وضع المنهج الإسلامي حقوقا وواجبات على جميع أفراد الاُسرة، وأمر بمراعاتها من أجل إشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء ال اُسرة، والتقيّد بها يسهم في تعميق الأواصر وتمتين العلاقات، وينفي كل أنواع المشاحنات والخلافات المحتملة، والتي تؤثر سلبا على جوّ الاستقرار الذي يحيط بالاُسرة، وبالتالي تؤثر على استقرار المجتمع المتكون من مجموعة من الاُسر.
من أهمّ حقوق الزوج حقّ القيمومة، قال اللّه تعالى: «الرِجالُ قوّامُونَ على النِّساءِ بما فَضّلَّ اللّه بَعضهُم على بَعضٍ وبما أنفقُوا مِن أموالِهم»[1]
فالأسرة باعتبارها أصغر وحدة في البناء الاجتماعي بحاجة إلى قيّم ومسؤول عن أفرادها له حقّ الاشراف والتوجيه ومتابعة الأعمال والممارسات، وقد أوكل اللّه تعالى هذا الحق إلى الزوج، فالواجب على الزوجة مراعاة هذا الحق المنسجم مع طبيعة الفوارق البدنية والعاطفية لكلٍّ من الزوجين، وأن تراعي هذه القيمومة في تعاملها مع الأطفال وتشعرهم بمقام والدهم.
ومن الحقوق المترتبة على حق القيمومة حق الطاعة، قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله: «أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تصدّق من بيتها شيئا إلاّ باذنه، ولا تصوم تطوعا إلاّ باذنه، ولا تمنعه نفسها، وإن كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه... »[2].
حتى إنّه ورد كراهة إطالة الصلاة من قبل المرأة لكي تتهرب من زوجها، قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله: «لا تطوّلن صلاتكن لتمنعنَّ أزواجكن»[3].
ويجب عليها احراز رضاه في أدائها للأعمال المستحبة، فلا يجوز لها الاعتكاف المستحب إلاّ باذنه، ولا يجوز لها أن تحجّ استحبابا إلاّ باذنه، وإذا نذرت الحج بغير إذنه لم ينعقد نذرها»[4].
ومن أجل تعميق العلاقات العاطفية وإدامة الروابط الروحية وادخال السرور والمتعة في نفس الزوج، يستحب للمرأة الاهتمام بمقدمات ذلك، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: «جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول اللّه، ما حقّ الزوج على المرأة؟ قال: أكثر من ذلك، فقالت: فخبّرني عن شيء منه فقال: ليس لها أن تصوم إلاّ باذنه ـ يعني تطوعا ـ ولا تخرج من بيتها إلاّ باذنه، وعليها أن تطّيّب بأطيب طيبها، وتلبس أحسن ثيابها، وتزيّن بأحسن زينتها، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية وأكثر من ذلك حقوقه عليها»[5].
ويستحب لها كما يقول الإمام علي بن الحسين عليه السلام: «.. إظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه »[6].
وفي رواية (جاء رجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله فقال: إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقتني، وإذا خرجت شيّعتني، وإذا رأتني مهموما قالت: ما يهمّك، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفّل به غيرك، وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك اللّه همّا، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله: «بشرها بالجنة، وقل لها: إنّك عاملة من عمّال اللّه، ولك في كلِّ يوم أجر سبعين شهيدا».
وفي رواية: «إنّ للّه عزَّ وجلَّ عمّالاً، وهذه من عمّاله، لها نصف أجر الشهيد»[7].
ويحرم على الزوجة أن تعمل ما يسخط زوجها ويؤلمه في ما يتعلق بالحقوق العائدة إليه، كادخال بيته من يكرهه، أو سوء خُلقها معه، أو اسماعه الكلمات المثيرة وغير اللائقة.
قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: «أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل منها صرفا ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتى ترضيه»[8].
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: «أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حقّ، لم تقبل منها صلاة حتى يرضى عنها، وأيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها، لم تقبل منها صلاة حتى تغتسل من طيبها، كغسلها من جنابتها»[9].
ويحرم على الزوجة أن تهجر زوجها دون مبرر شرعي[10]، قال رسول اللّه صلى الله عليه واله: «أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدرك الأسفل من النار إلاّ أن تتوب وترجع»[11]
ومن أجل الحيلولة دون تمادي الزوجة غير المطيعة في ارتكاب الممارسات الخاطئة التي تخلق أجواء التوتر في الاُسرة، جعل الإسلام للزوج حق استخدام العقوبات المؤدبة لها إذا لم ينفع معها الوعظ والارشاد، وتندرج العقوبة من الأخف أولاً ثم الأشد ثانيا حسب حال المرأة ومقدار نشوزها واعراضها وعدم طاعتها بعد بذل النصيحة والموعظة، قال اللّه تعالى: «... واللاتي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهنَّ واهجُرُوهُنَّ في المضاجعِ واضرِبُوهُنَّ فإنَّ أطعنّكُم فلا تَبغُوا عَليهنَّ سَبيلاً... »[12]. فتجوز له العقوبة إذا منعته من نفسها، وتسلّطت عليه بالقول أو الفعل، فيبدأ بوعظها وتخويفها من اللّه تعالى، فإن أثّر ذلك وإلاّ هجرها بالأعراض عنها في مدخله ومخرجه ومبيته من غير اخلال بما يحفظ حياتها من غذاء ولباس، فان أثّر ذلك وإلاّ ضربها ضربا غير مبرّح، وإن خرجت من منزله بغير إذنه أو بإذنه وامتنعت عن الرجوع إليه فله ردّها، وإن أبت فله تأديبها بالأعراض عنها وقطع الانفاق[13].
