الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لـ «موقع الأئمة الاثني عشر».
القوة الكامنة في تكوين الانسان والمسماة بالضمير...
ماهي العوامل المؤثرة في تكوينها؟
هل هي حس مكتسب ام امر فطري؟
كل هذا، كان ومايزال مثار جدل واختلاف بين الفلاسفة والمفكّرين وعلماء النّفس.
لطالما كانت قضيّة "الضّمير" مثار جدل وذلك حول العوامل الّتي تؤثّر في تكوين الضّمير، وما إذا كان حسّاً مكتسباً أو أمراً فطريّاً، في السّابق، افترض بعض العلماء أنّ الأطفال يتلقّون المبادئ المشكِّلة للضّمير بعد ولادتهم وتأثّرهم بالمجتمع وبعائلاتهم، ويتطبعون حسب ما يستقونه من المحيط حول الخير والشّرّ والجمال والقبح، غير ان دراسة صادرة عن جامعة "يال"، تقول إنها حسمت الجدل بتأكيد امتلاك الأطفال للضّمير منذ ولادتهم، وقدرتهم على معرفة الخير من الشّرّ، أكدت على أنّ دور العائلات والمجتمع ينحصر في تطوير تلك المبادئ الموجودة أصلاً لدى الأطفال.
الطبيبة كارين واين تقول، في معرض شرحها لكيفية إجراء الدّراسة، إنها تعمل مع فريق من الباحثين منذ عقود على دراسة عقليّة الأطفال وسلوكهم، وقد ركّزت اهتمامها خلال السنوات الثماني الأخيرة، على دراسة سلوك الأطفال دون العامين من العمر، لمعرفة مدى إدراكهم لمفاهيم الخير والشّرّ. فيما يشرح زوجها الدكتور باول بلوم بالتفصيل كيفية اجرائهم هذه الدراسة على الأطفال في كتابه "مجرد أطفال: جذور الخير والشر" قائلاً: "الدراسة التي دفعتني إلى البحث في الحياة الأخلاقية للأطفال لم تكن مصممة للنظر في الأخلاق على الإطلاق. كان الهدف منها استكشاف تطور الفهم الاجتماعي للأطفال. كنت أنا وزملائي مهتمين فيما إذا كان بإمكان الأطفال التنبؤ بدقة بكيفية استجابة الأفراد لشخص كان لطيفاً أو قاسياً بالنسبة لهم. تساءلنا على وجه الخصوص ما إذا كان الأطفال يفهمون أن الأفراد يميلون إلى التعامل مع أولئك الذين ساعدوهم وتجنب أولئك الذين أضروا بهم.
تجدر الإشارة هنا بأن جميع دراسات الأطفال التي شاركت فيها تُجرى في مركز إدراك الأطفال الرضع في جامعة ييل، والذي تديره زميلتي في العمل (وزوجتي) كارين وين. حيث تتم هذه التجارب دائمًا بالتعاون مع كارين وفريقها من طلبة البكالوريوس والدراسات العليا وزملاء في دراسات ما بعد الدكتوراه.
قبل الوصول إلى نتائجنا، سأعطيك نظرة عامة على كيفية إجراء مثل هذا البحث في المختبر: تستغرق التجربة النموذجية حوالي خمسة عشرة دقيقة وتبدأ مع أحد الوالدين وهو يحمل الطفل في غرفة اختبار صغيرة. في معظم الأوقات يجلس الوالد على كرسي واضعاً الطفل في حضنه، رغم أنه في بعض الأحيان يكون الطفل مربوطاً بكراس مرتفعة ويجلس الوالد خلفه. في هذه المرحلة، فإن بعض الأطفال يكونون إما نائمين أو متعبين للغاية؛ في المتوسط، ينتهي هذا النوع من الدراسة بخسارة حوالي ربع المشاركين.
