تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»
عامل مهم في قلّة الإقبال على الزواج
لقد خرجت الحياة الاجتماعية المعاصرة في أغلب مواقعها عن هيئة الحياة الطبيعية السليمة، ويتمثّل أحد نماذج تلك المواقع بالانخفاض الكبير في نسبة الزواج واقبال الشباب على الحياة غير الطبيعية للعزوبة.
اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام
لقد ذكرنا سابقاً أن انخفاض نسبة الزواج واتساع رقعة العزوبة - بغض النظر عن الآثار السيئة التي يتركها على النسل - يعتبر مأساة كبرى بالنسبة للمجتمعات البشرية من حيث ايجاد نوع من الحياة التي تقوم على أساس عدم الشعور بالمسؤولية وقطع الأواصر الاجتماعية وعدم الاكتراث للحوادث التي غالباً ما تشكّل العناصر الطبيعية في حياة العزّاب.
وستتضح بشاعة هذه المأساة أكثر فأكثر إذا أضفنا إليها الانحرافات الأخلاقية التي تلحق بهؤلاء الأفراد بفعل تلك الحياة، وسنتابع الآن - برفقة القرّاء الأعزاء - العوامل الرئيسية لهذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة. لا شك ان هذه الوضع القلق ليس معلولا لعلة أو علتين، لكن من المسلّم أن هناك بعض العوامل التي تلفت النظر أكثر من غيرها، ومنها قضية «اتساع دائرة العلاقات اللامشروعة»، وذلك لنّ سهولة اقامة مثل هذه العلاقة، فقد أصبحت المرأة كائناً مبتذلا وضيعاً في نظر أغلب الشباب، بل قد يحصل عليها أحياناً بالمجان، وعليه فقد فقدت قيمتها وأهميتها وانسانيتها التي كانت تملكها سابقاً، والتي كانت تضطر المقابل للتضحية بالغالي والنفيس من اجل الوصول إليها، فلم تعد ذلك الموجود الغالي واللطيف الذي يستهوي الشباب ويشد أنظارهم إليه، وقد كان للعري والخلاعة الدور الواضح في هذا الابتذال والحطّ من شأنها، ونتيجة لما تقدّم لم يعد هنالك من أثر في مجتمعاتنا الماضية، والذي كان يشكل لبنة الحياة الزوجية الوطيدة، ولا عجب فالإنسان انما يعشق شيئاً إذا كان صعب المنال، وبخلافه فمن العبث أن يعشق شيئاً مبتذلا تافهاً يمكنه الحصول عليه بالمجان.
من جانب آخر فان أغلب الأفراد الطائشين يعتقدون بعدم جدوى الارتباط بالمرأة لأجل الزواج بعد تحمل ما لا يحصى من الشروط والمسؤوليات، في حين يستطيعون الحصول على المزيد من النساء دون تحمّل عناء أي من الشروط والمسؤوليات، ولذلك ترى أغلب هؤلاء الأفراد - الذين لا يدركون العواقب الوخيمة للتفسّخ الجنسي والتحلل الأخلاقي - وكونهم ينظرون الى الزواج والمرأة من خلال اِشباع الغريزة الجنسية، لا يرون في الزواج وتحمّل هذه الشروط والمسؤوليات إلاّ حماقة، وبالاستناد الى هذه الحقائق يتّضح لدينا مدى تأثير (سهولة اقامة العلاقات اللامشروعة) على انخفاض نسبة الزواج، ولذلك نلاحظ انخفاض هذه النسبة يتضاعف أضعاف كثيرة في المجتمعات الغربية بفعل الحريات التي تدعو الى التحلل والتفسّخ والانحراف الجنسي، فاذا ما وقع زواج فانه يقع في سن متقدمة، ناهيك عن كون هذا الزواج على درجة من الضعف والوهن بحيث أنّ بعض الذرائع التافهة والمضحكة أحياناً قد تستأصله من الجذور.
