إن التبرج والتعري انحراف عن الطبيعة البشرية التي أودعها الله تعالى في الإنسان، لأن تلك الطبيعة تقوم على الاعتدال والفطرة الإلهية البيضاء التي هي مصدر القيم الأخلاقية والسلوك المستقيم.
ولكن هذه الفطرة قد تتعرض للتلوث والانحطاط، بسبب بعض العوامل التي توجب انحراف الإنسان عن الطبيعة البشرية والفطرة الإلهية.
ومن تلك العوامل؛ الخضوع للشهوات واللذائذ التي تنزلق بالإنسان نحو البهيمية.
وما نلاحظه اليوم في الغرب من التبرج والانحراف وتعرّي النساء فهو أمر يدل على مستوى هذا الفكر المادي، التي قام على إنكار وجود القيم والمثل الأخلاقية والتبري من الدين والمقدسات، وكل ما يدل على الله (تعالى) في حياة الإنسان، فأطلق العنان لباب الشهوات والرغبات وخالف فطرة الله التي فطر الناس عليها. فغيرة الإنسان على عرضه فطرية أودعها الخالق العظيم في نفس وشعور مخلوقاته لمصلحة الفرد ومجتمعه.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): "كان أبي إبراهيم عليه السلام غيوراً وأنا أغير منه وأرغم الله أنف من لا يغار من المؤمنين" ([1]).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): "إن الله تبارك وتعالى غيور يحب كل غيور، ولغيرته حرم الفواحش ظاهرها وباطنها" ([2]).
ومن هنا على الرجل المسلم أن يعي حقيقة الآثار المأساوية التي يفرزها التبرّج والسفور، فيحصن زوجته وابنته ويمنعهن من الاختلاط مع المتبرجات وغير الملتزمات من النساء، لكي لا يتأثرن بنهجهن فتفسد الأخلاق ويسلب الحياء لا سامح الله تعالى.
يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ في وصية له إلى ابنه محمد المعروف بابن الحنفية (رضوان الله تعالى عليه): "فإنّ شدة الحجاب خير لك ولهنّ من الارتياب. وليس خروجهنّ بأشدّ من دخول من لا يوثق به عليهنّ. وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك من الرجال فافعل" ([3]).
فعلى الزوج الشريف أن يكون غيوراً على زوجته وابنته وأخته وأهله عامة، ويحثهن على التزام الحشمة والفضيلة والتمسك بأخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) في هذا المجال.
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) إنه قال: "حُرّمت الجنة على الديوث". ([4]).
والديوث هو الذي لا يغار على أهله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أيّما رجل تتزيّن امرأته وتخرج من باب دارها، فهو ديّوث، ولا يأثم من يسمّيه ديّوثاً. والمرأة إذا خرجت من باب دارها متزينّة متعطّرة، والزوج بذلك راضٍ، يُبنى لزوجها بكلّ قدم بيت في النار". ([5]).
فالإسلام يدعو إلى تحصين المرأة وحفظ كرامتها وعزتها من خلال الحفاظ على عفتها وشرفها، فلا يحل لها أن تبرز مفاتنها إلا لزوجها لتشعر بإنسانيتها الحقيقية وفخرها كمخلوقة أودع الله تعالى فيها سرّ الجمال والأنوثة.
ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لفاطمة (عليها السلام) ذات يوم: أي شيء خير للمرأة؟ قالت أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل فضمها إليه وقال: ذريةٌ بعضها من بعض.([6])
ولا ينسلخ عن هذا القانون الطبيعي والفطرة الإلهية المودعة في نفس كل إنسان إلا من أنسلخ عن إنسانيته وآل حاله إلى ما هو أضل من البهائم. قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}.
فإن الناس إلى تكميل نفوسهم أحوج من إملاء بطونهم إلا أن المدنية الحاضرة تعمل لأجل إصلاح الظاهر وإملاء البطون، بل قد تأخذ الناس باسم الحرّية إلى الجاهلية الجهلاء وعبادة الأهواء.
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} ([8]).
*مقتطف من كتاب التبرّج والسفور وانعكاسهما على الفرد والمجتمع صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة
--------------------------------
([1]) وسائل الشيعة: ج14، ص109.
([2]) ميزان الحكمة: ج7، ص 428.
([3]) بحار الأنوار: ج74، ص 213.
([4]) الكافي: ج5، ص537.
([5]) بحار الأنوار: ج103، ص249.
([6]) مناقب ابن شهرآشوب: 3/341 ط قم. ورواه عنه البحراني في العوالم: ج 11/128 ح 3.
([7]) سورة الفرقان: 44.
([8]) سورة محمد: آية 12.