من الواضح البيّن انّ في زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة: بل في زيارة كلّ الأنبياء والأوصياء ومن يلوذ بهم، مقاصد وأهداف مقدّسة، فان المؤمن العاقل يندفع في حركاته وسكناته من منطلقات ايمانيّة وولائيّة تدعمها الأدلّة القاطعة والبراهين الساطعة من كتاب الله والأحاديث الشريفة المعتبرة، والعقل السليم والفطرة الموحدة، فلم يصدر من العبد المؤمن فعلاً وقولاً من دون نوايا صادقة وعقلانيّة، بل من وراء الأعمال الصالحة، العلم النافع والمعرفة المتكاملة، فزيارته للقبور من الصالحين والصالحات كقبور الأنبياء والأوصياء: إنّما من ورائها فوائد مقصودة وعوائد مستهدفة.
فمن أبرزها، اجمالاً وكرؤوس أقلام لمن أراد الانطلاق منها في البيان والتبيين اللفظي والكتبي، فهي كما يلي:
1 ـ توحيد الله في ذاته وصفاته وأفعاله ومعرفته في أسمائه وصفاته الجلاليّة والجماليّة.
2 ـ تجديد العهد مع الإمام 7: فانّه ورد في الحديث الشريف عن الإمام الرضا 7 قال: «إنّ لكلّ إمامٍ عهد في عنق أوليائه وشيعته وانّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم ».
3 ـ تربية الانسان بصالح العمال ومرضي الأفعال، كما كان المزور في حياته، فيتعلم منه كيف يعيش وكيف يموت.
4 ـ تحصيل الثواب الاخروي والدنيوي فان ذلك من سعادته، فيحصل على سعادته من خلال ما يترتّب على زيارته من الآثار المعنويّة والماديّة، الأُخرويّة والدنيويّة، كما ورد في زيارة الأئمّة: «وجبت له الجنّة ».
«كان في جواري يوم القيامة » «أخلّصه من أهوالها وشدائدها حتّى أصيّره معي في درجتي » «تعدل حجّة مع رسول الله مبرورة » «خرج من ذنوبه كيوم ولدته اُمّه ».
5 ـ اجتناب الفواحش والمعاصي والآثام والقبائح في الأفعال والصفات، ما ظهر منها وما بطن، والورع عن محارم الله فان الزيارة تعطى للزائر المخلص نوعآ من الحصانة والوقاية.
6 ـ تعالي الروح الانسانيّة ووصولها لقمّة الكمال المودع في وجوده، وتبلورها بصبغة الله (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ آللهِ صِبْغَةً ).
7 ـ رعاية حقوق المؤمنين والمؤمنات، وحفظ المواثيق والتعهدات، والقيام بالواجبات والمسؤوليات على مستوى العلم والمعرفة.
8 ـ التحفيز والاندفاع نحو القيم والمُثل وروح التضحية والشهادة والفداء والجهاد في سبيل الله عزّوجلّ.
9 ـ العلاقة الروحيّة والارتباط الوثيق والحميم بين الزائر وبين المزور من أولياء الله، والاستمداد الروحي والمعنوي والروحاني عند قبورهم من أرواحهم الطاهرة باذن الله سبحانه، كما أحبّ الله ذلك. (وابتغوا إليه الوسيلة).
10 ـ الاقتداء والتأسّي بهدي المزور، وإنّه النموذج الأوّل في السيرة الطيبة بموضوعيةً وعمق من حياته وسيرته.
11 ـ تسليط الضوء العرفاني على المقاصد والأهداف السامية التي حملها المزور في حياته في مجالات الحياة الفردية والاجتماعية، العلمية والعمليّة (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ آللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا آللهَ وَآلْيَوْمَ آلاْخِرَ وَذَكَرَ آللهَ كَثِيراً)[1].
