قش وهمي آخر. هناك الكثير من الأدلة المنطقية التي تبين أن الله سبحانه خلق الكون - ولكن هذه الأدلة ليست علمية بطبيعتها.

يبدو أن الملحدين لا يستطيعون التمييز بين هذين النوعين المختلفين من "المعرفة"؛ وليس لديهم اي معرفة حول ماهية حدود العلم أو السؤال الأعمق حول كيف يتناسب العلم مع المخطط العام للمعرفة البشرية. إنه عائق فكري خطير للغاية حتى ان له اسم، فهو يدعى العلموية، وتعني "اختزال كل المعرفة المشروعة إلى الشكل العلمي للمعرفة".

تجد كل كاتب من الكتاب الملحدين الرئيسيين اليوم مسحوراً بالعلموية الوهمية. جميعهم يقدمون نفس الادعاء المغالي والسخيف: "كلما لا يستطيع العلم إثباته فهو ليس حقيقيا".

لكن هل هذا صحيح؟ هل النوع الوحيد من الحقيقة هو الحقيقة العلمية؟

ماذا عن حقيقة الحب أو السعادة أو المأساة أو الأمل؟ ماذا عن حقيقة الأدب أو الموسيقى أو الفن؟ ماذا عن حقيقة الفطرة السليمة أو الحدس؟ ماذا عن حقيقة التاريخ أو الشهادة الموثوقة؟ ماذا عن حقيقة عالم الروح بأكمله؟

      هل كل ذلك وهم وغير موجود؟

الحقيقة هي بعض الأشياء في الحياة لا يمكن التأكد منها علمياً وكما قلنا سابقاً، لا يستطيع العلم ولن يكون قادرًا على الإجابة على أسئلة مثل: لماذا يوجد شيء بدلاً العدم؟ لماذا توجد حياة بدلاً من اللاحياة؟ لماذا يوجد فكر بدلاً من اللافكر؟

لا يمكن للعلم أن يجيب على هذه الأسئلة لسبب بسيط هو أنها ليست أسئلة علمية - هي أسئلة فلسفية. لذلك من المستحيل استخدام الأسلوب العلمي في التعامل معها. من المستحيل تطبيق الملاحظة التجريبية عليها؛ من المستحيل إجراء تجارب عليها. لا يمكن تطبيق العلم على هذه الحالات، تمامًا مثلما لا يمكن تطبيقه عند محاولة إثبات أو دحض الحقائق حول الفن والأدب والتاريخ والفلسفة والشعر والمشاعر.

مرة أخرى، هذا نوع عميق من التفكير – وهو نوع نادرًا ما ينخرط فيه الملحدون، فهم لا يسألون أنفسهم، "ما هي الأنواع المختلفة من الحقيقة التي يعرفها البشر، وهل يقع مفهوم الله في أحد تلك الفئات؟" بدلاً من ذلك، فهم يكتفون بتكرار نفس المجموعة القديمة المؤسفة من الاستنتاجات الخُلْفيّة: "الكتاب المقدس يدحض وجود الله. الدين يدحض وجود الله. التطور يدحض وجود الله. العلم يدحض وجود الله. تعقيد الكون يدحض وجود الله. الدعاء غير المستجاب يدحض وجود الله. العدد الكبير من المفكرين الملحدين يدحض وجود الله. الشوق الى الجنة يدحض وجود الله. مفهوم الجحيم يدحض وجود الله. المعاناة الإنسانية تدحض وجود الله".

لكن لا يدحض أيا من هذه الادعاءات أي شيء. ويمكن الإجابة على كل تلك الشبهات بعقلانية ومنطقية. ولكن من أجل القيام بذلك، يجب علينا أن نوضح ليس فقط سبب عدم منطقيتها، ولكن أيضًا لماذا تعتبر العبارات التي يستخدمها الملحدون تحريفات لا صحة لها؛ لماذا هي مجرد حجج وهمية وزائفة. على سبيل المثال، عندما يقول الملحدون أن المفهوم الكتابي عن الجحيم مروع للغاية لدرجة أنه لا يمكن لأحد أن يصدقه، فإن أول شيء يجب على المرء فعله هو تصحيح فكرتهم الكرتونية عن الجحيم. عندما يقول الملحدون أن المفهوم الكتابي عن الله قاس لدرجة أنه لا يمكن لأحد أن يقبله، فإن أول شيء يجب على المرء فعله هو تصحيح مفهومهم الساذج عن الله. عندما يقول الملحدون أن العدد الكبير من الأدعية غير المستجابة في العالم تجعل من الحماقة أن يقوم أي شخص بالدعاء، فإن أول شيء يجب على المرء فعله هو تصحيح فهمهم الطفولي للدعاء.

هذا يتطلب وقتًا. يتطلب تفكيراً. ويتطلب عملاً. ولكن لسوء الحظ، الملحدون غير مستعدين لبذل الجهد الفكري الضروري للنقاش على هذا المستوى. بدلاً من ذلك، يفضلون تضييع وقتهم في الشجار حول أمور غير مهمة.

والسؤال هو: لماذا؟ لماذا لا يتعاملون بصدق مع الحجج الفلسفية واللاهوتية الحقيقية لوجود الله؟

لماذا لا يعالجون، على سبيل المثال، مسألة العلة الفاعلية (السبب الأول غير المُسبّب)؟ لماذا لا يعالجون مسألة الاحتمالات اللانهائية (سواء كان الكون موجودًا أم لا)؟ لماذا لا يتطرقون إلى مسألة "وضوح ومفهومية" الكون؟ لماذا لا يتطرقون لمسألة الإرادة الحرة والروح البشرية؟ لماذا لا يتطرقون إلى مسألة التصميم الذكي (الذي يرفضونه دائمًا دون إجابة فعلية)؟

سنناقش بعض هذه الأمور لاحقًا، المهم الآن هي أن الملحدين فشلوا تمامًا في الانخراط في مناقشة فكرية فاعلة حول الموضوعات المذكورة آنفاً. في الواقع، معظم الملحدين الحانقين الذين يكتبون كتبهم ومدوناتهم الغاضبة غير قادرين حتى على فهم هذه الأمور، ناهيك عن مناقشتها. كل ما يبدو أنهم يهتمون به هو إسقاط رجال القش الذي صنعوه.

 

 

 

الفصل السادس

مركزية الموت عند الملحدين

قد يعتقد المرء أن الملحدين، بسبب عدم إيمانهم بالحياة الآخرة، فإنهم سيفعلون كل ما في وسعهم لإطالة أمد هذه الحياة والدفاع عنها وحمايتها والاستمتاع بكل لحظة من لحظاتها. غير أن الواقع، يؤكد العكس، حيث أن هناك علاقة عميقة وجوهرية بين الإلحاد والموت.

إن الفلاسفة الملحدين والمناهضين للأديان السماوية، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أمثال فولتير وروسو وماركس وفرويد وفيورباخ ونيتشه، لم تتغلغل كتاباتهم الداعية الى الالحاد ـ رغم تمردها ـ في الثقافة العامة للمجتمع إلا بعد وفاتهم وقد ظلت الغالبية العظمى من الناس ـ الذين عاشوا في وقتهم والذين كانوا يشرحون آرائهم ـ مؤمنين. حتى عام 1900 حين توفي الفيلسوف الالماني نيتشه، مؤلف كتاب ما وراء الخير والشر، فقد بدأت الفلسفة الإلحادية لهؤلاء المفكرين بالانتشار على يد مفكرين مثل جوليان هكسلي في إنجلترا، وجون ديوي في أمريكا، وإرنست هيكل في ألمانيا، وجان بول سارتر في فرنسا وآخرون، وهؤلاء الفلاسفة قد اتفقوا مع نيتشه على أن الدين كان العدو الأكبر للبشرية. فجون ديوي مثلا كان تلميذ نيتشه، وهو الأب المعترف به للتعليم الأمريكي، وقد تغلغلت كتبه الخمسون في كل جانب من جوانب نظامنا المدرسي الحديث.

إن التفكير الإلحادي اليوم قد حقق هيمنة نسبية. وصار الالحاد مذهبا شائعا في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية. ورغم أن مجتمعات تلك القارتين، لاتُستخدم فيها كلمة ملحد لوصف الفلسفات الحاملة للمنحى غير الديني، لكن هذه مجرد مسألة لغوية. كما أن ذلك الالحاد، في حقيقته، هو أقرب الى السلوك العملي الخالي من الايمان منه الى الاعتقاد المبني على انكار وجود الله، وبعبارة اوضح.. إنه استبعاد – اخلاقي – لله من حياة المرء.   

بعبارة أخرى، رغم أن الكثير من الناس لا يسمون أنفسهم ملحدين، الا إنهم في الوقت نفسه يرفضون غالبية العقائد الرئيسية التي تتبناها الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام.

     يقول الفيلسوف الأمريكي الملحد فيليب كوجار:

S  الملحد "العملي" هو الشخص الذي يتصرف كملحد بغض النظر عن المعتقدات الدينية التي قد يحملها. بمزيج من العلم والتكنولوجيا. . . يصنع ثقافة إلحادية بشكل عملي، ثقافة تكون فيها الأديان قليلة الأهمية نسبيًا. وطالما أن الناس يميلون في العمل والمنزل إلى استبعاد معتقداتهم الدينية بدلاً من العمل بها بأي طريقة مهمة، فقد يُطلق على هؤلاء الأشخاص أيضًا اسم ملحدين حتى لو لم تعجبهم كلمة "ملحد". هؤلاء الأشخاص ملحدون عمليون، لأنهم يعيشون في مجتمعات علمانية لا يكون فيها المحرك الرئيسي المؤسسة الدينية، بل [المؤسسة العلمانية]R([75]) .

خلال القرن الماضي أو نحو ذلك، عشنا في مجتمع يغلب عليه الطابع العلماني والملحدين العمليين - أو على الأقل مجتمع يتحرك بسرعة في هذا الاتجاه. الحكومة، والإعلام، والعالم الأكاديمي، وصناعة الترفيه، ومهنة الطب، وغيرها، كلها تركت المعتقدات الدينية لصالح القيم العلمانية فأصبحت ملحدة في ثقافتها.

نجم سينما هوليود العادي، على سبيل المثال، ليس لديه فكرة عن فلسفة نيتشه وفيورباخ. ولكن من خلال العيش بأسلوب حياة المتعة، ورفض الأخلاق الدينية بشدة، وباعتماد نظام قيم علماني بحت، فإن هؤلاء المشاهير يتصرفون أساسًا كملحدين عمليين.

هذه الحالة ـ المتمثلة بتفشي الاخلاق الالحادية وما تتركه في سلوك الانسان من أثر ـ كان لها الدور الهام في صنع ثقافة أخرى، كان للإلحاد الفضل في خلقها، ألا وهي ما يُعرف باسم "ثقافة الموت". حتى غدت الثقافتان على رباط وثيق فيما بينهما.

لقد دخل مصطلح "ثقافة الموت" إلى الاستخدام الشائع ـ لأول مرة ـ بعد أن ذكره البابا يوحنا بولس الثاني عدة مرات في رسالته العامة لعام 1995([76]).

في هذه الرسالة العامة، كتب يوحنا بولس الثاني عن القيمة الجوهرية لكل حياة بشرية - حيث قال إنه يجب أن تكون موضع ترحيب ومحبة Sمن الحمل إلى الموت الطبيعيR([77]).  وحذرت الرسالة من أن قيمة الحياة البشرية آخذة بالتآكل بسرعة، وأن الثقافة الحديثة أصبحت تعتبر الحياة البشرية مجرد وسيلة لتحقيق غاية أخرى - مثل الكفاءة أو الإنتاجية الاقتصادية أو الراحة الشخصية - وليست مسألة غاية أو "خير" في حد ذاتها. وحذرت الرسالة كذلك من أننا الآن في خضم Sمناخ ثقافي جديدR حيث الإجهاض والقتل الرحيم وغيرها من الممارسات المعادية للحياة، مثل التعقيم البشري، وأبحاث الخلايا الجذعية الجنينية على الأطفال المجهضين. كل ذلك يتم تبريره على أنها "حقوق" باسم الحرية الفردية([78]).

وقال البابا إن ثقافتنا أصبحت منجذبة بعمق إلى الموت، وإن هذه "الجرائم ضد الحياة" هي Sبمعنى ما حرب الأقوياء ضد الضعفاء. إن الحياة التي تتطلب قدرًا أكبر من القبول والحب والرعاية تعتبر الآن عديمة الفائدة، أو تعتبر عبئًا لا يُحتمل، وبالتالي فهي مرفوضةR([79]). هذا الوضع الرهيب، كما كتب، Sيجب أن يجعلنا جميعًا ندرك تمامًا أننا نواجه صداما هائلا ودراماتيكيا بين الخير والشر، والموت والحياة، و "ثقافة الموت" و "ثقافة الحياة"R([80]).

والواقع أن البابا كان يقول: إن الموت أصبح "الحل الشامل" لمشاكل العالم. بدلاً من استخدام الحب والرعاية والتضحية للتعامل مع الصعوبات (التي قد تكون مؤلمة لنا للقيام بها)، نختار الآن الموت ببساطة القضاء على مشاكلنا — حرفياً.

هل كان البابا محقًا في تقييمه للثقافة أم لا؟

إن نظرة سريعة على الإحصائيات التالية تعطينا الإجابة:

• رأينا في الفصل الثالث أن القادة الملحدين يتحملون اللوم عن الغالبية العظمى من الوفيات الناجمة عن الحرب والقتل الجماعي في التاريخ. في الواقع، بين عامي 1917 و2007، قُتل ما يقرب من 148 مليون شخص على أيدي الأنظمة السياسية الملحدة([81]).

• زاد العدد الإجمالي لجرائم القتل بشكل كبير أيضًا. يُجري مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بانتظام "دراسة عالمية عن جرائم القتل"، وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، كان متوسط ​​عدد جرائم القتل العمد في العالم حوالي 450.000 سنويًا([82]).

• بلغ عدد حالات الانتحار مستوى أكثر إثارة للصدمة. فوفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، أكثر من 800000 شخص يقتلون أنفسهم سنويًا. ويضع موقع الانتحار على شبكة الإنترنت رقماً أعلى - أكثر من مليون حالة - حيث ينتحر شخص واحد كل أربعين ثانية([83]).

• ذكرت صحيفة نيويورك تايمز وكذلك الجمعية الأمريكية لمنع الانتحار أن معدل الانتحار في الولايات المتحدة قد ارتفع إلى أعلى مستوياته في ثلاثة عقود، حيث يموت ما يقرب من 45000 شخص من أسباب ذاتية كل عام([84]). وفقًا لصحيفة "يو إس إيه توداي" يحدث انتحار في هذا البلد كل ثلاث عشرة دقيقة([85]).

أما فيما يتعلق بالإجهاض، فإن الإحصاءات مرعبة حقًا:

• منذ ستينيات القرن الماضي، كان هناك أكثر من مليار عملية إجهاض في جميع أنحاء العالم([86]). وهذا يعادل تقريبًا سُبع إجمالي عدد سكان الكوكب.

