يجد المتتبع والمتأمل للكثير من الروايات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) خصوصاً عن الباقر والصادق (عليهما السلام) اهتمامهم الشديد بتوعية اتباعهم بحقيقة وجوهر التشيّع وذلك حرصاً على الحفاظ على المنهج المتكامل لمذهب أهل البيت وصيانته من حصول سوء الفهم او الاشتباه او الغفلة او التطبيق السيء له مما يحرفه عن وجهته الاصيلة التي تمثل الوعاء العلمي والعملي الكامل لمنهج القرآن الكريم والنبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
حيث وجد الأئمة في بعض شيعتهم مصاديق لذلك من خلال رؤيتهم الدقيقة للواقع المعاش لشيعتهم وترك هذه الظواهر في خضم التحديات الفكرية والاخلاقية والشعائرية التي يمر بها اتباعهم وفي ظل المعترك الفكري والحضاري مع مذاهب وديانات اخرى سيشكل تهديداً خطيراً على هوية وجوهر التشيع..
لذلك تصدى الائمة (عليهم السلام) بكل قوة للحفاظ على المقومات الاساسية للتشيّع المتمثلة بالعقيدة الصحيحة والعبادات المشروعة والشعائر المأثورة والعمل الصالح والاخلاق الفاضلة..
وحيث اننا نعيش تحديات صعبة في وسط قد يغلب فيه قلة الوعي وعدم الفهم الصحيح لما أراده أئمة اهل البيت (عليهم السلام) نجد لزاماً التذكير دائماً بتلك الروايات وما هي مضامينها ومقاصدها..
ويمكن ان نستقرئ مجموعة من تلك المقاصد (وليست جميعها) من خلال المؤشرات التالية:
1- تطابق العمل مع العلم والعقيدة:
فنجد في بعض الروايات تحديداً دقيقاً من الائمة (عليهم السلام) لمواصفات شيعتهم ومقومات التشيع الصادق ووضعوا معايير للولاء الحقيقي لهم، فالبعض قد تلتبس عليه الامور فيعتبر ان التشيع لأهل البيت (عليهم السلام) هو ان يعتقد الشخص بإمامتهم ومنزلتهم ومقامهم عند الله تعالى او ان التشيع يعني اظهار المحبة والمودة هلم او اظهار الفرح والحزن في مناسباتهم من الوفيات والولادات او الاكثار من زياراتهم وإقامة المجالس كافٍ في إظهار قوة الولاء لهم..
نحن نلفت النظر الى هذه النقطة..
لا يُنكر ان هذه الامور مهمة ومطلوبة في إبراز حقيقة وجوهر التشيّع لكنها لا تمثل كل المذهب في جوهره وحقيقته كما سنبينه في الروايات التي وردت عن الائمة عليهم السلام بل لابد من الجمع بين العلم والعقيدة والعمل والشعائر والعبادة الصحيحة وبقية الامور التي بيّنها الائمة (عليهم السلام)..
ويمكن هنا ان نتمثل هذه الاركان ونركزّ عليها أي اركان ومقومات اهل البيت (عليهم السلام):
أولا ً: العقيدة الصحيح الخالية من الخطأ والاشتباه وسوء الفهم.
ثانياً: العبادات المشروعة التي تتطابق مع الاحكام الشرعية المأخوذة من محالها ومن المرجع الذي يصح تقليده.
ثالثاً: الشعائر المأثورة.
رابعاً: العمل الصالح والاخلاق الحميدة.
اربعة امور ان جمعنا بينها تمثّل فينا جوهر التشيّع وصدقه وصدق الاتبّاع لأهل البيت، الإخلال بواحد منها يمثل نقصاً جوهرياً في حقيقة التشيّع.
ربما ولعله مثل حال اركان الصلاة فكما ان الصلاة لها اركان لا تتقوم في حقيقتها الا باجتماع هذه الاركان فكذلك التشيع لأهل البيت (عليهم السلام).
روي عن الامام الصادق (عليه السلام): (ليس من شيعتنا من قال بلسانه وخالفنا في اعمالنا وآثارنا، ولكن شيعتنا من وافقنا بلسانه وقلبه، واتّبع آثارنا وعمل بأعمالنا اولئك شيعتنا).
