بوسعنا ان نطرح اشكالية السينما والشريعة الاسلامية في مضامين ثلاثة:
الاول: تشكل السينما واحدة من اهم الاشكال الفنية وأكثرها رقيا في عصرنا الحالي, من حيث تصوير الانسان والمجتمع وعكس مشاكله وارهاصاته بلون فني متميز.
الثاني: السينما في ماهيتها عبارة عن صور متتابعة تسرد من خلالها القصة المعبرة عن الحدث الذي يعكس الواقع الحياتي المعاش بما فيه من مشاهد الام التي تستقبل ابنها المسافر بعناق حار والمرأة التي تجلس مع زوجها في البيت من دون الحجاب وغير ذلك،
ناهيك عن نمط آخر من القصص كامرأة سيئة السمعة وغير ذلك بما يتطلبه تجسيد القصة من عرض صوري لهذه التفاصيل.
ثالثا: الشريعة الاسلامية تتقاطع مع مثل هذه التفاصيل, فهؤلاء جميعا ممثلون, وقضية التمثيل لا ينفي انهم اغراب يخضعون للتشريع الفقهي القاضي بحرمة مس المراة للرجل الاجنبي ولا يحق لها السفور والتبرج.
بالإضافة الى نقطة اخرى وهي ان متبني السينما قد يعتمدون في التعبير السينمائي على لغة الجسد او استخدام رموز دلالية فنية تتطلب مشاهد منافية للحياء. وعلى سبيل التوضيح يستخدم الكاتب السينمائي امرأة ما كرمز للطبقة المسحوقة ويعرّضها للاعتداء الجسدي كدلالة على الاعتداء والاستباحة التي تتعرض لها الطبقة المسحوقة, ولما كانت مثل هذه الاستخدامات تمثل مطاليب للتعبير الفني في اللغة السينمائية فقد انتج ذلك واحدا من نظرتين للشريعة الاسلامية بهذا الخصوص, فإما ان التشريع الديني يمثل جمودا وتخلفا وانطفاء في مضامين الحياة خاصة ان الفن السينمائي يملك موقعا مهما في مكونات التقدم الحضاري اليوم, أو انه مادة عمياء لا يأبه للتعبير الجمالي الفني وعليه فإن للفنان فنه وللمشرع تشريعه كل يعيش مجاله الخاص.
وفي معرض الجواب فإن:
1. الشريعة حين منعت المشاهدة الساخنة والعري وغيرها انما اعتمدت في ذلك على الثابت الاخلاقي الذي جعلته من اهم سبل الحفاظ على المجتمع وهذه النقطة تمت مناقشتها في موضوع الفن والأخلاق، الذي سبق أن نشر على موقع الأئمة الإثني عشر.
2. ان ما يعبّر عنه بالمطلب الفني لا يمثل مفهوما ثابتا بل هو متغير من خلال ارتباطه بالثابت الاخلاقي المتغير من مجتمع لآخر. ففي مطلب لتعبير فني مثل ظهور فتاة عارية نجد ان العائلة الفرنسية ـ مثلاـ قد تتقبل مشهد المرأة العارية وتعده من متطلبات التعبير الفني اعتمادا على ثابتها الاخلاقي الذي يسمح بذلك, وعليه فإننا نرى السينمائي الغربي يتعامل بتلقائية مع عرض هكذا مشاهد. في حين ان مشهد المرأة العارية غير مقبول في مجتمع كالمجتمع المصري فيّعد هكذا مشهد خرقا لثابتها الاخلاقي والسينمائي المصري يستبدل مشهد المراة العارية بمشهد يتصف بشيء من الحشمة ـ مثل اظهار جزء من جسدها ـ لنفس الدلالة التي عبّر عنها السينمائي الفرنسي بالفتاة العارية, وفي مجتمع ذي ثابت اخلاقي اكثر تشددا نجد ان السينمائي يعبر عن الفتاة العارية بشكل اكثر حشمة بعد ان يعد اظهار الجزء من الجسد خرقا للأخلاق. مما يعني ان ما يسمى بمطلب التعبير الفني هو مفهوم غير ثابت سرعان ما يسمى بخرق لحدود الاخلاق بتغير المجتمع, وعليه فإننا في حالة إيجاد مجتمع اسلامي يتعاطى الحدود الاسلامية ويتخلق بأخلاقها فإن كل ما يتجاوز حدود التشريع سيعدّ حينها خرقا للأخلاق وليس مطلبا للتعبير الفني.
3. في المجتمع الاسلامي سيتفهم ابناؤه الاجراءات الفقهية التي تتخذ مثل تواجد المرأة في المشهد السينمائي في بيتها ومع زوجها بالحجاب.
4. لا يمثل التعري والاغتصاب وغير ذلك الوسائل الوحيدة للتعبير الفني كرموز للموضوعات الحياتية, حيث يمكن التعبير عن الآم طبقة المسحوقين بشاب يتعرض للتعذيب الوحشي.
5. استخدام مشاهد الجنس والعري كوسيلة ناضجة في التعبير الفني هو كذبة صلعاء, فإن نسبة 95% من تلك المشاهد يتم لحسابات تجارية محضة, حيث تستخدم الممثلة اعتمادا على جمالها والكاتب السينمائي يجر القصة جرا الى الماخور وما يدور فيه من وصلات راقصة او الى بلاج البحر. كل ذلك في سبيل الزيادة في الايراد لا غير.
6. كم من اعمال سينمائية خالية من كل ما يمس الشريعة والاخلاق قد احتلت القمة من حيث النضج والابداع, واعمال اخرى حاوية على ذلك المساس لا تعدو كونها اعمال ضحلة خالية من اي قيمة فنية.
7. بوسعنا ان نعتمد السينما الايرانية التي حققت نجاحا عالميا من دون التفريط بثوابت التشريع الاسلامي كدليل ناهض على امكانية قيام سينما ناجحة ومعبرة في حدود التشريع الإسلامي.
ثم ان السينما فيما تتغافله من حدود الشريعة مدانة في حق المجتمع الانساني في:
أ\ خلق حالة البطل غير الواقعي مما يدفع بابناء المجتمع سيما المراهقين الى محاولة الاندفاع نحو التشبه به مما يخلق حالة من الخلل النفسي الناجم عن فشل المحاولة.
ب\ الخلل في العلاقة بين الجنسين وربما ادى ذلك الى الطلاق من خلال, خلق حالة من الرومانسية في العلاقة بين الجنسين وقصص الحب مما يحفز المشاهدين الى مستوى اعلى من الممكن فلا يكون المستوى الذي يتعاطونه في الواقع كافيا للإشباع, كما يخلق مستوى الجمال العالي المتجسد بنجمات السينما المنتقاة على اساس الجمال ويخضعن لعميات مكياج وتجميل مكثفة قبل الظهور على الشاشة, الى فتور في تقبل الرجال لمستوى الجمال العادي بالاضافة الى قصص الحب الملوثة بالعلاقات غير الشرعية وخير مثال المسلسلات المدبلجة التي كان لها تأثيرها في ازدحام اروقة المحاكم بمشاكل الزواج ودعاوى الطلاق, بشهادة اخصائيين اجتماعيين
ج ـ ما تشكله, افلام الرعب والعنف والتي تندفع الجهات المصنعة للسينما في ضخ اعداد كبيرة منها, من عامل مهم في خلق مجرمين وذوي الجنح بسبب التأثر بها ومحاولة محاكاتها سيما المراهقين.