في دراستنا الأولية، بقيادة الزميلة في دراسات ما بعد الدكتوراه، فاليري كوهلمير، كنا بحاجة إلى اطلاع الأطفال على تفاعلات لطيفة وسيئة. التفاعل السيء الأكثر وضوحاً يتمثل في ان يقوم شخص ما بضرب شخص آخر، لكننا قلقون من أن بعض الآباء - وربما هي لجنة اخلاقيات البحوث التي تجري على البشر في جامعة ييل - لن يكونوا مرتاحين لمشاهدة الأطفال وهم يشاهدون التفاعلات العنيفة. لذا قررنا، الاعتماد على العمل السابق لعالم النفس ديفيد بريماك وزوجته آن بريماك، اللذين عرضا أفلاماً متحركة للأطفال يعرض فيها احد الكائنات وهو يساعد كائناً اخر على الدخول الى فجوة أو يعرقله من الدخول اليها[1]. النتائج التي توصلوا إليها تشير إلى أن الأطفال كانوا ينظرون إلى أعمال المساعدة على أنها إيجابية وأعمال العرقلة بأنها سلبية.
بناءً على هذا البحث، أنشأنا رسوماً متحركة تظهر فيها الأشكال الهندسية وهي تساعد او تعيق بعضها البعض[2]. على سبيل المثال، تم عرض كرة حمراء وهي تحاول جاهدة صعود منحدر حاد. في بعض الحالات، قام مربع أصفر بالتدخل ودفع الكرة بلطف إلى أعلى المنحدر (مساعدة)؛ ولكن في حالات أخرى، تدخّل مثلث آخر أخضر ودفعها إلى الأسفل (عرقلة). بعد ذلك، رأى الأطفال أفلاماً تتعامل فيها الكرة مع المربع أو مع المثلث. سمح لنا هذا باستكشاف توقعات الأطفال حول كيفية تصرف الكرة في وجود هذه الشخصيات المساعدة والمعرقلة.
وجدنا أن الأطفال في عمر تسعة أشهر واثني عشر شهراً ينظرون لمدة أطول عندما تقترب الكرة من الشخصية التي أعاقتها، وليس تلك التي ساعدتها. كما وجدنا هذا التأثير قوياً عندما كانت الشخصيات المتحركة لها عيون، مما يجعلها تبدو اشبه بالأشخاص، وهذا يدعم فكرة أن ثمة حس اجتماعي طيب يصاحب الاطفال في احكامهم. وعندما تم نزع سمات الوجه البشري عن تلك الأشكال (العيون والفم على سبيل المثال) تغيرت أنماط وقت الانتباه عند الأطفال في عمر اثني عشر شهراً، واختفى التأثير لدى الأطفال الذين يبلغون من العمر تسعة أشهر (نظروا في كل سيناريو لنفس المقدار من الوقت).
يبدو ان هذا الفهم يظهر في مرحلة ما بين الشهر السادس والتاسع من العمر. وقد خلصت دراسة لاحقة، تستخدم شخصيات ثلاثية الأبعاد عليها سمات الوجه البشري، الى نفس النتائج على عينة جديدة من الأطفال بعمر عشرة أشهر ولكنها لم تجد أي تأثير على الأطفال بعمر ستة أشهر.
تستكشف هذه الدراسات توقعات الأطفال حول كيفية تصرف الشخصيات تجاه المساعد والمعرقل لهم، لكنها لا تخبرنا بما يفكر فيه الأطفال أنفسهم بشأن المساعد والمعرقل. هل لديهم تفضيل بينهما؟
من منظور البالغين، المساعد هو شخصٌ شهم والمعرقل هو شخصٌ وغد.
في سلسلة من التجارب التي اجريت بقيادة كيلي هاملين، طالبة الدراسات العليا آنذاك، سألنا عما إذا كان لدى الأطفال نفس الانطباع.
