إن مصلحة الطبقة الغنية الموسرة مناقضة لمصلحة الطبقات الفقيرة، فالمجتمع الذي يؤيده الرأسمالي هو ذلك المجتمع الذي يتعامل أفراده بالأثرة ولا يساعد من في المجتمع غيره إلا بفائدة مادية لنفسه، على أن ضيق الأفراد الفقراء فرصة يرحب بها المرابون.
ولكن المجتمع الذي يؤيد الفقير هو على العكس من هذا المجتمع، ولكن يجب أن لا يتطرف الفقراء في أعمالهم كرد فعل منهم بحيث تنشأ مشاكل أخرى نتيجة التطرف، بل يجب أن نجعل الدواء للداء الموجود لا أن نحول الداء إلى داء آخر كما عن الماركسية حيث أوجدت الصراع بينهم. فالمجتمع الذي فيه الربا والمرابون لا يمكن أن يرسو على قواعد ثابتة فلا بد أن تبقى أجزاؤه مائلة مفككة. ويقال في الهند « يولد المزارع مدينا ويعيش مدينا ويموت مدينا » ([1]) فهو لا يمكنه أن يندمج مع مجتمع المرابين بل يفضل مجتمعا آخر.
وهنا نقترح أن تقوم الدولة التي تنفق كثيرا في سبيل الخدمات الاجتماعية مجانا بوضع نظام لتقديم قروض بلا فوائد كطريق للخدمات الاجتماعية، وهذا هو الدواء الناجع لجعل المجتمع صالحا ولإيجاد المجتمع الأفضل حيث يقضي على أسس الاختلاف والتناقض بين المرابين والفقراء، وتُوجِد الإيثار فيما بينهم بدلا من الأثرة. وبعد أن تعمل الدولة على إزالة أسس الاختلاف في المجتمع تعمل جاهدة لإيجاد روابط بين أفراد المجتمع، وقد جعل الإسلام رابطة قوية بين الأغنياء والفقراء تجعل المجتمع متمسكا متآخيا فيه إيثار بدلا عن الأثرة، وذلك بإيجاد الزكاة والخمس التي تؤخذ من الأغنياء وتعطى إلى مستحقيها وبإيجاد الأمور الخيرية المستحبة التي ندب إليها الشرع الحنيف وبذل غاية ما في وسعه لتربية أبنائه على إيجاد المجتمع المتآخي الذي يكون فيه الإيثار سائدا بدلا من الأثرة.
الأثر الفطري للربا
ولأجل أن نتعرف على الأثر الفطري الذي يخلفه الربا نورد حديث إنجلترا وأميركا بعد الحرب العالمية الأخيرة لعقد اتفاقية ( برتين وود ) لدين كبير.
« إن إنجلترا كانت تريد من أميركا وقد كانت حليفتها في الحرب أن تمن عليها بالقرض بدون شيء من الربا، ولكن أمريكا ما رضيت بذلك وأبت أن تقرضها إلا بالربا، واضطرت إنجلترا بمشاكلها العديدة أن ترضى كرها بأداء الربا »
لكن لنرى ما هو الأثر الفطري الذي ترك في الشعب الإنجليزي من كبار سياسييهم واقتصادييهم.
ومما قاله اللورد كينز، بعد أن عقد الاتفاقية مع أمريكا باعتباره ممثلا للشعب الإنجليزي « لا أستطيع أن أنسى أبد الدهر ذلك الحزن الشديد والألم المرير الذي قد لحق بي من معاملة أمريكا إيانا في هذه الاتفاقية فإنها أبت أن تقرضنا شيئا إلا بالربا ».
ومما قاله تشرشل « إني لأتوجس خلال هذا السلوك العجيب المبني على الأثرة وحب المال الذي عاملتنا به أمريكا كان ضروبا من الأخطار. والحق أن هذه الاتفاقية قد تركت أثرا سيئا جدا فيما بيننا وبين أميركا من العلاقة ».
وقال اللورد دالتن وزير المالية « إن هذا العبء الثقيل الذي نخرج من الحرب وهو على ظهورنا، جائزة عجيبة جدا نلناها على ما عانينا في الحرب من الشدائد والمشاق والتضحيات لأجل الغاية المشتركة، وندع للمؤرخين في المستقبل أن يروا رأيهم في هذه الجائزة الفذة من نوعها، التمسنا من أميركا أن تقرضنا قرضا حسنا ولكنها قالت لنا جوابا على هذا : ما هذه بسياسة عملية » ([2]).
ومن هذه الأقوال نلمس الأثر الفطري واضحا سواء تعاملت به الأفراد أو الأمم، فهكذا تعترف إنجلترا أن الربا شيء مستقبح، فهل فكر الاقتصاديون في رفع الفائدة من مجتمعهم على الأقل ؟ ! كما فعل كينز.
[1] الإسلام والربا ص 201 عن تقرير البعثة الملكية عن الزراعة في الهند
[2] الربا المودودي ص 43 - 44.