نور الأسدي
عندما يبدأ الطفل المشي ويصبح قادرًا على الكلام، تبدو الـ«لا» كلمته المفضلة التي يعبّر من خلالها عن معارضته لوالدته، وعدم رغبته في الانصياع لها، يريد أن يقول «في استطاعتي تدبر أمري».
اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام
وحين يدخل المدرسة تكثر لائحة الاعتراضات والتمرّد على قوانين المنزل، فهو لا يريد أن ينام في الوقت الذي حددته والدته، أو يرتدي الملابس التي اختارتها.. وفي مرحلة المراهقة يتمرّد على بعض قوانين العائلة وتقاليدها، ولا يريد أن يكون على صورة والديه، بل يريد أن يشكل هويته الخاصة.. فيتمرّد.
بداية، يمكن تعريف التمرّد بأنه مجموعة من أنماط السلوك الاجتماعي الموجَّه إلى أشكال السلطة المختلفة ومظاهر النفوذ، للخروج عليها وإعادة بنائها.
وبالرجوع إلى المعجم نجد أن تفسير «ولد متمرد» يشير إلى ولد عنيد، وتفسير «تمرد على أهله» معناه عصاهم وتجاوز طاعتهم. ويمكن القول إن التمرّد عند الطفل يأخذ مظهر المعارضة، فهو يعارض الراشدين تلقائيًا، ويدرك أنه لا يريد الخضوع لوالديه، ويبتزّهما باستعمال كلمة «لا» كي يعبّر عما يشعر به.
ومراحل المعارضة هذه مرهقة بالنسبة إلى الوالدين، ولكنها ضرورية للطفل، فمن خلالها يبني شخصيته. وتظهر مرحلة المعارضة هذه خلال مراحل التعليم الكبرى مثل المشي والنظافة، وكلما تعلّم الطفل تدبر أموره وحده، صعبت السيطرة على رغبته في حرية التصرف، فهو يريد اكتشاف العالم، وممنوعات أهله تعيقه عن التحرك كما يريد.
وفي المقابل، فإن المعارضة بالنسبة إلى الطفل وسيلة للتكيف خلال مرحلة الانقلابات الكبرى، لا سيّما مع مجيء شقيق صغير أو الانتقال من منزل إلى آخر.
إذًا، الطفل يتمرّد أو يعارض لإثبات نفسه والتأثير في الآخرين، ويلجأ إلى التمرّد في حال الغيرة من أطفال آخرين، وفي حال اتباع الأهل أسلوب الضرب لمعاقبته، فإن الطفل يتمرد ويتحداهم أكثر فأكثر... الخ.
والملاحظ أن غالبية الأطفال المتمرّدين بمعنى المعارضين يكونون في قمة الذكاء. لذا ينصح الأهل بمحاولة استثمار ذكاء طفلهم وتوجيهه إلى الطريق الصحيح.
حالات التمرد
في تقرير نشرته مجلة "كون ميس إيخوس" الإسبانية، قالت الكاتبة أنا راو إن ولادة أخ جديد يمكن أن تولد مشاعر الغيرة لدى الطفل، كما أن انفصال الوالدين قد يسبب شعورًا بعدم الأمان والحاجة للحب أو الحماية. وفي كلتا الحالتين، يمكن أن تكون ردود الطفل عدوانية وغير مناسبة لأنه يحتاج للدفاع عن نفسه.
وأحيانا قد يتصرف الطفل بغرابة ويكون سريع الانفعال قبل تغيير المدرسة أو المنزل أو المدينة. وفي غالب الأمر، لا يربط الوالدان هذا السلوك بالحدث نفسه، لأنهما يعتقدان أن الانتقال إلى منزل جديد ومنحه غرفة أكبر سيكون أفضل بالنسبة له، وينسون مشاعره إلى حد ما دون إدراك علاقة الطفل الوطيدة بمدرسته أو منزله القديم أو المدينة السابقة.
كما أن الخلافات بين الوالدين -فيما يتعلق بالتعليم والتنصل من المسؤولية وعدم وضع حدود واضحة- من المحتمل أن تجعل الطفل يشعر بالارتباك أو تؤدي إلى أن تكون ردود أفعاله عنيفة.
- هناك العديد من الأسباب الكامنة وراء عدم استماع الطفل إلى ما ينهاه والداه عنه، لذلك على الوالدين فهم هذه الأسباب حتى يتمكنا من معرفة طرق التعامل مع طفلهما المتمرد.
فرض النفس
قد يتعمد الطفل إظهار تمرده بهدف اختبار مدى قوته، ورغبة منه في اكتشاف العالم الذي يمنعه أهله من اكتشافه، ولذلك يقوم بانتهاك قواعد والديه. علاوة على ذلك، قد يقوم الطفل بعكس ما أُمر به؛ حتى يكتشف إلى أي مدى من الممكن أن يغفر والداه له أخطاءه ومخالفته أوامرهما.
