ذكر كامل النجار في كتابه قرأة منهجيه للإسلام أن مجموعة من المفكرين طرحوا إشكالية حول نظرة القرآن لدور الزوجة قالوا بأن القرآن الكريم يرى أن الزوجة مجرد أداة لإستمتاع الرجل وأنها ماكينه لتفريخ والإنجاب ولا يراها القرآن في موقع الشراكة الحقيقة للرجل في بناء الأسرة وتبادل العلاقات العاطفية وذلك من خلال عدة آيات مثلا قوله تعالى: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾، التعبير بالحرث إهانة للمرآة وجرح لشخصيتها لأن التعبير عنها بالحرث يحصر دورها وكأنها دجاجة تبيض وتفرخ وليس لها دور آخر بإعتبار أن الحرث هو ما كان خزانة للبذور التي تثمر وتنتج وفي آية أخرى قوله تعالى: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً﴾، هذه الآية صريحة في أن المرأة أداة لمتعة الرجل فقط ولذلك إذا لم تستجب لشهوة الرجل وغريزته فله أن يضربها حتى يحصل على قضاء وطره وإشباع شهوته وهذا إهدار لكرامة وشخصية المرأة.
وفي آية ثالثة يقول تعالى: ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ﴾ جعل المرأة في صف الحمامات مما يعني أن المرأة بنظر القرآن علاقتها بالرجل كعلاقتها بالحمام، فكما يقذف الرجل أوساخه من بدنه في الحمام لأنه يقذف مائه في المرأة ويقوم عنها، إذا علاقة المرأة بالرجل بنظر القرآن الكريم مجرد أن المرأة أداة لاستمتاع الرجل وقضاء شهوته أو أنها مكان للتفريخ والإنجاب ولم يجعلها القرآن في موقعها الحضاري المناسب لها وهو موقع الشراكة الحقيقية للرجل في بناء الأسرة وتبادل العلاقات العاطفية.
نحن نسجل على هذه المقالة عدة ملاحظات:
لولا الزواج لانقرض الوجود البشري
الملاحظة الأولى: أن المرأة عنصر ضروري لاستقرار الحياة على الارض، الحياة الزوجية ما هو الهدف منها؟ قد يكون الهدف من الزواج والعلاقة الزوجية هدفاً اعتباريا كأن يتزوج الإنسان من عائلة معروفة بالذكاء حتى يخرج اولاده أذكياء، أو يتزوج الإنسان من امرأة أجنبية عن عائلته حتى يتخلص من أمراض تداخل القبائل والعروق هذا هدفاً اعتباري وليس هدفاً أصيلاً وحقيقياً، الهدف الأساس للعلاقة الزوجية استمرار الحياة على الأرض لو لم يكن هناك زواج لانقرض وتوقف النسل البشري عن وجه الأرض، من أجل استمرار الحياة والوجود البشري والنوع الإنساني على الأرض لابد من علاقة زوجيه فالعلاقة من أهدافها الرئيسية والأساسية استمرار الوجود البشري على الأرض وهذا الهدف ليس هدفاً اعتباريا أو ثانوياً بل هو هدف فرضته الطبيعة البشرية والفطرية للإنسان أن الهدف من الزواج هو استمرار الوجود الانساني على الأرض.. كيف ذلك؟ نذكر ثلاثة أدله:
الزواج هدف فطري
الدليل الأول: لا تجد مجتمعا بشريا من يوم آدم الى هذا اليوم إلا وفيه علاقة زوجة لا يوجد مجتمع بدون زواج ومهما اختلفت الأديان والمذاهب فهو يرى العلاقة الزوجية ولهذا هو هدف فطري انساني اتفقت كل المجتمعات البشرية على العلاقة الزوجية.