• تظهر أحدث الدراسات وأكثرها تحفظاً أن العدد السنوي لحالات الإجهاض في جميع أنحاء العالم يبلغ 12.4 مليون. ومع ذلك، فإن معهد غوتماخر، الذي اسسته في الأصل جمعية تنظيم الأسرة، وهو الآن منظمة بحثية وسياسات مستقلة ملتزمة بـ "النهوض بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية في الولايات المتحدة والعالم"، قدر في تقرير مايو 2016، عدد حالات الإجهاض العالمية بـ 56.3 مليون حالة سنوياً!([87])

• في أمريكا وحدها، منذ قرار محكمة "رو ضد ويد سوبريم" في عام 1973، تم إجراء أكثر من ستين مليون عملية إجهاض([88]). وهذا يعادل تقريبًا ثلث الجيل الذي تم تخصيبه في الولايات المتحدة منذ أن تم تقنين الإجهاض.

• عدد وفيات الإجهاض في الولايات المتحدة الآن يقرب من مليون شخص في السنة([89]).

• مدينة نيويورك لديها أعلى معدل إجهاض في البلاد. وفقًا لتقرير مراقبة الإجهاض الأخير لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، حيث اعلنت مدينة نيويورك عن 69840 عملية إجهاض و 116777 ولادة مسجلة، مما يعني أن معدل الإجهاض في المدينة هو 60 في المائة من معدل المواليد([90]).

• تشير التقديرات إلى أن 92 في المائة من جميع النساء في العالم اللائي تلقين تشخيص ما قبل الولادة لمتلازمة داون يجهضن أطفالهن([91]).

• في العديد من البلدان، تسمح القوانين للأمهات بإجهاض أطفالهن الذين لم يولدوا بعد لمجرد أنهم من النوع "الخطأ"، أي ليس الجنس الذي يفضلونه([92]).

• في بعض البلدان، يكون الإجهاض إلزاميًا للأزواج الذين تجاوز عدد ابنائهم العدد المسموح به من قبل الدولة، ففي الصين مثلاً كان هذا الرقم هو "طفلاً واحدًا" لسنوات عديدة، ولكن تم زيادته إلى اثنين في أواخر عام 2015([93]).

تكثر قصص الرعب عن النساء اللواتي أجهضن أطفالهن قسرًا في سبعة وثمانية وحتى تسعة أشهر من الحمل لأنهم انتهكوا هذا القانون([94]).

بغض النظر عن موقفك من قضية الإجهاض، فإنها حقيقة لا يمكن إنكارها أنه في السنوات الخمسين الماضية - في نفس الوقت الذي أصبح فيه المجتمع علمانيًا وملحدًا - كان هناك عدد غير مسبوق تاريخيًا من حالات الحمل المنتهية.

في الواقع، يرتبط الإلحاد بالإجهاض بطرق أخرى أيضًا. فوفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب مؤخرًا، فإن الأمريكيين الذين ليس لديهم ارتباط ديني - ممن يزعمون أنهم ملحدون، ولا أدريون، وأولئك ببساطة الذين ليس لديهم تفضيل ديني - يعرّفون عن أنفسهم بأنهم "مؤيدون للاختيار" وليس من "مؤيدين للحياة" بنسبة 68 في المائة مقابل 19 في المائة (بفارق 49 نقطة مئوية)([95]). وهذا يمثل أقوى ميل نحو موقف مؤيد للاختيار لأي مجموعة ديموغرافية رئيسية في الولايات المتحدة.

وفي الطرف الآخر من الحياة، خلال نفس عصر "الإلحاد العملي"، شهدنا أيضًا قبولًا وتقنينًا عالميًا مماثلًا لعمليات الانتحار بمساعدة الطبيب والقتل الرحيم غير الطوعي. على سبيل المثال:

• أصبح استخدام القتل الرحيم والانتحار بمساعدة الطبيب لإنهاء حياة شخص (قبل اجله) مصاب بمرض عضال أمرًا روتينيًا الآن في جميع أنحاء العالم.

• يتزايد استخدام القتل الرحيم مع المرضى النفسيين والمختلين عقليًا.

• منذ أن تم تقنين القتل الرحيم في هولندا في عام 2002، ارتفع استخدامه بنسبة 73 في المائة، حيث قتل حوالي خمسة وعشرين ألف شخص. تقتل "فرق القتل الرحيم المتنقلة" بشكل روتيني ما يقرب من ألف شخص سنويًا في منازلهم([96]).

• في بلجيكا وهولندا، يمكن للأشخاص اختيار الموت إذا كانوا يعانون من مرض عضال أو اكتئاب أو مجرد شعور بأن حياتهم "غير مكتملة". في إحدى الحالات في هولندا، تم قتل رجل يبلغ من العمر 41 عامًا بمساعدة طبيبه لأنه لم يستطع التوقف عن الشرب([97]).

• يتزايد استخدام القتل الرحيم مع الأطفال المصابين بأمراض مستعصية.

 ومن القانوني للأطباء أن يقتلوا الأطفال في سن الثانية عشرة في هولندا والقاصرين من جميع الأعمار في بلجيكا([98]).

• في الآونة الأخيرة تم تبرئة أسرة في هولندا من ارتكاب أي جرم لإمساكهم امرأة مسنة كافحت بشدة ضد جهود الطبيب لقتلها الرحيم. يبدو أن جريمتها كانت تتجول في دار رعاية المسنين ليلاً وتظهر عليها علامات الخرف([99]).

• في الولايات المتحدة، ازدادت قوة حركة "الحق في الموت". تسمح ست ولايات حاليًا بالقتل الرحيم، وتفكر العديد من الولايات الأخرى في ذلك أيضًا([100]). الطريقة المفضلة لـ "القتل الرحيم" هي الإزالة القسرية للطعام من المرضى - تذكر الموت المطول الذي أمرت به المحكمة بالجوع والجفاف في قضية تيري شيافو ([101]).

تيري شيافو هي أميركية اصبحت قضية رأي عام في بلادها. فيما يتعلّق بمسألة كيفية إنهاء الحياة والتي توفيت في المصحّة التي كانت تقيم فيها، بعد قرابة أسبوعين من نزع أنابيب التغذية عنها. ولقيت شيافو مصيرها المحتوم، وهي في الحادية والأربعين من عمرها.

وجاءت وفاة شيافو بعد 15 عاما من المعارك الطبية والقضائية بين زوجها ميكاييل شيافو ووالديها، ماري وبوب شيندلر. وعلّل زوجها مساعيه القانونية بكونه لا يريد سوى تنفيذ رغبتها في عدم البقاء حية في مثل الظروف الصحية التي كانت تمرّ بها فيما اعتبر والداها أنّ من شأن ذلك خرق أحد حقوقها، لكونها تتبع طائفة الروم الكاثوليك. وقبل يوم من وفاتها، لجأ بوب وماري شيندلر إلى المحكمة الأميركية العليا مطالبين بإصدار أمر عاجل بإعادة توصيل أنبوب الإعاشة لابنتهما، مع المضي قدما في استئناف القضية. ولجأ الأبوان إلى المحكمة ومقرها واشنطن بعد ساعات فقط من رفض محكمة استئناف اميركية في ولاية أتلانتا النظر في القضية، وسط جدل دار على امتداد الولايات الأميركية بشأن الحق في الموت. وقالت محامية عائلة شيندلر، باربارة ويللر، إن علامات الجفاف كانت قد بدأت تظهر على تيري قبل ايام من وفاتها، كما بدأت تنزف من عينيها ولسانها، وراح جلدها يتشقق. فيما قال والداها بعد زيارتها Sلقد بدأت تضعف، إنها الساعات الأخيرة، يجب أن نفعل شيئا، وبسرعة.R وأضاف والدها Sلقد قلت لها إننا لا نزال نحارب من أجلها.. هي لن تستسلم لأننا نحن بدورنا لن نستسلم.. لكنني أعتقد أن أمنية الذين يريدون موتها قد بدأت تتحقق.R

• في الولايات التي يكون فيها القتل الرحيم قانونيًا، يتم تشجيعه بشكل كبير. تكثر القصص عن الأشخاص الذين أوصى أطباؤهم بعدم المساعدة على الانتحار، الا ان أطباء آخرون - لا يعرفون سوى القليل عن تاريخهم المرضي – يقومون بكتابة وصفات قاتلة لهم. في احدى الحالات في ولاية أوريغون، لم تدفع شركة التأمين لإحدى النساء لمواصلة معركتها ضد سرطان الرئة، لكن الشركة أشارت بشكل مفيد إلى أنها ستدفع مقابل مساعدتها على الانتحار. حُرم رجل آخر في ولاية أوريغون من تناول عقار يطيل العمر، لكن تم إخطاره بأن صحة الولاية ستدفع اجور قتله([102]).

مرة أخرى، بغض النظر عن موقفك من قضية القتل الرحيم، فلا شك في أن هذه أوقات مخيفة وخطيرة لأي شخص يدخل المستشفى أو مريض بشكل خطير.

ومع ذلك، فإن الملحدين البارزين صريحون وحادون بلا خجل، بشأن التزامهم بأجندة عامة مؤيدة للموت. عندما سألت امرأة على تويتر، على سبيل المثال، الملحد الرائد ريتشارد دوكينز عما يجب عليها القيام به في حالة حملها بطفل متلازمة داون، أجاب دوكينز على الفور: Sأجهضيه وحاولي مرة أخرى. سيكون من غير الأخلاقي أن تجلبيه إلى العالم إذا كان لديكي خيار الإجهاضR([103]).

أوضح لاحقًا أنه من الخطأ إنجاب الطفل Sمن منظور رفاهية الطفلR([104]). كان منطق دوكينز أن حياة الشخص المصاب بمتلازمة داون ستكون مليئة بالصعوبات بحيث لا تستحق جهد الوالدين . سيكون قتله أكثر إنسانية. بعبارة أخرى، من وجهة نظر دوكينز، من الضروري أخلاقيًا إجهاض طفل معاق عقليًا - سواء من أجل العالم أو من أجل الطفل نفسه.

لقد انزعج العديد من آباء الأطفال المصابين بمتلازمة داون عندما سمعوا نصيحة دوكينز. حتى أن أحدهم أرسل رسالة عامة صادقة إلى الملحد، نصها:

Sربما تعتقد أن موقفك من الإجهاض ومتلازمة داون صحيح منطقيًا. لكني أتساءل عما إذا كنت تستطيع النوم ليلاً بسبب الاشمئزاز الذي يصاحب كونك بطل القتل!.

المعاناة ليست شرًا أخلاقيًا يجب تجنبه.

يمكن أن يكون للمعاناة قيمة ومعنى.

اسأل فيكتور فرانكل. أو مهاتما غاندي. أو مارتن لوثر كينغ جونيور أو ....، أو اسأل أطفالي إذا كنت ترغب في ذلك.

لدي طفلان مصابان بمتلازمة داون، هما طفلاي بالتبني.  آباؤهم الحقيقيون عرض عليهم خيار إجهاضهما، ولكنهم فضلوا التبرع بهما على ارتكاب الاجهاض. فجاءا ليعيشا معنا. إنهم أطفال مبهجون ورائعون وسعداء. أحدهما بنت واسمها بيا، نجت من السرطان مرتين.، وقد عانت من الألم والإرهاق حين كانت تخضع للعلاج الكيميائي، لكنها كانت أكثر تركيزًا على إقامة صداقة مع الممرضات وسرقة السماعات الطبية...إن هؤلاء الاطفال يتألمون، لكن في سياق فرح لا يُقهرR([105])

     لماذا يوجد مثل هذا الاختلاف في التفكير هنا؟

لماذا يعتقد الملحدون مثل دوكينز أن أطفال هذا الرجل - وجميع الأطفال الآخرين مثلهم - كان يجب إجهاضهم بدلاً من السماح لهم بالعيش ؟!، حتى عندما يكون الوالدان على استعداد لأن يحبوهم ويعتنون بهم؟ كيف نفهم تفضيل الملحدين للموت على الحب والرضا والتضحية؟

من أجل فهم منطقهم، نحتاج إلى التعمق في فلسفة الإلحاد.

هناك ثلاث سلالات من الفكر الإلحادي تظهر باستمرار في هذه الصفحات. كل منها يمكن أن يساعد في إلقاء الضوء على النهج الإلحادي لموضوعات مثل القتل والانتحار وقتل الأطفال والإجهاض والقتل الرحيم. دعونا نتناولها واحدة تلو الأخرى:

أولاً، يعتقد الملحدون أنه بما أنه لا يوجد إله، فلا يمكن أن يكون هناك شيء اسمه قيم أبدية وموضوعية. كل شيء عابر. نعم، يمكن أن تكون هناك تفضيلات "عملية"، لكن لا شيء منها حقًا شامل أو دامغ. لذلك، فإن الأهداف المعقولة الوحيدة التي يسعى البشر لتحقيقها هي الملذات، والراحة الدنيوية، والقضاء على كل المعاناة. إذا حدث أن يقف شخص ما أو شيء ما في طريق تحقيق هذه الأهداف، فمن المقبول تمامًا (وحتى جدير بالثناء) القيام بكل ما هو ضروري للقضاء على هذا التهديد.

ثانيًا، بما أنه لا يوجد إله ـ للملحد ـ فلا يمكن أن يوجد قانون أخلاقي موضوعي وأبدي. وبدون قانون أخلاقي موضوعي، يكون البشر أحرارًا في أن يصبحوا، مرة أخرى على حد تعبير نيتشه "سوبرمين" رجالا خارقين، غير مقيدين بتعاليم الشريعة والشعور بالذنب الناتج عن مخالفتها، ومتمتعين بوضع قوانينهم الخاصة التي يجدوها مناسبة – مهما كانت القوانين.  هم يحددون شكل الحياة كما ينبغي من وجهة نظرهم، وبذلك يعرفون البشر، والقتل، والرحمة وفقًا لمعاييرهم الخاصة وكما يريدون.

بالنسبة لنيتشه وأتباعه الملحدين، فإن أهم قيمة في العالم هي القوة. لذلك تكون الحياة دائمًا خاضعة للاختيار، واختيار القوي للسيطرة على الضعيف (الذي يقف عادة في طريق المتعة والراحة) هو دائمًا الإجراء الصحيح.

ثالثًا، يعتقد الملحدون أنه نظرًا لعدم وجود إله، فمن غير المنطقي الاعتقاد بأن البشر مخلوقين بأحسن تقويم وصورة ومفضلين على سائر المخلوقات، بل إن البشر ـ حسب منظورهم ـ ليسوا مميزين على الإطلاق، فهم مجرد حيوانات قابلة للاستهلاك ويمكن التضحية بها، وهم في الأساس قرود ذات أدمغة أكبر. ولا يمتلكون أرواحًا خالدة من الله ولا أي نوع من الكرامة المتأصلة أو اللانهائية، حيث انهم ببساطة يمثلون حيوانًا بيولوجيًا واحدًا من بين العديد من الحيوانات البيولوجية. لذلك، فإن حماية وجودهم لا يمثل أمرا مهما. ويمكن اضطهادهم ـ البشر ـ من قبل الحكومات القاسية، بالقتل، والإجهاض، والقتل الرحيم في أي عمر ولأي سبب - طالما أنه يخدم بعض "المنفعة العملية الأكبر" (والتي، بالطبع، يحددها دائمًا من يصادف أنه الأقوى في تلك اللحظة).

