ضرب وشقاء: ’زواج’ أم مسرح مليء بـ ’المرارة’!

موقع الأئمة الاثني عشر
زيارات:1038
مشاركة
A+ A A-

أثر النزاع والشجار في الحياة الزوجية

د. علي القائمي

الزواج طموح إلى السعادة يسعى الزوجان من خلال ارتباطهما معاً إلى تحقيقه على أرض الواقع، ذلك أن الحياة دون زواج معناها القلق والشعور بالوحدة والحرمان.

اشترك في قناتنا ليصلك كل جديد

فالحياة المشتركة في ظلال الزواج توفر شعوراً عميقاً بالاستقرار، غير أن الاختلاف في وجهات النظر بين الزوجين وسعي أحدهما أو كلاهما إلى فرض نفسه ومحاولة السيطرة على الآخر يؤدي إلى فشل هذه المؤسسة ومن ثم انتفاء الثمار المتوخاة من ورائها.

إن فشل الزواج لا يعني فشل مشروع اجتماعي فحسب، بل يؤدي إلى إخفاق إنساني أيضاً يحوّل الرجل والمرأة إلى مجرد هيكلين ميتين تحركهما أمواج الحياة؛ ربما يعيش الزوجان في أيامهما الأولى مشاعر السعادة ذلك أنهما ما يزالان يعيشان رؤاهما وأحلامهما ولكن وبعد أن تمر الأيام وبسبب تصادمهما لسبب أو آخر تظهر بعض الانحرافات وتتحول تلك الجنة الصغيرة إلى جحيم لا يطاق.

وعندما يكون الإنسان جاهلاً فإن بإمكانه أن يحوّل جو الأسرة الهادئ إلى مسرح رهيب مليء بالمرارة واليأس، يفقد الإنسان خلالها إقباله على الحياة بل وحتى ميله للطعام ويحول المنزل إلى مكان يضم أناساً غرباء منسحبين على أنفسهم يعالجون أحزانهم ويعيشون معاناتهم.

آثار النزاع:

إن النزاع بين الزوجين يختلف تماماً عن أي نزاع آخر ينشب بين شخصين غريبين حيث ينتهي كل شيء بعد ساعة ويمضي كل منهما في طريقه، أما في الحياة الزوجية التي تعني حياة مشتركة تحت سقف واحد بين شخصين اختارا تلك الحياة معاً فإن أي نزاع قد ينشب بينهما يترك مضاعفات خطيرة ومريرة في عدة أصعدة يمكن الإشارة إلى بعضها كما يلي:

1 ـ في شكل الحياة:

إن النزاع يترك آثاره في شكل الحياة داخل المنزل ويتحول الزوجان إلى شخصين غريبين يعيشان معاً كما يشعر الصغار بالقلق وإحساس بالخوف من نشوب معركة بين الوالدين لا تعرف عواقبها، وهكذا يخيم صمت ثقيل في جنبات المنزل ينزوي فيه الأطفال خائفين في جو يشوبه الحذر.

2 ـ في قوة العلاقات:

يسيطر نوع من البرود القاتل على العلاقات الزوجية إثر نشوب الخلاف بينهما وينظر كل منهما على الآخر على أنه السبب في شقائه وتعاسته، فتزول مشاعر الثقة بينهما ويحل مكانها شعور بالعداء حيث يحاول كل منهما تحقير الآخر وإذلاله؛ كما يذهب ضحية النزاع ذلك الشعور بالاستقرار والطمأنينة حيث تحل مشاعر القلق والتحفز للنزاع والمواجهة، ومحاولة كل من الطرفين إلحاق الأذى بالآخر.

3 ـ في الجانب النفسي:

من الطبيعي أن يخلّف النزاع في الحياة الزوجية آثاراً خطيرة في الجانب النفسي، وقد يبدو النزاع نوعاً من التنفيس عن بعض العقد النفسية ولكنه في الواقع يغطي عليها ويزيدها تجذراً في الأعماق مما يضاعف من خطرها في المستقبل.

إن النزاع لا يؤدي إلى تصدع العلاقات الزوجية فحسب بل تتعدى آثاره إلى إحداث تصدع فكري وتمزق نفسي.

