كما لا شك أن تغيير المجتمع وإيقافه عن الانتقادات والأسئلة والمقترحات لمن لا ذرية لها، أمر غير ممكن، خصوصا وأن كثيرا منهم قد لا تكون نيتهم سيئة في أسئلتهم وانتقادهم بل تنبع من مجرد الفضول، بل أحيانا يكون سبب كثرة سؤالهم هو الاهتمام بالمرأة، لكن كل ذلك مما يؤذيها وهم لا يشعرون.
فمن هنا لابد لمن تبتلي بهذا البلاء أن تتعامل مع المسألة بموضوعية وواقعية، ولا تهرب من أسئلة مجتمعها بل تأخذ الموضوع بشكل عفوي وطبيعي جدا..
لابد أن تحاولوا إقناع نفسكم بأن سؤال الأخريات عن حملكم أمر لا يدعو للانزعاج، وهو لابد أن يحصل وأن الحكمة تقتضي مواجهته والتأقلم معه، ولن ينفعكم الهروب منه إلا زيادة في عقدتكم وألمكم!
كل إنسان له معاناة في حياته، لكنها تختلف من شخص لآخر، وهذه طبيعة الحياة الدينا التي لم نخلق لها. والناجح هو من يعرف كيف يتأقلم مع وضعه ولا يسمح للظروف أن تقهره.
فالمشكلة الحقيقية ليست في نفس المشكلة، بل في طبيعة التعامل معها.
وخير مثال على ذلك ما نراه من بعض من يفقد عضوا من أعضائه -كمن يفقد ساقيه مثلا- فنرى بعضهم يعيش حالة فضيعة من الحزن والألم والكآبة والانعزال عن الناس والشعور بالحقارة، بينما البعض الآخر نراه في غاية الحيوية بل يحقق ما لا يحققه كثير ممن هم بأفضل صحة وبأتم عافية!
فهذان كلاهما يعيشان المعاناة والانتقاص والاستهزاء ممن حولهم، إلا أن الفرق في نوعية التعامل مع هذه القضية؛ فمن يستسلم لانتقادات الآخرين ويتفاعل معها، فلن يجني منها إلا الآلام والقلق والحزن، بينما من يتعامل معها على أنها أمر واقع لابد أن يحصل ويتأقلم معها، فسيتجاوز آلامها بعد فترة وتكون أمرا طبيعيا له.
وهكذا أنتم.. إذا أردتم حلا لمشكلتكم فلا تبحثوا عنه في الآخرين، بل ابحثوا عنه في نفسكم وطبيعة تعاملكم مع ما تواجهونه منهم؛ فكلما هربتم وخفتم وتألمتم من انتقاد الآخرين، واهتممتم لأمرهم، فأنتم توقدون نار آلامكم بنفسكم، وكلما تعاملتم مع الأمر على أنه أمر واقع، وطبيعي، كلما زال تأثيره وألمه.
بل لا تقفوا عند هذا الحد.. حاولوا أن تواجهوا المسألة بكل صلابة وشجاعة، فلا تكتبوا بتقبل الانتقاد والأسئلة، بل افتحوا أنتم الموضوع وتفاعلوا مع من يسألكم عنه بشكل كبير وكأنكم تحبون حديثه.
أعلم أن هذا أمر مؤلم، لكن ذلك في البداية فقط، وبعد فترة يزول الألم ويكون الأمر كشربة ماء.
ثم عليكم بالشعور بالرضا الحقيقي بقضاء الله تعالى، بل الشعور بالفرح لما يحصل معكم سواء بقضية الحرمان من الذرية، أم بقضية انتقادات الآخرين؛ فكل هذا في صالحكم في الآخرة.
أقول: (الشعور بالرضا الحقيقي)، لا مجرد قول: (الحمد لله) مع امتلاء القلب بالحزن على فقد الأولاد؛ فهذا ليس رضا واقعيا، بل هو مجرد محاولة لإقناع النفس بقضاء الله تعالى. وتحصيل الرضا يحتاج إلى مجاهدة حقيقية وتربية للنفس.
اهتموا كثيرا بقراءة كتاب (التمحيص)، وكتاب (المؤمن) للإسكافي، والأهوازي رحمهما الله تعالى، وتأملوا كثيرا في الروايات التي نقلوها؛ ففيها ما يوجب الرضا الحقيقي.
وقد تكلمنا عن موضوع البلاء بشكل عام في أجوبة أسئلة سابقة كالسؤال المعنون بعنوان: (حياتي جحيم!)، حاولوا الاطلاع عليه.
نسأل الله تعالى أن يمن عليكم بالذرية الصالحة التي تقر بها عينكم بحق محمد وآله.