إن هذه الأفكار الثلاث التي يعتمدها الملحدون تقود الفلسفة الأخلاقية الى حالة لا يمكن وصفها إلا بالمرعبة، لكن الملحدين المعاصرين يبذلون قصارى جهدهم لتضليل الناس بشأنها.

وهذا الصنف الجديد من الملحدين، على عكس أسلافهم، يلجؤون باستمرار إلى الأكاذيب. لأنهم لا يجرؤون على الإعتراف بالآثار المنطقية لتفكيرهم. إنهم يفهمون أن اللغة التي يستخدمها نيتشه بغيضة بالنسبة لمعظم الناس. كما إنهم يفهمون أن سلالات التفكير الثلاثة الموصوفة أعلاه يمكن أن تكون مخيفة، وإذا تم تطبيقها بشكل صحيح، فإنها قد تكون قاتلة. وعليه فبدلاً من التصريح بها بجرأة، اختاروا تجاهلها أو إنكارها، أو أن يقولوا كذباً بأنها ناتجة عن تعاطفهم مع أولئك الذين يعانون.

والحقيقة أننا ما إن نتجاهل الأكاذيب ونحاول أن نفهم حقًا المبادئ الأساسية للفكر الإلحادي، فإن ثقافة الموت في هذا الفكر تصبح واضحة جدا.

يصبح من الواضح، على سبيل المثال، سبب اخذ المحكمة العليا للولايات المتحدة على عاتقها "إعادة تعريف" ماهية الإنسان وإضفاء الشرعية على الإجهاض - وهي ممارسة اعتبرت بربرية من قبل جميع الشعوب والأمم لآلاف السنين. هذا هو التضمين المنطقي للتفكير الإلحادي، والذي يقول أنه يمكننا اختيار القيام بأي شيء نحبه - بما في ذلك "تحديد" ماهية الحياة البشرية وتدمير الأضعف بيننا.

لا غرابة في أن تتورط مؤسسات مثل جمعية تنظيم الأسرة في فضائح تشمل استئصال وبيع أعضاء الجنين وأجزاء أخرى من الأطفال الذين يتم اجهاضهم([106]). هذا هو المدلول الضمني المنطقي للتفكير الإلحادي - الذي يقول أنه نظرًا لأن البشر لا يتمتعون بكرامة فائقة وليسوا مميزين عن باقي الكائنات الحية، يمكننا الاستفادة أو التخلص من أجسادهم بأي طريقة قد تكون مفيدة لنا.

 وهذا أيضاً يفسر لنا السبب في بذل مجتمعنا كل ما في وسعه لتشجيع القوة واللياقة والنظام الغذائي وطول العمر - بينما في نفس الوقت يشجع القتل الرحيم والإجهاض لأي سبب طبي أو حتى بدون اي سبب. وتكون "الحياة الصحية والمديدة" هي السمة الوحيد الجديرة بالاهتمام بالنسبة للحياة. والمتعة هي مقياسهم الوحيد. وفي حالة وجود انسان لايخضع لهذا المقياس - على سبيل المثال، طفل مصاب بمتلازمة داون، أو رجل عجوز مصاب بالخرف، أو امرأة شابة مصابة بالاكتئاب - فإن المجتمع يسارع إلى الإجهاض أو القتل الرحيم أو المساعدة في انتحاره.

هذا هو المعنى المنطقي للتفكير الإلحادي - والذي يقول أن الشيء الوحيد المهم هو "نوعية الحياة" المادية والتجريبية، وأي حديث عن المعنى الروحي الأعمق للمعاناة والتحمل والتضحية والفرح هو مجرد هراء ديني.

لقد بات واضحا ـ كيف أننا بمجرد أن نفهم فلسفة الملحدين في الحياة، يتضح على الفور لماذا لديهم مثل هذه العلاقة العاطفية مع الموت. كما يصبح من الواضح ما هي أجندتهم للمستقبل.

وهذا هو ما يجعل الأمور مخيفة حقًا: لأنه عندما يتعلق الأمر باستخدام الموت كعلاج لجميع المشاكل البشرية، سنعلم إننا لم نر شيئاً من الملحدين بعد.

ضع في اعتبارك ما يلي:

• يعتقد العديد من علماء البيئة اليوم أن النشاط البشري يمثل أخطر تهديد لكوكب الأرض. يقول عدد كبير منهم الآن أن الحل الأكثر فعالية لمشاكلنا البيئية هو تقليل هذا التهديد بشكل كبير من خلال الإجهاض والقتل الرحيم. على سبيل المثال، في عام 2017، صرح مايكل برون، المدير التنفيذي لمؤسسة سييرا كلوب، أن الإجهاض هو أداة أساسية في حماية البيئة من "خطر الاكتظاظ السكاني"([107]).

• في المملكة المتحدة، ألقى اللورد شينكوين - وهو من ذوي الإحتياجات الخاصة - مؤخراً خطابًا مثيرًا في مجلس اللوردات، تحدث فيه عن التوجهات المثيرة للقلق في قانون الإجهاض على أساس "الإعاقة". وقال Sان الأمر بات محتوماً لأناس مثلي. حيث يواجه الأشخاص ذوو الإعاقات الخلقية خطر الانقراض. لو كنا حيوانات، فربما نكون مؤهلين للحماية كأنواع مهددة بالانقراض. لكننا مجرد بشر معاقين، لذلك نحن لسنا كذلكR([108]).

• في الوقت الحالي، هناك توجه قوي من قبل دعاة القتل الرحيم لوقف التغذية عن مرضى الزهايمر إذا "طلبوا ذلك" مسبقًا. يعتقد بيتر سنجر، الملحد المعروف وأستاذ أخلاقيات علم الأحياء بجامعة برينستون، أنه يجب السماح للأطباء بحقن مرضى الزهايمر بشكل مميت، حتى لو لم يطلبوا أبدًا أن يُقتلوا - لأنهم بحكم "الأشخاص الاعتباريين"([109]).

هذه ليست سوى بعض من أحدث التطورات في "ثقافة الموت" لدينا. إنهم يمثلون باكورة ما سيأتي. بعد كل شيء إذا كان البشر ليسوا أكثر من سلع يمكن التخلص منها، فإن الإجهاض والقتل الرحيم وغير ذلك من أساليب القتل يمكن تبريرها لأي سبب من الأسباب على الإطلاق - بما في ذلك المساعدة في تخفيف الاكتظاظ السكاني، والهجرة، والفقر، والتشرد، وإساءة معاملة الأطفال، والمشاكل المتعلقة بالعلاقات العرقية.

في الواقع، إذا كنت تريد حقًا معرفة اجندة الملحدين الجدد، فما عليك سوى الرجوع إلى الملحدين الأكبر سنًا والأكثر جرأة في الماضي، الذين لم يخشوا التحدث بآرائهم حول ما يؤمنون به.

قالت مارغريت سانجر، على سبيل المثال – مؤسِّسة جمعية تنظيم الأسرة (والمدرجة على أنها "ملحدة وناشطة مشهورة" على موقع celebatheists.com)، في كتابها، المرأة والعرق الجديد: Sان ارحم شيء تفعله الأسرة لأحد أفرادها الرضع هو قتلهR([110]).

كما حددت الأهداف التالية في مقال بعنوان "أمريكا تحتاج إلى دستور للأطفال". إليك عينة صغيرة:

Sالمادة 1. الغرض من قانون الطفل الأمريكي هو توفير توزيع أفضل للأطفال. . . ولحماية المجتمع من الزيادة وتكاثر غير الصالحين. . . . المادة 4. لا يحق للمرأة قانونا أن تنجب طفلا، ولا يحق للرجل أن يصبح أبا دون ترخيص. . . . المادة 6 - لا يسري ترخيص الأبوة لأكثر من ولادة واحدةR([111]).

كانت السيدة سانجر، التي كان شعار مجلتها "لا آلهة، لا سادة" من أوائل المؤيدين لعلم تحسين النسل - علم "تحسين" السكان من خلال التحكم في التربية بغرض زيادة ظهور الخصائص "المرغوبة" وتقليل الصفات "السلبية" في الناس. (تذكر أن هذا كان أحد مجالات الدراسة المفضلة لدى النازيين).

لم تكن سانجر - التي لا تزال تحتفل بها جمعية تنظيم الأسرة حتى اليوم كبطلة - خجولة على الإطلاق في إعلان اعتقادها أنه يجب السيطرة على التكاثر البشري والتلاعب به من أجل القضاء على أي شخص غير مرغوب فيه.

في كتابها محور الحضارة، كتبت أن المعاقين، بمن فيهم المكفوفون والصم والبكم والمجانين والمصابون بالصرع، يمثلون "حملاً زائداً من الفضلات البشرية"([112]). ومن وجهة نظرها، يجب أن Sنطبق سياسة تعقيم وفصل صارمة وثابتة على تلك الفئة من السكان الذين تلوثت ذريتهم أو الذين يمكن أن تنتقل صفاتهم الوراثية المرفوضة إلى الأبناء. . . . سيكون لجميع السكان المصابين بخلل الجينات [الأشخاص الذين لديهم "جينات سيئة"] خيار الفصل أو التعقيم [الإجباري]R([113]).

كما اعتبرت سانجر السود عرقًا أدنى يجب تعقيمه والسيطرة عليه وإجهاضه من الوجود، فقالت:

Sإذا تمكنا من تدريب الطبيب الزنجي في العيادة، فيمكنه الانضمام اليهم بحماس ومعرفة، وأعتقد أنه سيكون له نتائج بعيدة المدى بين الأشخاص الملونين. . . . عمل الوزراء مهم أيضًا ويجب أن يتم تدريبه، ربما من قبل اتحاد [تحديد النسل الأمريكي] فيما يتعلق بمُثلنا العليا والهدف الذي نأمل الوصول إليه. لا نريد أن تنشر كلمة مفادها أننا نريد إبادة السكان الزنوج والوزير هو الرجل الذي يمكنه تقويم هذه الفكرة إذا حدثت لأي من أعضائهم الأكثر تمردًاR([114]).

هذا اقتباس مخيف بشكل خاص، اذا ما نظرنا إلى حقيقة أن جمعية تنظيم الأسرة اليوم نشطة بشكل غير عادي في مجتمعات الأمريكيين من أصل أفريقي. في الواقع، لقد وجدت دراسة حديثة أجرتها مجموعة حماية حياة السود أن 79 في المائة من مرافق الإجهاض الجراحي في جمعية تنظيم الأسرة تقع على مسافة قريبة من أحياء الأمريكيين من أصل أفريقي. في الواقع، احتمالية موت الأطفال الأمريكيين من أصل أفريقي في مدينة نيويورك في ارحام امهاتهم اكبر من احتمالية ولادتهم، وفقًا لتقرير صادر عن إدارة الصحة العقلية بمدينة نيويورك. في المتوسط ​​، مقابل كل ألف طفل أسود يولدون في مدينة نيويورك كل عام، يتم إجهاض الف ومئتين([115]). في ولاية ميسيسيبي، يتم إجراء 72 بالمائة من إجمالي عدد عمليات الإجهاض للأطفال السود - وهذا يحدث في ولاية "يفوق فيها البيض عدد السود بنسبة نسبة 1.6 إلى 1"([116]).

لا شك أن مارغريت سانجر ستشعر بسعادة غامرة لمعرفة أن رؤيتها الإلحادية لمجتمع مصمم لتحسين النسل قد تحققت أخيرًا.

بالاضافة الى هذا، فإننا  لا يمكننا إنهاء هذا النقاش دون التحدث بإيجاز عن قتل الأطفال الذين ولدوا بالفعل، أي وأد الاطفال:

في هولندا، تعتبر هذه الممارسة المروعة قانونية بالفعل. فمن المقبول تمامًا للأطباء والآباء أن يقرروا بشكل مشترك أنه يمكن قتل الأطفال حديثي الولادة "المصابين بمرض مستعصي" بعد وقت قصير من الولادة. وبالمثل، فإن "إجهاض ما بعد الولادة" (كما يطلق عليه بشكل ملطف) للأطفال المعوقين يتم النظر فيه الآن في كندا.

صرح، أودو شوكلينك، عالم الأخلاقيات البيولوجية الكندي المعروف، قائلا: Sبمجرد أن نتوصل إلى أن الموت هو في مصلحة الرضيع، فمن غير المعقول عدم التسبب في هذه الوفاة بأقل قدر من الألم وبأكبر قدر من السيطرة من حيث التوقيت من قبل الوالدينR([117]).

ولم لا يعتقدون أنه من "غير المعقول" أن تتسبب في وفاة الأطفال حديثي الولادة؟

إذا أعدت تعريف الأشخاص على أنهم فقط تلك الكائنات القادرة على التفكير العقلاني والتأمل الذاتي، فلن تستعبد الأجنة من صفة الشخص فحسب، بل حتى الأطفال الحديثي الولادة.

ويتفق مع شوكلينك بشكل كامل البروفيسور الملحد جون هاريس، الذي ربما يكون العضو الأشهر في لجنة الأخلاقيات في الجمعية الطبية البريطانية. وقد صرح في مناسبات عديدة أن وأد الأطفال Sله ما يبررهR لأنه ببساطة Sليس من المعقول الاعتقاد بأن هناك أي تغيير أخلاقي يحدث أثناء رحلة الجنين عبر قناة الولادةR([118]).

بمعنى آخر، لا فرق أخلاقي بين إجهاض الجنين وقتل الطفل.

ويمضي الباحثان الملحدان ألبرتو جيوبيليني وفرانشيسكا مينيرفا إلى جوقة الملحدين الداعين إلى تقنين قتل الأطفال. في ورقتهما البحثية، "الإجهاض بعد الولادة: لماذا يجب أن يعيش الطفل؟"، وقد قدموا الحجج التالية:

S1) لا يتمتع كل من الأجنة و ‏حديثي الولادة بنفس الحالة الأخلاقية التي يتمتع بها الأشخاص الفعليون؛ 2) حقيقة أن كليهما شخصان محتملان ليس لها اي وزن أخلاقي؛ و 3) التبني ليس دائمًا في مصلحة الأشخاص الفعليينR.

لذلك، خلصوا إلى أن "الإجهاض بعد الولادة" (قتل المولود الجديد) يجب أن يكون مسموحًا به في جميع الحالات التي يسمح فيها الإجهاض - بما في ذلك الحالات التي لا يكون فيها المولود معاقًا([119]).

جميع الحالات . . . بما في ذلك حيث لا يكون المولود معاقًا.

