عندما يتصدّى أحدٌ لخدمة أحد، وعنوان الخدمة الذي أنا بصدده هو ذاك العنوان العامّ الذي يسعى إليه الإنسان العاقل الذي يحبّ أن يخدم الآخرين، وطبعاً كلّما توسّعت دائرة الخدمة أو توسّع نطاق المخدوم كلّما كانت مقوّمات الخدمة أهمّ وأدقّ وأعقد، وأنا سأجعل هذا المفهوم هو محور الحديث وسأبيّن بعض النقاط لإنجاح وظيفة من يتصدّى للخدمة، سيسأل سائل أيّ خدمةٍ تعني؟ أنا لا أتحدّث عن خدمةٍ محدّدة إنّما أيّ خدمةٍ مقدَّمة، الذي يسعى الى خدمةٍ في جانب الطبّ مثلاً هذه خدمة، الذي يسعى الى خدمةٍ في جانب البناء هذه خدمة، الذي يسعى أن يخدم في جانب السياسة هذه خدمة، فالذي يخدم مريضه هذه خدمة، والذي يخدم شعبه هذه خدمة، والذي يخدم قريناً من زوايا معيّنة هذه خدمة.
أنا أتحدّث عن الخدمة بهذا المفهوم، فإذا كان كذلك سيتصدّى زيدٌ لأن يخدم، ما هو المطلوب منك يا زيد لأن تخدم وفق ما ذكرت؟ لابُدّ أن نحصل على أمور أربعة في الحدّ الأدنى وهي:
الأمر الأوّل: الخادم الذي يسعى للخدمة لابُدّ أن يكون عالماً بما يُريد أن يخدم، وهذه من الأمور البديهيّة حتى لا يسعى كلّ أحد أن يخدم كلّ خدمة هذا غير ممكن، فلابُدّ أن أكون عالماً بما أريد أن أخدم، لا يُمكن أن أتصدّى الى خدمةٍ طبيّة وأنا لا أفهم بالطبّ، ولا يُمكن أن أتصدّى لخدمة شريحةٍ من الناس وأنا لا أفهم نوعيّة الخدمة، فلابُدّ أن أكون عالماً بما أريد أن أفعل، حتى عندما أتصدّى أو أؤدّي هذه دعواي تكون صادقة لأنّي متوفّر داخليّاً وعالم وألتفت الى ما أريد أن أخدم.
إذا لم أكن قادراً على الخدمة لا أتكلّم بها لأنّ الخدمة ليست شعاراً وإنّما الخدمة عبارة عن أمرٍ واقعيّ، أن لابُدّ أن أكون عالماً حتى أستطيع أن أخدم بالشكل الجيّد، وإلّا سيكون هناك تصدّي فيه سوءٌ أكثر ممّا فيه نفع.
الأمر الثاني: إذا أردت أن أخدم لابُدّ أن أستعين بأدوات جيّدة تُعينني على الخدمة وتخدم ما أريده، الآن إذا شريحة طبّية أرادت أن تخدم شريحة فلابُدّ أن تكون لها أداوت خاصّة، يفهمون معنى المساعدة والخدمة الطبيّة ويساعدونني على تقوية هذه الخدمة حتّى تتحقّق هذه الخدمة، رأي جيّد بشكلٍ واسع، وكلّما توسّعت الخدمة أحتاج الى أداوت أقوى وأدقّ وأركز.
الأمر الثالث: عندما أريد أن أخدم لابُدّ أن أضع عامل الزمن وعامل الوقت أمامي، لا يُمكن أنّي أريد أن أخدم والوقت مفتوح، لابُدّ أن أضع سقفاً زمنيّاً حتى أعرف أنّني قادر على أن أحقّق الخدمة في هذا الزمن أو لا، وضبط الأمور الوقتيّة مهمّ لتحفيزي على الخدمة أكثر ولإسراعي أكثر، -لاحظوا- مرّ رجلٌ في الصحراء على بئر فسمع من داخل البئر صوت رجلٍ ينادي: أنجدوني أنجدوني، التفت فوجد رجلاً في البئر، قال: ما بك؟ قال له الرجل: أنقذني. قال له: هل لك أن تصبر الى أن أذهب الى المدينة وآتي بالحبل؟ قال: هذا ليس سؤالاً جيداً، صبرت أم لم أصبر فأنا في البئر، اذهب الى المدينة وعجّل وأتِ بالحبل وأنقذني، الأمر أمامك لا يحتاج أن تسأل.. فعاملُ الوقت مهمّ، أنت تريد أن تخدمني تريد أن تنقذني اذهبْ وأتِني بالحبل واجعل يدك في يدي وأنقذني، عامل الوقت يريد أن يخدم حتّى تتحقّق الخدمة.
الأمر الرابع: وهو الأهمّ.. لابُدّ أن تحصل ثقةٌ بين من يريد أن يخدم وبين من يريد أن يخدمه، لابُدّ أن يثق أحدهما بالآخر، الآن عشرة مرضى أنا أريد أن أخدمهم طبّياً، لابُدّ أن يثقوا بي وأثق بهم، حتّى يُعين أحدنا الآخر، الخدمة المطلوبة محورها أن تكون هناك ثقة بين الطرفين، وهذه الثقة تحقّق الغرض بين الطرفين، الخدمة ليست شعاراً بل الخدمة عبارة عن أمرٍ واقعيّ، أنا مريض أقول جزى الله الطبيب الفلاني خيراً لقد خدمني وعالجني، ماذا قال؟ لقد قال لي: سأقوم بهذا العمل حتى تشفى.. الخدمة عمل وليس شعاراً.
هذه أربعة أمور في الحدّ الأدنى كلّ منّا يريد أن يخدم بالطريقة الصحيحة بهذه الأمور التي ذكرت. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّق الجميع بعضهم لبعض وأن يأخذ بأيادينا لما يحبّ ويرضى.