12 ـ تعظيم وتكريم أولياء الله سبحانه، فان الزيارة شعيرة من شعائر الله (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ آللهَ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى آلْقُلُوبِ )[2] فيتفا عل الزائر مع مزوره في حياته الجهادية والعبادية «اَشْهَدُ اَنـَّك اَقَمْتَ الصَّلوةَ، وَ آتَيْتَ الزَّكوةَ، وَاَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً، وَجاهَدْتَ فِى اللهِ حَقَّ جِهادِهِ حَتّى اَتيك الْيَقيüنُ » ـ أي الموت، فكانوا سبباً في هداية الناس، والزائر بزيارته يشكر امامه المزور، فمن يزور الرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وكذلك العترة الطاهرة، فانّه ينزل في ساحة ملك عظيم لا يحلّ فيه إلّا الطيّبون والطاهرون والمقرّبون، كالملائكة والأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين.
13 ـ كسب الطهارة المعنويّة والروحيّة بالابتعاد عن المعاصي والآثام والصفات الذميمة، فان في زيارة المعصومين تأثير خاصّ على روح الانسان وطهارته وسلامته بغفران ذنوبه وتبديل حسنات وحسناته جنات عاليات، فيكون بعد الزيارة كيوم ولدته امّه، أي كالطفل المعصوم الذي لم يذنب، ومن ثم يستأنف العمل، ويكسب الفضائل والمكارم والاخلاق الفاضلة، ويتوجّه إلى الله سبحانه بالدعاء والصلاة وتلاوة القرآن الكريم والبكاء والزيارة، فيحل في عرصات من طهّرهم الله تطهيراً، وأذهب عنهم الرجس، فيتوب العبد الزائر ويستغفر ربّه ويعاهد رسوله ووصيه أن يكون على نهجه وخطاه ويبتعد عن الذنوب وارتكاب الموبقات والفواحش، بل ويجتنب عن اللغو ويعرض حتى عن المكروهات والمباحات.
قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوك فَاسْتَغْفَرَوا آللهَ وَآسْتَغْفَرَ لَهُمُ آلرَّسُولُ لَوَجَدُوا آللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)[3].
14 ـ القرب من الله عزوجل فان الزيارات من أفضل القربات، فتكون أرضية مساعدة على نحو الاقتضائية لدخول الجنّة «وجبت له الجنّة » فيقرب من الله سبحانه بالتحلية من الرذائل والذنوب، والتحلّية بالفضائل ومرضى الأفعال والأقوال، فتتجلّى فيه صفات الله وأخلاقه، ويتحلّى بأسماء الله الحسنى، ويكون مرآة لجلال الله وجماله، وهذا لمن يطلب الكمال والجمال والخير الذي أودعه الله في فطرته، فانه خلق على ذلك مفطوراً، فانه يتقرّب بزيارته إلى ربّه، وانّه في الواقع
يزوره في عرشه «فإنّكم وسيلتي إلى الله وبحبّكم وبقربكم أرجو نجاة من الله» «وأتقرّب إلى الله بموالاتكم ».
فهؤلاء المعصومون: جعلهم الله سبحانه في الوسيلة التي يبتغيها الانسان المؤمن للوصول إلى ربّه في سيره وسلوكه، فانّهم: وسائط الفيض الأقدس والمقدّس.
15 ـ تعدّ الزيارة من أكبر آيات الولاء والمحبّة والمودّة لأهل البيت: سواء في حياتهم أو في مماتهم بزيارة قبورهم المقدّسة، وهذا من مصاديق قوله تعالى: (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ آلْمَوَدَّةَ فِي آلْقُرْبَى)[4] فمن أجل تحكيمه أو احر المودّة
بين الامة والأئمّة كان التركيز البليغ في مدرسة أهل البيت: على زيارة قبورهم حتّى عدّ ذلك من تمام الوفاء بعهد الامامة ـ كما مرّ ـ وبذلك يفوز المؤمن بسعادة الدارين. فزيارة الرسول الأعظم وأهل بيته مما عليه الاصول العامّة والخاصّة وكذلك النصوص المعتبرة والأدلّة القاطعة من إصالة (تكريم الرسول) وإصالة (مودّة أهل البيت: ) فليس من البدع الّتي يتذرع بها اتباع المدرسة الاُموية في تكفير المسلمين قاطبة بزيارتهم قبور الصالحين والصالحين كما رحجان زيارة القبور ثابت في محلّه عند جميع المذاهب الإسلاميّة.
الهوامش:
[1] الأحزاب (33): 21.
[2] الحجّ (22): 32.
[3] النساء (4): صلى الله عليه وآله4.
[4] الشورى (42): 23.