ضحايا هذه الروابط الفاسدة
إضافة الى ما تقدّم فإننا نرى على الدوام دور البغاء والدعارة في المجتمعات التي تفضّل حياة العزوبة على الزواج وهذه المراكز تعتبر هي الاُخرى من العوامل المهمة في الحدّ من نسبة الزواج وتصدع كيان الاُسرة، ومما لاشكّ فيه أن وجود هذه المراكز الموبوءة في هذه المجتمعات انما تكشف بوضوح عن مرضها وعدم سلامتها.
جدير بالذكر أنّ قضية الفحشاء ومراكز الدعارة لا ينبغي أن تبحث من زاوية كونها مركز لمضاعفة حجم الفساد الأخلاقي ونشر أنواع الميكروبات الجسمية والروحية، إلى جانب كونها تساعد على انخفاض الإقبال على الزواج والاتجاه نحو حياة العزوبة - وان كانت هذه الاُمور جديرة بالبحث والتأمّل - فحسب، بل إضافة لذلك لابدّ من اخضاعها للدراسة من خلال زاوية النساء الفاحشات اللاتي يراودن تلك المراكز ويبعن فيها أنفسهن.
ويعترف الباحثون والمحققون المتخصصون في هذا الأمر بأن وضع هذه النسوة يمثل أبشع وأفجع أنواع الرقّ والعبودية التي شهدتها القرون الوسطى، نساء طريدات، بلا مأوى وضعيفات بمعنى الكلمة، وغارقات في مستنقع من الديون، يحترقن ليل نهار كالشمعة ليضيئن مجالس الهوى واللذة ويشبعن شهوة هذا المنحرف وذاك، وعاقبة أمرهن أنهن سيودعن هذه الحياة في تلك الدهاليز بأبشع وأتعس حال، حتى أنّهن قد لا يظفرن أحياناً بمن يحمل أجسادهن ليواريهن الثرى.
فأي ضمير يسمح بوجود مثل هؤلاء العبيد الضعاف في صفوف هذا المجتمع - وفي هذا العصر الذي يفتخر بأنّه عصر إلغاء الرقّ والعبوديّة - دون أن يتقدم أحد ليضع عنهم اِصرهنّ والأغلال التي تطوقهنّ؟!
وهنا لا ينبغي أن ننسى بأنّ هذه العبودية المؤلمة التي أقرت رسمياً - للأسف - من قِبل أغلب المجتمعات المعاصرة إنّما هي الوليدة الطبيعية لتلك العلاقات اللامشروعة، فأغلب النساء اللواتي يسبحن في وحل هذا المستنقع العفن هنّ ضحايا تلك العلاقات اللامشروعة، وقد انجرفن تدريجياً إلى هذه المراكز الساقطة.
لا شك أن سيرة بعض هذه النساء التي تناولتها بعض الكتب، إنّما تعتبر وصمة عار في جبين المجتمعات التي يصطلح عليها بالمجتمعات المتحضرة، ومما يؤسف له أنّ مثل هذا الموضوع لم يمنح الأهمية المطلوبة، وبناءً على ما تقدم ومن أجل عدم تصدّع الاُسرة والحيلولة دون السقوط وانخفاض الزواج وبغية تحرير هؤلاء العبيد، لابدّ من وضع حد لهذه الحريات الجنسية الطائشة والعلاقات الشاذّة وهو الأمر الذي يتطلّب خطة وبرنامجاً صحيحاً.
وهنا ينبغي للاُخوة الشباب وعلى ضوء الحقائق المذكورة أن يكونوا أكثر مراقبة لأنفسهم وزملائهم والاّ يقيموا وزناً لأساليب الخداع والاغراء التي تهدف الى ايقاعهم في مصائد الفحشاء والمنكر، وليقف الأفراد الذين يحاولون التخفيف من قبح هذه المراكز وكونها ضرورة اجتماعية، بغية الحفاظ على سلامة الشباب انهم على خطأ كبير، وهل يمكن تصوّر نشر دور الدعارة والفساد من شأنه أن يسهم في الحدّ من الانحراف والفساد، وهل للفساد أن يكون ضرورة اجتماعية؟! أم أنّ التردد على مراكز الفساد ضرورة صحية؟!