هل تقرأ هذه الكلمات بعناية؟

إنها لم يتم اختلاقها، وليست من نتاج المتدينين المهووسيين. بل هي تخرج من أفواه بعض الملحدين الرائدين اليوم. هذا هو المكان الذي تتجه اليه ثقافتنا. وهذا هو المكان الذي يأخذنا اليه الملحدون الجدد: إلى عالم يكون فيه إنهاء الحياة هو الحل لكل مشكلة ؛ عالم فيه القتل أفضل من الحب والتضحية ؛ عالم يُمارس فيه علم تحسين النسل، والإجهاض، واستئصال اعضاء الأجنة، والقتل الرحيم، والانتحار بمساعدة الطبيب، والانتحار القسري، وقتل الأطفال، في كل الأوقات ولجميع الأسباب. هذا هو المستقبل!

علينا أن نستيقظ ونواجه الحقائق. إذا كانت الكتب السماوية يقول أن دافع الله الأساسي هو خلق الحياة، فإن الشعار المظلم، الملتوي، والمرعب للحركة الإلحادية الحديثة هو عكس ذلك تمامًا: Sواما نحن فقد اتينا ليكون لكم الموت وليكون لكم بوفرةR.

كما سنرى في الفصل التالي، لا يقتصر الأمر على كون الملحدين جادين في جعل رؤيتهم الغولية حقيقة واقعة فحسب، بل إن لديهم كل الإيمان والحماس العقائدي اللازم لإنجاز ذلك.

 

الفصل السابع

ايمان الملحدين الأعمى

 يدعي الملحدون أنه ليس لديهم أي معتقدات على الإطلاق فيما يتعلق بالله. يقولون إنهم "يفتقرون" إلى الإيمان به. بعبارة أخرى، لا يعرّفون الإلحاد على أنه شيء إيجابي، بل شيء سلبي - على أنه "غياب" الإيمان. هذا الغياب هو بسبب نقص الأدلة.

أليس هذا مريحًا جدًا؟ إذا كان الإلحاد مجرد غياب للإيمان، فلن يضطر الملحدون أبدًا للدفاع عن موقفهم. بعد كل شيء، إذا كان موقفهم ليس موقفًا بالأساس، فلا يوجد التزام فكري مقابل للرد على أي انتقاد له. وهذا أكثر ما يحبه الملحدون.

إنه منطقي تمامًا. إذا كنت جاهلاً وضحلاً وجبانًا في البداية، فإن آخر شيء تريد القيام به هو الدفاع عن افكارك على أسس عقلانية. من الأفضل تجنب النقاش الفكري تمامًا والتمسك بما تعرفه جيدًا - السخرية والاستهزاء والتهكم.

لكن هذا لن يمر مرور الكرام. إذا اثبت هذا الكتاب شيئًا، فهو أن الإلحاد هو ابعد ما يكون عن "غياب الإيمان الأعمى".

في الواقع، الإلحاد هو نظام كامل من المعتقدات - نظام له فلسفته الخاصة (المادية)، وأخلاقه الخاصة (النسبية)، وسياسته الخاصة (الداروينية الاجتماعية)، وثقافته الخاصة (العلمانية). حتى أن له طقوسه وقرابينه الخاصة (الإجهاض، قتل الأطفال، والقتل الرحيم). وقد تسبب نظام المعتقدات هذا بعمليات قتل ومجازر واضطهاد ومعاناة أكثر مما تسبب به أي نظام معتقدات آخر عرفه العالم على الإطلاق.

     لكن قبل أن نصل إلى تفاصيل ما يؤمن به الملحدون، دعونا نتحدث أولاً قليلاً عن الإيمان نفسه. ما هو بالضبط هذا الشيء الغامض؟ ولماذا يتعامل معه الملحدون على أنه كلمة قذرة؟

الإيمان هو الثقة أو الثقة في شيء له أساس قوي في العقل ولكن لا يمكن إثباته بشكل مطلق تجريبيًا. الإيمان يتناقض تمامًا مع الخرافات والفانتازيا التي ليس لها أي أساس عقلاني على الإطلاق. وبالتالي لا يمكنك مقارنة الإيمان بسانتا كلوز أو جنية الأسنان أو "وحش السباغيتي الطائر"، كما يدعي الكثير من الملحدين بشكل تافه. الإيمان الحقيقي يقوم دائما على العقل.

على عكس ما يقوله الملحدون. البشر جميعا لديهم إيمان من نوع ما، ومن المستحيل العيش في هذا العالم بدونه. على سبيل المثال، يستيقظ الملايين من الأشخاص كل صباح ويقودون سياراتهم إلى العمل. أثناء تنقلهم، لا شيء يفصلهم عن طريق السيارات المعاكس عدا خط أبيض رفيع. يمرون بجميع أنواع السيارات والشاحنات والمقطورات التي تسير بسرعة أكثر من ستين ميلاً في الساعة وتتجه نحوهم مباشرة. إنهم لا يعرفون سائقي تلك المركبات. وليس لديهم أدنى فكرة عن سجلات قيادتهم أو ما إذا كان أي منهم يعاني من مشكلة أدمان ام لا. إذا انحرف أحد هؤلاء السائقين الآخرين لبضعة أقدام، فسيحدث حادث مروع. ومع ذلك، فإن هؤلاء الركاب يمضون بمرح دون أن ترمش أعينهم بينما تمر مئات السيارات من أمامهم. كيف يفعلون ذلك؟ لديهم ثقة في أن هؤلاء السائقين الآخرين سوف يلتزمون بجانبهم من الطريق.

عندما يبدأ هؤلاء الأشخاص العمل، تتكرر القصة نفسها. يجلسون على مكاتبهم وفوقهم سقف كبير. لم يتفحصوه من قبل. لم يتحققوا لمعرفة ما إذا كانت عوارض الدعم مثبتة بشكل صحيح أو إذا كان النمل الأبيض قد التهم الخشب. لم يتحققوا للتأكد من أن جميع تصاريح البناء سليمة. رغم كل ما يعرفونه، فإن الهيكل بأكمله قد ينهار فجأة ويسحقهم. ومع ذلك، فإنهم يجلسون يومًا بعد يوم أمام شاشات أجهزة حواسيبهم غير مكترثين. لماذا؟ لأنهم يؤمنون بأن الأشخاص الذين بنوا مكاتبهم كانوا محترفين وفعلوا كل ما كان من المفترض أن يفعلوه للتأكد من أن بيئة عملهم آمنة.

تعتمد كل معرفتنا بالتاريخ تقريبًا على الإيمان أيضًا. فكر في الأمر. هل كنت موجودا عندما غزا الرومان قرطاج عام 146 قبل الميلاد؟ أو عندما اكتشف كولومبوس أمريكا عام 1492؟ أو عندما عبر جورج واشنطن نهر ديلاوير عام 1776؟ إذا لم تكن قد شاهدت هذه الأحداث بالفعل، كيف يمكنك أن تكون متأكدًا من حدوثها في أي وقت؟

ستقول.. هناك "دليل". هناك وثائق وكتب وشهادات ولوحات. نعم هذا صحيح. وهذا هو نفس النوع من "الأدلة" التي يستند إليها المؤمنون في العديد من معتقداتهم الدينية. سواء كنت تتحدث عن الدين أو السجل التاريخي للبشرية، فإن معظم المعلومات التي حصلنا عليها قد انتقلت إلينا من جيل إلى جيل. القليل جدا منها مباشر. القليل جدًا منها يمكن إثباته علميًا. يجب قبول معظمها على أساس الإيمان - الإيمان بمؤلفي الوثائق، والإيمان بمصداقية شهود العيان، والإيمان بقدرتنا على استخلاص استنتاجات منطقية وعقلانية من مجموعة كاملة من البيانات والأدلة.

النقطة المهمة هي أن الإيمان ليس مفهومًا متعصبًا أو أصوليًا أو متطرفًا. إنه ضرورة أساسية للعيش في العالم. وسواء اعترف الملحدون بذلك أم لا، فهم يعتمدون عليه تمامًا مثل أي شخص آخر.

     ما هي بعض الأمور التي يؤمن بها الملحدين؟

قال الكاتب والفيلسوف جلبرت شيسترتون ذات مرة: Sعندما يتوقف الرجل عن الإيمان بالله، فإنه لا يؤمن بلا شيء - إنه يؤمن بأي شيءR([120]).

     ما مدى صحة ذلك!

لن تكفي صفحات هذا الكتاب لوصف جميع المعتقدات القائمة على الإيمان والتي يعتز بها الملحدون في قلوبهم. لهذا سنبدأ بأكثرها وضوحًا - التأكيد على أن الله غير موجود لأنه لا يوجد دليل على وجوده.

هذا - بالطبع - امر سخيف بشكل واضح. ناقشنا في الفصل الأول من هذا الكتاب بعض المفكرين العظماء في التاريخ الذين كانوا أيضًا مؤمنين متدينين. كان هؤلاء الرجال والنساء يؤمنون بالكائن الأسمى، ليس فقط بسبب قبولهم لأديانهم على انها صحيحة فحسب، ولكن أيضًا بسبب التفكير المنطقي والتحليلي. هناك العشرات من الحجج العقلانية التي تثبت وجود الله - أكثر من أن نناقشها هنا. فهناك الحجة الكونية، على سبيل المثال، التي تستكشف السؤال: "من أين أتى كل شيء؟" هناك الحجة الغائية، التي تشير إلى نظام الكون وتناغمه وتؤكد أنه يجب أن يكون هناك مصمم ما. بالاضافة الى حجج تنبع من مفاهيم "الإمكان" و "الرغبة" و "درجات الكمال" و "المعجزات" و "الأخلاق والضمير" و "الشهادات الموثوقة". والقائمة تطول وتطول.

كل هذه الأدلة تستند إلى المنطق، على ملاحظة العالم المادي ووعينا، أو على التفكير الاستقرائي والاستنتاجي. لا يستند أي منها إلى الكتب المقدسة فقط. لم يحاول أي منها إثبات وجود الله بمجرد التأكيد على أن "الكتب المقدسة تقول هذا أو ذاك".

الحقيقة هي أنه عندما يقول الملحدون أنه لا يوجد دليل على وجود الله، فإن ما يقصدونه حقًا هو أنه لا يوجد "دليل علمي" على وجوده. هذا شيء مختلف تمامًا. فأن يدلي الملحدون بهذا الادعاء، فهذا يدل على أن إيمانهم بقوة العلم غير منطقي ومبالغ فيه. لأن التأكيد على أن شيئًا ما يجب أن يكون قابلاً للتفسير علميًا أو يمكن إثباته حتى يتم تصديقه هو، في حد ذاته، جزء من اجزاء الإيمان الأعمى.

هذا الاعتقاد، كما أشرنا في الفصل الخامس، مغالطة فكرية تُعرف بالعلموية. وهي تعني "اختزال كل المعارف المشروعة إلى الشكل العلمي للمعرفة"، ومشكلتها الأساسية، بالطبع، هي أن العلموية نفسها لا يمكن إثباتها علميًا. ببساطة لا توجد طريقة لمراقبة أو التحقق تجريبياً من فكرة أن الحقيقة لا يمكن التوصل إليها إلا من خلال الوسائل العلمية. ولذلك فإن الاقتراح برمته غير علمي، فهو معتقد إلحادي يقوم فقط على إيمانهم بحقيقته - وليس على أي دليل علمي.

في الواقع، ستكون دراسة العلوم بأكملها مستحيلة ما لم نقم بافتراض آخر غير علمي. يجب أن نفترض أولاً أن الكون واضح - اي أنه مفهوم، ويمكن التنبؤ به إلى حد ما، وأنه يخضع لقوانين العقل، وأنه "منطقي".

تشكل القدرة على التنبؤ والطاعة للقوانين الفيزيائية حجر الزاوية في البحث العلمي، فمن دون هذا الوضوح والمفهومية، لا يمكن إجراء أي مناقشة علمية لأنك لن تكون قادرًا على الوثوق بنتيجة أي من التجارب التي أجريتها. لن تكون قادرًا أبدًا على الوثوق بعملياتك الفكرية أو قدرتك على التفكير. ومع ذلك، فإن مفهوم الوضوح برمته لم يتم إثباته علميًا. إنه افتراض قائم على الإيمان في جوهره - وهو اعتقاد يقوم على ما يبدو أنه حقيقة.

اعيد واكرر لا ضير في ذلك. كما هو الحال في أنواع الإيمان الأخرى التي تحدثنا عنها، يشكل ايماننا بمفهومية الكون جزءاً ضرورياً من الحياة. لكن الملحدين لا يملكون الشجاعة أو الصدق أو الذكاء للاعتراف بذلك. بدلاً من ذلك، فهم ما زالوا يرددون نفس الهراء: "كل شيء لا يمكن اثباته في المختبر فهو غير صحيح".

وهذه فقط بداية إيمانهم. تذكر أن الملحدين يعتقدون أن كل شيء في الحياة له أساس مادي بحت. إنهم ينكرون تمامًا وجود الروحانيات. إنهم يؤمنون بأن أفكارنا وأحلامنا وعواطفنا وحبنا وكرهنا وآمالنا وطموحاتنا وفضائلنا وخطايانا ومعاناتنا يحددها النشاط الذري وحده. إنهم يؤمنون بأن كل فلسفاتنا وسياساتنا وثقافاتنا وفننا وأدبنا وموسيقانا وتاريخنا وأعمق رغباتنا في الحياة الأبدية وكل ما هو رفيع ومتعالي في العالم - الجيد والحقيقي والجميل – هو محض نتيجة للتفاعلات الكيميائية الحيوية والحركة العشوائية للجزيئات في الأثير الفارغ الذي لا حياة له.

هذا ليس علمًا إنه ايمان اعمى. بل هو إيمان غير عقلاني يعمل كأساس لجميع الخرافات.

علاوة على ذلك، يضع الملحدون مجموعة كاملة من الافتراضات التي لا يمكن إثباتها علميًا. على سبيل المثال، يعتقدون أن هذا الكون الشديد التعقيد - عالم لا مثيل له من الجمال والوئام والنظام - نشأ من تلقاء نفسه من العدم، ويعتقدون أن هذا النظام خرج من الفوضى، وأن الحياة خرجت من اللاحياة، وأن الوعي خرج من اللاوعي، وأن المنطق خرج من اللامنطق.

لا يمكن إثبات أي من هذه المعتقدات تجريبياً. ولا يمكن إثبات أو تكرار أي منها علميًا.

لقد أنكر بعض الملحدين - الفيلسوف ديفيد هيوم، على سبيل المثال - أن الكون كان بهذا التنظيم منذ البداية، ولا يزال بعض الملحدين السذج يعتقدون أن التطور يفسر بطريقة ما كيف بدأت الحياة لأول مرة([121]). لكن هذه المعتقدات لا يمكن تصديقها تمامًا.

إن الادعاء بأن الكون فوضوي وغير منظم يتعارض مع المنطق والحس السليم. على سبيل المثال، نعلم جميعًا أن القمر يدور حول الأرض بشكل إهليلجي مثالي، والأرض تدور حول الشمس بشكل إهليلجي مثالي، والشمس تدور حول مركز المجرة بشكل إهليلجي مثالي([122]). مليارات النجوم في مليارات المجرات كلها تتحرك في مسارات إهليلجية مماثلة وثابتة ويمكن توقعها. إن تسعين بالمائة من المادة التي يمكن ملاحظتها في الكون تعمل بهذه الطريقة عالية التنظيم([123]). وإن إنكار قضية أن الكون منظم أمر غير معقول. حتى طالب في المدرسة الثانوية معه تلسكوب صغير يمكنه رؤية ذلك!

