ما الدليل على خصوصية شهر رجب ببعض الأعمال العبادية؟

إنَّ لشهر رجب -وكذلك شعبان وشهر رمضان- خصوصيَّة وامتيازًا على سائر الشهور، فإنَّ الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) في فضل شهر رجب وفضل العبادة فيه تفوقُ حدَّ الاستفاضة بل هي متواترة إجمالًا.

 ويكفي للتثبُّت من ذلك الوقوف على ما أورده الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كتابه فضائل الأشهر الثلاثة، فقد أورد في الفصل المتَّصل بفضائل شهر رجب ثمانية عشر رواية مسندة، وفيها ما هو معتبرٌ سندًا، وفيها ما أورده بأكثر من طريق كحديث أم داود الذي أخرج له خمسة طرق أو ستة، هذا بقطع النظر عن الروايات الأخرى التي أوردها في سائر الكتاب وغيره من سائر كتبه وما أورده غيرُه من المحدِّثين والتي اشتملت على الحثِّ والتأكيد على مضاعفة ثواب الصيام والعمرة وزيارة الحسين(ع) والصدقة والإحياء لبعض الليالي فيه.

ونتيمَّن في المقام بنقل روايتين معتبرتين من حيثُ السند يتَّضح منهما خصوصيَّة هذا الشهر الشريف:

الأولى: معتبرة علي بن سالم عن أبيه سالم بن عبد الرحمن قال: دخلتُ على الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) في رجب وقد بقيتْ أيام، فلمَّا نظر إليَّ قال لي: يا سالم هل صمتَ في هذا الشهر شيئًا؟ قلتُ: لا والله يا بن رسول الله (ص) قال لي: لقد فاتَك من الثواب ما لا يعلمُ مبلغَه إلا الله عزَّ وجل إنَّ هذا الشهر قد فضَّله الله وعظَّم حرمته وأوجب للصائمين فيه كرامته، قال: قلت له يا بن رسول الله فانْ صمتُ ممَّا بقيَ شيئًا هل أنالُ فوزًا ببعض ثواب الصائمين فيه؟ فقال يا سالم: مَن صام يومًا من آخر هذا الشهر كان ذلك أمانًا له من شدَّة سكرات الموت وأمانًا له من هولِ المطَّلع وعذابِ القبر، ومن صام يومين من آخر هذا الشهر كان له بذلك جوازٌ على الصراط، ومن صام ثلاثة أيام من آخر هذا الشهر أمِنَ يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده وأُعطيَ براءة من النار"([1]).

فيكفي للوقوف على خصوصيَّة وعظمة هذا الشهر الشريف النظر في قوله (ع): "لقد فاتَك من الثواب ما لا يعلمُ مبلغَه إلا الله عزَّ وجل إنَّ هذا الشهر قد فضَّله الله وعظَّم حرمته وأوجب للصائمين فيه كرامته"

الثانية: موثقة الحسن بن عليِّ بن فضَّال عن أبيه عن أبي الحسن عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: "من صام أوَّل يومٍ من رجب رغبةً في ثواب الله عزَّ وجل وجبت له الجنة، ومن صام يومًا في وسطه شفع في مثل ربيعةَ ومُضَر، ومَن صام في آخره جعله الله من ملوك الجنَّة وشفَّعه في أبيه وأمِّه وابنه وابنته وأخيه وعمِّه وعمته وخاله وخالته ومعارفِه وجيرانِه وإنْ كان فيهم مستوجبٌ للنار"([2]).

تأكُّد استحباب الصوم في رجب:

ومن هذه الموثقة والتي قبلها تتَّضح جزافيَّة دعوى أنَّ أعمال رجب كلُّها لم يثبت استحبابها، فهذا هو الصيام الذي هو مِن أبرز أعمال شهر رجب واستحبابُه بالخصوص ثابتٌ بلا ريب بهاتين المعتبرتين وغيرهما من الروايات المستفيضة.

تأكُد استحباب عمرة رجب:

ومن أعمال شهر رجب العمرة الرجبيَّة، واستحبابُها بالخصوص ثابتٌ دون أدنى شك، فقد نصَّت على ذلك رواياتٌ معتبرة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال له: ما أفضل ما حج الناس؟ قال: عمرة في رجب وحجَّة مفردة في عامها"([3]).

