مجرّد وهم: لا وجود للصراع بين العلم والدين!

الصراع بين العلم والدين محض وهم أخذ حيزا أكثر مما يستحق بسبب اصرار بعض الكتاب على جر العلم الى جانب الإلحاد مع ان الصحيح تحييد العلم في قضية الدين لأنها مسألة تقع خارج مديات أدوات العلم التجريبي فأنى له ان يرصد او أن يقيم الدليل مع او ضد مسألة لا تقع ضمن حدوده.

في الحقيقة العلم عاجز عن اتخاذ موقف أزاء مسألة الدين، والعكس صحيح أيضا فلا يصح صب رأي في مجال العلم بقالب ديني ومنحه القداسة وهذا هو الخطأ الذي ارتكبته الكنيسة في العصور الوسطى فالصراع في اوروبا لم يكن بين الدين او الانجيل والعلم بل بالدقة الصراع حتى لم يكن بين الكنيسة والعلم انما كان بين الموقف العلمي الرسمي للكنيسة والموقف العلمي المقابل له فلم يكن الصراع مع الكنيسة من حيث هي جامعة دينية انما كان الصراع معها من حيث هي قائلة بمركزية الأرض وهكذا ...

وهذا أمر لن تجد له نظيرا في المجتمع الإسلامي حيث بُنيت التخصصات كلٌ بحسبه مع الحفاظ على مناطق التداخل تحت حاكمية العقل والمنطق ولكن أقرأ وأسمع يوميا لمن يصر على قراءة الموقف الكنسي في العصور الوسطى ومن ثم إسقاطه على وضعنا الاسلامي من دون إنصاف، ولعل بعضهم يستشهد بموقف نفر من المتدينين اتجاه ابن سينا وأمثاله حيث كفروه وما الى ذلك، وفي الواقع هذه مغالطة تنم عن قلة الإطلاع لأن الخلاف مع ابن سينا لم يكن مع ابن سينا الطبيب وانما كان مع ابن سينا القائل بتعدد القديم الزماني او مايلزم من بعض كلماته من ان العلة الأولى موجبة وبالتالي الخلاف كان مع ابن سينا الفيلسوف وليس مع ابن سينا الطبيب فما دخل العلم التجريبي في القضية !!

في القرن الحادي والعشرين كان ينبغي ان يكون الأمر قد اتضح بما فيه الكفاية أن النزاع بين المتدين والملحد نزاع فلسفي لا دخل للعلم فيه انما هما نمطان فلسفيان كلاهما يمثل موقفا عقائديا غير مستند للمنهج التجريبي بل يتستند على العقل والعقل فقط مع ذلك تجد الملحد اليوم لا يلبث يوظف العلم توظيفاً مقيتا لجانبه وهذا في الواقع خروج على المنهج فهذه منطقة عمياء بالنسبة للعلم فكيف يمكن توظفيه فيها!!.

حتى الفيزيائي عندما يتخذ موقفا تخاله علميا من قبيل ان الجزيئات دون الذرية غير خاضعة لقانون السببية العقلي هو في الواقع اتخذ موقفا فلسفيا وليس علميا لأن عدم وجود السبب ليس أمرا قابلا للرصد والتجربة ومن ثم يبقى احتمال أن عدم رصده بسبب عدم تطور أدواته المخبرية بما يكفي لرصد سببٍ معقد ففي النتيجة عدم رصد السبب لا يلزم منه علميا عدم وجود السبب فهو هنا خرج عن المنهج العلمي واتخذ موقفا فلسفيا ولما كان في الغالب متخصصا في الفيزياء دون الفلسفة لم يكن موفقا في صياغة المخرج الفلسفي .

وهكذا اغلب التصريحات التي يدعون انها تصريحات علمية تؤيد الإلحاد هي في الواقع تصريحات فلسفية لا علاقة لها بالعلم وفوق ذلك أخطأوا في تخريجها الفلسفي لعدم تخصصهم.

هذه الحقيقة ادركها الكثير من علماء القرن المتأخر لذا لم يجدوا تناقضا بين علمهم وتدينهم حتى أن العالم باروخ (Baruch Aba Shalev) وضع كتابا فيه تحليل إحصائي لـ100 عام من جوائز نوبل بين عامي 1901 -2000، ليشمل 654 جائزة نوبل قد وُزِعت على العلماء فوجد أن 90% من الجوائز مُنحت لعلماء متدينين من ضمن 28 ديانة و 10% لملحدين ولا أدريين .

ومع ذلك لا يزال ثمة من يزايد على العلم ليساوي بينه وبين الإلحاد في مغالطة تستحق ان تسمى مغالطة القرن !! .