يرى البعض ان الاسلام لايتجاوز حدود الدين الذي ينظم علاقة الانسان بربه إضافة الى جملة من الوصايا الاخلاقية، وبمعنى ادق، ان النبي محمد صلى الله عليه وآله لم يحمل ضمن مشروعه الرسالي تخطيطا لدولة تعنى بالجانب الحياتي للإنسان، فيما يرى بعض آخر ان للإسلام دولة، وهؤلاء ينقسمون الى: طرف سني يعتقد ان تلك الدولة قد تمثلت بما كان عليه المسلمون ايام الخلفاء الراشدين بل عموم ما يسميه بالسلف الصالح وان ضياع دولة الاسلام ناجم عن انحراف المسلمين عن نهج ذلك السلف، وطرف شيعي يعتقد في ان قيام دولة الاسلام كان رهنا بتصدي علي عليه السلام للخلافة وقد حالت مؤامرة السقيفة دون ذلك، ولولا تلك المؤامرة الدنيئة لكان العالم اليوم ينعم بظل الدولة الاسلامية الفاضلة. بالاضافة الى بعضٍ يعتقد في امكانية قيام دولة الاسلام عن طريق خلق منظومة فكرية اسلامية تشمل جوانب المعرفة والعلوم التي تحتاجها الدولة لقيامها كالاقتصاد والاجتماع والسياسة وغيرها وكأن تلك المنظومة الفكرية هي الجزء المفقود في مسيرة المسلمين نحو دولتهم المنشودة.
وهذا كله كلام لاصحة له..
سأشرع في سرد ما اريد بيانه، بمثال بسيط يتناول نقطة حيوية لها دورها الاساس في المجتمع الانساني... كمفكرين، هل نضع المرأة داخل المنزل لتمارس فيه دورها بشكل أساس، ام خارجه لتعمل وتنتج إسوة بالرجل؟
الخيار الاول يتلاءم مع طبيعة المراة كونها ذات بنية جسدية أضعف من الرجل وذات عاطفة ارق وذات انوثة وقدرة على تربية الاطفال وبث الحنان فيهم وبالتالي تتشكل من خلالها العائلة وتتماسك.
واما الخيار الثاني فالعمل خارج المنزل هو اجهاد اضافي لها وهي غير مهيئة له وذلك لبنيتها الاضعف وما يعتريها بشكل شهري من اضطرابات بيلوجية ونفسية بالاضافة الى الحمل والولادة والعناية بالاطفال مع نقطة اهم وهي مايعنيه عملها خارج المنزل من تهديد لتماسك العائلة اللبنة الاساسية في المجتمع، وعليه فإننا ـ في حدود التنظير ـ سنقر الخيار الاول بلا شك، وهذا مافعلته الشريعة الاسلامية، ولكننا في ـ في اطار الواقع ـ نجد ان الخيار الاول، بما يستلزمه من تبعية اقتصادية من قبل المرأة للرجل، يؤدي ـ تلقائيا ـ الى قيام الرجل باضطهاد المراة[1] ، فنكون هنا إزاء نوعين من التنظير: الاول تنظير التنظير الذي يقر الخيار الاول والاخر تنظير الواقع الذي يقرّ الخيار الثاني، الاول يستمد صوابه من المنطق فيما يستمد الاخر ضرورته من الواقع، فالمرأة لن تضع يدها على خدها تتأمل وسامة التنظير الاول الذي لايعدو عن كونه صورة جميلة لاتمنع عنها اضهاد الرجل.
الاسلام في تشريعه يقرر ان انفاق الرجل على المراة هو ليس تكرما بل واجب وان المراة لها كيان محترم وليس عليها ان تقوم باعمال المنزل ولاتجبر على الزواج وووو، ولكن ـ رغم هذا ـ يبقى الواقع المعاش هو ان التبعية الاقتصادية تنتج اضطهادا من قبل الرجل للمراة، سواء في المجتمعات الاسلامية أوغير الإسلامية.
نصل من هذا الى نتيجة وهي ان الاسلام منظومة مثالية تحتاج ـ بشكل أساس ـ الى دور الفرد كي ينزلها الى الواقع، وعليه فإن فهم الالية التي تقوم عليها الدولة الاسلامية على انها تولّي قيادة اسلامية للدولة تمسك براس الهرم وتسيّر الدولة على ضوء التشريع الاسلامي هو فهم لاقيمة له، ان الدولة الاسلامية تعني المجتمع الاسلامي وهذا الاخير لايتكون إلا من خلال تكثر الافراد المسلمين ـ على عموم مستويات الهرم من الراس الى القاعدة ـ والذين يقومون بتنزيل التنظير الى مستوى الواقع[2].
إن عليا عليه السلام، بما يمثله من كونه القيادة الاسلامية الصحيحة، لم ينتصر عليه معاوية في حرب سياسية او عسكرية بل هو الفرد الذي اراده علي عليه السلام انسانا يتسامى بإنسانيته ويعلو في كونه كائنا حرا يرتقى الى مثالية التنظير الاسلامي ولكنه أبى إلا ان يلهث كالكلب وراء دراهم معاوية المعدودة، لقد كانت حكومة الامام علي عليه السلام الاسلامية قائمة على أساس من تقاسم الادوار بينه وبين الفرد فالإمام عليه السلام ضمين له بالعدل والحرية والمساواة وما يضمن حقوقه وفي قبالة هذا كان على الفرد ان يؤدي دوره بشكل صحيح، إن عليا عليه السلام كحاكم مثالي ألزم نفسه ان يعطي للفرد حرية التعبير عن رأيه حتى وان انتقد الحاكم وكان على الفرد ان يستغل هذا لما يصب في المصلحة العامة ولكن الفرد جعل تلك الحرية وسيلة لنشر الفوضى والاساءة للمجتمع، والخوارج الذين بيّن علي عليه السلام موقفه إزاءهم بأن اعتبرهم طائفة لهم افكارهم ولم يحاربهم إلا حين صاروا قوة تعتدي على المواطنين خير مثال ...
وأخلص من هذا الى ان الحكومة الاسلامية إما ان تكون كحكومة علي عليه السلام تلتزم حدود المثال وتنتظر استجابة الفرد او لن تكون، لأن أي تجاوز من المرء لما ألزم به علي عليه نفسه هو خروجه عن كونه اسلاميا، واذا ما انتفت الاسلاميّة عن المرء انتفت بالضرورة عن الحكومة التي يقيمها.
وللحديث تتمة...
[1]ان 70% من اضطهاد الرجل للمراة في مجتمعاتنا الاسلامية ناتنج عن هذه التبعية
[2] يتوضح ذلك بصورة اكثر في موضوع دور العوامل التاريخية في السلوك