السيد السيستاني يحمل «الكُتل الكبيرة» مسؤولية ما يجري في العراق

الأخوة والأخوات..

أقرأ عليكم نصّ ما ورَدَنا من مكتب المرجع الدينيّ الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسينيّ السيستانيّ (دام ظلّه الوارف) في النجف الأشرف:

(في الأيّام الماضية وقعت اعتداءاتٌ مرفوضةٌ ومدانة على المتظاهرين السلميّين، وعلى القوّات الأمنيّة والممتلكات العامّة والخاصّة في بغداد وعددٍ من المحافظات، وانساقت المظاهراتُ في العديد من الحالات الى أعمال شغبٍ واصطداماتٍ دامية، خلّفت عشرات الضحايا وأعداداً كبيرة من الجرحى والمصابين، والكثيرَ من الأضرار على المؤسّسات الحكوميّة وغيرها، في مشاهدَ مؤلمةٍ ومؤسفةٍ جدّاً مشابهةٍ لما حصَلَ في بعض الأعوام السابقة.

إنّ المرجعيّةَ الدينيّةَ العُليا طالما طالبت القِوى والجهات التي تُمسك بزمام السُّلطة، أن تغيّرَ من منهجها في التعامل مع مشاكل البلد، وأن تقومَ بخطواتٍ جادّة في سبيل الإصلاح ومكافحة الفساد، وتجاوز المحاصصة والمحسوبيّات في إدارة الدولة، وحذّرت الذين يُمانعون من الإصلاح ويراهنون على أن تخفّ المطالبات به –راهنت- بأن يعلموا أنّ الإصلاح ضرورةٌ لا محيص منها، وإذا خفّت مظاهرُ المطالبة به مدّةً فإنّها ستعود في وقتٍ آخر بأقوى وأوسع من ذلك بكثير، واليوم تؤكّدُ المرجعيّةُ مرّةً أخرى على ما طالبت به من قبل، وتدعو السُّلطات الثلاث الى اتّخاذ خطواتٍ عمليّةٍ واضحة في طريق الإصلاح الحقيقيّ، وتشدّد على أنّ مجلس النوّاب بما له من صلاحيّاتٍ تشريعيّةٍ ورقابيّة يتحمّل المسؤوليّةَ الأكبر في هذا المجال، فما لم تغيّرْ كتلُهُ الكبيرةُ التي انبثقت منها الحكومة من منهجها، ولم تستجبْ لمتطلّبات الإصلاح ومستلزماته بصورةٍ حقيقيّة، فلن يتحقّقَ شيءٌ حقيقيّ على أرض الواقع، كما أنّ السُّلطةَ القضائيّة والأجهزةَ الرقابيّة تتحمّل مسؤوليّةً كبرى، في مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين واسترجاع أموال الشعب منهم، ولكنّها لم تقُمْ فيما مضى بما هو ضروريٌّ في هذا الصَّدَد، وإذا بقي الحالُ كذلك فلا أمَلَ في وضع حدٍّ لاستشراء الفساد في البلد، وأمّا الحكومةُ فعليها أن تنهضَ بواجباتها وتقومَ بما في وسعها في سبيل تخفيف معاناة المواطنين، بتحسين الخَدَمات العامّة وتوفيرِ فرصِ العملِ للعاطلين والابتعاد عن المحسوبيّات في التعيينات الحكوميّة، وعليها تكميل ملفّات المتَّهَمين بالتلاعب بالأموال العامّة والاستحواذ عليها، تمهيداً لتقديمهم الى العدالة.

ونُشير هنا الى أنّ مكتب المرجعيّة سبق أن اقترَحَ في تواصلِهِ مع الجهات المسؤولة، في السابع من آب من عام (2015م) في عزّ الحراك الشعبيّ المُطالِبِ بالإصلاح، اقترَحَ أن تُشكَّلَ لجنةٌ من عددٍ من الأسماء المعروفة في الاختصاصات ذات العلاقة من خارج قِوى السُّلطة، ممّن يحضون بالمصداقيّة ويُعرَفون بالكفاءة العالية والنزاهة التامّة، وتُكلَّف هذه اللّجنةُ بتحديد الخطوات المطلوب اتّخاذُها في سبيل مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح المنشود، على أن يُسمَحَ لأعضائها بالاطّلاع على مجريات الأوضاع بصورةٍ دقيقة، ويجتمعوا مع الفعاليات المؤثّرة في البلد وفي مقدّمتهم ممثّلو المتظاهرين في مختلف المحافظات، للاستماع الى مطالِبِهم ووجهاتِ نظرِهم، فإذا أكملت اللّجنةُ عملها وحدّدت الخطواتِ المطلوبةَ تشريعيّةً كانت أو تنفيذيّةً أو قضائيّة، يتمّ العمل على تفعيلها من خلال مجاريها القانونيّة ولو بالاستعانة بالدّعم المرجعيّ والشعبيّ، ولكن لم يتمَّ الأخذُ بهذا المقترح في حينه، والأخذُ به في هذا الوقت ربّما يكون مدخَلاً مناسباً لتجاوز المحنة الراهنة.

نأمل أن يُغلّب العقلُ والمنطقُ ومصلحة البلد عند مَنْ هم في مواقع المسؤوليّة وبيدهم القرار، ليتداركوا الأمور قبل فوات الأوان، كما نأملُ أن يعيَ الجميعُ التداعياتِ الخطيرةَ لاستخدام العنف والعنف المضادّ في الحركة الاحتجاجيّة الجارية، فيتفادون ذلك في كلّ الأحوال.

أخذ اللهُ بأيدي الجميع الى ما فيه خيرُ العراق وأهله، والسلامُ عليكم إخوتي وأخواتي ورحمةُ الله وبركاته).

نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ أهلَنا وبلدَنا، وأن يرينا في الجميع كلّ خيرٍ إنّه سميعٌ مجيب، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

*الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (5 صفر 1441هـ) الموافق لـ(4 تشرين الأوّل 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الطاهر وكانت بإمامة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)