رأى سماحة آية الله السيد محمد باقر السيستاني، دامت بركاته، أن الأعراف المادية التي تضخمت وازدادت بمرور الزمان هي من يعقّد زواج الشباب.
وقال سماحته في مقال حصل عليه «موقع الأئمة الاثني عشر»: إن "الكثير من الشباب لا يجد القدرة على توفير ذلك - يقصد تكاليف الزواج- من جهة الانشغال بالدراسة أو فقدان العمل أو عدم القدرة على توفير الإنفاقات الأوّلية وفق الأعراف القائمة".
وفيما يلي نص المقال:
اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام
كتب آية الله السيد محمد باقر السيستاني: الزواج والعائق المادي
إن من جملة التحديات التي تواجه الزواج هو العائق المادي، وهذا العائق ينشأ عن سببين:
الأول: طبيعة اقتضاءات الزواج بالنسبة إلى الرجل، وذلك بالنظر إلى أن الزواج يعني تكفل الزوج بالمهر - ولو بالمقدار المعجل منه المخصص لتوفير الأثاث وملابس للمرأة وبعض الزينة لها - وبتوفير السكن المشترك، وكذلك قدرة الزوج من تكفل نفقته بنفسه لأنه يستقل حينئذٍ عن أسرته، وتكفل نفقات زوجته أيضاً، ثم ما يكون لهما من أولاد.
الثاني: الأعراف المادية التي تضخمت وازدادت بمرور الزمان من قبيل المجالس الفخمة التي تعقد للزواج، والهدايا الثمينة التي تقدم للزوجة ونحو ذلك.
ولا يجد الكثير من الشباب القدرة على توفير ذلك من جهة الانشغال بالدراسة أو فقدان العمل أو عدم القدرة على توفير الإنفاقات الأوّلية وفق الأعراف القائمة.
ولكن يمكن حل هذه التحديات بملاحظة أمور:
١ ــ إن من المهم في كل موضوع الموازنة بين الخيارات وسلبياتها وإيجابياتها، بل ذلك هو جوهر العقل، ومن ثَمَّ قيل ليس العاقل من عرف الخير من الشر، بل العاقل من عرف أحسن الخيرين وأهون الشرين.
ولذلك لا بد من التفات الشباب ـــ فتيان وفتيات ـــ وأهاليهم إلى محاذير عدم الزواج أو التسويف فيه لا سيما إذا لم يكن لمدة منظورة يهيأ له فيها، وهذه المحاذير ليست قليلة، وقد أشارت إلى ذلك بعض الروايات التي وردت في الحث على قبول الخاطب للفتاة مع حسن دينه وخلقه فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، وهذه إشارة بليغة للشباب ولأهاليهم لأنهم لا يفكرون فيما يكون الشاب عرضة له في حال تأخير الزواج وتسويفه.
٢- إنه يمكن اختصار كثير من المصاريف بتجاوز الأعراف المادية المبالغ فيها، وذلك بقرار منفرد من أحد الطرفين فيما يسمح له العرف بذلك أو بقرار مشترك بين الطرفين فيما كان ينجز عادةً باتفاق الطرفين، لأن هذه الأعراف ليست راشدة ولا حكيمة، بل هي ضرب من الإسراف والتبذير، ويبتني تكونها أساساً على ضرب من المنافسات الاجتماعية والاعتبارات المحضة التي لا قيمة لها، كما أنها ذميمة من المنظور الشرعي.
٣- كما أنه يمكن اختصارها باختيار الشريك الملائم، لأن الأعراف المادية تختلف باختلاف الناس، فالسكن المستقل مثلاً ليس عرفاً قائماً لدى الجميع، بل من المتعارف لدى كثير من البيئات الاجتماعية أو العوائل سكن الزوج ولو لفترة في أوائل الزواج مع والديه، وهناك فتيات مؤمنات مثقفات يباردن إلى القبول بتخفيف هذه الأعراف.
٤ ــ التدبير السابق، بمعنى أن الشاب يكون مهتماً ولو بتشويق والديه منذ بلوغ الرشد بأن يجمع مبلغاً لزواجه، سواء من خلال الهدايا التي يحصل عليها أو من خلال ما يتأتى له من العمل ولو يسيراً، فيضع لنفسه صندوقاً للزواج، ويسعى إلى الاستغناء عن كثير من الإنفاقات غير الضرورية أو المسرفة في أمور لاهية، وكذلك يهتم الوالدان بذلك مبكراً حتى قبل رشد الفتى والفتاة ولو بأن يخصصا صندوقاً يضعان فيه نقوداً لزواج كل ولد، أو حساباً في البنك، كما يفعل بعضهم لقضايا الحسين (ع).
٥ ــ التدبير المقارن، والمراد به تدبير الإنفاق حين الزواج من خلال تقليل النفقات غير الضرورية، واختيار شراء الأمتعة التي تفي بالغرض من المزادات في آخر السنة أو البدائل الوافية، أو الأمكنة التي تكون أثمان الأمتعة فيها أرخص.
٦ ــ التكافل الاجتماعي بنوعيه الخاص والعام، والمراد بالخاص أن يخصص كل جماعة صندوقاً خيرياً للزواج ليجمعوا فيه المبالغ لتيسير أمر الزواج بما يفي بالكفاف كما يفعلون ذلك لحاجات أخرى، كما أن المراد بالعام اهتمام القادرين على الإعانة من التجار وأصحاب الأموال بهذه الجهة، كما يهتمون بقضايا أخرى شخصية أو دينية كالشعائر، فإن من يسّر زواج اثنين كتب الله سبحانه له من الثواب بمقدار ما أتيح لهما من السعادة وما دفعه الزواج عنهما من ضيق أو مفسدة.
٧ ــ ويقع على الفتيات والأمهات وسائر النساء مسؤولية كبيرة في تقليل النفقات وعدم الرضوخ للأعراف المادية المبنية على أمور ذميمة مثل المنافسات والمقارنات والموجبة لمحاذير شرعية مثل تأخير زواج الشباب والمفاسد المترتبة عليه ووجوه الإسراف فإن ذلك إثم يلحق كل من كان مؤثراً فيه.
٨ ــ وبعد فإن كثيراً من المخاوف من الزواج ليست حقيقة، وقد لوحظ في الكثير من الموارد أن الزواج يفتح للإنسان منافذ رزق إما لإصرار الإنسان على البحث والتحري، أو لاتساع مجال البحث من خلال العائلة التي يتصل بها وقرابتهم.
وبعد فإن المؤمن يجد في وعد الله سبحانه للفقير بالإغناء من فضله ما يدفع عنه المخاوف غير المبررة أو التي يمكن رفعها بحسب التدبير، وصدق الله تعالى حيث قال: [وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ].