تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»
اتفقت جمع الأديان والمجتمعات والأعراف على اطاعة الوالدين والإحسان إليهما، فقد أوصى الله سبحانه وتعالى ونبيه الكريم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم ببر الوالدين وحسن معاملتهما والدعاء لهما، وقد أمر سبحانه بالإحسان إلى الوالدين وقرن هذا الأمر بعبادته ليدلل على عظمته ومكانته، حيث قال تعالى في كتابه الحكيم: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).
والآيات القرآنية التي تحث على اطاعة الوالدين كثيرة وواضحة جدا. وقد حث الرسول عليه الصلاة والسلام على برّ الوالدين في أحاديث عديدة، وبيّن فضل برّ الوالدين كفضل الجهاد في سبيل الله، وبيّن أنّها من أعظم الطاعات.
بالرغم من هذه التوصيات الكثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية إلا أن حالات إعاقة الأولاد إلى والديهم كثيرة جدا ومتداولة عبر الأجيال بأشكال وطرق متنوعة وقد حاولت منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية الحد من تفشي هذه الظاهرة ولكن دون جدوى.
وبينما الجميع منشغل حول كيفية الحد من عقوق الأبناء إلى آبائهم وكيفية التخلص من هذه الظاهرة الخطيرة أو منع ظهورها من خلال توفير ورش عمل مستمرة للوصول إلى أسباب ومسببات هذه الظاهرة. انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة مشابهة إلى ظاهرة عقوق الوالدين ولكن بمنظار معاكس.
تبدو هذه الظاهرة غريبة على المجتمع أو كانت منتشرة ولكن بصورة خجولة والآن أصبحت واضحة المعالم أو ربما كان الأبناء لا يستطيعون الحديث عنها والآن من خلال التطور التكنولوجي وظهور السوشيال ميديا بدأت تظهر معالم هذه الظاهرة بشكل ملحوظ وملموس وهي ظاهرة عقوق الآباء لأبنائهم، ربما الجملة تبدو غريبة على القارئ أو المستمع ولكن مع الأسف هذا أصبح واقع حال منتشر حاليا. ليس هذا فقط بل انتشرت حوادث واعتداءات الآباء على أبنائهم.
الأم التي أعطاها الله سبحانه وتعالى مكانة كبيرة بأن تكون جنة الخلد تحت أقدامها تعتدي على أعز ماتملك ووصلت بها المرحلة إلى قتل فلذات أكبادها والقصص في الفترة الأخيرة هي خير دليل على ذلك..
أب يحرق أطفاله وأم ترمي أطفالها ليلقوا حتفهم غرقا وأب يحبس أطفاله وأم ترمي أطفالها ووو... قصص كثيرة وحجج واهية.. طبعا هنا الملف تجاوز إعاقة الآباء للأبناء إلى جرائم تقام بحق الأبناء وبحق البشرية والانسانية. فكيف سنحاور الابن بعدم اعاقة والديه وهو يشهد هكذا جرائم يوميا..
تروي لي إحدى زميلاتي عن ابنها ذات الآحد عشر عام وأثناء مشادة كلامية بينهما وانتهت بانسحاب ولدها من أمامها وذهابه إلى غرفته، تقول لي زميلتي دخل غرفته وقفل الباب بالمفتاح ذهبت وراءه وطرقت الباب وقلت له: لا داعي أن تغلق الباب بالمفتاح فلن أدخل عليك، أجابني جواب جفت عروقي بسببه، قال لي: اخاف على نفسي أن تقتليني مثلما تفعل هؤلاء الأمهات!! لو تحدثنا عن هذه الجرائم ومسبباتها وماذا فعلت في نفسية الأولاد والآباء هذا يحتاج لملف خاص جدا.
بعيدا عن الجرائم التي تحدث بحق الأبناء مع الأسف الجاني هم أقرب مايمكن لهم الأب أو الأم، سنوجه كامرة المراقبة في ملفنا هذا صوب عقوق الآباء للأبناء لكون أغلب الآباء والأمهات يعقون أبناءهم وهم لا يشعرون أو يظنون أنه حق من حقوقهم على أبنائهم.
فرب العزة مثلما أعطى حقوقاً وواجبات للأبناء اتجاه آبائهم كان بالمثل للآباء اتجاه أولادهم بمعنى أدق هنالك واجبات على الآباء والأمهات توفيرها لأبنائهم وفي حال عدم توفيرها هنا سيكون عقوق الوالدين لأبنائهم. ويبدأ حق الأب على أبنائه من لحظة اختيار الزوجة فهو من سيختار أماً لأبنائه يجب أن تكون حسنة الدين والخلق حتى تربي أولاده تربية صالحة..
