ومنها:
1- مقولة (نحن أثقف من آبائنا):وبالرغم من التأكيد على أنّ كلّ جيل يختلف عن الجيل الذي سبقه من خلال تطور الحياة العصرية، وأنّ الأبناء ولدوا لزمان غير زمان الآباء، إلّا أنّ ذلك لا يشكل هوّة سحيقة، ولا فارقاً واسعاً بحيث يحدث فصلاً أو شرخاً بين جيل الأبناء وجيل الآباء، وإلّا سقطت مقولة التواصل بين الجيلين، والاستفادة من تجارب الآباء.
إنّ مقولة (نحن أثقف من آبائنا) تحتاج إلى شيء من التحليل، ففي أي شيء الأبناء أثقف من الآباء؟ هل في قدرتهم على التعاطي مع تقنيات العصر من الكومبيوترات وغيرها؟ لقد واكب بعض الآباء ذلك وربّما فاقوا بعض الأبناء في استعمال هذه الأجهزة والإفادة منها، وحتى لو يكونوا كذلك، فلعلّ لديهم أشغالهم التي تحول دون تعلّمها، كما أنّها ليست مصدر الثقافة الوحيد اليوم، أمّا إذا كان المراد أنّهم أي الأبناء أعرف بإيقاع العصر ولغته، فما في ذلك من شكّ، لأنّ حاسّة الالتقاط الشبابية الفتية أكبر، ويوم كان الآباء أبناءً وشبّاناً كانوا أعرف بإيقاع العصر من آبائهم، وهكذا دواليك، ولعلّ لدى الآباء والأُمّهات من التجارب الحياتية، وهي ثقافة، ما لا يملك الأبناء سوى النزر اليسير منها، أي أنّ الأبناء قد يتفوقون في جانب والآباء يتفوقون في جانب آخر، وبالتكامل بينهما تسير عربة الحياة بعجلتين. ولذا فمن غير اللائق إطلاق عبارات التمييز والتعالي التي أقلّ ما يقال عنها أنّها تحمل بعض غرور الشباب واعتدادهم بأنفسهم، ولا نقول عدم احترامهم لآبائهم واتهامهم بالتخلّف والرجعية، ولابدّ من التنبّه إلى أنّ خطورة مثل هذه المقولة هو أنّها تستبطن حالة من الاستغناء عن القدوة والزهد بها، وهو ما لا نريد لأبنائنا وبناتنا أن يقعوا في منزلقه.
2- مقولة (نحن أحرار فيما نفعل):الإنسان صغيراً كان أو كبيراً يحبّ الحرية ويطلبها ويقاتل من أجلها، لكنّنا نعرف أنّ الحرية في الإسلام ملتزمة، وليست حرية الانفلات الغربي، فربّما يتضايق الابن، إذا تأخر عن موعد عودته إلى البيت، من سؤال والده: لماذا تأخرت؟ لأنّه يرى أنّ له الحقَّ في أن يخرج متى يشاء ويعود متى يشاء، لكنّ ما ينبغي الالتفات إليه هو أنّ الابن أو البنت عضوان في أسرة، وهذا يعني أنّ هناك عدداً من الضوابط والالتزامات التي يتعيّن عليهما أخذها بنظر الاعتبار وعدم التفريط بها، فالانتماء الأسري تماماً كأيّ انتماء آخر تنظمه حقوق وواجبات وممنوعات ومسموحات، وحتى بغير هذا، فإنّ قلق الأسرة على أبنائها مبرّر ومشروع، وأنّ التأخر فوق العادة يثير المخاوف، وعليه فيستحسن الإشارة قبل الخروج أنّنا سنتأخر، وإذا حدث طارئ وتأخرنا دون إمكانية التبليغ عن التأخير، فيستحسن أيضاً تبيان أسباب التأخر، وكلّ ذلك من أجل أن يبقى بناء الثقة بين الأبناء والآباء عامراً، وليلتفت أحدنا إلى أن والده أو والدته كيف إذا خرجا من البيت فإنّهما في العادة يبيّنان مكان خروجهما وساعة عودتهما حتى لا يقلق الباقون، وبالتالي فهذا وأمثاله ليس تضييقاً للخناق على الحرية، وإنما هو تقدير لارتباطنا بالجماعة، ومثل ذلك إذا نهت الأُم ابنتها عن الذهاب إلى بيت الجيران للدراسة مع صديقتها، فقد لا تلتفت الفتاة إلى أن نهي الأُم لا يتعلق بدراستها فقط، فقد تحسب أكثر من حساب لتواجد ابنتها عند الجيران، ولذا فليس ضدّ الحرية أن تقول لابنتها بحبّ: لا أرى يا ابنتي مصلحة في ذهابك للأسباب التالية، وتوضّح لها الأسباب، فكما أنّ على الأبوين أن يوضّحا أسباب المنع ويقنعا بها الأبناء، فكذلك على الأبناء أن يتفهّموا مخاوف الوالدين وأسباب قلقهم إن كانت ضمن الحدود الطبيعية، وأن يبددا بعضها غير الطبيعي.
3- مقولة (نحن من الناس):ومن المقولات التي تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر، حديث بعض الشبان والفتيات عن شخصياتهم بمنتهى السلبية، فإذا عاتبت أو انتقدت سلوك أحدهم غير المرضي، قال لك: كلّ الناس يفعلون ذلك، وأنا واحد منهم، أو يقول: "حشرٌ مع الناس عيد" أي لا أريد أن أشذّ عن الناس في أفعالهم.
وقد لا يلتفت البعض منهم إلى أنّ هذا المنطق هو منطق جاهلي قبليّ يرفضه الإسلام، وهو شبيه بقول شاعرهم:
وما أنا إلّا من غُزيّةَ إن غوت *** غويتُ وإن ترشد غُزيّةُ أرشدِ
في حين أنّ الله جعلك إنساناً مسؤولاً وذا إرادة مستقلة وعقل حرّ وبصيرة فاحصة حتى ولو ألقيت معاذيرك (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة/ 14-15)، وقد يعتبر بعض الشبان والفتيات أنّ ذلك من دواعي لزوم الجماعة فيردّد "يد الله مع الجماعة" وبهذا تخلط المفاهيم خلطاً سيِّئاً، فالجماعة التي معها يد الله جماعة الحق والعدل والخير والإصلاح والتعاون، لا جماعة الشرّ والشيطنة وقرناء السوء والرذيلة.
تذكّر.. إنّك محاسب على عملك بمفردك يوم تقف شاخصاً بصرك مقلداً عملك قد تبرّأ جميع الخلق منك حتى أقرب الناس إليك، فلا يُسقط الحساب عنك ولا يخفّفه قولك: أنا من الناس، وأنا كواحد من الناس، فالنبي (ص) نهى أن يكون المسلم (إمّعة)، قيل له: وما الإمّعة يا رسول الله؟ قال: "أن يقول أنا من الناس وأنا واحد من الناس، إنّما هما نجدان نجدُ خير ونجد شرٍّ فلا يكن نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير"، فأنت إذن في الخيار.. اختر طريق الخير حتى ولو اختار الناس طريق الشرّ، فكثرتهم لا تعني أنّ طريق الشر الأعوج أصبح الصراط المستقيم، يُلفت القرآن نظرنا إلى أنّ الكثرة ليست دليلاً على الحق (وأكثرهم للحقّ كارهون)، و(وما أكثرهم بمؤمنين).
4- مقولة (كبرنا على النقد والمحاسبة):يحتج بعض الأبناء والفتيات من المراهقين والشبّان بأنّهم كبروا، ولو يعودوا بحاجة إلى النصح أو النقد أو المحاسبة، وربّما يقول بعضهم: نحن أدرى بمصلحتنا ولا حاجة لنصائحكم وإرشاداتكم، وهذا مظهر آخر من مظاهر الغرور والتعالي، فرغم أنّ الأبناء والبنات قد دخلوا مرحلة الشباب، وينبغي على الآباء والأُمّهات أن يعاملوهم معاملة الأخ أو الأخت لا معاملة الأطفال الصغار، وهذا يتطلب أن تتغيّر اللهجة وأسلوب النقد والخطاب، إلّا أن حاجة الأبناء والبنات إلى مشورة ونصيحة وملاحظات، بل ونقد الوالدين ليست مرهونة بمرحلة الطفولة فحسب، بل ممتدة مع العمر، والفارق أنّها كانت في الطفولة تأديبية، ولكنّها في الكبر تعني التسديد ولذلك على الأبناء والبنات أن يطلبوها من الوالدين ولا ينتظراها منهما، فإذا كنّا نتقبّل النقد من إخواننا وأصدقائنا ومعلّمينا لأنّنا نقدّر حبّهم لنا وإخلاصهم إلينا، وإنّهم ربّما قاموا بذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلِمَ لا نقبل ذلك من الوالدين بنفس العناوين مضافاً إليهما أنّهما الأشدّ حرصاً والأكثر محبّة وشفقة.
