لقد كان الهدف من الرابطة التي تربط الزوجين هي نشوء المودة, كما جاء في الذكر حيث قال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} الروم /21 .
وكما يقال إن لكل فعل ردة فعل، فلهذه العلاقة أن تتطور الى ما هو أفضل وأكمل إذا كانت وفق ما هو مخطط لها على المستويين الشرعي والإنساني.
ولهذا فإن الشريعة قد حددت نوعية الزوج أو الزوجة المناسبين لبعضهما، على أساس حسن الخلق والتدين الحقيقي، لكن في بعض الأحيان وعلى الرغم من أن الزوجين متوافقان ويسود علاقتهما الوئام والمحبة، إلا أن بعض المشاكل التي تلوح في الأفق قد تعكر صفو تلك العلاقة، ولعل بعض تلك المشاكل ليست مشاكل حقيقية بل ناتجة عن سوء الفهم بين الطرفين، مما يؤدي الى تلبد خطوط التفاهم بسحاب الأنانية، وقد تصل الأمور إلى أن يُعْرِضُ أحدهما عن الآخر، ولكسر هذه القيود نجد في الكثير من الأحيان أن الرجل هو من يبادر الى تذويب الجليد الذي شابَ ذلك الرابط المقدس.
وقد يفهم البعض من هذا التصرف أنه رضوخ لا مبرر له من قبل الزوج لزوجته، وهو الطرف الأقوى في المعادلة، خصوصاً في المجتمعات الشرقية ذات الطابع الذكوري، إذاً لماذا أتنازل وأكون أول المبادرين؟
لنطرح السؤال بطريقة أخرى: ماهي الطريقة التي من خلالها يمكنني أن أحافظ على أسرتي وعلى راسها زوجتي دون أن يمس ذلك كرامتي أو أن يفسر إصلاحي لذات البين أنه عامل ضعف؟
في مقام الجواب نذكر عدة نقاط :
1 ـ إغلاق كل الملفات القديمة التي كانت سبباً في تعكير صفو العلاقة، وبدأ صفحة جديدة بين الطرفين.
2 ـ عدم تعظيم صغائر الأمور التي قد تصدر من الزوجة بدافع الفضول أو الغيرة.
3 ـ إظهار الإهتمام المتبادل بين الطرفين، ومن الزوج بالأخص، فبالنسبة للرجل يمكن أن يملي فراغه في أغلب الأحيان عبر الأصدقاء او في أماكن العمل المختلفة، بينما السواد الأعظم من النساء تكون حبيسة الدار، فترى في الزوج ذلك الإنسان الذي يملي لها وقتها ويصنع لها سعادتها، وتنتظر منه كل كلمة يمكن أن يطريها فيها أو يشيد بدورها المحوري داخل منظومة العائلة، ولذا يتساءل البعض، لو أردت أن أعبر عن عظيم حبي لها وشدة إهتمامي بها فقلت لها لا يوجد لدي من هو أغلى منك أو أنت أجمل إمرأة رأتها عيني، فهل يلزم من ذلك إشكال؟
الجواب: لا إشكال في ذلك إذا كان على سبيل التورية بأن يكون قصده ـ مثلاً ـ أنت أجمل إمرأة بنظري، وهذا شكل من أشكال التودد المرغوب فيه، يبقى سؤال آخر وهو قد تحصل بعض المشاكل التي قد لا ينفع معها هذا الشكل من المجاملة، فيضطر البعض الى الكذب، فهل الكذب في مثل هذه الموارد ممكن وجائز؟
قبل الجواب لابد من مقدمة:
إن معنى الكذب هو أن يخبر الشخص بما يخالف الواقع، كأن يقول السماء تمطر وفي الواقع أن المطر لا أثر له ولا عين، والكذب حرام شرعاً وقبيح عقلاً، إلا إن صفة القبح بالنسبة للكذب يمكن إنفكاكها عنه لوجود عارض معين، فمثلاً لو إفترضنا أن إنساناً مؤمناً كان الظالمون يريدون قتله، وعلمت بمكانه فهل إذا سألني أولئك الظالمون عن مكانه هل يمكنني الكذب ؟
الجواب: إن الكذب وإن كان قبيحاً ذاتاً وحرام شرعاً إلا إنه لوجود العارض ـ حفظ نفس المؤمن في المثال ـ يكون جائزاً بل واجباً لوجود التزاحم بين المهم (عدم الكذب) و الأهم (حفظ النفس المحترمة) وقس على ذلك الكذب على الزوجة فإنه إذا توقف الأمر بين شيئين
1 ـ دمار البيت وتشتت الأسرة 2 ـ أن يقدم على إرتكاب الكذب على الزوجة.
ومن المؤكد أنه لا يوجد عاقل يقدم على الخيار الأول، وأما الخيار الثاني ففيه محذور الكذب المحرم، فما هو الحل ؟
الجواب :
إذ أمكن للزوج إستعمال التورية في مثل هذا الفرض فلا مانع، وأما إذا تعذر ذلك فيمكن له الإقدام على الكذب للتزاحم بين المهم والأهم .
تبقى مسألة أخرى وهي أن الزوجة إذا قام الزوج بتقديم الهدية لها فإن له الأثر البالغ في نفسها، حيث تعتبره علامة على استمرار المحبة متبادلة، إلا إن بعض الأزواج وللأسف الشديد قد تطلب منه زوجته شيئاً معيناً، فيعدها بذلك فإن كان ناوياً الإخلاف منذ البداية فحرام شرعاً، وإلا فلا إشكال فيه.