كانت ولاتزال المجتمعات العربية تتفاخر بإقتناء الأسلحة، بل لا تزال بعض القبائل العربية ـ حتى يومنا هذا ـ يعتبر التمنطق بالأسلحة التقليدية شكلاً من أشكال الكاريزما التي تميز أولئك الأفراد عن غيرهم.
وقد تغنى شعراء العرب بأنواع الأسلحة التي كانوا يستخدمونها في حلهم وترحالهم، وقد ظلت هذه الظاهرة ممتدة بإمتداد الأجيال، نعم ظهور الدولة القطرية في العصر الحديث ربما ساهم في حدة زخمها، حتى أصبح إستعمال هذه الآلات حصرياً بيد شريحة معينة من الناس وهم أفراد القوى الأمنية.
لكن بعض الظروف السياسية التي تعصف بالبلدان العربية ساهمت بشكل مباشر في إنتشار كميات هائلة من السلاح، ولم يعد حكراً على أفراد المؤسسة الأمنية.
ففي العراق ـ على سبيل المثال ـ كانت أحداث عام 2003 العامل الأبرز في تدفق كميات الأسلحة المتنوعة الى أيدي مختلف شرائح المجتمع، وصار الحصول على تلك الأسلحة وبالأخص منها الخفيف والمتوسط في منتهى اليسر والسهولة، فما على الفرد إلا أن يكلف أحد السماسرة المنتشرين وبكثرة بالحصول على قطعة السلاح التي يرغب بشرائها.
إيجابيات وسلبيات انتشار الأسلحة
حينما نريد أن ننقد ظاهرة معينة لا بد أن نكون موضوعيين في النقد ودراسة الظاهرة المعنية من كافة الزوايا، عند ذلك نحكم أنها إيجابية أو سلبية، وقد تكون في بعض الأحيان تحمل العنوانين معاً (الإيجاب والسلب) وهذا ما يمكن أن نستشفه من ظاهرة إنتشار السلاح.
أما الإيجابيات فالكل يعلم أن السلاح يكون وسيلة للدفاع عن النفس، فعلى سبيل المثال عندما أجتاح تنظيم داعش الأراضي العراقية عام 2014 هب العراقيون بأسلحتهم الشخصية للدفاع عن أرضهم، بل حتى بعض الخروقات الأمنية التي حدثت في بعض المحافظات كان لأسلحة العشائر دور بارز في التصدي لها كما حصل في ناحية القادسية التابعة لمحافظة النجف.
أما السلبيات
فلعل واقعنا اليومي شاهد على السلبيات والويلات التي جلبتها الأسلحة المنتشرة في عموم البلاد دون رادع قانوني، والأدهى من ذلك أن كلمة السلاح هي التي يكون لها الفصل في كثير من الخلافات سيما العشائرية منها، والتي يكاد يكون جنوب العراق مسرحاً لها.
لقد فقد المئات من أبناء تلك المناطق حياتهم بسبب النزاعات التي تكاد أن تكون يومية أو شبه يومية، ولأسباب تافهة تدعو للتهكم والسخرية، والشيء الملفت للنظر أن الأسلحة المنتشرة ربما تفتقدها حتى بعض القطع العسكرية، فليس الأمر مقتصراً على الأسلحة المتوسطة والخفيفة، بل كثير من الأحيان نلاحظ وجود أسلحة ثقيلة عند الأطراف القبلية المتخاصمة.
لعل الشواهد تشير الى وجود أيادي خفية كان لها دور كبير في إغراق الشارع العراقي بسيل كبير من مختلف الأسلحة، وأصابع الإتهام تشير الى جهات خارجية بالدرجة الأولى.
فعلى الرغم من أن القانون الخاص بحيازة الأسلحة النارية تحت الرقم 13 يمنع إقتناء أكثر من قطعة سلاح خفيفة لكل بيت، إلا إننا نجده أثراً بعد عين، إذ ما أن تحل مناسبة من المناسبات إلا وتتحول كثير من البيوت الى ما يشبه المشجب، ويقوم المحتفلون بإطلاق الأعيرة في الهواء، وكم من شخص فقد حياته جراء هذا الفعل المخالف للشرع والقانون، بل ومخالف حتى للذوق العام، فالمفروض أن السلوك في الحواضر المدنية يختلف عنه في القرى والأرياف، إلا إن الكثيرين لا يتقبل هذه الحقيقة.
وعلى الرغم من أن المرجعية قد حرمت هذا الفعل، إلا إنه لم يبقَ حكراً على المتنازعين بل تسرب وبشكل ملفت الى الجمهور الرياضي الذي يعبر عن إبتهاجه وفرحه بإنتصار المنتخب الوطني بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء، ولاأخفيكم أن كثيراً ممن يكرهون هذه الظاهرة طالما تمنى خسارة المنتخب، لأن فوزه له عواقب وخيمة لا تحمد عقباها.
وأخيراً ينبغي لنا اتخاذ وقفة جادة لمحاربة هذه الأفعال التي أثرت سلباً على الفرد والمجتمع، والتصدي لمروجي هذه الظاهرة ومحاسبة من يقف خلفها.