وحق الابن جنينًا، فإذا ما حملت الزوجة، فمن حق الحمل على الوالدين الحفاظ عليه ومتابعة نموه وعدم إجهاضه، فإذا ما وُلِدَ فمن حقه عليهم أن يختاروا له اسمًا حسنًا لا يُعيَّر به من أقرانه مرورا بالتربية والاهتمام به لغاية بلوغه وهذه تعتبر من أهم المراحل هي التي تبني شخصية الأولاد. فعندما يقصر الأبوان بتربية أبنائهم وينشغلون عنهم بأمورهم الدنيوية وغياب الرقابة الأبوية عنهم فهذا يعني عقوق الوالدين لأبنائهم بإهمالهم لهم.
ومن حقوق الأبناء على الآباء النفقة عليهم وتأمين حاجتهم من مطعم ومشرب وملبس ومسكن على قدر المستطاع. فعند تقصير الأبوان مع الأبناء من تأمين احتياجاتهم الضرورية من مأكل أو ملبس بدون أسباب مقنعة فهذا عقوق. عند استخدامهم الضرب والتوبيخ في كل أمر وإضعاف شخصية الطفل هنا الآباء يعقون أبناءهم ويكون أحد أسباب عقوق الابن لهم عند الكبر.
وعندما يفرّق الأبوان في تعاملهم مع أبنائهم وهذه الظاهرة أيضا انتشرت كثيرا في الآونة الأخيرة فمعنى هذا أنهم يعقون أبناءهم. ومن صور العقوق أيضا إظهار الآباء أنهم يملكون الحق الأوحد، وأن الأبناء دائما على خطأ، فيشعر الأبناء أن آباءهم وأمهاتهم لا يملكون القدرة على خطابهم، وأنهم يسيئون إليهم دائما؛ وهو ما يحدث فجوة كبيرة بين الآباء والأمهات.
ومن المشاكل المنتشرة أيضا بصورة كبيرة والتي تسببت في مشكلة اجتماعية أو فجوة عائلية هو تدخل الأهل باختيار شريك حياة ابنتهم أو ابنهم بحجة أنهم هم أعرف بمصلحتهم بالتالي زواج غير متكافئ ينتهي بطلاق وأطفال وهنا سيحدث خللاً اجتماعياً كبيراً.
وإن تركوا لأولادهم حرية الإختيار في الزواج يكون التدخل بعد الزواج ومشاكل الحماة مع زوجة الابن أخذت ركناً كبيراً وأساسياً من المشكلات الإجتماعية المتداولة والمتجددة. وغيرها من الأمور التي يظن بها الوالدين أنها من ضمن حقوقهم على أولادهم.
يبقى الأم والأب هم نعمة الله لنا ومهما فعلنا لنيل رضاهم سدى أمام فضلهم علينا ولكن قال الله تعالى في كتابه العزيز: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا. سورة الكهف آية 46.
أي بمعنى أن الذرية هي زينة الحياة الدنيا فالأولاد وجودهم أساسي لبناء أسرة متكاملة وجعل حياة تلك الأسرة تتلون بألوان الطيف الشمسي ويضيفون الأبناء طعم ونكهة للحياة.. وكذلك الحال بالنسبة للأولاد فلولا وجود الأب والأم في حياتهم لما كبروا وتعلموا ومروا بكل مراحل الحياة، إن من أحد النعم الأساسية التي يجب على الإنسان أن يشكر ربه عليها صباحا ومساء هو وجود الأبوين في حياته ومعجزة وضع الحب والحنان في قلب الأم والأب تجاهه.
لذا هي علاقة تكافلية بين الآباء وأبنائهم، الأبناء يلونون لوحة حياة الآباء، والآباء يرسمون طريق حياة الأبناء، ومن المفترض على الأولاد رد جميل الآباء عند كبرهم لأنهم السبب في تكوينهم وتنشئتهم.
لذا ينبغي على الوالدين سواء الأم أو الأب تنشئة أولادهم تنشئة صحيحة ويزرعون بقلوبهم حب الناس والثقة بأنفسهم والحرية في الاختيار وعدم تعنيفهم حتى لا تعاد الكرة عليهم ويعيقهم ابنهم في الكبر، كما جاء في حكمة قديمة: «كما تزرعون تحصدون».
نقلاً عن بشرى