العتبات المقدسة.. مشاريع تسابق الزمن

 - الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة رأي موقع «الأئمة الاثني عشر»

مع انشغال العالم بكبح جماح وباء كورونا، ومع ارتفاع نسبة الإصابات في أرجاء المعمورة ومع تصاعد نسبة الوفيات جراء هذه الإصابات، وأمام ذهول ومخاوف المؤسسات الصحية في جميع البلدان، واستنفار كل طاقاتها لإيجاد لقاح أو تطوير أساليب المواجهة المتاحة لذلك، تمارس المؤسسة الصحية العراقية دورها على أكمل وجه في أداء واجبها الإنساني لحماية الشعب من خطر هذا الفيروس القاتل، فتجلت بصدق تلك الروح المقاتلة لدى كوادرها وبهيئة تستحق أن يقف لها أبناء هذا الوطن إجلالا وإكبارا.

الجانب الصحي في العراق يعد واحدا من الجوانب الخدمية الكثيرة التي لم تحظ باهتمام الجهات الحكومية طيلة عقد ونصف العقد من الزمن، وهي نتيجة طبيعية لصراعات ونزاعات الطبقة السياسية التي أثبتت فشلها في إدارة البلد بشكل مهني لا يخضع للمحاصصة المقيتة، لتضيع بذلك فرص التقدم والازدهار التي كان المواطن ينشدها بعد أن عانى ولعقود طويلة من حكم الأنظمة الطاغية المستبدة.

المؤسسة الصحية تواجه اليوم تحديات كورونا في ظل وضع سياسي غير مستقر نتيجة مماطلات الطبقة السياسية وتسويفها وعجزها عن التخلي عن مصالحها أمام مطالب جماهيرية غاضبة تدعو للتغيير والاصلاح.

المؤسسة الصحية اليوم تواجه تحديات كورونا مع منشآت صحية قديمة لا تحتوي على أبسط مقومات العمل الصحي من أماكن للإنعاش والطوارئ والأجهزة الطبية الحديثة، بالإضافة الى عدم كفاية هذه المنشآت وملائمتها للواقع السكاني الذي اختلف كثيرا عما كان عليه قبل عقد ونصف من الزمن، وقد شاهدنا كيف عجزت المؤسسات الصحية في بعض دول العالم المتقدمة عن الحد من خطورة الوباء رغم امتلاكها لكل مقومات المواجهة، فالوباء ينتشر بشكل متسارع ولم يكن بحسابات هذه البلدان الاستعداد لجائحة مثل هذه.

المؤسسة الصحية العراقية ورغم كل هذه الظروف المحيطة بها برهنت من خلال كوادرها المجاهدة أنها قادرة على مواجهة الأزمة فسطرت أروع الملاحم الإنسانية في ذلك، وقد سمعنا وشاهدنا تلك المواقف وهي تتجلى في مشهد عراقي جميل لم يترك دون أن تمد له يد العون المادي والمعنوي من أبناء هذا الوطن. 

المرجعية العليا تصفهم بأروع الوصف وأجمله وتصف عملهم بأنه: "عمل عظيم وجهد لا يُقدّر بثمن، ولعلّه يُقارب في الأهميّة مرابطة المقاتلين الأبطال في الثغور دفاعاً عن البلد وأهله".

وتفتي بالتكافل الذي نال المؤسسة الصحية منه الإعانة في مواجهة التحدي، فالتكافل الذي صدحت به الفتوى لم يقف عند حد معين في منح العوائل المتضررة ما يسد حاجتها من مستلزمات بل تعداه الى دعم كبير لمؤسسات الدولة التي هي مؤسسات الشعب في المقام الأول، فكان للمواكب الحسينية دورها وكان لرجال الحشد دورهم في ذلك أيضا بالتزامن مع واجباتهم في حماية الحدود والمقدسات.

العتبات المقدسة وكعادتها وقفت مواقف مشرفة امتثالا لتوجيهات المرجعية العليا فانطلقت بكوادرها نحو دعم العوائل المتضررة والقيام بعمليات التعقيم والتعفير وتركيز جهدها الاعلامي حول التوعية الصحية وبكل ما تمتلك من إمكانات لذلك، كما بادرت الى دعم الواقع الصحي ورفده بتخصيص مدن الزائرين كأماكن لحجر المصابين، ورفد السوق المحلية بالمطهرات والمعقمات والكمامات ولم تتوقف عند هذا الحد من العطاء حتى شهدت كربلاء إنشاء الردهات العلاجية المخصصة للمصابين بفيروس كورونا، حيث أنشأت العتبة العباسية المقدسة بناية (ردهة الحياة الثانية) المكونة من ستين غرفة مجهزة بأحدث المعدات في الوقت الذي أنشأت العتبة الحسينية المقدسة مشروع مركز الشفاء للعناية والطوارئ، لتنجز هذه المشاريع في مدة قياسية تعد الأولى من نوعها في العراق هي خمسة عشر يوما لتسلم بعدها الى دائرة صحة كربلاء كدعم للمؤسسة الصحية العراقية، فلم يسبق لجهة حكومية أن سابقت الزمن لإنشاء مشروع معين كما فعلت العتبات المقدسة.

المهم في هذا الأمر هو تلك الرسالة الواضحة التي ينبغي للجميع أن يمعن النظر فيها وهي أن العراق يمتلك من القدرات والكفاءات ما يجعله قادرا على الابداع ومواجهة التحديات لكن بشرط الاخلاص والنزاهة والشعور الحقيقي بالانتماء لهذه الأرض الطيبة.