وفيما يتعلق بالادعاء بأن التطور يفسر أصل الحياة، فقد تطرقنا إلى هذه الفكرة غير المنطقية من قبل. إن الاحتمالات الإحصائية لنشوء حتى أكثر أنواع الحياة بساطة نتيجة خلط عشوائي للجزيئات في "حساء بدائي" (بركة الماء الدافئ التي اعتقد داروين ان شكل الحياة الأول نشأ فيها) هي خيالية لدرجة أنه حتى العلماء يجدون صعوبة في اكتشافها. لا يمكنهم القول إن الاحتمالات تساوي تريليونات إلى واحد، لأن حتى هذا الرقم الخيالي يعتبر منخفض جدًا!

يقول الدكتور ستيفن سي ماير، مدير مركز العلوم والثقافة في معهد ديسكفري، أن احتمال توليد حتى "بروتين وظيفي قصير"، وهو أبسط لبنة في الحياة، هو 1 في 10125 - وهو رقم متناهي في الصغر بحيث يتحدى الوصف. (هذا يعني في الواقع واحد من مائة كوادراجينتيليون!)([124])

لاستخدام تشبيه مألوف: إذا أخذت آلاف الأحرف من الأبجدية، ورميتها عالياً في الهواء، وشاهدتها جميعًا تسقط على الأرض، لتشكل بطريقة ما رواية تولستوي "الحرب والسلام" ، فإن احتمالية حدوث ذلك هو نفس احتمالية تشكل الحياة من خلال صدفة اختلاط الجزيئات.

لهذا السبب خلص الدكتور ماير وزملاؤه إلى أن هناك احتمالية أكبر بكثير لوجود مصمم وخالق كوني قام بهندسة وخلق الحياة على هذا الكوكب. ويقولون، Sالتسلسلات المعقدة ولكن المحددة وظيفيًا. . . في الحمض النووي تشير إلى الفعل الماضي لعقل ذكي، حتى لو لم يكن بالإمكان ملاحظة هذه الفاعلية العقلية بشكل مباشرR([125]).

ومع ذلك، وعلى الرغم من شهادات العديد من العلماء وعلماء الرياضيات المحترمين، يرفض الملحدون بعناد قبول حتى إمكانية أن يكون للكون مصمم. لقد حافظوا بثبات على العقيدة القائلة "لا بد أن الحياة على هذا الكوكب اتت بالصدفة". وواضح ان موقفهم هذا يتعارض مع المنطق، ويتناقض مع التجربة، وحتى يتعارض مع العلم نفسه. ومع ذلك فهم ما زالوا يؤمنون بذلك. وهذا الايمان بلا شك، هو ايمان اعمى.

إنهم يصرون - على أساس الإيمان فقط - على أن العلم سيتمكن يومًا ما من شرح جميع أسرار الكون ومعجزاته. لكن العلم لا يستطيع حتى معرفة كيفية صنع قطعة من العشب!

في الواقع، لا يستطيع العلم حتى الإجابة عن أبسط الأسئلة العلمية. مثلا ما هي المادة المظلمة؟ أو ما هي الطاقة المظلمة - التي لا يمكن رؤيتها أو الشعور بها ولكنها تشغل بطريقة ما 70 في المائة من الكون؟([126])  أو كيف يمكن للضوء أن يتكون من كل من الجسيمات والموجات في نفس الوقت؟([127]) أو لماذا يتحرك الزمن باتجاه واحد فقط([128])؟ أو لماذا يمكننا تخيل ثلاثة أبعاد فقط، بينما تشير نظرية الأوتار والنظريات العلمية الأخرى الى وجود اكثر من ذلك بكثير؟([129]) أو كيف يمكن لميكانيكا الكم والجاذبية التواجد معًا؟([130]) أو كيف يمكن لأي منهما أن يتواجد في حين أن وجود كليهما يتعارض مع الثقوب السوداء؟([131])

هذه ألغاز علمية مشروعة - وليس لدى العلماء دليل على إجاباتها. ومع ذلك، يستمر الملحدون في العبادة عند أقدام العلم كما لو كان إله، وينشرون الوهم المجنون بأن العلم يحمل المفتاح الذي يفتح كل أسرار الكون.

الحقيقة هي أنه عندما يتعلق الأمر بأعمق ألغاز الحياة، فلن يكون ابدًا للعلم اي إجابات. السبب الذي يجعلنا متأكدين تمامًا هو أن الأسئلة المتعلقة بأصل الكون هي أسئلة فلسفية بطبيعتها وليست علمية.

في مكان آخر من هذا الكتاب، اقتبسنا من ألبرت أينشتاين، الذي قال، Sإن أروع شعور يمكن ان يملأ الأنسان هو الشعور بالروحانية والغموضR. كلما تعمقنا في العلم اكثر، أصبحت الأشياء اكثر غموضاً وروحانيةً.

وفي قلبه يكمن أعظم لغز على الإطلاق: سر الوجود.

لماذا هناك شيء بدلا من لا شيء؟ هذه هي مسألة المسائل، ولغز الألغاز، ومعضلة المعضلات. والملحدون يجهلونها تمامًا.

دعونا نتوقف هنا ونفكر حقًا في هذه النقطة الهامة جدا لأنها تشرح لماذا يحتاج الملحدون في الواقع إلى الإيمان أكثر من المؤمنين.

يفرض المنطق والفطرة السليمة أن شيئًا ما لا يمكن أن يأتي من لا شيء. وهذا واضح لأي شخص. لذلك، فإن المادة التي يتكون منها الكون لا يمكن أن تكون قد ظهرت إلى الوجود تلقائيًا ومن تلقاء نفسها. يجب أن يكون هناك سبب أصلي لذلك.

هذا هو السبب في أن نظرية الانفجار العظيم (التي صاغها في الأصل رجل دين، تذكروا) تدعم في الواقع حجة وجود الله. لأنه إذا كان الكون قد نشأ بالفعل نتيجة لانفجار هائل، فما نوع المادة أو القوة التي كانت موجودة قبل ذلك الانفجار مباشرة؟ ما الذي حث وسبب الانفجار في المقام الأول؟

فقط أكثر الملحدين جهلًا هم الذين يعتقدون أنه لم يكن هناك شيء قبل الانفجار العظيم. إذا كانوا يفكرون حقًا في مثل هذا الشيء، فإنهم سيعترفون على الأقل بأن قوة عليا (اي اله) "أشعلت" الانفجار (لأنه، مرة أخرى، لا يمكن أن يأتي شيء ما من لا شيء). وبالتالي، يجب على أي ملحد ذي حس علمي أن يدرك أن نظرية الانفجار العظيم لا تقدم الا تفسيرًا محتملاً لكيفية نشوء الكون الحالي وإمكانية تطوره. إنها لا تعطينا أي إشارة إلى أصل الكون.

افترض بعض العلماء أن الجاذبية أو بعض "قوى الطبيعة" الأخرى تسببت في ظهور كل شيء([132]). افترض علماء آخرون وجود "كون متعدد"، والذي يحتوي على عدد كبير لا يمكن تصوره من الأكوان التي خلقت نفسها تلقائيًا (مرة أخرى، هي نظرية لا يوجد لها دليل تجريبي أو رصدي)([133]). ولكن لا تتناول أي من هذه التفسيرات السبب الأصلي لتلك القوى أو ذلك الكون المتعدد. لا يتناول أي منهم السؤال المركزي للوجود نفسه. أي سبب محتمل يقوم العلماء بتنظيره يجب بالضرورة أن يكون "مرتبطًا" ببعض الأسباب الأخرى، والتي تكون أيضًا مشروطة بشيء آخر، وتستمر في تراجع لا نهائي للأسباب العرضية. (الجاذبية، على سبيل المثال، يجب أن تأتي من مكان ما). لذلك، لا يمكن أن يكون أي من هذه الأسباب هو السبب الحقيقي الأصلي.

خلاصة القول هي أن كل شيء يشير إلى حقيقة غامضة لا تتوقف أو تعتمد على أي شيء آخر: هؤلاء الملحدون الذين لديهم القدرة العقلية لفهم هذا الأمر يعرفون أن هذه الحقيقة الغامضة الموجودة بذاتها والتي لا يتوقف وجودها على وجود موجود آخر تملك واحدة فقط من هويتين محتملتين. إما أن يكون الله (بطبيعته السامية) أو الكون (بطبيعته المادية). وبعبارة أخرى، إما الله أو الكون هو دائم الوجود. ليس هناك خيار آخر.

     ماذا يعني هذا للملحدين؟

هذا يعني أنهم في ورطة! هذا يعني أنهم بحاجة إلى الإيمان! وهذا يعني أنه وفقًا لنظام معتقداتهم، ليس للكون بداية. المادة نفسها ليس لها بداية. وبعبارة أخرى، على الرغم من حقيقة أن الملحدين لا يؤمنون بإله سرمدي، فلا يزال يتعين عليهم التعامل مع اللغز الهائل للمادة السرمدية - وهو لغز لا يمكن للعلم أبدًا حتى أن يحلم في فهمه. بعد كل شيء، كيف يمكن ألا يكون للمادة بداية؟ كيف يمكن لأي شيء ألا يكون له بداية؟ هذا شيء لا يستطيع حتى أعظم عباقرة العلم استيعابه. إنه ليس ذلك الشيء الذي يمكن التغاضي عنه بلا مبالاة، كما يفعل الكثير من الملحدين الحمقى اليوم.

أما أولئك الذين يؤمنون بالله فلديهم نفس اللغز الذي يتعين عليهم التعامل معه، ولكن على الأقل لديهم أساس عقلاني ليقفوا عليه. حيث انهم يؤكدون انه من الممكن ان يكون الله (خالق الكون) سرمدي ليس لأنه خارق للطبيعة فحسب؛ بل لأنه موجود على مستوى مختلف تمامًا عن الكون المادي؛ لأنه من طبيعته أن يكون علياً ومستغنياً بذاته عن كل شيء.

من ناحية أخرى، لا يُظهر الكون طبيعة الشيء السرمدي والواجب الوجود والمستغني بوجوده عن كل شي.

بعبارة أخرى، لا يمتلك الكون الخصائص التي تنسجم مع الحقيقة السرمدية والقائمة بذاتها.

لذلك فإن هذا الوصف يناسب الله تماماً. فالمؤمنون بالله يقولون نحن نؤمن بذات عليا موجودةً بذاتها، ولا تفتقر في وجودها إلى غيرها، ولا يتوقّف وجودها على وجود موجود آخر.

يقول الفيلسوف مورتيمر أدلر، لدينا على الأقل Sأسباب معقولة لتأكيد وجود اللهR. وهذه الأسس المنطقية بدورها تعطينا أساسًا عقلانيًا في ايماننا بالله اضافة الى الكتب السماوية وتعاليم وسير الأنبياء (التي لا تتعارض مع المنطق والفطرة السليمة) والتنظيم المحكم والتصميم الذكي الذي نراه في الكون.

الملحدون ليس لديهم مثل هذه الأسباب.

إن في قلب نظام معتقداتهم يوجد لغز هائل لا يمكن حله، ويجب أن يكون لديهم إيمان أعمى لا أساس له - إيمان يقول أن الكون "هو ما هو عليه" بلا غاية ولا سبب على الإطلاق وضد كل الأسباب. في النهاية، يحتاج الملحدون إلى إيمان أكثر من المؤمنين لأن إيمانهم ينطوي على استبعاداً اكبر للمنطق والفطرة السليمة.

الحقيقة هي أن الملحدين اليوم لا يحاولون فقط الدفاع عن موقف فكري ؛ إنهم يحاولون نشر دين خاص بهم. وعلى الرغم من اعتراضهم عندما يطلق عليهم البعض بالتبشيريين، فإن هذا المصطلح ينطبق عليهم تمامًا. الملحد التبشيري هو الشخص الذي لا يؤمن فقط بعدم وجود ذات عليا ولكنه أيضًا مهووس بإقناع العالم كله بهذه العقيدة.

أليس هذا هو بالضبط نفس الهوس الذي وصفناه في كل صفحات هذا الكتاب؟ ألم نتحدث بإسهاب عن التبشير البغيض للملحدين مثل ريتشارد دوكينز، الذي يتسم خطابه بالنار والعقاب مثل أي واعظ أصولي، والذي يدلي بشكل روتيني بتصريحات منمقة، مثل: Sالشرور الكبيرة للدين التي يمكن مقارنتها بفيروس الجدري ولكن القضاء عليها أصعب R([134]

إن "استئصال" فكرة الله من على وجه الأرض هو بالضبط ما يدور في أذهان الملحدين الجدد. وهذا الهدف دفع المؤمنين إلى التأكيد على أن الإلحاد ليس مجرد رفض لقبول الله، بل هو عقيدة دينية متناقضة ذات مذهبين رئيسيين: (1) لا إله، و (2) أكرهه!

في الواقع، أصبح تعصبهم نفاقًا لدرجة أن حتى القليل من الملحدين المنصفين قد لاحظوا وعبروا عن اعتراضهم. على سبيل المثال، كتب كريس ستيدمان في هافينغتون بوست نقلاً عن زميله الملحد رضا أصلان:

S    هنالك . . . شيء تبشيري غريب حول ما سمي بالحركة الإلحادية الجديدة. . . . ليس من المبالغة وصف الحركة، التي روج لها أمثال ريتشارد دوكينز، ودانيال دينيت، وسام هاريس، وكريستوفر هيتشنز، باعتبارها شكلاً جديدًا ومتحمسًا من الأصولية الملحدة. إن أوجه التشابه التي تجمعها مع الأصولية الدينية واضحة ومذهلة: الاقتناع بأنهم وحدهم من يملكون الحقيقة (علمية أو غير ذلك)، والافتقار المقلق للتسامح مع آراء منتقديهم، والإصرار على القراءة الحرفية للكتب المقدسة (أكثر حرفية، في الواقع، مما نجده عند معظم الأصوليين الدينيين)، الاختزال التبسيطي للظاهرة الدينية، وربما الأكثر غرابة، شعورهم الغامر بالحصار: الاعتقاد بأنهم تعرضوا للقمع والتهميش من المجتمعات الغربية وانهم لن يتحملوا أكثر من ذلكR([135]).

     إن هذا حقا يفسر كل شيء.

     حيث نرى الملحدين اليوم مبسطين، ومتشددين، وغير متسامحين، وعقائديين، وتبشيريين، وغير عقلانيين في ايمانهم الأعمى. باختصار، إنهم يُظهرون جميع الصفات البغيضة التي ينسبوها ظلماً إلى المؤمنين.