وبالرغم من إحساس أحد الزوجين بأنه يرد اعتباره أو أنه يحقّق وجوده من خلال إيذاء الآخر إلا أنه في الواقع يؤذي نفسه أيضاً، وأنه يوجّه إليها طعنات نجلاء سوف تظهر آثارها في المستقبل، ذلك أنه يقضي على مشاعر الحب وينابيع المودّة في أعماقه، والتي هي أساس السعادة في الحياة.

4 ـ تأنيب الضمير:

وقد يصل الإيذاء والظلم الذي يمارسه أحد الزوجين بحق الآخر حداً يدفعه لارتكاب عمل ما يتصور خلاصه فيه، وعندها تحدث هزّة عنيفة يستيقظ فيها الضمير، فيعيش حالة مأساوية من عذاب الوجدان وتأنيب الضمير بسبب ما ارتكبه من خطأ فادح بحق شريك حياته؛ وقد تتضاعف الحالة لتتخذ شكل مرض نفسي خطير.

إن النزاع الزوجي الذي يؤدي إلى ظلم أحد الطرفين أو تعريض سمعته للخطر سوف يحدث آثاراً لا يمكن تفاديها أبداً، قد تقوده إلى الانتحار ووضع حدّ لحياته أو إلى إحداث شرخ خطير في شخصيته يهدد سلامته النفسية، وهو أمر لا بد أن يجر من ورائه عقوبة الله بحق الظالم عاجلاً أم آجلاً.

5 ـ خلق حالة التشاؤم:

النزاع في الحياة الزوجية يخلق حالة من التشاؤم في الحياة ويجعلها سوداء خالية من كل المعاني الجميلة، وفي تلك الأثناء يرى أحدهما الخلاص عن طريق البحث عن إنسان آخر يشاطره الحب، وعندما يعثر على ضالّته تلك، نلاحظ استمرار حالة التشاؤم لديه، إذ لا يمكن التخلص منها بسهولة مما يجعل الحياة في رأيه خواء في خواء.

وإذن فإن النزاع في الحياة الزوجية وإن انتهى إلى بعض الحلول إلاّ أن آثاره النفسية تستمر مدة طويلة وقد لا تنتهي إلا مع انتهاء الحياة.

6 ـ تدمير القابليات:

ينمو الإنسان في الجو الآمن المطمئن وتنمو لديه قابلياته وتنفجر في داخله الاستعدادات والمواهب، ذلك أن حاسّة الإبداع تترعرع في الحياة المستقرة الهادئة في حين أنها تتراجع وتذبل وتموت في الحياة المضطربة القلقة.

وما أكثر الأفراد الذين انحدروا بعد زواجهم وانحطّت قابلياتهم وتدنّت مواهبهم وذبلت استعداداتهم وانتهت قدراتهم. كل ذلك بسبب حالة النزاع والمواجهة التي تسيطر على حياة الزوجين حيث يبقى الفكر مشغولاً والخاطر مبلبلاً والنفس مشوّشة لا تعرف الطمأنينة والراحة والاستقرار، وقد تصل الأمور إلى حالة من الهذيان المستمر الذي يُفقد الحياة معانيها الجميلة.

7 ـ الحرمان:

صحيح أننا لا نعيش من أجل أن نتمتع ونلهو في هذه الحياة، وأن هدف الحياة أسمى من كل المتع الدنيوية، وأن واجب الإنسان هو أداء واجبه في الحياة النزيهة بعيداً عن الآثام والمعاصي، ولكن هذا لا يعني الحرمان، فالحياة الإنسانية زاخرة بكل ألوان المتع البريئة، زاخرة بكل ألوان السعادة، وأن على الإنسان أن لا ينسى نصيبه في هذه الدنيا. إن عمر الإنسان هو رأسماله في الدنيا والآخرة، وعلى هذا فينبغي عليه أن ينفق عمره فيما ينفعه في دنياه وأخراه وأن لا يسمم حياته بعملٍ يجرّ وراءه القلق هنا والعذاب هناك. إن من يخلو قلبه من حبّ الله لا بد وأن يتيه في دروب الضياع التي تقوده إلى السقوط والانحلال المادي والمعنوي، وبالتالي العذاب في يوم القيامة.

8 ـ العقاب الأخروي:

وأخيراً فإن من آثار النزاع ونتائجه هو العقاب الأخروي الذي ينتظر الظالم، فالله للظالمين بالمرصاد.

