يا ليتنا كنّا معكم: هل تقولونها بصدق؟!

- الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة رأي موقع «الأئمة الإثني عشر»

من السنن المنبرية التي جرت على مرّ العصور وأصبحا جزءا لا يتجزّأ من المجلس الحسيني، هو قول الخطيب في أوّل المجلس: (يا ليتنا كنّا معكم فنفوز والله فوزا عظيما).

فما هو سبب تمسّك الخطباء بهذه العبارة؟

وماهي فلسفة ذكرها في أوّل كل مجلس حسيني؟

لعلّ السبب الأساسي في ذكر هذه الفقرة في كلّ مجلس حسيني هو ما رواه الشيخ الصدوق رضوان الله عليه في الأمالي والعيون وغيرها من كتبه بسند صحيح عن الريّان بن شبيب رحمه الله عن الإمام الرضا سلام الله عليه، قال: يا بن شبيب ، إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السلام فقل متى ما ذكرته: (يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما)..

فهذا حثّ من الإمام عليه السلام على تكرار هذه العبارة كلما ذكر الإنسان مصيبة أبا عبد الله الحسين عليه السلام، بل رتّب الإمام عليها أجرا عظيما وهو أن يكون للإنسان ثواب من استشهد معه!

وهنا يأتي السؤال الأهم، هل أنّ مجرّد التلفظ بهذه العبارة يحصل الإنسان على هذا الثواب العظيم؟ أي أنّ له نفس ثواب حبيب بن المظاهر الأسدي ومسلم بن عوسجة والحر بن يزيد الرياحي رضوان الله عليهم!

لا شكّ ولا ريب أنّ مثل هذا الثواب العظيم لا يمكن أن يترتب على مجرّد التلفظ بهذه العبارة بلسان المقال بل مترتّب على ذكرها بلسان الحال:

فليس كلّ من قال (يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزا عظيما..) هو صادق بقوله لأنّ اللسان قد ينطق بشيء يكذّبه الحال والواقع كما ورد في بعض الروايات أنّ الإنسان إذا كبّر لصلاة أو لبّى لحجّه فإنّ الملائكة تردّ عليه بالتكذيب وذلك لأنّ واقعه يكذّب أنّ (الله أكبر) ويكذّب (لبيك اللهم لبّيك)، فمثل هذا الأجر العظيم إنّما يترتّب حول من كان فعلا صادقا في دعواه أي أن يكون مع الحسين عليه السلام في ذلك الزمن وفي ساحة المعركة.

 

ولذلك قبل أن ينطق الانسان بمثل هذه العبارة لابدّ أن يتأكد من نفسه هل هو صادق في هذا التمنّي؟ أو أنّ ما يقوله هو لقلقة لسان ومجرّد كلمة يلوكها بين لحييه؟

السبب في طرحي لهذا السؤال أنّ أغلب المسلمين في ذلك الزمن كانوا يدّعون حبّهم للحسين عليه السلام والتشيّع له، لكن ما إن حانت ساعة الجد وجاءت لحظة الحقيقة سقطت الأقنعة وانكشف زيف هذه الدعوى!

ولعلّ أفضل من وصف حال هؤلاء هو الشاعر المعروف الفرزدق حيث قال عندما سأله الحسين عليه السلام: قلوبهم معكم وسيوفهم عليك!

نعم نحن نحضر مجالس الحسين عليه السلام ونبكي مصابه ونصرخ لرزيته لكن هل نحن حسينيون فعلا؟

أم أنّ الحسين عليه السلام عندنا مجرّد شعارات نرفعها وعبارات نردّدها؟

من يدّعي أنّه حسيني عليه أن يكون دمه وماله رخيصا في سبيل الدين والمذهب!

من يدّعي أنّه حسيني عليه أن يكون مصلحا في عائلته ومجتمعه فالإصلاح شعار ثورته عليه السلام!

من يدّعي أنه حسيني يجب أن يكون أمّارا بالمعروف نهّاء عن المنكر سائرا بسيرة علي وأبناء علي عليهم السلام!

فما لم يكن الإنسان حسينيّا قولا وفعلا وسلوكا فإنّه لن يكون صادقا عندما يقول: (يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزا عظيما) ولو صرخ بأعلى صوته وأسمع مشارق الأرض ومغاربها.

خصوصا أنّ هذه الحالة ستحصل مع صاحب العصر والزمان عجّل الله فرجه وهو أنّ كثيرا من النّاس سيخذلونه روحي فداه بنفس الطريقة: قلوبهم معه وسيوفهم عليه، وهذا ما نلمسه من الروايات التي عبّرت عن حال شريحة كبيرة من الشيعة في عصر الظهور:

فقد روى الطبري الصغير في دلائل الإمامة حديثا ذكر فيه دخول الإمام عليه السلام إلى الكوفة وما يجري فيها، قال: يخرج منها ستة عشر ألفا من البترية، شاكين في السلاح، قرّاء القرآن، فقهاء في الدين، قد قرّحوا جباههم، وشمروا ثيابهم، وعمهم النفاق، وكلّهم يقولون: يا بن فاطمة، ارجع لا حاجة لنا فيك.

لابدّ لنا من وقفة صادقة نصارح فيها أنفسنا وننظر فيها إلى ذواتنا كي لا نكون من هؤلاء الذين يقولون ما لا يفعلون وقد قال الله فيهم: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.