الخلافة الاموية قامت ـ فيما يتعلق بالواجهة الايدلوجية التي تضفي الشرعية على قيام دولتها ونظامها الحاكم ـ على اساس من فكرة الحق الالهي، فالارادة الالهية مطلقة تفعل ما تشاء ومن مظاهر انبساطها هي ان تقدّر ما تشاء من حكام على الرعية بمعزل عن مسألة الصلاح والفساد.
اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام
أي ان كل من اعتلى سدة الحكم ـ صالحا أم طالحا ـ اعتلاها بمشيئة الله، أي الله من جعله على رقاب الناس، إن صالحا فنعمة من الله وإن طالحا فاختبار وامتحان وفي كلاهما لا يجوز التمرد والثورة عليه لأنها ثورة ورفض لمشيئة الله وارادته.
فكانت ثورة الطف الاداة الفاعلة لتهديم هذه الشرعية من الجذور وإلفات نظر الناس الى بطلانها والى ضرورة الثورة على كل مظاهر الانحراف والفساد. فيما اعتمدت الخلافة العباسية على طرح آخر لنفس الغرض وهو إضفاء الشرعية على جهازها الحاكم وتوليه الخلافة، وهذا الطرح قائم على مسألة القرابة، فالأقرب الى رسول الله ص نسبا هو الاحق بالخلافة ولما كان العباسيون هم الاقرب بما يربطهم بالنبي (ص) من كونهم ابناء عمه، فهم الأحق والخلافة حقهم الشرعي، وهذا ما حطمه الامام الكاظم (ع) في موقف سجله التاريخ حيث وقف هارون الرشيد امام قبر النبي الاكرم (ص) وقال "السلام عليك يابن العم" لغرض إسماع الناس بما بينه وبين النبي من قربى يختص العباسيون بها، وهنا جاء قول الامام الكاظم (ع) ليزلزل ذلك البنيان حيث قال بعد انتهاء الرشيد من قوله وامام الملأ الذي حرص الرشيد على إسماعه. قال "السلام عليك يا أبه". وهناك يكون الامام الكاظم (ع) قد خاطب الرشيد والعباسيين والمجتمع الاسلامي في وقته وعموم الامة الاسلامية على مر اجيالها، بأنه على نفس ما يعتمده العباسيون من تبرير احقيتهم يكون هو الأحق. ولهذا سجنه الرشيد، وقد جرّ الرشيد على نفسه بسجن الامام الكاظم (ع) أيما وبال، لما كان يتمتع به الامام من شهرة ومكانة اجتماعية كبيرة، فواجه الرشيد بهذا تساؤلا ملحا من العامة عن سبب سجنه لرجل لم تبدر منه بادرة في منازعة الرشيد السلطان ولا يشغله غير العبادة وفعل الخير والاحسان ومساعدة الناس.
وهنا كانت ورطة الرشيد، إن لم يرد على تساؤلهم ظهر بمظهر الحاكم الظالم الجائر الذي يسجن شخصا كالكاظم (ع) بدون سبب وهو في الوقت نفسه لايقدر ان يبيّن لهم السبب الحقيقي حيث تتهاوى شرعية خلافته، لهذا عمدّ الى التشديد على الامام وجعله في معاناة لا تحتمل في السجون والطوامير أملا في ان يلتمس الامام العفو من الرشيد فتتهاوى مكانته الاجتماعية الفذة وتضمحل هيبته.
وقد ظل يعرض عليه ذلك، وهنا يأتي دور الامام الكاظم (ع) الريادي حيث رفض وبشكل قاطع ان يطلب صفحا او عفوا من الرشيد ليظل تساؤل العامة عن سبب سجنه زلزالا يهز العرش العباسي. ولما آيس الرشيد من استجابة الامام الكاظم ع لطلب العفو عمد الى سمّه.