وصحيحة معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه سُئل أيُّ العمرة أفضل عمرةٌ في رجب أو عمرةٌ في شهر رمضان؟ فقال: لا بل عمرةٌ في رجب أفضل"([4]).

وصحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء، وأفضل العمرة عمرة رجب"([5]).

زيارة الحسين (ع) في رجب:

ومن أعمال شهر رجب زيارة الإمام الحسين (ع) واستحبابُها بالخصوص ثابتٌ كما هو مقتضى مثل صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألتُ أبا الحسن الرضا (عليه السلام) في أي شهرٍ تزورُ الحسين (عليه السلام)؟ قال: في النصف من رجب والنصف من شعبان"([6]).

فهذه هي أهم أعمال شهر رجب وقد اتَّضح ممَّا أوجزناه استحبابُها في الجملة، فدعوى نفي استحبابها بنحو الإطلاق مجازفة لا تليق، وأمَّا الأدعية المخصوصة بشهر رجب فأكثرُها مأثورة عن أهل البيت (ع) وقد أوردها المحدِّثون في مصنَّفاتهم مسندةً أو مرسلةً عن أهل البيت (ع)، فدعوى أنَّها متأثرة بالمتصوِّفة أو هي واردة من طرق العامة بما يوحي أنَّ أكثرها جاء من أحد هذين المصدرين هذه الدعوى لا أساس لها وهي من الطعن غيرِ المبرَّر في المأثور عن أهل البيت (ع)، نعم قد يتَّفق أنَّ بعض الأدعية منتهية إلى طرق العامَّة أو هي من تأليف بعض العلماء إلا أنَّه مضافًا إلى كونها محدودة فإنَّ الوارد من طُرق العامَّة لا يخفى إذ ينسبُها المصنِّفون إلى طرقِها وأمَّا الأدعية المخترعة فإنَّها لا تُنسب إلى أهل البيت (ع) فإما أنْ ينسبها مخترعُها إلى نفسه أو لا ينسبها إلى أحد، وهذه الطريقة هي التي جرى عليها السيِّد ابن طاووس في مصنَّفاته، فالتشكيك فيما نَسبه السيِّدُ ابن طاووس إلى المأثور عن أهل البيت (ع) وادِّعاء أنَّه قد أخذه من كتب المتصوِّفة أو كتب العامة يُعدُّ من الطعن في أمانة السيد ابن طاووس (رحمه الله) حيث إنَّه ينسب الأدعية إلى المأثور عن أهل البيت (ع) والحال أنَّه قد اخترعها أو أخذها من المتصوِّفة أو كتب العامة!!. نعم قد ينقل بعض الأدعية عن هذه الكتب ولكنَّه ينسبها إلى أهلها كما أنَّ الأدعية التي اخترعها كان ينصُّ على أنَّه قد اخترعها.

وللتثبُّت ممَّا ذكرناه نُشير إلى مجموع الأدعية التي أوردها السيِّد ابن طاووس في كتاب الإقبال في الفصل الثالث والعشرين تحت عنوان (فيما نذكره من الدعوات في أول يوم من رجب وفي كل يوم منه) ([7]) فقد أورد فيه ثمانية أدعية:

دعاء: "اللهم إني أسألك يا الله.. ":

الأول: يبدأ "اللهم إني أسألك يا الله يا الله يا الله" وقد نقله -كما أفاد- من كتاب المختصر من المنتخب ([8]).

دعاء: "يا من يملك حوائج السائلين":

الثاني: يبدأ بقوله (ع): "يا من يملك حوائج السائلين.. " وقد أورده بسند ينتهي إلى أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يدعو في الحجر في غرة رجب في سنة ابن الزبير، فانصتُ إليه، وكان يقول: "يا من يملك حوائج السائلين.. "([9]).

دعاء: "خاب الوافدون على غيرك":

الثالث: يبدأ بقوله (ع): "خاب الوافدون على غيرك.. " وقد أورده بسند ينتهي إلى عبد الله بن مسكان، عن أبي معشر، عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه كان إذا دخل رجب يدعو بهذا الدعاء في كل يوم من أيامه: خاب الوافدون على غيرك.. "([10]).