المرأة مصدر الوجود الإنساني
الدليل الثاني: لو نظرنا لطبيعة المرأة انظر إلى جهاز جسم المرأة، جهزت المرأة بالرحم والمبيض وثديين، لماذا هذا الجهاز الذي جهزت به المرأة؟ من أجل استمرار الحياة البشرية على الأرض، إذا استمرار الحياة البشرية على الأرض هدف ينسجم مع جهاز وطبيعة المرأة نفسها، إذا القرآن لم يجعل الهدف، هدف الإنجاب والنسل واستمرار البشر هدفٌ فرضته طبيعة المرآة ولم يفرضه القرآن الكريم ولم تفرضه نظرة السماء فولدت المرأة وطبيعتها مهيأة للإنجاب والإيلاد وفطرتها وخلقتها معدة لأن تكون مصدراً للوجود الإنساني على الأرض فهذا ليس هدفا اعتباريا بل هو هدفٌ طبيعي فطري.
لا يمكن الاستغناء عن المرأة
الدليل الثالث: عندما نلاحظ العقل يقرر حتى لو لم يذكر القرآن ولم يذكر أحد ولم تتفق المجتمعات البشرية على العلاقة الزوجية، العقل هو يقرر بنفسه يقول بأن استمرار الحياة على الأرض يتوقف على وجود المرآة إذا فلابد من هذه العلاقة تحقيقا لاستمرار الحياة البشرية على الأرض، هذا فرض فرضه العقل ولم يفرضه القرآن الكريم، بل إذا راجعنا علماء الطب والبيولوجيا ماذا يقولون؟
يقولون يمكن أن يستغنى عن الرجل لكن لا يمكن أن يستغني عن المرأة، يمكن الآن أن تلد المرأة عن طريق استنساخ الخلية ووضعها في رحمها بدون حويمن الرجل إطلاقاً، إذا دور المرأة أصبح ضرورياً لاستمرار الحياة لا يمكن أبدا الاستغناء عن المرأة في استمرار الحياة على الأرض فالمرأة عنصر ضروري بل هي العنصر الأساس في وجود الإنسان على الأرض، من هنا نفهم التعبير بالآية المباركة: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾، ليس المراد بهذا التعبير تصوير المرآة كدجاجة تبيض وتفرخ وإنما المقصود بهذا التعبير أنه لا يمكن الاستغناء عن المرأة فإنها هي العنصر الأساس لبقاء الحياة الإنسانية على كوكب الأرض هذا هو المعنى بـ "حَرْثٌ لَّكُمْ" والقرآن بهذا بين أهمية وضرورة وجود المرأة لا أنه احتقرها أو أهان كرامتها.
الزوجة شريكة وليست خادمة
الملاحظة الثانية: تنوع الأهداف القرآنية، نلاحظ بعض الكتاب اقتصر على آية واحده ولم يقرأ مجموع الآيات القرآنية ولو قرأ مجموع الآيات لرأى تنوع الاهداف القرآنية، أن القرآن ينص على شراكة المرأة وأنها شريك حقيقي في بناء الحياة والعلاقة العاطفية عندما يقول القرآن الكريم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ وهذا خطاب لجميع المؤمنين رجالا ونساء وجعل بينهم شراكة حقيقية ولم يقل القرآن خدماً لكم فجعل بينهم شراكة في تبادل العواطف والمشاعر قال تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لُهنَّ﴾، كما أن الرجل زينة للمرأة فالمرأة زينة للرجل قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾، أي أن حقوق
الرجل وحقوق المرأة متساويان فهما شريكان في الحقوق إلا ما استثني للرجل أو استثني للمرأة لبعض الخصوصيات فالقاعدة العامة ترى أنهما شريكان في الحقوق وتبادل العلاقة العاطفية.
