لا شك أنّ من أفضل الأعمال بصورة مطلقة ، هو طلب العلم ، فما أكثر النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة عن رسول الله وأهل بيته الطاهرين تنص على فضيلة العلم والعلماء، ووجوب طلب العلم، وانه من أفضل الأعمال، فان فيه حياة القلوب وحياة الإسلام والدين .
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)، (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)، (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّکَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)
(وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ) (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الاِْنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّکَ الاَْكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الاِْنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) .
وعن رسول الله (ص) لأبي ذر رضوان الله تعالى عليه : يا أباذر ساعة في مذاكرة العلم أحب إلى الله من قراءة القرآن إثني عشر ألف مرةّ…
إنّ الإسلام دين العلم والإيمان ، ولا شك ان العالم والمتعلم في ليلة القدر يختلف حاله عن حال الجاهل ، وانه ليرتفع درجاته باحياء ليالي قدره ، ويزداد علما نافعا وعملا صالحا وقربا من ربّه وما يعقل ذلك إلّا العالمون ، بل هو آيات واضحات وبينات ساطعات في صدور الذين أوتوا العلم ، فمن سلك في ليلة القدر طريقا في العلم سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وان أكثر الناس في ليالي القدر قيمة ومقاما أكثرهم علما ومعرفةً ، فان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضا به ، وانه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء: فمن أخذ من علمهم أخذ بخط وافر وعظيم .
فلا كنز أنفع من العلم ولا سيّما في ليالي القدر، فقيمة كل أمر ما يحسنه ويعلمه ، فاسألوا الله في طول دهركم ولا سيّما في ليالي قدركم بسطةً في العلم وعافيةً في الجسم ، واسألوا الله العافية ، فانه خير ما يسأل في ليالي القدر العافية ، عافية الدين والدنيا والآخرة.
الله الله في طلب العلم ، فان تعلّمه حسنة ، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وهو أنيس في الوحشة ، وصاحب في الوحدة ، وسلاح على الاعداء، وزين الاخلاء، يرفع الله به أقواما يجعلهم في الخير أئمة يقتدى بهم ، ترمق أعمالهم ، وتقتبس اثارهم ، ترغب الملائكة في خلّتهم ، يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم ، لان العلم حياة القلوب ، ونور الأبصار من العمى ، قوة الأبدان من الضعف ، وينزل الله حامله منازل الأبرار، ويمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا والآخرة ، بالعلم يطاع الله ويعبد، وبالعلم يعرف الله ويوحّد، وبالعلم توصل الأرحام ، وبه يعرف الحلال والحرام ، والعلم إمام العقل ، والعقل تابعه ، يلهمه الله السعداء، ويحرّمه الاشقياء .
نعم قال رسول الله (ص): «فضل العلم أحبّ إلى الله من فضل العبادة ، وأفضل دينكم الورع » أي أفضل أعمال دينكم الورع عن محارم الله عزّوجل .
فإذا كانت ليلة القدر ليلة العبادة والقرب من الله سبحانه ، وإذا كان فضل العلم عند الله أحب إليه من فضل العبادة ، فكيف لا يكون أفضل الأعمال في ليلة القدر طلب العلم ؟!
وإلى هذا أشار خاتم المحدّثين شيخنا القمي (قدس) في (مفاتيح الجنان) فقال : في ليلة الواحدة والعشرين : وقال شيخنا الصدّوق فيما أملى على المشايخ في مجلس واحد من مذهب الإمامة: ومن أحيا هاتين الليلتين بمذاكرة العلم فهو أفضل .
أقول : وقد سألت في ليلة من ليالي القدر سيّدنا الأستاذ آية الله العظمى السيد النجفي المرعشي (قدس): وأي علم يتذاكر في هذه الليلة ؟ قال : علم العقيدة . أي ما يكون فيه تصحيح وتقوية العقيدة والإيمان سواء أكان ذلك في التوحيد أو النبوة أو الإمامة أو المعاد، أي تقوية أصول الدين .
قال رسول الله (ص): «أربع يلزمن كل ذي حجى وعقل من أمّتي »، قيل : يا رسول الله ما هنّ؟ قال: «استماع العلم، وحفظه، ونشر على أهله، والعمل به ».
وأخيرا: أحبّتي أيها الأعزاء الكرام اجعلوا في ليالي القدر وساعاتها نصيبا لكم في طلب العلم .
أمالي المفيد بسنده عن حمّاد بن عيسى عن أبي عبدالله (ع) قال : «كان فيما وعظ لقمان أبنه : أنّه قال له : يا بنيّ اجعل في أيّامك ولياليك وساعاتك نصيبا لك في طلب العلم ، فانك لن تجد له تضييعا مثل تركه».