الاحتجاج
في الحقيقة، وحسب بعض الخبراء، فإن العدد اللامتناهي من القواعد والأوامر المفروضة على الطفل، من شأنها أن تؤدي بالضرورة إلى تمرده.
جذب الانتباه
على العموم، إن انشغال الأم الدائم حتى عند وجودها في المنزل، من شأنه أن يولد لدى الطفل شعوراً بأنه ليس مهماً على الإطلاق بالنسبة لها. ونتيجة لذلك، قد يسعى الطفل في البداية إلى جذب انتباهها بأساليب بسيطة على غرار الحديث أو المزاح أو الضحك.
وفي المقابل، وفي مرحلة متقدمة من إحساسه باللامبالاة من قِبل أمه، يلجأ الطفل إلى التمرد على أوامرها؛ حتى تهتم به أكثر وتكرس له المزيد من الوقت.
وأهم مظاهر التمرد لدى الطفل؛ الصراخ والبكاء في الأماكن العامة، ما قد يسبب حالة من الإحراج للأم أو الأب أمام الآخرين. وفي مثل هذه المواقف قد يشعر الوالدان بالعجز والخوف من تصرفات أطفالهما ومن نظرات الأشخاص من حولهما والحديث الذي يتهامسان به.
ماذا تفعلين عندما يكون رد طفلك غير مناسب؟
1- البقاء على الهامش وعدم التفاعل بغضب تجاه غضب طفلك.
2- تذكيره بأنك تهتمين به وأن هذا السلوك غير مناسب، بقول "أنا أحبك كثيرًا، لكني لا أحب الطريقة التي تجيبني بها". يمكن أيضًا استخدام روح الدعابة "حسنًا، ما الذي تقوله، ما الذي تتحدث عنه؟".
3- شرح ما تتوقعينه منه "يمكن القول إنك غاضبة دون أن تجيبي بهذه الطريقة".
4- منحه بعض الوقت للتفكير "فكري قليلاً قبل الاستمرار بقول هذه الأشياء". إذا شعرت بالانزعاج، فيجب تخصيص بعض الوقت للتفكير بهدوء والسيطرة على الموقف.
5- وضع بعض القواعد الأساسية لحل مشكلة الردود السيئة "لنتحدث الآن عما حدث قبل قليل، ما الذي يمكن فعله كي لا يتكرر هذا مرة أخرى؟".
كيف نعالج مشكلة التمرد:
1- عندما يطلب الطفل شيئا بطرق سيئة، لا ينبغي تحقيق رغباته مهما صرخ حتى يعيد طلبها بشكل مناسب.
وأحيانا، يشعر الطفل بالضياع ويكون بحاجة للتوجيه بطرق بسيطة للغاية، ويمكن أن نعلمه قيمة احترام الآخرين والآراء المخالفة من خلال قصص نخترعها بأنفسنا. وبهذه الطريقة، نضمن اكتساب طفلنا المرونة والتسامح في كل المراحل العمرية.
2- عندما تكون ردود فعلنا سيئة، وعندما يفعل الطفل شيئا يخالف توقعاتنا، فإنه سيقلدنا. لذلك يجب أن نتجنب إرباك الطفل بالرسائل المتناقضة، فالردود السيئة تظل سيئة سواء كانت صادرة عن الوالدين أو الطفل.
3- إذا بدر عن الطفل سلوك سيئ في مكان عام، لا تكترث ولكن عندما تصل المنزل تحدث معه بشكل خاص وواجه المشكلة بهدوء وحاول الاتفاق معه على قواعد السلوك.
4- من الطرق الجيدة للقضاء على الردود العنيفة، خاصة إذا استمرت لفترة، الثناء على الطفل كل مرة يتصرف فيها بطريقة جيدة.
5- استغلال فترات الانسجام معهم، والتنبيه عليهم بأسلوب فيه هدوء ومحبة بألا يفعلوا التمرد أو العناد عند رفض طلبهم، ووضع قواعد للنظام داخل البيت أو عند التنزه.
6- الحوار معهم عن إمكانيات الأسرة، وأن هناك أمورًا أولى بالاهتمام من أمور أخرى.
7- محاولة دمجهم في ألعاب رياضية؛ فيمكن من خلالها تفريغ عنادهم وتمردهم في اللعب من باب التحدي.
8- تخصيص أوقات لمعرفة طلباتهم وتطلعاتهم والاستماع إلى مشاكلهم، ومدح بعض الأمور الإيجابية وتشجيعهم على فعل المزيد من الإيجابيات.
9- لابد من إفهام الأطفال أن أي اختلافات معهم مرجعها إلى أفكارهم وتصرفاتهم وليس إلى ذاتهم أو شخصهم.
10- الاهتمام المستمر بكل أطفالكم دون تفرقة ظاهرة بين أحدهم والآخر، ولكن ليس بصورة فيها تدليل.
*نقلاً عن "بشرى"