تنويه: لا يعبّر هذا المحتوى عن رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»
رغم أن العراق كان من أعلى الدول العربية في تسجيلا للإصابات بفيروس كورونا يوميا ولأشهر عديدة، فإن الأسابيع الاخيرة شهدت انخفاضا ملحوظا في أعداد الاصابات والوفيات رغم مضاعفة وزارة الصحة الاتحادية لعدد المسحات اليومية لفحص "تفاعل البوليميراز المتسلسل" "بي سي آر" (Polymerase chain reaction) (PCR) وبصورة عشوائية ولما يزيد على 34 ألف مسحة في اليوم.
ويشهد العراق منذ أسابيع انخفاضا في الإصابات بعد أن وصل قبل أشهر للذروة بتسجيل أكثر من 5500 إصابة يوميا، لينخفض معدل الإصابات خلال الأيام الماضية إلى حوالي الربع.
جدير بالذكر أن العراق سجل منذ اكتشاف أول إصابة بالفيروس في فبراير/شباط الماضي 571 ألف إصابة بعدد وفيات بلغ 12 ألفا و526.
بالمقابل فإن عدد الإصابات يستمر بالانخفاض ليسجل في 11 ديسمبر/كانون الأول 1347 إصابة يوميا فقط مقابل 1930 حالة شفاء و23 حالة وفاة.
مناعة القطيع
في ظل الانخفاض اللافت لأعداد الإصابات اليومية بفيروس كورونا، يقول المدير العام دائرة صحة الكرخ بالعاصمة بغداد الدكتور جاسب لطيف الحجامي إنه كان من المتوقع أن تنخفض أعداد الإصابات خلال الصيف الماضي، على اعتبار أن درجات الحرارة وصلت إلى 50 درجة مئوية، إلا أن ما حصل هو تسجيل العراق أكثر من 5 آلاف إصابة يوميا.
وعن انخفاض الإصابات حاليا، يعلق الحجامي أن دول العالم باتت تشهد ارتفاعا قياسيا في الإصابات، إلا أن العراق يشهد حالة معاكسة، إذ هناك انخفاض واضح بعدد الإصابات والوفيات، مما قد يشير إلى احتمالية حدوث مناعة القطيع (Herd Immunity).
وتقوم استراتيجية "مناعة القطيع" على فكرة أنه عند إصابة أكبر عدد ممكن من الناس بمرض معين مثل كورونا، فإن معظمهم سيتماثلون للشفاء ومن ثم ستكون لديهم مناعة ضد الفيروس، وهو الأمر الذي سيساعد على تحجيم المرض في النهاية.
ويعتقد الحجامي أن جملة من المعطيات أدت إلى هذه المناعة، حيث إن مسحا عشوائيا للمواطنين في جانب الكرخ من بغداد كشف عن انخفاض كبير في عدد الإصابات المسجلة مقابل زيادة بعدد الفحوصات اليومية، وأن 10% فقط من الخاضعين لفحص PCR تظهر نتائجهم موجبة.
ويضيف أنه ومن خلال فحص عشوائي آخر لكشف وجود الأجسام المضادة للفيروس "إمينوغلوبولين جي آي جي جي وإم آي جي إم (Immunoglobulin G IgG وImmunoglobulin M IgM تبين أن الحالات الموجبة ترواحت بين 40% و50% من عدد الفحوصات، مع الأخذ بالاعتبار أن العينة عشوائية ولم يسبق أن أبلغ الخاضعون للفحص عن إصابتهم بالفيروس.
وعن تفسير ذلك، يعتقد أن السبب يعزى لعدم التزام العراقيين بالإجراءات الوقائية، مما يعني تعرضهم لكميات معينة من الفيروس، الأمر الذي ولَّد أجساما مضادة لديهم شبيهة باللقاح، لافتا إلى أن كثيرا من الأطباء العاملين في ردهات العزل لمصابي الفيروس لم يصابوا أو كانت إصاباتهم طفيفة على خلاف بقية الأطباء (من تخصصات أخرى) الذين توفي العديد منهم نتيجة الفيروس.
ويضرب الحجامي مثالا آخر للوضع العراقي، فقد اتبع اقليم كردستان في بداية الجائحة فرض إجراءات إغلاق شديدة جدا مع إغلاق المطارات والعزل الصحي الشامل لأشهر، إلا أنه ومع رفع الإجراءات ازدادت حدة الإصابات، ثم بدأت تشهد مؤخرا انخفاضا تدريجيا، مما يشير إلى حدوث شيء من مناعة القطيع.
من جانبه، يعزز عميد كلية التقانات الطبية في جامعة الزهراء واستشاري الصحة العامة الدكتور حسن القزاز من طرح الحجامي، ليعلق أن معظم الدلالات تشير إلى أن العراقيين اكتسبوا مناعة القطيع.
