من الضروري أن نفهم الدين الذي نريد أن نتحقق من صدقه عن قرب، وذلك من عدة جهات، نذكر بعضها:
١ ـ أن نفرز بين هذا الدين وبين سائر ما يمكن أن يطلق عليه اسم الدين من العقائد والأفكار التي قد نستوضح عدم صحة كثير منها، فلا ينبغي أن يكون اشتراك الاسم باعثاً على التشويش علينا في البحث. فالعلم أيضاً يطلق على العلم المعتمد على المنهج المنطقي والأدوات الموضوعية، وعلى ما يعرف بـ(العلم الزائف) الذي يشبه العلم في الصورة، ولكنه في حقيقته ادعاءات محضة أو خاطئة وخرافية.
٢ ـ أن نفرز بين أصول الدين وثوابته واتجاهاته الأساسية، وبين العناصر المتغيرة أو التي يمكن أن ينالها التغيير مبدئياً باختلاف الزمان والمكان، سواء قام الدليل على هذا التغيير فعلاً أو لا.
٣ ـ أن نفرز بين محتوى الدين وعناصره بدقة، وبين الظواهر المختلطة مع الدين من الأعراف والتقاليد الجارية، فليس كل عرف وتقليد شائع بين أهل دين هو جزء من ذلك الدين بالضرورة وفق الاستيثاق بالأسلوب العلمي، بل كثير منها تعدّ أعرافاً محلية نشأت تدريجاً بين الأقوام، وبعضها حدث لحماية تعاليم الدين في المنظور الاجتماعي لأهل تلك الأعراف ولكنه ليس جزءاً منه، وبعضها يعدّ تطبيقاً لتعاليم الدين وفق تقدير أهل العرف المفترض، وكل ذلك لا يصح أن يعدّ جزءاً من الدين بالمعنى الدقيق.
٤ ـ أن نفرز بين ما هو جزء من الدين يقيناً، وبين الاجتهادات المختلفة في استنباط الدين في المواضيع النظرية، فالأمور الاجتهادية قد تقوم عليها الحجة عند بعض فقهاء الشريعة أو كلهم، ولكنها ليست إلا اجتهادات في تحديد وجهة نظر الدين ولا يصح أن تُعتبر الدين بعينه، حتى يقيّم بها الدين ويُقاس بها حقانيته من عدمها، بل إذا ثبت خطأ شيء من تلك الاجتهادات من المنظور العقلانيّ بعد التثبّت الكافي كان ذلك بنفسه نافياً لصحّة ذاك الاجتهاد من المنظور الشرعي، بعد تأصيل مبدأ العقلانية بشكل واضح في الدين.
من كتاب [معرفة الدين، ص١٢].