التشيع : نظرة في الأصول والمرتكزات
إنّ التشيع هو المضمون الكامل للإسلام، وذلك لأنّ الإسلام يشمل كدين -مضافاً إلى الإذعان بالله سبحانه وبتوحيده وبصفاته الكمالية كالعلم والقدرة وكذلك الإذعان برسله وبالرسول محمد (ص) كخاتم الرسل والأنبياء ، وعلى الإيمان باليوم الآخر- على اصطفاء أهل بيت النبي (ع).
اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام
والاصطفاء سنة من سنن الله تبارك وتعالى، حيث يصطفي الله سبحانه الأنبياء والرسل وجماعة مميزة من نسلهم وذويهم لتبليغ رسالاته وتعاليمه، وصيانتها والمحافظة عليها، كاصطفاء إبراهيم وآل إبراهيم (ع)، واصطفاء موسى وهارون وآلهما (ع)، وعلى هذه السنة الجارية اصطفي خير خلق الله تعالى رسولنا محمد (ص)، وأفراد من ذويه الذين تفردوا عن سائر الأمة بما يوجب أولويتهم المطلقة.
وتفي الآيات القرآنية -بضميمة ما جاء في شرح موردها- بهذا الاصطفاء والتفرد، كما في آية التطهير التي خص الله سبحانه بها أهل البيت (ع) وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وقد دلت النصوص النبوية المتفق عليها على تعيين أهل البيت (ع) عند نزولها من قبل النبي (ص) في علي (ع) وفاطمة والحسنين من دون أزواجه (ص) وسائر أقاربه ولا أحد من أصحابه.
وكذلك آية المباهلة التي كانت الخصوصية فيها مقتصرة على أهل البيت (عليهم السلام) دون غيرهم من أقارب النبي (ص) وأرحامه وزوجاته.
وكما في آية التبليغ، التي أمر الله تعالى فيها نبيه (ص) بتبليغ إمامة أمير المؤمنين (ع) وتنصيبه كولي وخليفة وإمام على المسلمين بعد رحيله (ص).
ولو انتقلنا إلى النصوص النبوية المتفق عليها بين المسلمين -كحديث الثقلين والمنزلة وحادثة الغدير، وغير ذلك مما ورد في شأن الامام علي (ع) والسيدة الزهراء (ع) والحسنين (ع)- لوجدناها دالة على تفرد أهل بيت النبوية وتميزهم على سائر هذه الأمة، وكونهم مناطاً للهدى وصيانة عن الضلالة وعِدلاً للقرآن ومخصوصين بالولاء الخاص والمقارنة مع المصطفين من الأمم السابقة.
وقد بلغ الإمام أمير المؤمنين (ع) هذا المعنى في خطبه التي ألقاها في الكوفة بمحضر المسلمين، وقد اشتهرت على الإجمال في التاريخ، وقد جمع قسماً منها السيد الرضي (رحمه الله) في نهج البلاغة، كقوله (ع): (لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله من هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا. هم أساس الدين. وعماد اليقين. إليهم يفئ الغالي. وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حق الولاية. وفيهم الوصية والوراثة ...)
(هم عيش العلم وموت الجهل. يخبركم حلمهم عن علمهم. وصمتهم عن حكم منطقهم. لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه. هم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام)
ولا بدّ أن يُعلم، بأنّ اصطفاء أهل البيت (ع) يشتمل على أبعاد ثلاثة:
البعد الأوّل: تفردهم في العلم، مما يقتضي أن تكون لهم المرجعية العلمية المطلقة، سواء فيما بيّنوه من شؤون الدين أو غيره.
ومن هنا يتعين الرجوع إليهم (ع)، ولا يجزي الرجوع إلى غيرهم -بأي حال من الأحوال- في مقابل ما صح عنهم (عليهم السلام).
البعد الثاني: تفردهم في التسديد من الله سبحانه (العصمة)، فهم عباد صالحون مصطفون مسددون من الله تعالى، جعلهم الله سبحانه مرجعاً في الفتن والمتشابهات، ورايات هدى عند التفرق والاختلاف، فلابد من اقتفاء أثرهم والتأسي بهم، فإنّ الحق يدور مدارهم (ع)، والباطل يدور مدار من خالفهم.
البعد الثالث: تفردهم بأنّهم أولياء الأمر بعد النبي (ص) بالنص عليهم والوصية إليهم، فهم أئمة الخلق باستحقاق، ويجب على كل امرئ أن يذعن لإمامتهم وأولويتهم بالأمر، مسلماً لهم، متبعاً إياهم، غير ناظر ولا راض بأي بديل عنهم.
والإمام منهم في عصرنا هذا هو الحجة بن الحسن المهدي ( ع)، فيجب على المرء توليه، ومودته، وطاعته فيما بلغه عنه أو عن آبائه (ع)، والاستعداد لنصرته، والتضحية بالنفس والمال والولد من أجله والنصح له (ع) في غيبته (ع) .
وبعد كل هذا، فعلى كل مسلم أن يتأمل موقع أهل البيت (ع) في الإسلام وخصوصيتهم، وتفردهم، وامتيازهم، وأن يتصف تجاههم بالإذعان والولاء والأدب والمودة ويسعى إلى أن يكون من الآخذين عنهم، والمتربين بتربيتهم، والمتأسين بهم.
وإنّ المؤمن -بل كل منصف- ليجد في أئمة أهل البيت (ع) نبراساً في السبيل إلى الله تعالى، ومثلاً أعلى في الصلاح والقرب منه سبحانه، وأسوة صالحة يقتدى بها ومفرقاً بين الحق والباطل عند اشتباه رايات الهدى والضلال.
فهنيئاً لمن أذعن لهم، وتمسك بمنهجهم، وتخلق بأخلاقهم، وعمل بنصائحهم وإرشاداتهم، ليكون ممن يحشر خلف لوائهم يوم القيامة يوم يحشر كل امرئ خلف من قاده واستجاب له ويتفرق الناس خلف رايات الهدى والضلالة التي اتبعوها في هذه الحياة،[أُولَئِكَ على هُدًى من رَبِّهِمْ وَأُولَئِك هُمُ الْمُفْلِحُونَ].