الإنسان حيوان متطوّر.. ما علاقتنا بآدم وحواء إذاً؟!

كلام في أن النسل الحاضر ينتهي إلى آدم وزوجته

ربما قيل: إن اختلاف الألوان في أفراد الإنسان وعمدتها البياض كلون أهل النقاط المعتدلة من آسيا وأوربا، والسواد كلون أهل إفريقيا الجنوبية، والصفرة كلون أهل الصين واليابان، والحمرة كلون الهنود الأمريكيين يقضي بانتهاء النسل في كل لون إلى غير ما ينتهي إليه نسل اللون الآخر لما في اختلاف الألوان من اختلاف طبيعة الدماء وعلى هذا فالمبادي الأول لمجموع الأفراد لا ينقصون من أربعة أزواج للألوان الأربعة.

وربما يستدل عليه بأن قارة أمريكا انكشفت ولها أهل وهم منقطعون عن الإنسان القاطن في نصف الكرة الشرقي بالبعد الشاسع الذي بينهما انقطاعا لا يرجى ولا يحتمل معه أن النسلين يتصلان بانتهائهما إلى أب واحد وأم واحدة، والدليلان ـ كما ترى ـ مدخولان:

أما مسألة اختلاف الدماء باختلاف الألوان فلأن الأبحاث الطبيعية اليوم مبنية على فرضية التطور في الأنواع، ومع هذا البناء كيف يطمأن بعدم استناد اختلاف الدماء فاختلاف الألوان إلى وقوع التطور في هذا النوع وقد جزموا بوقوع تطورات في كثير من الأنواع الحيوانية كالفرس والغنم والفيل وغيرها، وقد ظفر البحث والفحص بآثار أرضية كثيرة يكشف عن ذلك؟ على أن العلماء اليوم لا يعتنون بهذا الاختلاف ذاك الاعتناء.

وأما مسألة وجود الإنسان في ما وراء البحار فإن العهد الإنساني على ما يذكره علماء الطبيعة يزهو إلى ملايين من السنين، والذي يضبطه التاريخ النقلي لا يزيد على ستة آلاف سنة، وإذا كان كذلك فما المانع من حدوث حوادث فيما قبل التاريخ تجزي قارة أمريكا عن سائر القارات، وهناك آثار أرضية كثيرة تدل على تغييرات هامة في سطح الأرض بمرور الدهور من تبدل بحر إلى بر وبالعكس، وسهل إلى جبل وبالعكس، وما هو أعظم من ذلك كتبدل القطبين والمنطقة على ما يشرحه علوم طبقات الأرض والهيئة والجغرافيا فلا يبقى لهذا المستدل إلا الاستبعاد فقط هذا.

وأما القرآن فظاهره القريب من النص أن هذا النسل الحاضر المشهود من الإنسان ينتهي بالارتقاء إلى ذكر وأنثى هما الأب والأم لجميع الأفراد أما الأب فقد سماه الله تعالى في كتابه بآدم، وأما زوجته فلم يسمها في كتابه ولكن الروايات تسميها حواء كما في التوراة الموجودة، قال تعالى: ( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ): « الم السجدة: ٨ » وقال تعالى: ( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ): « آل عمران: ٥٩ » وقال تعالى: ( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ) الآية: « البقرة: ٣١ » وقال تعالى: ( إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ) الآيات: « ص: ٧٢ » فإن الآيات ـ كما ترى ـ تشهد بأن سنة الله في بقاء هذا النسل أن يتسبب إليه بالنطفة لكنه أظهره حينما أظهره بخلقه من تراب، وأن آدم خلق من تراب وأن الناس بنوه، فظهور الآيات في انتهاء هذا النسل إلى آدم وزوجته مما لا ريب فيه وإن لم تمتنع من التأويل.

وربما قيل: إن المراد بآدم في آيات الخلقة والسجدة آدم النوعي دون الشخصي كان مطلق الإنسان من حيث انتهاء خلقه إلى الأرض ومن حيث قيامه بأمر النسل والإيلاد سمي بآدم، وربما استظهر ذلك من قوله تعالى: ( وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ): « الأعراف: ١١ » فإنه لا يخلو عن إشعار بأن الملائكة إنما أمروا بالسجدة لمن هيأه الله لها بالخلق والتصوير وقد ذكرت الآية أنه جميع الأفراد لا شخص إنساني واحد معين حيث قال: ( وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ )، وهكذا قوله تعالى: ( قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ ) « إلى أن قال: ( قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) « إلى أن قال: ( قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ): « ص: ٨٣ » حيث أبدل ما ذكره مفردا أولا من الجمع ثانيا.

ويرده مضافا إلى كونه على خلاف ظاهر ما نقلناه من الآيات ظاهر قوله تعالى ـ بعد سرد قصة آدم وسجدة الملائكة وإباء إبليس في سورة الأعراف: ( يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما ): « الأعراف: ٢٧ » فظهور الآية في شخصية آدم مما لا ينبغي أن يرتاب فيه.

وكذا قوله تعالى: ( وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً ): « إسراء: ٦٢ »، وكذا الآية المبحوث عنها: ( يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً ) الآية، بالتقريب الذي مر بيانه.

فالآيات ـ كما ترى ـ تأبى أن يسمى الإنسان آدم باعتبار وابن آدم باعتبار آخر، وكذا تأبى أن تنسب الخلقة إلى التراب باعتبار وإلى النطفة باعتبار آخر وخاصة في مثل قوله تعالى: « إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » الآية، وإلا لم يستقم استدلال الآية على كون خلقة عيسى خلقة استثنائية ناقضة للعادة الجارية. فالقول بآدم النوعي في حد التفريط، والإفراط الذي يقابله قول بعضهم: إن القول بخلق أزيد من آدم واحد كفر. ذهب إليه زين العرب من علماء أهل السنة.

كلام في أن الإنسان نوع مستقل غير متحول من نوع آخر

الآيات السابقة تكفي مئونة هذا البحث فإنها تنهي هذا النسل الجاري بالنطفة إلى آدم وزوجته وتبين أنهما خلقا من تراب فالإنسانية تنتهي إليهما وهما لا يتصلان بآخر يماثلهما أو يجانسهما وإنما حدثا حدوثا.

والشائع اليوم عند الباحثين عن طبيعة الإنسان أن الإنسان الأول فرد تكامل إنسانا وهذه الفرضية بخصوصها وإن لم يتسلمها الجميع تسلما يقطع الكلام واعترضوا عليه بأمور كثيرة مذكورة في الكتب لكن أصل الفرضية وهي « أن الإنسان حيوان تحول إنسانا » مما تسلموه وبنوا عليه البحث عن طبيعة الإنسان.

فإنهم فرضوا أن الأرض ـ وهي أحد الكواكب السيارة ـ قطعة من الشمسمشتقة منها وقد كانت في حال الاشتعال والذوبان ثم أخذت في التبرد من تسلط عوامل البرودة، وكانت تنزل عليها أمطار غزيرة وتجري عليها السيول وتتكون فيها البحار ثم حدثت تراكيب مائية وأرضية فحدثت النباتات المائية ثم حدثت بتكامل النبات واشتمالها على جراثيم الحياة السمك وسائر الحيوان المائي ثم السمك الطائر ذو الحياتين ثم الحيوان البري ثم الإنسان، كل ذلك بتكامل عارض للتركيب الأرضي الموجود في المرتبة السابقة يتحول به التركيب في صورته إلى المرتبة اللاحقة فالنبات ثم الحيوان المائي ثم الحيوان ذو الحياتين ثم الحيوان البري ثم الإنسان على الترتيب هذا كل ذلك لما يشاهد من الكمال المنظم في بنيها نظم المراتب الآخذة من النقص إلى الكمال ولما يعطيه التجريب في موارد جزئية التطور.

وهذه فرضية افترضت لتوجيه ما يلحق بهذه الأنواع من الخواص والآثار من غير قيام دليل عليها بالخصوص ونفي ما عداها مع إمكان فرض هذه الأنواع متباينة من غير اتصال بينها بالتطور وقصر التطور على حالات هذه الأنواع دون ذواتها وهي التي جرى فيها التجارب فإن التجارب لم يتناول فردا من أفراد هذه الأنواع تحول إلى فرد من نوع آخر كقردة إلى إنسان وإنما يتناول بعض هذه الأنواع من حيث خواصها ولوازمها وأعراضها.

واستقصاء هذا البحث يطلب من غير هذا الموضع، وإنما المقصود الإشارة إلى أنه فرض افترضوه لتوجيه ما يرتبط به من المسائل من غير أن يقوم عليه دليل قاطع فالحقيقة التي يشير إليها القرآن الكريم من كون الإنسان نوعا مفصولا عن سائر الأنواع غير معارضة بشيء علمي.

*مقتطف من تفسير الميزان