 

 

 

الفهرس

المقدمة.........................................................................................................................5

الفصل الأول

عجرفة الملحدين  9

الفصل الثاني

جهل الملحدين  31

الفصل الثالث

وحشية الملحدين  51

الفصل الرابع

تعصب الملحدين  65

الفصل الخامس

سطحية الملحدين  83

الفصل السادس

مركزية الموت عند الملحدين  99

الفصل السابع

ايمان الملحدين الأعمى  129

الفهرس   149

 

 

([1])  “Responding to Arrogant Children,” Nobullying.com, last modified December 22, 2015, https://nobullying.com/arrogant/.

 ([2])Friedrich Nietzsche, “The Parable of the Madman,” in Thus Spoke Zarathustra: A Book for All and None, trans. Walter Kaufmann (Princeton: Princeton University Press, 2013.

([3]) Sam Harris, Letter to a Christian Nation (New York: Vintage Books, 2008), 67, 51.

 ([4])Remarks come from a speech Richard Dawkins presented at the Edinburgh International Science Festival on April 15, 1992. Quoted in Alec Fisher, The Logic of Real Arguments, 2nd ed. (Cambridge: Cambridge University Press, 2004), 83.

 ([5])Bill Maher, Religulous, directed by Larry Charles (2008; Santa Monica, CA: Lionsgate, 2009), DVD.

([6]) Christopher Hitchens, God Is Not Great: How Religion Poisons Everything (New York: Twelve Books, 2007), 64.

([7]) “الآن ، بياننا هو كالتالي - أن الإله هو ذات أبدية فضلى في الطبيعة ؛ بحيث تكون الحياة والمدة مع الإله غير منقطعة وأبدية: لأن هذا يشكل جوهر الله.”

Aristotle, The Metaphysics, trans. John H. McMahon (Mineola, NY: Dover, 2007), 277.

([8]) Stanford Encyclopedia of Philosophy, s.v. “Francis Bacon,” https://plato.stanford.edu/entries/francis-bacon.

([9]) Francis Bacon, “Theological Tracts,” The Works of Francis Bacon, Lord Chancellor of England, vol. 2 (Philadelphia: Carey and Hart, 1841), 405.

([10]) مقولة ليوناردو دافنشي الشهيرة "السعيد من اتبع الله".

 The Notebooks of Leonardo Da Vinci, vol. 1, trans. Edward MacCurdy (New York: George Braziller, (1955), 86.

([11]) يقول اسحق نيوتن، "تتمثل التقوى في معرفة محبة الله وعبادته، والإنسانية في المحبة، والبر والمساعي الحميدة تجاه الإنسان ".

“A Short Schem of the True Religion,” The Newton Project, February 2002, http://www.newtonproject. ox.ac.uk/view/texts/normalized/THEM00007

([12]) يقول ماكس بلانك: "الدين والعلم الطبيعي كلاهما يحتاجان الى الاعتقاد بالله، ولكن الاله بالنسبة للدين هو نقطة البدء، وبالنسبة للعلم هو غاية كل عملية فكرية".

 Max Planck, Scientific Autobiography and Other Papers, trans. Frank Gaynor (New York: Philosophical Library, (1949), 184.

تربى دانيال برنولي على العقيدة الدينية. كتب والده - يوهان - في سيرته الذاتية أن والديه "لم يدخروا أي مشكلة أو نفقات لمنحه تعليميًا مناسبًا في الأخلاق والدين. كان هذا الدين هو العقيدة التي أجبرت أجداده على الفرار من أنتويرب لتجنب الاضطهاد الديني".

 J. J. O’Connor and E. F. Robertson, “Johann Bernoulli,” School of Mathematics and Statistics, University of St. Andrews, accessed March 30, 2017, http://www-history.mcs. st-andrews.ac.uk/Biographies/Bernoulli_ Johann.html.

 ([13]) يقول كوبرنيكوس "أن نعرف أعمال الله الجبارة، أن نفهم حكمته وجلاله وقدرته؛ أن نقدر، الى حد ما، العمل الرائع لقوانينه، يجب أن يكون كل هذا بالتأكيد طريقة عبادة مرضية ومقبولة إلى العلي ، الذي لا يفيه حق قدره الا هذه المعرفة ".

Copernicus, quoted in Francis S. Collins, The Language of God: A Scientist Presents Evidence for Belief (New York: Free Press, 2006), 230–31; "

ويقول جاليلو "أفترض أن أجزاء الكون في أفضل ترتيب ، بحيث لا يوجد شيء خارج مكانه ، وهذا يعني أن الله قد وضع كل شيء بشكل مثالي".

quoted in Stillman Drake, “Galileo Galilei to Francesco Ingoli,” Galileo at Work: His Scientific Biography (Mineola, NY: Dover Publications, 2003), 294;

ويقول كبلر: "أشعر بأنني منجذب وتعتريني نشوة لا توصف على المشهد الإلهي للتناغم السماوي".

quoted in Max Caspar, Kepler, trans. and ed. C. Doris Hellman (New York: Dover Publications, 1993), 267.

([14]) يقول لويس باستور: "سوف تضحك الأجيال القادمة يومًا ما على حماقة الفلاسفة الماديين المعاصرين. كلما درست الطبيعة ، كلما اندهشت أكثر بصنائع الخالق. أصلي وأنا منخرط في عملي في المختبر".

quoted in “Is Darwinism on Its Death-bed?” Sanitarian 50, no. 398 (1903): 242.

([15]) كان ألبريشت فون هالر، وهو شخصية معروفة في أوروبا في عصره، يقدر وقته في مسقط رأسه برن، سويسرا، حيث ظل شخصية غامضة رغم شهرته، وكتب في رسالة إلى صديق: "يمكنني أن أعبد الله هنا بكل قوتي".

 Charles Bert Reed, Albrecht von Haller: A Physician—Not Without Honor(Chicago: Chicago Literary Club, 1915), 48;

 "غالبًا ما يتم الأشارة الى [ويليام] هارفي كشخصية عصرية ساعدت في تحرير العالم من قيود الولاء الخرافي للمدرسة والدين. . . . لكن عند الفحص الدقيق ، نجد ان هذا الرأي لا يمكنه الصمود. خذ على سبيل المثال المقطع التالي من تمارينه: "نعترف بأن الله ، الخالق الأسمى والقدير ، حاضراً في خلق جميع مخلوقاته" ( تمرين 54).

Brian T. Kelly, “Illuminating God’s Handiwork: Why We Study William Harvey,” Thomas Aquinas College, April 1, 2016, https://thomasaquinas.edu/news/illuminating-gods-handiwork-why-we-study-william-harvey.

([16]) "قادتني تجاربي العلمية إلى الله. هم ]الملحدون[ يتحدون ‏أن يثبت العلم وجود الله. ولكن هل يجب علينا حقاً أن نشعل شمعة لنرى الشمس؟" فيرنر فون براون مخاطباً مجلس التعليم في ولاية كاليفورنيا ، 14 سبتمبر 1972

quoted in Christopher H. K. Persaud, Blessings, Miracles & Supernatural Experiences: A Biblical Perspective; A Christian’s Story (Colorado Springs: Standard Publishing Company, 1925);

"يقول [والتون] أن وحي الله مازال مستمرًا من خلال العلم في استكشاف عجائب الطبيعة والخلق، فعلينا أن نسعى الى تقديم الثناء المجزي اليه بدراسة ابداعه الفني". فنسنت ماكبرايرتي

“Ernest Thomas Sinton Walton: Nobel Laureate” (Memorial Discourse, Dublin, Ireland, April 16, 2012),

https://www.tcd.ie/Secretary/FellowsScholars/discourses/discourses/2012_V%20McBrierty%20on%20ETS%20Walton.pdf;

في رسالة غولييلمو ماركوني إلى ماريا كريستينا ماركوني في 9 مارس 1927 التي يقول فيها " كلما عملت مع قوى الطبيعة وشعرت بالطيبة الإلهية تجاه البشرية ، ‏زاد ادراكي للحقيقة العظيمة: أن كل شيء أمر به الرب واهب الحياة لاسيما ذلك الذي يسمى العلم، فهو مجرد تعبير عن الإرادة الأسمى الساعية الى جعل البشر على اتصال ببعضهم البعض لمساعدتهم على التطور والحصول على الفهم المتبادل"

in Maria Cristina Marconi, Marconi My Beloved, ed. Elettra Marconi (Boston: Dante University of America Press, 2001), 30;

"قد أصرح الآن ، كنتيجة لحياة طويلة قضيتاها في دراسة صنائع الخالق ، أنني مقتنع بأنها تقدم أدلة على وجود كائن أسمى (الله) أكثر إرضاءً وإقناعًا بكثير من أي دليل يمكن ان توفره الشهادات البشرية".

Passages from the Life of a Philosopher (London: Longman, Green, Longman, Roberts, & Green, 1864), 403).

([17]) يقول وليام ويويل "أولئك الذين امتلكوا ابعد الرؤى كانوا على مدى العصور من اشد المؤمنين بالله".

quoted in Charles Noel Douglas, Forty Thousand Quotations, Prose and Poetical (London: George G. Harrap, 1917) 681.

([18]) يقول تشارلز داروين "لا أستطيع بأي حال أن أقتنع وأن أنظر إلى هذا الكون الرائع وتحديدًا إلى طبيعة الإنسان وأستنتج من ذلك أن كل شيء ما هو إلّا نتيجة قوة عمياء. إنَّني أميل إلى النظر إلى كل شيء على أنه ناتج عن قوانين مصمَّمة، أما التفاصيل سواء كانت جيدة أم سيئة فهي مرهونة بما يمكن أن ندعوه الصدفة. لا يعني هذا أن هذه الفكرة ترضيني على الإطلاق".

 The Life and Letters of Charles Darwin, vol. 2, ed. Francis Darwin (New York: D. Appleton, 1896), 104.

([19]) في البداية تم رفض نظرية لومتر من قبل أينشتاين والمؤسسة العلمية. "رغم أن أينشتاين لم يكن متحيزًا ضد الخلفية الدينية للومتر، فقد وصف اراء لومتر في الفيزياء بأنها "بغيضة". . . ومع ذلك ، في عام 1929 ، أُجبر أينشتاين على التسليم بصحة نظريته. أظهر إدوين هابل، الذي يعمل في مرصد ماونت ويلسون في جنوب كاليفورنيا ، أن جميع المجرات البعيدة في الكون كانت تتسابق بعيدًا عن بعضها البعض كما لو كانت حطامًا من انفجار كوني. يبدو أن نموذج الانفجار العظيم كان صحيحًا ".

Simon Singh, “Even Einstein Had His Off Days,” New York Times, January 2, 2005, http://www.nytimes.com/2005/01/02/opinion/even-einstein-had-his-off-days.html?_r=0; Mark Midbon, “‘A Day Without Yesterday’: Georges Lemaitre & the Big Bang,” Catholic Education Resource Center, March 2000, http://www.catholiceducation.org/en/science/faith-and-science/a-day-without-yesterday-georges-lemaitre-amp-the-big-bang.html.

 ([20])G. K. Chesterton, “The Man in the Cave,” in The Everlasting Man (Radford, VA: Wilder Publications, 2008), 6.

([21]) Joel Primack quoted in Stefan Lovgren, “Evolution and Religion Can Coexist, Scientists Say,” National Geographic News, October 18, 2004, http://news.nationalgeographic.com/news/2004/10/1018_041018_science_religion.html.

 

 ([22])George Sylvester Viereck, Glimpses of the Great (New York: Macaulay Company, 1930), 372–73.

([23]) يقول هوبرتوس أمير لوينشتاين أن أينشتاين قال هذا قبل الحرب العالمية الثانية

Quoted in Ronald W. Clark, Einstein: The Life and Times (New York: Avon Books, 1984), 516.

 ([24])Philipp A. Frank, Einstein: His Life and Times, trans. George Rosen, ed. Shuichi Kusaka (New York: Da Capo Press, 1947), 284.

 ([25])Theodore Gray, “For That Healthy Glow, Drink Radiation!” Popular Science, August 17, 2004, http://www.popsci.com/scitech/article/2004-08/healthy-glow-drink-radiation.

([26]) في الولايات المتحدة ، تم توظيف نساء من الطبقة العاملة لتزيين وجوه ساعات اليد بطلاء الراديوم.

Rebecca Hersher, “Mae Keane, One of the Last ‘Radium Girls,’ Dies at 107,” All Things Considered, National Public Radio, December 28, 2014, http://www.npr.org/2014/12/28/373510029/saved-by-a-bad-taste-one-of-the-last-radium-girls-dies-at-107

 ([27])“When Elton Met Jake,” Guardian, November 12, 2006, https://www.theguardian.com/music/2006/nov/12/popandrock9.

([28]) Ron Steelman, “Bill Murray Philosopher/Humanist?,” Steelman the Humanist (blog), December 2, 2012, https://steelmanthehumanist.com/2012/12/02/bill-murray-philosopher-humanist/. This quote has been widely attributed to Murray in articles going back as far as 2012, but the original source cannot be located. A 2016 Snopes report did attempt to debunk the quote, but was not convincing. Murray, meanwhile, has not issued any disclaimers.

([29]) Bill Maher, Religulous, directed by Larry Charles (2008; Santa Monica, CA: Lionsgate, 2009), DVD.

 ([30])John H. Richardson, “Larry Flynt: What I’ve Learned,” Esquire, January 29, 2007, http://www.esquire.com/news-politics/interviews/a1646/larry-flynt-interview-0399.

([31]) “Illuminating a Dark Age,” Economist, December 16, 2010, http://www.economist.com/node/17722535.

 ([32])Jack Huberman, The Quotable Atheist: Ammunition for Nonbelievers, Political Junkies, Gadflies, and Those Generally Hell-Bound (New York: Nation Books, 2007), vii.

([33]) Rob Boston, “The Art of Censorship,” Church and State, Americans United for Separation of Church and State, January 2011, https://www.au.org/church-state/january-2011-church-state/featured/the-art-of-censorship.

([34]) من رسالة مترجمة لمواطن روماني يكشف مصير الفتيات غير المرغوب فيهن:

"مِن هيلاريون إلى زَوجَتِهِ أليس. تَحَيَّاتُ قَلبيَّة، أوَدُّ أنْ أُعْلِمَكِ أنَّنا ما زِلْنا حَتَّى الآن في الإسكندريَّة. لا تَقلقي إنْ عادَ الجَميعُ وبقيتُ أنا في الإسكندريَّة. أطلبُ مِنكَ وأرجو مِنكِ أن تَعتني بالطِّفلِ الصَّغير. وحالَما نَتَسَلَّمُ أُجورَنا سأُرسِلُ المالَ إلَيكِ. فإنْ حَالَفَكِ الحَظُّ وأنْجَبْتِ طِفلاً وكانَ صَبِيًّا، دَعيهِ يَعيش. وإنْ كانَ فَتاةً، ضحي بها."

Quoted in Selections from the Greek Papyri, ed. and trans. George Milligan (Cambridge: Cambridge University Press, 1910), 32–33.

([35]) "في أوروبا، كان قتل الأطفال ينطوي على التخلي عن الطفل وتركه، بينما كان الترك والإغراق في الصين هو السائد. . . وعادة ما تغرق الأم أو القابلة الطفلة المولودة حديثا في دلو من الماء يحتفظ به بجانب سرير الولادة".