حيث استخدمت مجموعتنا الأولى من الدراسات اشكال هندسية ثلاثية الأبعاد يمكن مسكها مثل الدمى بدلاً من الرسوم المتحركة[3]. (قد يبدو غريباً أننا استخدمنا أشكال هندسية بدلاً من ان نستعين بأشخاص حقيقيين، ولكن الأطفال والأطفال الصغار غالباً ما يكونون غير مستعدين للتعامل من الغرباء البالغين). وبدلاً من استخدام مقاييس مدة الانتباه، والتي تعتبر مثالية لاستكشاف توقعات الأطفال، اعتمدنا مقاييس الوصول، والتي تعتبر وسيلة أفضل لتحديد ما يفضله الأطفال أنفسهم. كانت السيناريوهات هي نفسها المستخدمة في التجربة السابقة. إما أن تحصل الكرة على مساعدة للوصول الى اعلى المنحدر او يتم عرقلتها ودفعها الى اسفل المنحدر. ثم وضع الباحثون الأشكال المساعدة والمعرقلة امام الطفل لمعرفة الشخص الذي سيصل إليه.
(بعض التفاصيل التجريبية: للتأكد من أن الأطفال كانوا يستجيبون للسيناريو الفعلي، وليس فقط للألوان والأشكال الخاصة بالأشكال الهندسية المختلفة، قمنا بشكل منتظم بتغيير الأشكال المساعدة والمعرقلة - على سبيل المثال، حصل نصف الأطفال على المربع الأحمر كمساعد؛ وحصل نصف على المربع الأحمر كمعرقل، وكان هناك شاغل آخر يتعلق بالإدراك اللاواعي: إذا كان الكبار من حول الطفل يعرفون من هم الأشخاص الطيبون والأشرار ، فقد ينقلون هذه المعلومات بطريقة ما. لتجاوز هذه المشكلة، منعنا المجربة التي تحمل الشخصيات من رؤية عرض العرائس لذا لم تعرف الإجابة "الصحيحة"، كما أغلقت والدة الطفل عينيها في لحظة الاختيار.)
كما توقعنا، فضل الأطفال بعمر ستة أشهر وعشـرة أشهر بأغلبية ساحقة الفرد المساعد على الفرد المعرقل. لم يكن هذا فرقاً إحصائياً طفيفاً؛ فقد اختار جميع الأطفال تقريباً الشكل الطيب.
هذه النتيجة مفتوحة لثلاثة تفسيرات. قد يبدي الأطفال ـ فقط ـ انجذاباً إلى الشخص المساعد، أو فقط نفوراً من الشخص المعرقل، أو كليهما. لاستكشاف ذلك، قدمنا شخصية جديدة لم تساعد أو تعرقل. فوجدنا أنه، في حالة الاختيار، الأطفال فضلوا الشخصية المساعدة على الشخصية المحايدة وفضلوا الشخصية المحايدة على الشخصية المعرقلة، مما يشير إلى أن الأطفال قد انجذبوا إلى الشخصية اللطيفة ونفروا من الشخصية الخبيثة. مرة أخرى، لم تأت هذه النتائج بفارق بسيط؛ كان الأطفال في كل مرة تقريباً يظهرون هذا النمط من الاستجابة.
ثم تابعنا هذا الأمر مع زوج من الدراسات التي تتعامل مع أطفال في عمر ثلاثة أشهر[4]. الأطفال في هذا العمر اشبه بالدودة؛ إذ لا يمكنهم التحكم في اطرافهم بالصورة التي تتناسب مع اساليبنا البحثية المعتادة. لكننا لاحظنا شيئاً مع الأطفال الأكبر سناً وهو ما أعطانا فكرة عن كيفية المضي قدماً. بعد تحليل مقاطع الفيديو، وجدنا أنهم لم يختاروا الشخصية المساعدة فحسب؛ وانما نظروا اليها طويلاً أيضاً. هذا يشير إلى أنه بالنسبة للأطفال الأصغر سناً، يمكننا استخدام اتجاه رؤيتهم كمؤشر على التفضيل. عندما أظهرنا الشخصيتين للأطفال في نفس الوقت، كان التأثير قوياً حيث كان الأطفال البالغون من العمر ثلاثة أشهر يفضلون أن ينظروا إلى الأشخاص الطيبين.