وأعرب القزاز عن اعتقاده بأن هناك أعدادا هائلة من الإصابات لم يكشف عنها ولم تسجل لدى وزارة الصحة، مما يعني تكوين أجسام مضادة لدى الغالبية وحدوث مناعة القطيع.
ويعتقد الحجامي أن 1.5 مليون نسمة في جانب الكرخ من بغداد (من مجموع 3.75 ملايين نسمة) قد تولدت لديهم أجسام مضادة أو ما يسمى بمناعة القطيع، مما يفسر انخفاض أعداد الإصابات والوفيات على حد سواء، بحسبه.
أما في محافظة نينوى (شمالا)، فيؤكد المدير العام صحة نينوى الدكتور فلاح الطائي أن عدم التزام المواطنين بالإجراءات والأعراف المجتمعية في المخالطة أدى إلى انتشار الوباء بصورة كبيرة.
وأشار إلى أنه لا يستبعد أن ما بين 80% و85% من الموصليين أصيبوا بالفيروس، وبالتالي حصلوا على أجسام مضادة، مؤكدا أن مسحا عشوائيا أجري قبل أيام كشف عن إصابة 185 شخصا فقط من بين 3 آلاف أجريت لهم فحوصات PCR.
أسباب مجهولة
وعلى النقيض مما يؤكده مسؤولون وأطباء في أن العراق بات يتمتع بنوع من مناعة القطيع، يؤكد المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية سيف البدر أن وزارته متوجسة من حدوث طفرة في الإصابات، وأنها لا تستطيع تفسير انخفاض أعداد الإصابات بحدوث مناعة القطيع.
ويعزو البدر توجسه في أن فصل الشتاء لا يزال في بداياته، ولا توجد دراسة علمية معتبرة ودقيقة صادرة عن المعاهد الطبية العالمية تؤكد أن العراق حاز مناعة القطيع ضد فيروس كورونا.
وعن أسباب انخفاض أعداد الوفيات بالفيروس في البلاد، يعلق البدر أن للخبرة التراكمية وتطور البروتوكولات العلاجية التي تتبعها وزارته دورا كبيرا، مشيرا إلى أن انخفاض أعداد الإصابات والوفيات لا يعني تجاوز مرحلة الخطر.
أما علي العنبوري الخبير في الصحة العامة فيرى أن العراق من الدول النامية التي تفتقر لموثوقية الإحصائيات، مؤكدا أنها تعطي مؤشرات قد تخدم التوجه العام للمؤسسات الحكومية، ولا تعني بالضرورة تمثيلها للواقع، خاصة ما يتعلق بأعداد الفحوصات وأعداد المصابين والوفيات بفيروس كورونا.
العنبوري الذي يعمل أستاذا في كلية طب الكندي ببغداد أوضح أن لا أحد يستطيع إعطاء تحليل دقيق لسبب الانخفاض في أعداد الإصابات، خاصة أنها متناقضة مع ما يحدث في بقية دول العالم، بحسبه.
وعن مناعة القطيع، يرى أن العراق لم يصل لهذه المرحلة، خاصة من خلال مقارنة الواقع مع أعداد الإصابات المسجلة فقط، مستدلا على ذلك ببعض الدول التي سعت لمناعة القطيع وفشلت كالسويد التي باتت تسجل ارتفاعا كبيرا في الإصابات.
ويختتم العنبوري أن المؤسسات الصحية تفتقد لرؤية وتعامل علمي مع الجائحة، خاصة أن العراق شهد قبل أيام عودة الدوام في المدارس والجامعات، معبرا عن تخوفه من حدوث انتكاسة جديدة للإصابات بالفيروس.
ويقول المدير العام لدائرة الصحة العامة بوزارة الصحة العراقية رياض الحلفي -في حديث لإحدى وسائل الإعلام المحلية- إن التراجع في الإصابات قد يكون مؤقتا، مبينا أن وزارته لا تستطيع إعطاء تفسير لأسباب الانخفاض الملحوظ، وأن ذلك سابق لأوانه، بحسبه.
16 مليون جرعة
شرع العديد من الدول في استخدام اللقاحات لمواجهة فيروس كورونا، إذ تعد بريطانيا أول دولة رخصت واستخدمت لقاح فايز-بيونتك الثلاثاء الماضي، أما عراقيا فتؤكد وزارة الصحة أنها ماضية في التعاقد لشراء اللقاح.
وهو ما يؤكده الحلفي في أن العراق سيحصل على اللقاح المرتقب بما يغطي نسبة 20% من سكانه، وأنه سيكفي 8 ملايين نسمة بواقع جرعتين للشخص الواحد، مما يعني استيراد 16 مليون جرعة.
المصدر: الجزيرة