الكون الذي نعيش فيه هو عبارة عن نظام دقيق ومبهر، بدءا بالذرة غير المنظورة بالعين المجردة وانتهاء بالأجرام السماوية هائلة الاتساع. حقيقة ثابتة لا خلاف عليها، وإن كان ثمة اختلاف في صددها بين مؤمن وملحد فإنه لامساس بنفس الحقيقة وإنما هو متعلق بتفسير هذا النظام وتكونه، بين وجود صانع له من عدم وجوده.
ومن تجليات هذا النظام الكوني، ماجعله الله سبحانه من خضوع تفاصيله لهندسة دقيقة تنبئ عن عبقرية لامحدودة، وربما كان من أهم ما في هذه الهندسة هو الابتكار الذي لم يتأت من صور او تفاصيل مسبقة، كما جاء في خطبة السيدة الزهراء عليها السلام الشهيرة (ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيّته)
وربما وقف، أمام هذه الهندسة، الملايين من الناس مبهورين مستدلين من خلالها على قدرة الله وبديع صنعه، غير إن هذا الوقوف، في حدود الانبهار والاستدلال، لم يكن من شأن ذوي الاختصاص من مهندسين ومصممين وغيرهم، فهؤلاء هم أكثر الناس انتباها لدقة تلك الهندسة وفهما لعمقها. ولهذا فهم قد راحوا يعكفون على تدبر ودراسة الابعاد الهندسية الكامنة في جزيئات النظام الكوني، من أدقها كالحشرات وغيرها الى الحيوانات والنباتات والانسان، ومن ثم محاولة استلهام ما في تلك الابعاد الهندسية وتصميمها وطريقة عملها في تطبيقات عملية ومفيدة تكنلوجيا. حتى صار بوسع المهندسين والمصممين ان يعتبروا الطبيعة منجما غنيا للتزود بالأفكار والتصميمات العملية.
مما يجعل شواهد ما ذكرناه تفوق الحصر، فيجعلنا نختار نموذجا كمثال وهو أوراق اللوتس ذاتية التنظيف، فهذه الاوراق تتمتع بسطح يتكون من نتوءات مجهرية. وكل نتوء مغطى بأنابيب نانوية متناهية الصغر تنبثق من سطح النتوء. وعندما تسقط قطرات الماء على ورقة اللوتس، تتم موازنة كمية منطقة التلامس من قبل هذه الأنابيب والنتوءات. ويؤدي تقليل مساحة التلامس إلى عدم استقرار قطرات الماء بسبب المواقع العشوائية لكل من النتوءات والأنابيب. والنتيجة أن قطرة الماء ستبدأ في الدوران على طول الورقة. وهذا ما يجعل الورقة تنحني الى الأسفل ملقية عنها قطرات الماء. وبذلك يعمل كل من النسيج المتعرج للورقة ووزن قطرة الماء على تفتير حركة القطرة في الانخفاض باتجاه النهاية غير المدعومة، وبالتالي السقوط.
المهندسون في المجال العملي استفادوا من هذا في مجال صد السوائل وانجذابها. وذلك بتغيير الطريقة التي يتم بها طلاء الأشياء لصد أو جذب الرطوبة على كل من المواد العضوية وغير العضوية، فإمكانية التنظيف الذاتي بدأت تظهر في مجالات مثل الملابس والطلاء، بدون طاقة إضافية مستهلكة.
ضرغام الكيار + صلاح الخاقاني