وأكدت الروايات على مراعاة حق الزوج، واتّباع الأساليب الشيّقة في ادامة أواصر الحبّ والوئام، وخلق أجواء الانسجام والمعاشرة الحسنة داخل الاُسرة، فجعل الإمام الباقر عليه السلام حسن التبعل جهادا للمرأة فقال عليه السلام: «جهاد المرأة حسن التبعل»[14].
ولأهمية مراعاة هذا الحق قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله: «لا تؤدي المرأة حقّ اللّه عزَّ وجلَّ حتى تؤدي حقّ زوجها»[15].
وذكر صلى الله عليه وآله طاعة الزوج في سياق ذكره لسائر العبادات والطاعات التي توجب دخول الجنة، حيث قال: «إذا صلّت المرأة خَمسها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، فلتدخل من أيّ أبواب الجنة شاءت»[16].
ووضع رسول اللّه وأهل بيته: منهجا في العلاقات بين الزوجين يعصم الحياة الزوجية من التصدّع والاضطراب، فأكد على الزوجة أن لا تكلف زوجها مالا يطيق في أمر النفقة، وهو أمر يسبب كثيرا من المتاعب في الحياة الزوجية ويضرّ بصفوها وانسجامها.
قال صلى الله عليه وآله: «أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته مالا يطيق، لا يقبل اللّه منها صرفا ولا عدلاً إلاّ أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته»[17].
وحث صلى الله عليه وآله المرأة على اصلاح شؤون البيت واستقبال الزوج بأحسن استقبال فقال: «حقّ الرجل على المرأة إنارة السراج، واصلاح الطعام، وان تستقبله عند باب بيتها فترحب به، وأن تقدّم إليه الطشت والمنديل...»[18].
ويستحب للزوجة أن تكسب رضا الزوج وتنال مودته، قال الامام جعفر الصادق عليه السلام: «خير نسائكم التي إن غضبت أو أغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتى ترضى عني»[19].
وجعل الإمام محمد الباقر عليه السلام رضا الزوج على زوجته شفيعا لها عند اللّه تعالى، فقال: «لا شفيع للمرأة أنجح عند ربّها من رضا زوجها، ولمّا ماتت فاطمة عليها السلام قام عليها أمير المؤمنين عليه السلام وقال: اللهمّ إنّي راضٍ عن ابنت نبيك، اللهمّ إنّها قد أوحشت فآنسها»[20].
ومن أجل التغلب على المشاكل المعكّرة لصفو المودة والوئام، يستحب للزوجة أن تصبر على أذى الزوج، فلا تقابل الأذى بالأذى والاساءة بالإساءة؛ لأنّ ذلك من شأنه أن يغمر أجواء الاُسرة بالتوترات الدائمة والمشاكل التي لا تنقضي، والصبر هو الاُسلوب القادر على ايصال العلاقات الى الانسجام التام بعودة الزوج إلى سلوكه المنطقي الهادى ء، فلا يبقى له مبرر للاصرار على سلوكه غير المقبول، قال الإمام الباقر عليه السلام: «وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته».
ومن آثار مراعاة الزوجة لحقوق الزوج في الوسط الاُسري أن تصبح له مكانة محترمة في نفوس أبنائه، فيحفظون له مقامه، ويؤدون له حق القيمومة فيطيعون أوامره، ويستجيبون لإرشاداته ونصائحه، فتسير العملية التربوية سيرا متكاملاً، ويعمّ الاستقرار والطمأنينة جوّ الاُسرة بأكمله، وتنتهي جميع ألوان وأنواع المشاحنات والتوترات المحتملة.
[1] النساء 4: 34.
[2] من لا يحضره الفقيه 3: 277.
[3] الكافي 5: 508.
[4] الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 191.
[5] الكافي 5: 508.
[6] تحف العقول: 239.
[7] مكارم الاخلاق: 200.
[8] مكارم الاخلاق: 202.
[9] الكافي 5: 507.
[10] جواهر الكلام 31: 201. ومنهاج الصالحين، المعاملات: 103.
[11] مكارم الاخلاق: 202.
[12] سورة النساء: 4 / 34.
[13] الكافي في الفقه: 294.
[14] من لا يحضره الفقيه 3: 278.
[15] مكارم الاخلاق: 215.
[16] مكارم الاخلاق: 201.
[17] مكارم الاخلاق: 202.
[18] مكارم الاخلاق: 215.
[19] مكارم الاخلاق: 200.
[20] بحار الانوار 103: 257.