دعاء: "اللهم إني أسألك صبر الشاكرين لك":

الرابع: يبدأ بقوله (ع): "اللهم إني أسألك صبر الشاكرين لك.. " وقد أورده بسند ينتهي إلى يونس بن ظبيان قال: كنت عند مولاي أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل علينا المعلَّى بن خنيس في رجب فتذاكروا الدعاء فيه، فقال المعلَّي: يا سيدي علِّمني دعاءً يجمع كلَّ ما أودعته الشيعة في كتبِها فقال: قل يا معلَّى: "اللهم إني أسألك صبر الشاكرين لك.. "([11]).

دعاء: "يا من أرجوه لكل خير":

الخامس: يبدأ بقوله (ع) "يا من أرجوه لكل خير.. " وقد أورده بسند ينتهي إلى محمد بن سنان عن محمد السجاد في حديث طويل، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلتُ فداك هذا رجب علِّمني فيه دعاء ينفعني اللهُ به، قال: فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، وقل في كلِّ يومٍ من رجب صباحًا ومساءً وفي أعقاب صلواتِك في يومك وليلتك: "يا من أرجوه لكل خير.. "([12]).

دعاء: "اللهم يا ذا المن السابغة":

السادس: يبدأ بقوله (ع): "اللهم يا ذا المن السابغة.. " وقد أورده بسنده إلى جدِّه أبي جعفر الطوسي (رحمه الله) وقال: وهو مما ذكره في المصباح بغير أسناد، ووجدتُه في أواخر كتاب معالم الدين مرويًا عن مولانا الإمام الحجَّةِ المهدي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين.. وهذا لفظ دعائه (عليه السلام): "اللهم يا ذا المن السابغة.. "([13]).

دعاء: "اللهم إني أسألك بمعاني جميع.. ":

السابع: يبدأ بقوله (ع): "اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك.. " وقد أورده بسنده عن جدِّه أبي جعفر الطوسي (رضي الله عنه) فقال: أخبرني جماعة عن ابن عياش قال: ممَّا خرج على يد الشيخ الكبير أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد (رضي الله عنه) من الناحية المقدسة ما حدثني به خير بن عبد الله قال: كتبته من التوقيع الخارج إليه: بسم الله الرحمن الرحيم ادعُ في كلِّ يومٍ من أيام رجب: "اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك.. "([14]).

دعاء: "اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب":

الثامن: يبدأ بقوله (ع): "اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب.. " أورده بسنده عن جدِّه أبي جعفر الطوسي (قدس الله روحه)، فقال: قال ابن عياش: وخرج إلى أهلي على يد الشيخ أبي القاسم -السفير الثالث- رضي الله عنه في مقامه عندهم هذا الدعاء في أيام رجب: "اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب.. "([15]).

هذه هي مجمل الأدعية التي أوردها السيد ابن طاووس في الإقبال تحت عنوان (فيما نذكره من الدعوات في أول يوم من رجب وفي كلِّ يوم منه) وقد لاحظتم أنَّ سبعة منها مأثورة عن أهل البيت (ع) والأول نسبه إلى كتاب المختصر من المنتخب وأنا لا أعلم بهويَّة مؤلِّف هذا الكتاب إلا أنَّ الذي يظهر من بعض إحالات ابن طاووس على كتابه أنَّه من علماء الإماميَّة، فقد نقل عنه في الإقبال زيارة وارث المشهورة قال: "فقال ما هذا لفظه: ثم تتأهب للزيارة فتبدئ فتغتسل وتلبس ثوبين طاهرين وتمشي حافيا إلى فوق سطحك أو فضاء من الأرض، ثم تستقبل القبلة فتقول: السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله .."([16])، وهذا ما يكشف عن أنَّ صاحب كتاب المختصر من المنتخب من علماء الإماميَّة.

الهوامش:

[1]- فضائل الأشهر الثلاثة -الصدوق- ص19، الأمالي -الصدوق- ص65، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج10 / ص475.

[2]- فضائل الأشهر الثلاثة -الصدوق- ص17، الأمالي -الصدوق- ص60.

[3]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج11 / ص253.

[4]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج14 / ص301.

[5]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج14 / ص303.

[6]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج14 / ص466.

[7]- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج3 / ص200.

[8]- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج3 / ص201.

[9]- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج3 / ص208.

[10]- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس ج3 / ص209.

[11]- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس ج3 / ص210.

[12]- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس ج3 / ص210، 211.

[13]- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس ج3 / ص211، 214.

[14]- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس ج3 / ص214، 215.

[15]- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس ج3 / ص215، 216.

[16]- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس ج3 / ص70.