ضرب المرأة
الملاحظة الثالثة: إن آية الضرب ذكرت الضرب كأخر وسيلة للردع عن الخطأ ولم تذكر الضرب وليس كوسيلة لتسخير المرأة لإشباع شهوة الرجل، تبين ذلك أن المرأة عندما ترفض اللقاء الجنسي تارة يكون رفضها بدافع عقلاني وتارة يكون بدافع عداوني، إذا كان رفضها للقاء الجنسي بدافع عقلاني أي أنها مريضة أو متعبة أو أنها في حرج هذا ليس نشوزاً فالعلاقة هي امرأة معدة نفسياً وجسدياً لتبادل الرجل في القيام بهذا الدور، لذلك لو لم تكن المرأة معدة لمرض جسديا او نفسيا او حرجا عليها فليس رفضها نشوزاً وينبغي للرجل أن يقدر ويدرك ذلك، إذا كان رفضها لداعي عقلاني فلا تستحق عليه الضرب والهجران أما إذا كان رفضها لداعي عدواني وهو الإعراض إنما رفضت للإعراض عن زوجها، الإعراض يعد خطأ جسيماً لأن إعراض المرأة عن الرجل يخلق جواً من الاحتدام والصدام داخل الأسرة المستقرة لذلك الإعراض عن الرجل خطأ والخطأ لابد من علاجه.
وقد ذكر القرآن خطوات لعلاج هذا الخطأ:
أولاً: النصيحة ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ النصيحة والموعظة فإن لم تجدي هذه الخطوة يصل الأمر الى الخطوة الثانية: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ كوسيلة للردع عن الخطأ فإن لم تجدي هذه الوسيلة تضرب المرأة ولكن ضرب غير مبرح أي ضرباً لا يوجب حتى احمرار البدن، لأنه ليس المقصود هو الضرب في القرآن هو الضرب وإنما المقصود التعبير والردع والتنبيه على الخطأ وذكر الفقهاء أن المقصود بالضرب هنا هو الضرب غير المبرح الذي لا يوجب دية.
إذن القرآن لم يذكر الضرب كوسيلة لتسخير المرأة لإشباع شهوة الرجل وإنما ذكر الضرب آخر أسلوب للردع عن الخطأ وإلا لو لم تكن المرأة معرضة عن الرجل لا تضرب، تضرب كآخر وسيلة للردع عن الخطأ، فكما أنت تعتبر ضربها خطأ فإن إعراضها خطأ أيضا وإعراضها يوجب إثارة أجواء الأسرة، إذن فبالنتيجة من أجل الردع عن الخطأ وكآخر أسلوب تضرب ضربا غير مبرح، ربما تقول امرأة في حال الرجل أعرض ما الحل؟ إعراض المرأة عن الرجل أيضا حرام لأنه يدخل أيضا ضمن الإضرار بالمرأة «ولا ضرر ولا ضرار» على مؤمن.
إذا اعرض الرجل عنها رفعت أمرها الحاكم الشرعي القرآن يقول: ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾، بأن يتعامل معها كما يحب أن تتعامل معه أن تكون علاقته معها كما تحب أن تكون علاقة به.
الملاحظة الأخيرة: في قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ﴾، ليس النساء هنا لخصوصية في النساء وإنما ذكر النساء في الآية كناية عن اللقاء الجنسي كما أن قوله تعالى: ﴿أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ﴾ هل هناك خصوصية للغائط إنما هو مثال وكناية عن الحدث أو من أحدث سواءً من أحدث بريحٍ أو بولٍ أو غائط فلا خصوصية للغائط كذلك قوله: ﴿أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء﴾ لا خصوصية للنساء وإنما هو كناية عن اللقاء الجنسي بين الرجل والمرأة بعقد وإلا فغيره من اللقاءات فهي محرمه، لكن لو حصل هذا اللقاء المحرم فإنه يوجب الغسل قال تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ﴾ إذا كلمة أو لامستم النساء مجرد مثال ولا خصوصية للمرأة كي يقال جعلت المرأة في صف الحمامات وهذا إهانة للمرأة فلابد من الانتباه من خصوصيات الآيات القرآنية، إذاً القرآن وضع المرآة في موقع الشراكة مع الرجل قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾ ولم يضع المرآة مجرد أداة لاستمتاع الرجل.
يتبع...