يعتبر الماء أهم الأشياء التي تتوقف عليها الحياة بصورة عامة، وحيث ما وجد وجدت الحياة، وحيث انعدم انعدمت، وهذا ما أشار له الإمام الصادق في حديثه له: عن الحسين بن علوان قال: سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) عن طعم الماء فقال: (...) طعم الماء طعم الحياة\.
الحضارات هي الأخرى تبنى حيث توجد المياه، ولهذا نجد أن المناطق التي لا ماء فيها لا أثر للحضارة والتمدن والعمران فيها، كما إن النصوص الدينية لم تغفل ذكر الماء وفضله على الكائنات.
وعلى رأسها تلك التي جاءت في القرآن الكريم حيث ورد ذكر الماء 63 مرة، ومن جملة النصوص القرآنية قوله تعالى : {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء: 30]
وفي آية أخرى مثل القرآن الكريم دور الماء بأنه قد وهب الأرض نعمة الحياة حيث جاء في قوله تعالى:{وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}[النحل: 65].
وقد ورد في بعض الروايات أن الماء هو النعمة الأولى من بين كل النعم الآلهية التي يسأل عنها الإنسان، فعن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال: أول ما يسأل الله جل ذكره العبد أن يقول له: أو لم أروك من عذب الفرات.
الإسلام وترشيد المياه
إن من الحقوق التي إفترضتها الله تعالى على الإنسان هو أن يؤدي عباداته على وفق ما خطته الشريعة، وتلك العبادات لها علاقة مباشرة مع الماء، حيث أنها مشروطة بإستخدام الماء قبله، وتسمى تلك العملية (الوضوء) أو (الغُسْل)، ولكن لمكانة هذا السائل ولأهميته، حدد للوضوء أو الغسل مقدار يناسبها.
فعن زرارة، وكما جاء في كتاب وسائل الشيعة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ بمد، ويغتسل بصاع، والمد رطل ونصف، والصاع ستة أرطال.
والصاع حوالي 2.75 لتر والمد يساوي 687 ملليتر.
فإذا كانت العبادات التي من أجلها خلق الإنسان (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات 56 ، قد حددت كميتها بالنصوص الشرعية، فيا ترى كيف ستكون نظرتنا لمن يتلف هذا السائل الذي باركه الله بما لا فائدة فيه؟!
أو يستعمله في غير ما هو مخصص له، ولعلك تتسائل كيف يستخدم الماء في غير ما هو مخصص له مع أن استعمالات الماء معروفة ومحددة؟
أقول ليس هذا القصد، بل ما قصدته أن المياه التي تصل الى بيتي وبيتك أو كما يعبر عنها (مياه الإسالة) (الماء الصالح للشرب) له إستخدامات منزلية معروفة كالشرب والتنظيف والتطهير، فإذا قام شخص بإستعمال جائر للماء كقيام بعض اصحاب البساتين والمزارع ـ للأسف الشديد ـ بثقب أنبوب ماء الإسالة لسقي مزروعاتهم، فهذا الفعل محرم شرعاً لأن الفقهاء يرون أن مخالفة القانون أمر محرم، فضلاً عن أنه هدر لمورد لم يعد من السهل الحصول عليه، وأبرز الشواهد على ذلك هي موجة الجفاف التي تضرب محافظتنا الوسطى والجنوبية.
الجفاف عقوبة!
لقد تعهد الله تعالى لمن يقوم بطاعته ويقلع عن معصيته أن يجزيه على تلك الطاعة ماءً كثيراً، قال تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) الجن/16 .
والغدق معناه الكثير يقال غَدَقَتِ الأَرْضُ : تَبَلَّلَتْ بِالغَدَقِ ، أَيْ بِالْمَاءِ الكَثِيرِ.
وقد جاء في بعض الروايات أن الطريقة التي كان يجب على البشرية الاستقامة عليها هي (الولاية) أي ولاية أهل البيت (عليهم السلام) ، فعن سماعة قال: ((سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قول الله عزوجل: (( وَأَن لَوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا )) يعني استقاموا على الولاية في الاصل عند الاظلة حين أخذ الله الميثاق على ذرية آدم (( لَأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا )) يعني لاسقيناهم من الماء الفرات العذب)).
فلاحظ، أن كثرة المياه ووفرتها مترتبة على الطاعة، والجفاف ما هو إلا نتيجة المعاصي والذنوب التي ارتكبها الإنسان.
قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف/ 96 .
وعن بعض المفسرين إن معنى قوله تعالى : (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) أي : قطر السماء ، ونبات الأرض .
ومن الشواهد على أن الجفاف ما هو إلا بسبب المعاصي والذنوب، فقد قام الإمام الحسين (عليه السلام) بالدعاء على أعدائه يوم العاشر من المحرم حيث رفع يديه وقال :
(اللهمّ احبس عنهم قطر السماء) أي بسبب جريمتهم النكراء فعاقبهم يا رب بقلة الغيث.