وروي عن الامام العسكري (عليه السلام) في جوابه لسائل عن الفرق بين المحب والشيعي، فأجابه (عليه السلام): (الفرق ان شيعتنا هم الذين يتبعون آثارنا ويطيعونا في جميع اوامرنا ونواهينا، فاولئك شيعتنا،فأما من خالفنا في كثير مما فرض الله عليه فليسوا من شيعتنا).
[ذات صلة]
وعن الامام الباقر (عليه السلام): (لوْ أُتيتُ بشابٍّ من شبَاب الشيعةِ لا يَتفقَّهُ في الدِّينِ لأوْجَعْتُهُ).
والتفقه هو الفهم العميق فالمطلوب من كل منا ان يكون فهمه للدين عميقاً لا سطحياً، والفهم العميق للدين انما يتأتى من اخذ مصادر الدين والاحكام الشرعية من مصادرها الصحيحة لا المصادر المُضللة التي تدعي بهتاناً وزوراً مقاماً دينياً وعلمياً لها وهي لا تستحقه..
وعن الامام الرضا (عليه السلام): (رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقال الهروي: وكيف يحيي امركم؟ قال (عليه السلام): يتعلم علومنا ويعلّمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا).
وعن نوف البقال قال: قلت لأمير المؤمنين (عليه السلام) صف لي شيعتك.. فبكى الامام (عليه السلام) لذكر شيعته وقال: (يا نوف شيعتي والله الحلماء العلماء بالله ودينه).
2- الملازمة بين الشِعار (شعار التشيّع) والتقوى والورع في دين الله أي الوعي لجوهر التشيع المتمثل بالورع والتقوى:
فلقد وردت روايات كثيرة تبين وبألسنة مختلفة شدة اهتمام اهل البيت (عليهم السلام) بالاتصاف بالتقوى والورع والطاعة لله تعالى من التزام أوامره والانتهاء عن نواهيه ووصل الأمر ان الامام (عليه السلام) يقسم بالله تعالى لتأكيد هذا المفهوم وذلك خطورة الانفكاك في جوهر التشيع بين الشعار وملازمة التقوى..
من ذلك قول الامام الباقر (عليه السلام) لبعض شيعته: (والله ما معنا من الله براءة ولا بيننا وبين الله قرابةٌ ولا لنا على الله حجّةٌ ولا نتقرب الى الله إلا بالطاعة فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعهُ ولايتنا ومن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا.. ويحكم لا تغتَرُّوا ويْحَكُم لا تغتَرُّوا).
فالإمام (عليه السلام) يحذر من الاعتداد الزائد والغرور بمجرد الانتساب لأهل البيت (عليهم السلام) فيتركوا طاعة الله تعالى دون ان يصاحب الاعتقاد بأهل البيت (عليهم السلام) ومقامهم التقوى والورع وملازمة الانقياد لله تعالى في اوامره ونواهيه.
3- الاهتمام بالتعايش السلمي مع مكونات المجتمع الاخرى:
فقد يتصور البعض ان التشيع الصادق هو بطرح معتقدات مذهب اهل البيت (عليهم السلام) مع الانتقاص من غيرهم والطعن بهم او التقاطع والتنابذ والهجران لمخالفيهم بزعم انه من موجبات الحفاظ على هوية التشيع وصيانة اتباع الائمة من التأثر بالآخرين..
بينما نجد ان القراءة الصحيحة والواعية لسيرتهم (عليهم السلام) وما وجّهوا به شيعتهم تدعوهم الى طرح المذهب الحق بالحجة والبرهان مع رعاية التعايش السلمي مع الاخرين المبني على مخالطتهم ومعاشرتهم بالحسنى ومشاركتهم في مناسباتهم وكف اللسان عن التفوه بما يسيء اليهم ويخل بالسلم الاهلي ويضر بوحدة الصف امام الاعداء والطامعين في البلاد وثرواتها.
ففي رواية عن الصادق (عليه السلام) لبعض شيعته:
(عليكم بتقوى الله وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الصحبة لمن صحبكم وإفشاء السلام وإطعام الطعام، صلّوا في مساجدهم وعودوا مرضاهم واتبعوا جنائزهم فإن أبي حدثني ان شيعتنا اهل البيت كانوا خيار من كانوا منهم، ان كان فقيه كان منهم وإن كان مؤذّن كان منهم، وإن كان إمام كان منهم، وإن كان صاحب أمانة كان منهم، وإن كان صاحب وديعة كان منهم، وكذلك كونوا، حبّبونا الى الناس ولا تبغضّونا إليهم).