الجواب من مركز الرصد العقائدي:
بسم الله الرحمن الرحيم
{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}
لم يثبت ذلك، بل الثابت خلافه، وهو أن الطاغية يزيد بن معاوية استبشر بمقتل الإمام الحسين (ع)، وراح يعبِّر عن جريمته النكراء بألوان الفرح والسرور.
وفيما يلي مناقشة هذا التساؤل بوضوح واختصار ..
[أولاً] روايات بكاء يزيد ضعيفة:
• أما رواية القاضي النعمان في شرح الأخبار: ج٣ ص٢٦٧ ح١١٧٢، قال: «وَرُوِيَ عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) أنه قال: قُدِمَ بنا على يزيد بن معاوية (لعنه الله) .. فبكى يزيد .. فاشتدَّ بكاؤه، حتى سمع ذلك نساؤه فبكينَ، حتى سمع بكاؤهنَّ من كان في مجلسه .. إلخ».
فهي مرسَلة، والقاضي النعمان توفي سنة ٣٦٣هـ، ولم يُدرك الإمام الباقر (ع)، ولم يذكر مصدراً لروايته هذي.
بل القاضي النعمان نفسه، كذَّب يزيد في الرواية نفسها، فقال: «كذب عدوُّ الله! بل هو الذي جهَّز إليه الجيوش! وقد ذكرتُ خبره فيما مضى».
وهذا يكفي في كشف تصنُّع يزيد، وفضح تمثيله بالبكاء، فخداعه لا ينطلي على الأذكياء، إنما يراوغ به الأغبياء.
• وأما رواية الطبراني في المعجم الكبير: ج٣ ص١١٦ ح٢٨٤٨، قال: «حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا الزبير، حدثني محمد بن الحسن المخزومي، قال: لما أُدْخِل ثِقْلُ الحسين بن علي (رض) على يزيد بن معاوية، ووُضِعَ رأسُه بين يديه، بكى يزيد ..إلخ».
راويها: أبو الحسن محمد بن الحسن بن زبالة المخزومي، توفي سنة ١٩٩هـ، أجمع علماء الرجال قاطبة على تضعيفه جداً، وقالوا: «كذاب، هالك، متروك، منكر الحديث». كما في ميزان الاعتدال: ج٣ ص٥١٤ ت٧٣٨٠، وتهذيب التهذيب: ج٩ ص١٠١ ت١٦٠.
ثم هو لم يُدرك الحادثة، وروايته لها منقطعة، فمن أين له يعرف تفاصيلها؟! وهذا يزيد روايته ضعفاً ووهناً.
• وأما رواية الطبري في تاريخه: ج٥ ص٤٥٢، قال: «قال أبو مخنف: عن الحجَّاج، عن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث البارقي .. وقد دَنا عُمر بن سعد من حسين، فقالت [يعني: زينب]: يا عمر بن سعد، أيُقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه! قال: فكأني أنظر إلى دموع عُمر وهي تسيل على خدَّيه ولحيته، قال: وصَرف بوجهه عنها».
وهذا الإسناد شديد الضعف: فإن الحجَّاج بن أرطاة، كثير الخطأ والإرسال والتدليس، وهو هنا قد عَنْعَنَ ولم يصرِّح بالسَّماع، مضافاً لاتهامه بالرشوة في القضاء، والزيادة في الروايات، وتغيير ألفاظها واضطرابها. كما في تاريخ بغداد: ج٩ ص١٣٣ ت٤٢٩٤، وسير أعلام النبلاء: ج٧ ص٦٨ ت ٢٧، وتهذيب التهذيب: ج٢ ص١٧٢ ت٣٦٥.
ثم إن عبد الله بن عمار ـ الراوي للرواية ـ جندي في جيش عمر بن سعد، بل قيل: إنه قائد الرَّمَّاحَة. وهو نفسه صرَّح في هذه الرواية: أنه قد أعان على قتل الإمام الحسين (ع)، حتى عُوتِبَ في ذلك!
فكيف تُقبل روايته في محاولته تبرئة عمر بن سعد من تورُّطه بجريمته الشنيعة الفظيعة؟! أو بالأقل محاولته إظهار تعاطف عُمر مع قضية الإمام (ع)؟!
بل في نفس الرواية ما يمنع من الأخذ ببعض تفاصيلها، مثل قول عبد الله بن عمار: «خرجتْ زينب ابنة فاطمة ـ أختُه ـ وكأني أنظر إلى قُرْطِها يجول بين أذنيها وعاتقها، وهي تقول: ليت السماء تطابقت على الأرض!».
هذا كلام منكر جداً، فليس من شأن هذا المجرم أن يرى شيئاً من محاسن سيِّدة الحِجاب والحِشمة (ع)!
وواضح أن قوله: «فكأني أنظر إلى دموع عُمر وهي تسيل على خدَّيه ولحيته»، وأيضاً قوله: «وكأني أنظر إلى قُرْطِها يجول بين أذنيها وعاتقها»، من زياداته وإدراجه على أصل الرواية، فإنه من انطباعه هو، لا من نقله للحدث!
