لا تخلو مجتمعاتنا من أطفال يولدون معاقين أو مصابين بمختلف الأمراض، وقد تكون هذه الإعاقة سبباً للاعتراض على حكم الله تبارك وتعالى، وهنا تطرح جملة من التساؤلات:
هل من العدل أن يولد هكذا أطفال لآباء مذنبين؟
وهل يعتبر هذا الأمر عقاباً للأهل؟
وما هو ذنب الطفل ليعيش هكذا حياة دون أن يرتكب ذنباً؟!
تفسيرات واجابات ينشرها «موقع الأئمة الاثني عشر» عن عدل الله في البلاء والمصيبة، نقلاً عن كتاب "موسوعة الاسئلة الاعتقادية" الصادر عن مركز الأبحاث العقائدية، إلى جانب مقالات أخرى نشرت في وقت سابق عن الشرور في الكون والعدل الإلهي:
الجواب:
ينبغي أن يعلم أنّ الأُمور التكوينية التي تجري في العالم، هي على قسمين:
أحدهما: يكون السبب عمل الناس، وإليه يشير قوله سبحانه: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[1]
والعذاب النازل على الأُمم السابقة يندرج في هذا الإطار، وخروج الأولاد معاقين كثيراً ما يكون لأجل فعل آبائه، ومعلوم أنّه لا يمكن أن يتحمّل الطفل وزر أبويه، قال الله سبحانه: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ)[2]، ولكن بعض الأفعال القبيحة تصبح كالنار في إحراقها، فلو ألقى أحد طفلاً في النار فهو يحترق جزماً، وليس في ذلك ظلم من الله سبحانه عليه، بل الظالم من ألقاه في النار، فلو قطع أحد رقبة أحد، فمقطوع الرقبة سوف يموت جزماً، أو دسّ أحد سمّاً قاتلاً في طعام، فالذي دسّ إليه السمّ سوف يموت حتماً، وليس في ذلك ظلم من الله سبحانه، بل الظالم هو قاطع الرقبة، والذي دسّ إليه السمّ.
وخروج الأطفال معاقين في معظم الأحيان لأجل سوء عمل الأبوين عند المواقعة، أو لشرب بعض الأدوية، أو غيرها من الأسباب التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وآله في النصيحة التي قدّمها إليها بواسطة الإمام علي عليه السلام، وليس في ذلك ظلم من الله سبحانه ـ والعياذ بالله ـ على أحد، وهذا كلّه في القسم الأوّل.
ثانيهما: الحوادث التي تحدث في العالم قد قدّرت ونظّمت، ورتّبت طبق اقتضاء الحكمة البالغة، وتلك الحكمة هي التي تتحكّم، بأنّ يولد لأحد ولد وللآخر تولد البنت، والأعمار تقدّر تحت هذه الحكمة الإلهية، التي تكون ضمن الآجال الحتمية، ويدخل تحت هذا أن يكون شخص من ذرّية رسول الله صلى الله عليه وآله، والآخر من ذرّية شخص آخر، ويدخل في هذا الإطار، وفي هذا القسم وجود معاقين من صلب أبوين شريفين ملتزمين بجميع نصائح النبيّ صلى الله عليه وآله، وأوامر الشريعة الغرّاء، ويكون في هذا البلاء وامتحان للمعاق ولغيره.
إنّ المقادير تجري كما قدّرها الله سبحانه، ولا راد لقضائه، ولا مبدّل لحكمه، ولا تدرك عقولنا مغزى الحكمة، وليس يدخل ذلك في الظلم، لأنّ الظلم هو وضع الشيء في غير محلّه، والله لا يفعل ذلك، والصابر على قضاء الله مأجور، والجازع مأزور، كما ورد في بعض الروايات، وإلى هذا المعنى يشير الإمام الحسين عليه السلام في بعض كلماته: «لا محيص عن يوم خطّ بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفّينا أُجور الصابرين...»[3].
وقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي قال: (قلت: لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهم االسلام: يا ابن رسول الله، أنا نرى من الأطفال من يولد ميّتاً، ومنهم من يسقط غير تامّ، ومنهم من يولد أعمى، أو أخرس، أو أصم، ومنهم من يموت في ساعته إذا سقط على الأرض، ومنهم من يبقى إلى الاحتلام، ومنهم من يعمّر حتّى يصير شيخاً، فكيف ذلك وما وجهه؟
فقال عليه السلام: «إنّ الله تبارك وتعالى أولى بما يدبّره من أمر خلقه منهم، وهو الخالق والمالك لهم، فمن منعه التعمير فإنّما منعه ما ليس له، ومن عَمّرَهُ فإنّما أعطاه ما ليس له، وهو المتفضّل ما أعطاه، وعادل فيما منع، ولا يُسأل عمّا يفعل، وهم يسألون».
قال جابر: فقلت: يا ابن رسول الله، وكيف ولا يسأل عمّا يفعل؟
قال عليه السلام: «لأنّه لا يفعل إلّا ما كان حكمة وصواباً، وهو المتكبّر الجبّار، والواحد القهّار، فمن وجد في نفسه حرجاً في شيء ممّا قضى الله فقد كفر، ومن أنكر شيئاً من أفعاله جحد»).[4]
الهوامش:
[1] (1) الروم: 41.
[2] (2) الأنعام: 164.
[3] (1) مثير الأحزان: 29.
[4] (1) التوحيد: 397.