إنّ رفض النقد والمحاسبة والنصح يعني أنّ الشبان والفتيات يقولون لآبائهم وأُمّهاتهم: دعونا نخطئ ولا تتدخلوا في إصلاح أخطائنا، الأمر الذي قد يوقعهم في أخطاء أكبر.
5- مقولة (نحن متخلّفون ولابدّ من اللحاق بالغرب):قد يأخذ بعض الشبان والفتيات من الغرب صورته الشكلية الخارجية، وربّما ينظرون إليه من خلال إنجازاته العلمية والتقنية وأساليب إدارته ومناهج بحثه ودراساته، فيعتبرون أنّ بلدان الشرق، أو بلاد المسلمين عموماً متخلّفة، وأن علاج تخلّفها يكمن باللحاق بعجلة الغرب، ولذلك فإنّهم يتصورون أنّهم إذا قلّدوا الغربيين في مظاهرهم يكونون قد حقّقوا التقدّم المطلوب، والحقيقة أنْ لدى الغرب الكثير من نقاط القوّة التي يجدر بنا أن نحصل عليها، خاصّة وأن لدينا عقولاً كبيرة وإرادات كبيرة أيضاً، ولكن لا ينبغي أن نغفل أنّ لدى الغرب نقاط ضعف وانحلال كثيرة يجب أن لا تصيبنا عدواها، ومن أبرز تلك النقاط انهيار النظام الأسري والاجتماعي والأخلاقي لديهم. والحكمة تقتضي أن نأخذ بالإيجابيّ السليم، وأن ننبذ السلبيّ السقيم، وعدم الاكتفاء بتقليد المظهر ونسيان المضمون والجوهر.
6- مقولة (الحجّ للمسنين):هناك بعض الشبان المستطيعين مالياً الذين يترددون في الذهاب إلى بيت الله لأداء فريضة الحج، ويتصورون أنّ الحج فريضة مكتوبة على الشيوخ والمسنين، وربّما يتساهل البعض في ذلك بالقول: لِمَ العجلة، العمر مفتوح أمامنا، وعندما يتقدّم العمر بنا نذهب إلى الحج. ومع أنّنا نلاحظ أن بعض الشبان والفتيات أثبتوا خطأ هذه النظرة أو المقولة، فرحنا نشهد قوافل شبابية من الحجيج يؤدون مناسكهم أسوة بالشرائح العمرية المختلفة، إلّا أنّ البعض ما زال متمسكاً بمقولة ارتباط تقدّم العمر بالحج، وأنّ من المبكر أداء هذه الفريضة، ما دامت صحيفة الأعمال لم تمتلئ بالسيِّئات بعد! ولابدّ من إعادة النظر في هذه المقولة، فالعمر أوّلاً ليس معلوماً، ثمّ أنّ الاستطاعة إذا حصلت وجب الحجّ فلِمَ التأخير؟! كما أنّ الحجّ بمناسكه المعروفة وشعائره الرائعة يربّي حالة الإيمان ويعمّقها في النفس لما يشهده الحاج من منافع (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) (الحج/ 28).
إنّنا لا نريد لشبابنا أن يملؤوا صحائف أعمالهم بالسيِّئات، بل بالحسنات والباقيات الصالحات، ومَن يدري فقد يكون الحجّ عاصماً للشاب من ارتكاب الموبقات، وإذا مدّ الله في العمر وامتدّت الاستطاعة فيمكن الحج مرّة أخرى، والعدد أحمد.
إنّ مقولة (الحج للمسنين) يجب أن تتغيّر ونستبدل مكانها مقولة (الحج للشبّان) حتى يتمتّعوا بأداء مناسكهم وهم في أتمّ الصحّة والعافية، ولا يعني ذلك الدعوة لمنع المسنين من الحج، وإنّما هو شعار لحثّ الشريحة الشبابيّة على الإغتراف من بركات هذه الفريضة.
*البلاغ