D. E. Mungello, The Great Encounter of China and the West, 1500–1800, 4th ed. (Lanham, MD: Rowman & Littlefield, 2013), 144, 148.

([36]) "الموت في الساحة بأشكاله المتعددة كان علنيًا ورسميًا وتواصليًا ؛ كانت مشاهد الموت مطمئنة ومسلية للرومان من جميع الطبقات اذا ما اجريت وفق الطريقة المطلوبة. لعبت هذه المشاهد دورًا رئيسيًا في تقويم المهرجان ، والحياة الاجتماعية ، والفضاء العام في روما القديمة لأكثر من ألف عام. مع الصناعة والفخر ، جاب الرومان الإمبراطورية بحثًا عن الضحايا ، وبنت مرافق ضخمة ، ونظمت الأحداث ، وخلدت هذه العروض في الفن والعمارة والأدب ."

 Donald G. Kyle, Spectacles of Death in Ancient Rome (London: Routledge, 1998), 2–3.

 

 ([37])Thomas A. J. McGinn discusses the forced prostitution of slaves and the lack of slaves’ legal standing in Prostitution, Sexuality, and the Law in Ancient Rome (Oxford: Oxford University Press, 1998), 56; see also Ancient Greek Democracy: Readings and Sources, ed. Eric W. Robinson (Malden, MA: Blackwell Publishing, 2004).

 ([38])Frank Lambert thoroughly examines the religious affiliations and beliefs of the Founding Fathers in his book The Founding Fathers and the Place of Religion in America (Princeton: Princeton University Press, 2003).

 ([39])Ari Ben-Menahem, Historical Encyclopedia of Natural and Mathematical Sciences, vol. 1 (Berlin: Springer, 2009), 424.

([40]) Charles Phillips and Alan Axelrod, eds., Encyclopedia of Wars (New York: Facts on File, 2005).

([41]) R. J. Rummel, Death by Government (New Brunswick, NJ: Transaction Publishers, 1994), 9.

 ([42])Ibid., 8.

([43]) Stéphane Courtois, et al., The Black Book of Communism: Crimes, Terror, Repression, trans. Jonathan Murphy and Mark Kramer, ed. Mark Kramer (Cambridge: Harvard University Press, 1999. 4.

 ([44])Beale (under his penname Vox Day) is quoted by Ken Ammi in “Atheism,” Creation Ministries International, June 18, 2009, http://creation.mobi/atheism#atheism-communism.

([45]) كتب بول فرويز في مقالته "العلمنة القسرية في روسيا السوفيتية: لماذا فشل الاحتكار الإلحادي"  قائلاً "شن الملحدون حربًا استمرت 70 عامًا على كل المعتقدات الدينية في الاتحاد السوفيتي. دمر الحزب الشيوعي الكنائس والمساجد والمعابد. أعدم رجال الدين. أغرق المدارس ووسائل الإعلام بالدعاية المعادية للدين ؛ وقد أدخل نظامًا عقائديًا يسمى "الإلحاد العلمي" ، مكتملًا بطقوس الإلحاد ، والدعاة ، والوعد بالخلاص الدنيوي".

Journal for the Scientific Study of Religion 43, no. 1 (2004): 35; for more on the brutal methods Stalin employed to repress Christians, see “The Clergy” chapter in Alexander N. Yakovlev’s A Century of Violence in Soviet Russia (New Haven: Yale University Press, 2002), 153–68.

([46]) For an in-depth history on Stalin’s purges and terror tactics, see Robert W. Thurston, Life and Terror in Stalin’s Russia: 1934–1941 (New Haven: Yale University Press, 1996).

 ([47])The victims of the brutal man-made famine imposed by Stalin’s regime in 1932–1933 are memorialized and honored at http://www.holodomorct.org/

([48]) For an in-depth study on murder during Stalin’s regime and throughout the lifespan of the Soviet Union, see R. J. Rummel, Lethal Politics: Soviet Genocide and Mass Murder Since 1917(New Brunswick, NJ: Transaction Publishers, 1996).

([49]) H. R. Trevor-Roper, ed., Hitler’s Table Talk: 1941–1944, trans. Norman Cameron and R. H. Stevens (New York: Enigma Books, 2007), 8.

([50]) Ibid., 7.

([51]) Ibid., 60.

([52]) Ibid., 111.

([53]) Ibid., 260.

([54]) Jerry Coyne, “Keith Kloor Lumps Me with Dawkins as Sneering, Strident, and Simplistic,” Why Evolution Is True (blog), December 28, 2012, https://whyevolutionistrue.wordpress. com/2012/12/28/keith-kloor-lumps-me-with-dawkins-as-sneering-strident-and-simplistic/.

([55]) Sam Harris quoted in Bethany Saltman, “The Temple of Reason: Sam Harris on How Religion Puts the World at Risk,” Sun, September 2006, http://thesunmagazine.org/issues/369/the_temple_of_reason.

([56]) Sam Harris, The End of Faith: Religion, Terror, and the Future of Reason (New York: W. W. Norton, 2004), 52–53.

([57]) Bill Maher on Jimmy Kimmel Live, ABC, January 7, 2015, https://archive.org/details/WPVI_20150108_043500_ Jimmy_Kimmel_Live.

([58]) “The Four Horseman–Hitchens, Dawkins, Dennet, Harris [2007],” YouTube video, 1:57:14, posted by “CaNANDian,” July 23, 2012, https://www.youtube.com/watch?v=n7IHU28aR2E.

([59]) “Christopher Hitchens—Religion,” YouTube video, 8:36, from a debate at the University of Toronto in November 2006, posted by “BlissfulKnowledge,” March 14, 2007, https://www.youtube.com/watch?v=PY8fjFKAC5k.

([60]) Al Stefanelli, “Taking the Gloves Off . . . When Diplomacy Fails, It’s Time to Fight Using the Law,” American Atheists, September 14, 2011, http://str.typepad.com/files/americanatheists_eradicatethechristians.pdf.

 

([61]) Richard Dawkins, quoted in Gary Wolf, “The Church of the Non-Believers,” Wired, November 1, 2016, https://www.wired.com/2006/11/atheism

 ([62])Sam Harris, “Science Must Destroy Religion,” Huffington Post, January 2, 2006, updated May 25, 2011, http://www.huffingtonpost.com/sam-harris/science-must-destroy-reli_b_13153.html

([63]) Nicholas Humphrey, “What Shall We Tell the Children?” Edge, February 21, 1997, https://www.edge.org/conversation/nicholas_humphrey-what-shall-we-tell-the-children.

([64])Giovanni Santostasi, quoted in Zoltan Istvan, “Some Atheists and Transhumanists Are Asking: Should It Be Illegal to Indoctrinate Kids with Religion?” Huffington Post, September 15, 2014, http://www.huffingtonpost.com/zoltan-istvan/some-atheists-and-transhu_b_5814484.html.

 ([65])Ibid.

([66])“Atheists: Nobody Needs Christ at Christmas,” American Atheists, December 3, 2013, http://news.atheists.org/2013/12/03/press-release-atheists-nobody-needs-christ-at-christmas/.

 ([67])Thaddeus M. Baklinski, “Most Americans Want to Hear ‘Merry Christmas,’” Catholic Online, December 15, 2009, http://www.catholic.org/news/hf/faith/story.php?id=35028.

([68]) Mark R. Levin, Men in Black: How the Supreme Court Is Destroying America (Washington DC: Regnery Publishing, 2005), 53.

 ([69])Vincent Bugliosi, Divinity of Doubt: The God Question (New York: Vanguard Press, 2011), 41.

([70]) Vincent Bugliosi, “Why Do I Doubt Both the Atheists and the Theists?” Huffington Post, April 12, 2011, http://www.huffingtonpost.com/vincent-bugliosi/why-do-i-doubt-both-the-a_b_844611.html.

 ([71])G. K. Chesterton, All Things Considered (New York: John Lane Company, 1909), 277–78.

([72]) عرّف عالم الأحياء التطوري (والملحد) ستيفن جاي جولد التطور: "التطور هو عملية تفرع وتنويع مستمر من جذوع مشتركة. هذا النمط من الفصل الذي لا رجعة فيه يعطي تاريخ الحياة اتجاهها الأساسي".

Merriam-Webster, s.v. “evolution,” https://www.merriam-webster.com/dictionary/evolution.

 ([73])Michael Poole, The ‘New’ Atheism: Ten Arguments That Don’t Hold Water? (Oxford: Lion Hudson, 2009), 49–50).

([74]) في مناظرة عام 2007 مع ريتشارد دوكينز في متحف أكسفورد للتاريخ الطبيعي بعنوان "هل دفن العلم الله؟" ، قال عالم الرياضيات جون لينوكس أنه "عندما اكتشف نيوتن قانون الجاذبية ، لم يقل" رائع ، الآن أعرف كيف تعمل الجاذبية أنا لست بحاجة إلى الله".

 YouTube video, 1:20:36, posted by “ThickShades0,” June 18, 2011, https://www.youtube.com/watch?v=J0UIbd0eLxw.

 

([75]) Philip Kuchar, “The Culture of Atheism,” The Secular Web, June 17, 2007, https://infidels.org/kiosk/article/the-culture-of-atheism-759.html.

([76]) John Paul II, Evangelium Vitae,The Holy See, 1995, http://w2.vatican.va/content/john-paul-ii/en/encyclicals/documents/hf_ jp-ii_enc_25031995_evangelium-vitae.html.

([77]) Ibid.

 ([78])Ibid.

([79]) Ibid.

([80]) Ibid.

 ([81])Ken Ammi, “Atheism,” Creation Ministries International, June 18, 2009, http://creation.com/atheism#atheism-communism.

([82]) Robert Muggah and Renata Giannini, “Interactive Map Tracks Murder Rate Worldwide,” IPI Global Observatory, May 19, 2015, https://theglobalobservatory.org/2015/05/homicide-monitor-brazil-mapping/.

([83]) “Media Centre: Suicide (Fact Sheet),” World Health Organization, http://www.who.int/mental_health/suicide-prevention/en/.

([84]) Sabrina Tavernise, “U.S. Suicide Rate Surges to a 30-Year High,” New York Times, April 22, 2016, https://www.nytimes.com/2016/04/22/health/us-suicide-rate-surges-to-a-30-year-high.html; “Suicide Statistics,” American Foundation for Suicide Prevention, https://afsp.org/about-suicide/suicide-statistics/.

([85]) Gregg Zoroya, “40,000 Suicides Annually, yet America Simply Shrugs,” USA Today, October 9, 2014, https://www.usatoday.com/story/news/nation/2014/10/09/suicide-mental-health-prevention-research/15276353/.

([86]) Thomas W. Jacobson and William Robert Johnston, “Abortion Worldwide Report,” The Global Life Campaign, 2017, https://www.globallifecampaign.com/abortion-worldwide-report and William Robert Johnston, “Chart Summary of Reported Abortions Worldwide Through August, 2015,” http://www.johnstonsarchive.net/policy/abortion/wrjp3314.html.

 ([87])Steven Ertelt, “New Report Claiming 56 Million Abortions Worldwide Every Year Wildly Inflated the Numbers,” LifeNews.com, May 26, 2016, http://www.lifenews. com/2016/05/26/new-report-claiming-56-million-abortions-worldwide-every-year-wildly-inflated-the-numbers/. “Abortion Rates Declined Significantly in the Developed World Between 1990 and 2014,” Guttmacher Institute, May 11, 2016, https://www.guttmacher.org/news-release/2016/abortion-rates-declined-significantly-developed-world-between-1990-and-2014.

 ([88])“Number of Abortions—Abortion Counters.”

 ([89])According to the Guttmacher Institute: “Approximately 926,200 abortions were performed in 2014, down 12% from 1.06 million in 2011.” “Fact Sheet: Induced Abortion in the United States,” Guttmacher Institute, October 2017, https://www.guttmacher.org/fact-sheet/induced-abortion-united-states#2.

 ([90])Tara C. Jatlaoui, et al., “Abortion Surveillance–United States, 2013,” Morbidity and Mortality Weekly Report, Surveillance Summaries 65, no. 12 (2016): 1–44, http://dx.doi.org/10.15585/mmwr.s

([91]) C. Mansfield, S. Hopfer, and T. M. Marteau, “Termination Rates After Prenatal Diagnosis of Down’s Syndrome, Spina Bifida, Anencephaly, and Turner and Klinefelter Syndromes: A Systematic Literature Review; European Concerted Action: DADA (Decision-Making After the Diagnosis of a Fetal Abnormality),” Prenatal Diagnosis 19, no. 9 (1999): 808–812, https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/10521836. Quoted in Brian G. Skotko, “With New Prenatal Testing, Will Babies with Down’s Syndrome Slowly Disappear?,” Archives of Disease in Childhood 94, no. 11 (2009): 823–826, doi: 10.1136/adc.2009.166017.

([92]) Angelina E. Theodorou and Aleksandra Sandstrom, “How Abortion Is Regulated Around the World,” Pew Research Center, October 6, 2015, http://www.pewresearch.org/fact-tank/2015/10/06/how-abortion-is-regulated-around-the-world/.

ووفقا لمركز بيو للأبحاث، تسمح 58 دولة بالإجهاض "عند الطلب"؛ أي لأي سبب كان. وفي هذه البلدان، يجوز للأم أن تنهي حياة طفلها الذي لم يولد بعد على أساس نوع الجنس وأن تفعل ذلك علنا.، فإذا كانت الأسرة تريد صبيا وتبين الاختبارات أن الطفل في الرحم هو فتاة، يمكن إجراء الإجهاض من دون اي سؤال. وتسمح عشرات البلدان بالإجهاض "للحفاظ على الصحة النفسية للمرأة" أو "لأسباب اقتصادية أو اجتماعية". والأم التي تسعى - أو تجبر على السعي - إلى الإجهاض لاختيار الجنس في إحدى هذه الدول تحتاج فقط إلى توضيح سبب إنهاء الحمل بالشروط المناسبة للسماح بهذا الإجراء.

([93]) “China New ‘Two-Child’ Policy Increases Births by 7.9%, Government Says,” CBS News, January 23, 2017, https://www.cbsnews.com/news/china-new-two-child-policy-increases-births-7-percent-government-says/.

([94]) Mei Fong chronicled a harrowing account of the policy in China in the New York Post: “Sterilization, Abortion, Fines: How China Brutally Enforced Its 1-Child Policy,” New York Post, January 3, 2016, http://nypost.com/2016/01/03/how-chinas-pregnancy-police-brutally-enforced-the-one-child-policy/.

 ([95])Lydia Saad, “In U.S., Nonreligious, Postgrads Are Highly ‘Pro-Choice,’” Gallup, May 29, 2012, http://www.gallup.com/poll/154946/non-christians-postgradshighlyprochoice.aspx.

([96]) Alex Schadenberg, “Euthanasia Rate in Netherlands Has Increased 73% Since 2003,” Life News, July 31, 2012, http://www.lifenews.com/2012/07/31/euthanasia-rate-in-netherlands-has-increased-73-since-2003

([97]) Bradford Richardson, “Mark Langedijk, Dutch Man, Euthanized over Alcoholism,” Washington Times, November 30, 2016, http://www.washingtontimes.com/news/2016/nov/30/mark-langedijk-dutch-man-euthanized-over-alcoholis/.