[ثانياً] روايات بكاء يزيد معارضة:
ورد في التاريخ ما يثبت أن تظاهر يزيد بالبكاء على الإمام الحسين (ع) ما هو إلا مخادعة ومراوغة منه، والواقع أنه كان فرحاً مسروراً بقتله الإمام (ع)، فمثلاً:
١- روى القاضي النعمان في شرح الأخبار: ج٣ ص١٥٨، قال: «فدخل اللعين يزيد على نسائه، فقال: ما لكنَّ لا تبكينَ مع بنات عمكنَّ؟! وأمرهنَّ أن يعولنَّ معهنَّ! تمرُّداً على الله (عز وجل)، واستهزاءً بأولياء الله (ع) .. وجعل يستفزُّه الطرب والسرور، والنسوة يبكينَ ويندبنَ، ونساؤه يعولنَّ معهنَّ!».
٢- وروى الخوارزمي في مقتل الحسين: ج٢ ص٨٠ ح٣٣، بسنده عن الإمام السجاد (ع) قال: «لما أُتِيَ برأس الحسين (ع) إلى يزيد، كان يتَّخذ مجالس الشرب، فيأتي برأس الحسين فيضعه بين يديه ويشرَب عليه! فحضر ذات يومٍ أحدَ مجالسه رسولُ ملك الروم ـ وكان من أشراف الروم وعظمائها ـ فقال: يا ملك العرب، رأس من هذا؟ فقال له يزيد: ما لَكَ ولهذا الرأس؟ قال: إني إذا رجعتُ إلى ملكنا، يسألني عن كل شيء رأيتُه! فأحببتُ أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه، ليُشاركك في الفرح والسرور .. إلخ».
٣- وروى الخوارزمي في مقتل الحسين: ج٢ ص٧١ ح٣٢، بسنده عن السيدة زينب (ع) قالت بخطبتها في مجلس يزيد: «أظننتَ يا يزيد، حيث أخذتَ علينا أقطار الأرض، وآفاق السماء، فأصبحنا نُساق كما تُساق الأسارى، أن بِنَا على الله هَواناً، وبك عليه كرامة؟! وأن ذلك لعِظَم خطرك عنده؟! فشمختَ بأنفك، ونظرتَ في عِطْفِك، جذلان مسروراً .. إلخ».
٤- وروى ابن كثير في البداية والنهاية: ج٨ ص١٩٧، قال: فأرسلهم [يعني: السبايا] إلى يزيد، فجمع يزيد من كان بحضرته من أهل الشام، ثم دخلوا عليه فهنَّوه بالفتح!».
٥- وروى السيوطي في تاريخ الخلفاء: ص١٥٨، قال: «لمَّا قُتِلَ الحسين وبنو أبيه، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد، فسُرَّ بقتلهم أولاً، ثم نَدِمَ لمَّا مَقَتَه المسملون على ذلك، وأبغضه الناس، وحُقَّ لهم أن يبغضوه!».
[ثالثاً] روايات حزن يزيد مرفوضة، وروايات فرحه مقبولة:
نصَّ بعض كبار علماء أهل السُّنة على: أن يزيد بن معاوية استبشر بقتل الإمام الحسين (ع)، ولذلك حكموا بكفره أو فسقه، وبجواز لعنه أو شتمه، فمنهم مثلاً:
(١) ابن الجوزي، وقد صنَّف كتاباً خاصاً في بيان مخازي يزيد وجواز لعنه، سمَّاه: (الرَّد على المتعصب العنيد المانع من ذمِّ يزيد)، وذكر في أثنائه أقوال جماعة من كبار العلماء.
(٢) وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ج١ ص٢٥٧، وأفرد فصلاً خاصاً لشرح موبقات يزيد، ومما قاله: «والذي يدلُّ على هذا [يعني: رضا وفرح يزيد بقتل الإمام] أنه استدعى ابن زياد إليه، وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة، وقرَّب مجلسه ورفع منزلته، وأدخله على نسائه وجعله نديمه».
(٣) والتفتازاني في شرح العقائد النسفية: ع٢ ص٤٩٣، قال: «والحق: أن رضا يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت النبي (ع)، مما تواتر معناه، وإن كانت تفاصيله آحاداً. فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه».
(٤) والآلوسي في روح المعاني: ج١٣ ص٢٢٧، قال: «وعلى هذا القول: لا توقف في لعن يزيد، لكثرة أوصافه الخبيثة، وارتكابه الكبائر في جميع أيام تكليفه. ويكفي ما فعله ـ أيام استيلائه ـ بأهل المدينة ومكة .. والطامة الكبرى: ما فعله بأهل البيت، ورضاه بقتل الحسين (على جده وعليه الصلاة والسلام)، واستبشاره بذلك، وإهانته لأهل بيته، مما تواتر معناه، وإن كانت تفاصيله آحاداً».
اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين (ع)، وشايعتْ وبايعتْ وتابعتْ على قتله، اللهم العنهم جميعاً.