إن كل ظلم في الحياة الزوجية يعني ظلماً اجتماعياً بحق إنسان له كرامته، وهو أمر لا يمكن تلافيه بالتوبة، ذلك أن الله سبحانه قد يتجاوز عن الذنوب التي يرتكبها الإنسان بحق نفسه كشرب الخمر مثلاً، ولكن عندما يشمل الذنب إيذاء الآخرين وظلمهم فإن المسألة هنا في غاية التعقيد.

ولذا، فإن على الإنسان أن يحسب لذلك اليوم حسابه، إذ لا يسوغ لأحدٍ، كائناً من يكون أن يستغل موقعه وقدرته في سحق الآخرين وإذلالهم ثم يكون في مأمن من عقاب الله.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا وأن الله ورسوله بريئان ممن أضرّ بامرأته حتى تختلع منه.

وقال أيضاً: من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها.

وقال أيضاً: إني لأتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها.

وقال علي (عليه السلام): لا يكن أهلك أشقى الخلق بك.

عندما ينشب الخلاف

من الطبيعي أن يصطدم الزوجان وأن يشتعل النزاع بينهما، إلا أن من الضروري جداً، عدم تجاوز الحدّ الطبيعي خلال ذلك، أي ألا يكون الهجوم ـ إن صح التعبير ـ قاسياً بحيث يسحق الزوجة ـ على سبيل المثال ـ ويحطّم قلبها، وبالتالي يصعب إصلاح الأمور وإعادتها إلى ما كانت عليه سابقاً. ففي بعض الأحيان يكون النزاع من العنف بحيث يحطم صورة الحياة ويدمرّ السعادة لدى المرأة؛ وحتى لو كان هناك نيّة في الطلاق، لمنافاته مع الجانب الإنساني، ذلك أن الله خلق الإنسان وأودع لديه قدرة على بيان ما يبتغيه أو يريده من خلال المنطق السليم؛ ولذا ينبغي على الإنسان، وحتى في أشدّ الساعات حراجة أن يتمالك نفسه وأن لا ينطق لسانه إلاّ بما يرضي الله ورسوله.

السعي من أجل إعادة الصفاء

إن الأصل في الجو العائلي هو أن يسوده الصفاء، فإذا حصل سوء تفاهم فينبغي عدم تصعيده إلى حالة من النزاع، فإذا نشب النزاع فيتوجب أن يكون في مستوى بحيث يكون من السهل إصلاح ما فسد من الأمر، إن من واجب الإنسان هو أن يعيش دنياه بسلوك يليق بإنسانيته، لا أن يظلم ويفسد ويتهم الآخرين بالباطل، ذلك أن الإنسان هو الذي يمنح الحياة جمالها من خلال إحسانه وهو الذي يسلبها تلك الصورة الجميلة إذا ما أساء في سلوكه وسيرته.

إن واجبنا الأخلاقي والشرعي يحتم علينا أن نسعى دائماً للحيلولة دون وقوع ما ينغض الحياة الزوجية، وأن على الزوجين السعي إلى التفاهم دائماً، فهو الأسلوب الوحيد لحل جميع المشاكل، وأن يكون شعارهما دائماً العمل على اجتثاثها من الجذور قبل أن تستفحل وتشتد أشواكها وتكون عقبة كأداء في الطريق.

إن الحياة المشتركة تكشف للزوجين أخلاقهما وتعرّف أفكارهما، ولذا فإن الرجل، ومن خلال معرفته تلك. يمكنه العمل على تنمية الجانب الإيجابي في زوجته واحتواء جانبها السلبي في نفس الوقت؛ وهذا الأمر ينسحب على المرأة ـ أيضاً ـ من خلال مداراة زوجها وتعاملها الحسن معه.

دعائم السلام

ما هو الضرر الذي يلحق الرجل إذا ما أقدم على مصالحة زوجته؟ ما هو الذي يمكن أن يلحق به لو غض النظر عن الإساءة، وخطا الخطوة الأولى في المصالحة؛ فقد تفعل الابتسامة ما لا تفعله جميع الوسائل في تحقيق وتثبيت دعائم الحب في الأسرة والعائلة.

إن الهدف من وراء الزواج هو الألفة والاتحاد والاستقرار، وبتعبير القرآن، السكن. وإذن فإن ما يحقق تلك الأهداف هو الحب والمودّة والصبر والتحمل وكل المواهب الإنسانية السامية، أما النزاع والمواجهة والغضب فلا عاقبة لها سوى الخسران.

من كتاب الأسرة وقضايا الزواج

مواضيع مختارة