 ([98])Tragically, in September 2016, the first terminally ill minor was euthanized in Belgium. “The child, who was suffering from an incurable disease, had asked for euthanasia.” Chandrika Narayan, “First Child Dies by Euthanasia in Belgium,” CNN, September 17, 2016, http://www.cnn.com/2016/09/17/health/belgium-minor-euthanasia/.

 ([99])“Panel Clears Dutch Doctor Who Asked Family Members to Hold Patient Down as She Carried Out Euthanasia Procedure,” Telegraph, January 28, 2017, http://www.telegraph.co.uk/news/2017/01/28/panel-clears-dutch-doctor-asked-family-hold-patient-carried/.

([100]) Washington, Oregon, California, Vermont, Colorado, and Montana currently have laws permitting assisted suicide. Angela Chen, “Assisted Suicide Is Now Legal in Colorado,” The Verge, November 8, 2016, http://www.theverge. com/2016/11/8/13520908/assisted-suicide-colorado-death-dignity-right-die-election-2016.

([101]) "لقد رأيت ذلك في حالة أختي وأراه في قصص العائلات التي تتصل بنا. وأحد أكثر الأكاذيب إثارة للشفقة هو أن قتل شخص ما عن طريق حرمانه من الطعام والماء هو تجربة "سلمية" و "غير مؤلمة" ، والفكرة السخيفة أنها "موت بكرامة". لن أنسى أبدًا مظهر الرعب على وجه أختي تيري شيافو يوم وفاتها ".

Life News, March 30, 2015, http://www.lifenews.com/2015/03/30/i-will-never-forget-the-look-of-horror-on-my-sister-terri-schiavos-face-the-day-she-died/.

 ([102])Susan Donaldson James, “Death Drugs Cause Uproar in Oregon,” ABC News, August 6, 2008, http://abcnews.go.com/Health/story?id=5517492.

 ([103])Richard Dawkins, Twitter post, August 20, 2014, https://twitter.com/richarddawkins/status/502106262088466432?lang=en.

 ([104])“Richard Dawkins Apologises for Causing Storm with Down’s Syndrome Tweet,” Guardian, August 21, 2014, https://www.theguardian.com/science/2014/aug/21/richard-dawkins-apologises-downs-syndrome-tweet.

 ([105]) J. D. Flynn, “An Open Letter to Richard Dawkins,” First Things, August 22, 2014, https://www.firstthings.com/web-exclusives/2014/08/an-open-letter-to-richard-dawkins.

([106])"كان لدى شركة  Advanced Biosciences Resourcesتقني  في عيادة تنظيم الأسرة الذي يقال إنه انتزع وباع جلد طفل مصاب بمتلازمة داون مقابل 325 دولارًا. نعم، هذا صحيح، في أمريكا اليوم، يمكنك شراء جلد طفل مصاب بمتلازمة داون مجهض مقابل 325 دولارًا. تم بيع ساق نفس الطفل بمبلغ 325 دولارًا. . . . وجد التحقيق الذي أجراه مجلس النواب احدى الحالات انتزعت شركة Stem Express دماغ طفل مجهض في عيادة تنظيم الأسرة. وبحسب ما ورد دفعوا مبلغ 55 دولارًا لمنظمة "تنظيم الأسرة"، لكنهم باعوا الدماغ لباحث بأكثر من 3000 دولار - وهذا ربح بنسبة 2800٪. وبحسب ما ورد كسبت منظمة تنظيم الأسرة أموالها من المبيعات الضخمة و "التبرعات الخيرية" من شركات استأصال الجثث هذه."

Phelim McAleer, “McAleer: Congress’s Planned Parenthood Investigations Find Horrifying, Criminal Practices,” Breitbart, January 15, 2017, http://www.breitbart.com/big-government/2017/01/15/mcaleer-planned-parenthood-investigation-finds-horrifying-criminal-practices/.

([107]) Thomas D. Williams, “Sierra Club Chief: Abortion Is Key to ‘Sustainable Population,’” Breitbart, February 3, 2017, http:// www.breitbart.com/big-government/2017/02/03/sierra-club-chief-abortion-key-sustainable-population/.

([108]) Bre Payton, “A Disabled Lawmaker Speaks Out About Abortion: ‘People Like Me’ Are Facing Extinction,” Federalist, January 30, 2017, http://thefederalist.com/2017/01/30/disabled-lawmaker-speak-out-about-abortion-says-people-like-me-face-extinction/.

([109]) "لقد كان [بيتر] سينغر مناصرًا لفكرة حصر الحماية الأخلاقية الكاملة فقط بتلك الأشياء التي تفي بمعايير مفهوم التشخص. . . . ومن بين أولئك الذين لايستوفون شروط التشخص، وبالتالي يحرمون من الحماية الأخلاقية الكاملة، أولئك المصابون بالخرف".

Stephen W. Smith, End of Life Decisions in Medical Care: Principles and Policies for Regulating the Dying Process (Cambridge: Cambridge University Press, 2012), 27.

أظهر الملف الشخصي لمايكل سبكتر في مجلة النيويوركر عن سنجر أنه عندما تعلق الأمر بمعركة والدته مع الخرف ، كان على استعداد لإنفاق آلاف الدولارات لرعايتها.

 Michael Specter, “The Dangerous Philosopher,” New Yorker, September 6, 1999.

 ([110])Margaret Sanger, Woman and the New Race (New York: Truth Publishing Company, 1920), 63.

([111]) Margaret Sanger, “America Needs a Code for Babies,” American Weekly, March 27, 1934, NYU.edu,https://www.nyu.edu/projects/sanger/webedition/app/documents/show.php?sanger Doc=101807.xml.

 ([112])Margaret Sanger, The Pivot of Civilization (New York: Brentano’s Publishers, 1922), 112.

 ([113])Margaret Sanger, “My Way to Peace,” (speech, New History Society, January 17, 1932), NYU.edu, 2003, https://www.nyu.edu/projects/sanger/webedition/app/documents/show.php?sangerDoc=129037.xml.

([114]) Margaret Sanger, “Letter from Margaret Sanger to Dr. C. J. Gamble, December 10, 1939,” Smith College Libraries, https://libex.smith.edu/omeka/items/show/495.

([115]) Conor Beck, “More Black Babies in New York City Are Aborted Than Born Alive,” Life News, February 3, 2016, http://www.lifenews.com/2016/02/03/more-black-babies-in-new-york-city-are-aborted-than-born-alive/.

 ([116])Michael W. Chapman, “In Mississippi, 72% of the Babies Aborted Are Black,” CNS News, February 25, 2014, http://www.cnsnews.com/news/article/michael-w-chapman/mississippi-72-babies-aborted-are-black.

([117])Udo Schuklenk, “Physicians Can Justifiably Euthanize Certain Severely Impaired Neonates,” Journal of Thoracic and Cardiovascular Surgery 149, no. 2 (2015): 537.

([118]) Elizabeth Day, “Infanticide Is Justifiable in Some Cases, Says Ethics Professor,” Telegraph, January 25, 2004, http://www.telegraph.co.uk/news/uknews/1452504/Infanticide-is-justifiable-in-some-cases-says-ethics-professor.html.

([119]) Alberto Giubilini and Francesca Minerva, “After Birth Abortion: Why Should the Baby Live?,” Journal of Medical Ethics 39, no. 5 (2013), accessed November 6, 2017, doi: http://jme.bmj.com/content/39/5/261.

 

([120]) تُنسب هذه المقولة بشكل عام إلى جلبرت شيسترتون رغم صعوبة تحديد مصدرها الدقيق

It is in The Wit and Wisdom of the 20th Century: A Book of Quotations (New York: Peter Bedrick, 1987) and has been associated with a quote from page 211 of Émile Cammaerts’s book The Laughing Prophet: The Seven Virtues and G. K. Chesterton (London: Methuen, 1937).

([121]) "في كتاب لوكريتيوس "طبيعة الكون" - وهو اشهر بيان كلاسيكي لنظام الإلحاد - يُقال إنه من المستحيل أن تكون المادة ‏مخلوقة، وبالتالي يجب أن تكون أبدية وغير مخلوقة. أساس هذه الحجة هو المبدأ السببي العام: "العدم يمكن أن يأتي من العدم". . . ينشئ هيوم تفسيراً للسببية يتعارض بشكل مباشر مع هذه المبادئ السببية. على عكس المبدأ السببي ، يؤكد هيوم ، أنه من الممكن تمامًا بالنسبة لنا أن نتصور أن شيئًا ما بدأ في الوجود دون أي سبب".

Paul Russel and Anders Kraal, The Stanford Encyclopedia of Philosophy, October 4, 2005, https://plato.stanford.edu/entries/ hume-religion/.

([122]) " ينص قانون كبلر الأول لحركة الكواكب على أن مدار كل كوكب عبارة عن قطع ناقص [دائرة مضغوطة] مع وجود الشمس في المركز."

 Timothy Kusky, “Kepler, Johannes,” Encyclopedia of Earth and Space Science, ed. Katherine E. Cullen (New York: Facts on File, 2010), 483.

 "الشمس – في الواقع نظامنا الشمسي بأكمله – تدور حول مركز مجرة درب التبانة."

“StarChild Question of the Month for February 2000,” StarChild, February 2000, https://starchild.gsfc.nasa.gov/docs/StarChild/questions/question18.html.

([123]) "تمكن علماء الفلك من التوصل الى أن هناك تنظيمًا هرميًا للكون ، حيث يتم تنظيم المادة في هياكل أكبر تدريجيًا من الذرات ، ثم الأنظمة الشمسية ، ثم المجرات ، ثم العناقيد المجرية والعناقيد المجرية الهائلة ، ثم الخيوط المجرية، ثم بنية مستمرة تعرف باسم النهاية من العظمة. "

Timothy Kusky, Encyclopedia of Earth and Space Science, ed. Katherine E. Cullen (New York: Facts on File, 2010), 789.

([124]) "إن احتمال بناء بروتين وظيفي قصير نوعًا ما عشوائيًا يصبح ضئيلًا جدًا بحيث يكون صفرًا (احتمال واحد في 10125) حتى مع الأخذ في الاعتبار كوننا الذي يبلغ من العمر عدة مليارات من السنين."

Stephen C. Meyer, “The Explanatory Power of Design,” in Mere Creation: Science, Faith and Intelligent Design, ed. William A. Dembski (Downers Grove, IL: InterVarsity Press, 1998), 126.

([125]) Michael J. Behe, William A. Dembski, and Stephen C. Meyer, Science and Evidence for Design in the Universe (San Francisco: Ignatius Press, 2000), 93.

([126])Kusky, Encyclopedia of Earth and Space Science, 191.

([127]) "يبدو أنه علينا استخدام النظرية الواحدة أحيانًا والنظرية الأخرى أحيانًا أخرى وفي أحيان معينة نستخدم أي منهما. نواجه نوعًا جديدًا من الصعوبة، لدينا صورتين متعارضتين للواقع؛ إن كانتا منفصلتين لا تشرح أي منهما ظاهرة الضوء بشكل كامل ولكنهما معًا يشرحانها بصورة مثالية".

 Albert Einstein and Leopold Infeld, The Evolution of Physics (New York: Touchstone, 1967), 262–63.

([128])Adam Becker, “Why Does Time Always Run Forwards and Never Backwards?” BBC, March 9, 2015, http://www.bbc.com/earth/story/20150309-why-does-time-only-run-forwards.

([129]) "إن زمكاننا المادي رباعي الأبعاد، له بعد زمني واحد وثلاثة أبعاد مكانية. . . في نظرية الأوتار ، من ناحية أخرى ، ينبثق عدد أبعاد الزمكان من عملية حسابية. الجواب ليس أربعة، بل عشرة".

Barton Zwiebach, A First Course in String Theory, 2nd ed. (Cambridge: Cambridge University Press, 2009), 7

([130]) "النسبية وميكانيكا الكم هما نظريتان مختلفتان اختلافًا جوهريًا لهما صيغتان مختلفتان. إنها ليست مجرد مسألة مصطلحات علمية. إنه صدام بين أوصاف غير متوافقة حقًا للواقع. كان الصراع بين نصفي الفيزياء يختمر منذ أكثر من قرن - وقد أشعله ورقتان بحثيتان من عام 1905 لأينشتاين ، أحداهما تحدد النسبية والأخرى تعرف الكم".

Corey S. Powell, “Will Quantum Mechanics Swallow Relativity?” Nautilus, October 29, 2015, http://nautil.us/issue/29/scaling/ will-quantum-mechanics-swallow-relativity.

([131]) Clara Moskowitz, assistant managing editor of Space.com, delves into the contradictions of black holes, general relativity, and quantum mechanics in her article “Black Holes: Everything You Think You Know Is Wrong,” Space.com, August 2, 2012, https://www.space.com/16867-black-holes-quantum-mechanics-theory.html.

([132]) وهذا يعتبر تناقضاً ذاتياً، لأن الجاذبية هي جزء من الطبيعة ولا يمكن للطبيعة أن تتسبب في ظهور نفسها إلى حيز الوجود.

([133]) "طبيعة المشروع العلمي على المحك في نقاش الأكوان المتعددة. يقترح المدافعون عنها إضعاف طبيعة الدليل العلمي من أجل الادعاء بأن فرضية الأكوان المتعددة تقدم تفسيرًا علميًا. هذا تكتيك خطير. هناك ميزتان علميتان مركزيتان هما القابلية للاختبار والقوة التفسيرية. في السياق الكوني ، غالبًا ما تتعارضان مع بعضهما البعض وكان هناك نزعة في الفيزياء النظرية وعلم الكونيات للقول إنه لا يهم ما إذا كان الاقتراح قابلاً للاختبار: إذا كان يتناسب مع نظرياتنا الأخرى بطريقة مقنعة - مع قوة تفسيرية كبيرة -  فإن الاختبار لا لزوم له. واسوأ هذه الحالات هو اقتراح الأكوان المتعددة ، حيث لا يمكن إجراء اختبار رصد مباشر للفرضية. على الرغم من ذلك ، فإن العديد من المقالات والكتب تعلن بشكل دوغمائي أن الأكوان المتعددة حقيقة علمية راسخة ."

 George Ellis, “Opposing the Multiverse,” A&G49, no. 2 (2008): 2.33–2.35.

 

([134]) أدلى دوكينز بهذا التعليق عند تسلمه جائزة العام من الجمعية الإنسانية الأمريكية في عام 1996.

Quoted in Alex Berezow, “Richard Dawkins Is Wrong About Religion,” Forbes, September 30, 2013, https://www.forbes.com/sites/alexberezow/2013/09/30/richard-dawkins-is-wrong-about-religion/#24958c9319ef.

([135])Reza Aslan, quoted in Chris Stedman, “‘Evangelical Atheists:’ Pushing for What?” Huffington Post, October 18, 2010, http://www.huffingtonpost.com/chris-stedman/evangelical-atheists-what_b_765379.html.