في دراسة ثانية عرضت فيها شخصية محايدة، حصلنا على نمط مثير من النجاح والفشل. مثل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة وعشرة أشهر، نظر الأطفال الأصغر سناً لفترة أطول إلى الشخصية المحايدة لفترة أطول من نظرهم إلى الشخصية المعرقلة. لكنهم لم يفضلوا الشخصية المساعدة على الشخصية المحايدة. يتماشى ذلك مع "الانحياز السلبي"[5] الذي يتم العثور عليه غالبًا في البالغين والأطفال: الحساسية للسوء (في هذه الحالة، الشخصية المعرقلة) هي اكثر قوة وتبرز في وقت أبكر من الحساسية للخير (الشخصية المساعدة).
نُشرت دراسات الشخصية المساعدة والمعرقلة الأولية في مجلة "نيتشر" المرموقة، وأثارت الكثير من النقاش، سواء من المتحمسين لها او المشككين. وصار يخشى زملائنا الأكثر نقداً من أن الأطفال ربما لم يستجيبوا فعلياً لحسن أو سوء التفاعل، بل لبعض الجوانب غير الاجتماعية للمشهد. نحن أنفسنا أصبحنا قلقين حيال الشيء نفسه ولكن تجاربنا كانت تتمتع بمقومات معينة نأمل فيها أن تستبعد هذا الاحتمال. لقد اختبرنا الأطفال في سيناريوهات أخرى تم فيها استبدال "الكرة المتسلقة" بكتلة خالية من ملامح الوجه البشري لا تتحرك من تلقاء نفسها. وقامت الشخصيتان المساعدة والمعرقلة بنفس الحركات الجسدية، لكنهما الآن لم يقوما فعلياً بالمساعدة او العرقلة. تسبب هذا التبديل في اختفاء التفضيل لدى الأطفال، مما يشير إلى أن الأطفال كانوا يستجيبون بالفعل للتفاعلات الاجتماعية، وليس فقط للحركات".
[1] D. Premack and A. J. Premack, “Infants Attribute Value +/- to the Goal-Directed Actions of Self-Propelled Objects,” Journal of Cognitive Neuroscience 9 (1997): 848–56.
[2] V. Kuhlmeier, K. Wynn, and P. Bloom, “Attribution of Dispositional States by 9-Month-Olds: The Role of Faces,” under review; V. Kuhlmeier, K. Wynn, and P. Bloom, “Attribution of Dispositional States by 12-Month-Old Infants,” Psychological Science 14 (2003): 402–8; J. K. Hamlin, K. Wynn, and P. Bloom, “Social Evaluation by Preverbal Infants,” Nature 450 (2007): 557–59. To see examples of what the babies are shown, go to “Social Evaluation by Preverbal Infants,” 2007, www.yale.edu/infantlab/socialevaluation/Helper-Hinderer.html
[3] Hamlin, Wynn, and Bloom, “Social Evaluation by Preverbal Infants.”
[4] J. K. Hamlin, K. Wynn, and P. Bloom, “3-Month-Olds Show a Negativity Bias in Social Evaluation,” Developmental Science 13 (2010): 923–39.
[5] A. Vaish, T. Grossmann, and A. Woodward, “Not All Emotions Are Created Equal: The Negativity Bias in Social-Emotional Development,” Psychological Bulletin134 (2008): 383–403; P. Rozin and E. Royzman, “Negativity Bias, Negativity Dominance, and Contagion,” Personality and Social Psychology Review 5 (2001): 296–320.
*باول بلوم
ترجمة: ضرغام الكيار