تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر»
سارة رعد
في ذكرى اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف الذي يصادف في السابع عشر من حزيران كل عام، ما زالت ظاهرة التصحر والجفاف في العراق مستمرة بسبب الإمكانات الطبيعية للنظم الإيكولوجية التي تجعل سكان الريف عرضة لنقص الأغذية وتقلبات الطقس والكوارث الطبيعية إضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة وشح المياه.
ويجب أن تشكل مكافحة التصحر جزءًا لا يتجزأ من برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية للحكومة العراقية، مع مراعاة الاحتياجات قصيرة الأجل وتطلعات السكان المتأثرين بها على المدى الطويل.
التصحر هو تدهور الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة. وهو ناتج في المقام الأول عن الأنشطة البشرية والتغيرات المناخية. لا يشير التصحر إلى توسع الصحاري الموجودة. يحدث ذلك لأن النظم الإيكولوجية للأراضي الجافة، التي تغطي أكثر من ثلث مساحة اليابسة في العالم، معرضة بشدة للاستغلال المفرط والاستخدام غير الملائم للأراضي.
يمكن أن يؤدي الفقر وعدم الاستقرار السياسي وإزالة الغابات والرعي الجائر وممارسات الري السيئة إلى تقويض إنتاجية الأرض.
يتم الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف كل عام لتعزيز الوعي العام بالجهود الدولية لمكافحة التصحر. يعتبر هذا اليوم لحظة فريدة لتذكير الجميع بأن حيادية تدهور الأراضي يمكن تحقيقها من خلال حل المشكلات والمشاركة المجتمعية القوية والتعاون على جميع المستويات.
التصحر وأبعاده على المستوى العراقي
واجه العراق أكبر مشكلة بيئية في تاريخه تتمثل بالتصحر الشديد والتي تعرض للخطر أمنه الغذائي. وتتظافر العديد من العوامل الطبيعية والبشرية في صنعها. ولها نتائج بيئية واقتصادية واجتماعية وحضارية وخيمة أبرزها فقدان الأراضي المنتجة وتحرك الكثبان الرملية وهبوب العواصف الرملية والترابية الشديدة وما ينتج عنها من زيادة تلوث الهواء. تحاول هذه الدراسة التعرف على تطور المشكلة وتحلل أسبابها ونتائجها وتقترح عددا من الحلول لمعالجتها.
يرد الكثير من التعاريف للتصحر غير أن أحدث تعريف اقر في 1994ضمن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر ينص: التصحر يعني تدهور الأرض في المناطق القاحلة وشبه القاحلة وفي المناطق الجافة وشبه الرطبة، الذي ينتج من عوامل مختلفة تشمل التغيرات المناخية والنشاطات البشرية. وفي حقيقة الأمر فالتصحر عملية هدامة وتدمير للطاقة الحيوية للأرض، والتي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى ظروف تشبه ظروف الصحراء، وهو مظهر من التدهور الواسع للأنظمة البيئية، الذي يؤدي إلى تقلص الطاقة الحيوية للأرض المتمثلة في الإنتاج النباتي والحيواني ومن ثم التأثير في إعالة الوجود البشري.
أهم عوامل التصحر
نتجت مشكلة الملوحة عن عوامل عديدة بعضها يتعلق بالبيئة الطبيعية والآخر بعمل الإنسان وتتداخل هذه العوامل في درجة تأثيرها في انتشار الملوحة التي تتباين مستوياتها من مكان لآخر فتزداد كلما اتجهنا من الشمال إلى الجنوب ومن الجهات المرتفعة إلى المنخفضة. وللعوامل الطبيعية دورها البارز حيث يأتي المناخ في مقدمتها إذ تؤدي زيادة كمية الإشعاع الشمسي وارتفاع الحرارة وقلة الغيوم والرطوبة النسبية وسيادة الرياح الشمالية والشمالية الغربية إلى زيادة شدة التبخر وبالتالي زيادة نسبة الأملاح. ويتزامن ذلك مع الإفراط في عمليات الري خاصة وأن المياه المستخدمة تحتوي بدورها على نسب مختلفة من الأملاح التي تختلف كميتها من مكان لآخر ومن موسم لآخر. كما لطبيعة التربة أثر واضح في ظهور المشكلة وتفاقمها مع ما يرافقها من إتباع أنظمة زراعية خاطئة.
تحتوي تربة العراق على مكونات ملحية عالية إذ يقدر أن 61% من الأراضي الزراعية مهددة بالتملح حيث يبلغ معدله 8%. وهذا يعني أن كل الترب ستتملح بعد 12 سنة إذا لم يستخدم نظام التصريف الملائم. عندما يرتفع مستوى المياه في موسم الفيضان أو الري ترتفع الأملاح إلى أعلى التربة، لذلك يصبح البزل مهما جدا. وبما أن الأرض منبسطة جدا؛ بغداد مثلا رغم بعدها 550 كم عن الخليج العربي فهي ترتفع فقط 34 م عن مستوى سطح البحر وهذا يساهم في صعوبة التصريف.
وقد أصبح تملح الأراضي الزراعية مشكلة خطيرة نتيجة الاستعمال غير الرشيد للمياه إضافة إلى فقر قنوات الري والبزل. حيث أدى هذا إلى ارتفاع المياه الجوفية وتراكم الأملاح في التربة. لذلك فإن الأراضي السهلية المشهورة بخصوبتها تحولت إلى أراض متملحة. وتراجعت الإنتاجية في أراضٍ واسعة إلى الصفر تقريبا. ويقدر بأن حوالي 100 ألف دونم (250.000 ألف متر مربع) تعاني من التملح سنوياً.
في حين نجد نسبة التصحر في الأراضي المروية في العراق 71% بينما في تركيا ولبنان وسوريا 13%، 7%، 17%، على التوالي.
هناك كميات كبيرة من مياه البزل المالحة الناتجة عن غسل التربة والمياه الضائعة في الحقول تبلغ 23 مليار م مكعب/سنة و تشكل 54% من مياه الري السنوية و38% من المياه المتاحة للبلد البالغة 61 مليار م مكعب/ سنة. ويصرف معظمها إلى الأنهار والأهوار والمنخفضات نتيجة لقلة كفاءة شبكة الصرف (الحقلية، المجمعة والفرعية) وإهمال تنفيذ الشبكة الرئيسية، مما أدى إلى تلوث الأنهار والأهوار بالملوحة وتدني كفاءتها وانخفاض خصوبة التربة خاصة وسط وجنوب البلاد، إذ ارتفعت ملوحة نهر دجلة في الموصل وبغداد والعمارة والقرنة وفي شط العرب عند المعقل بنسب 9% و24% و207% و184% و183% على التوالي خلال 1967- 1991 وبين 13- 26% خلال 1993- 2002.
ومن العوامل الأخرى: إقامة السدود والخزانات على نهري دجلة والفرات في العراق وتركيا وسوريا التي تؤثر على كمية ونوعية الأملاح . وتقدم مياه الخليج العربي المالحة في شط العرب نتيجة قلة مياهه وصرف مياه المعامل ومشاريع التصنيع العسكري إلى الأنهار دون معالجتها كيمياويا لضعف الرقابة وإهمالها إن وجدت وقلة معالجة مجاري المدن التي تصرف إلى الأنهار.
وإذا فحصنا التملح في المحافظات، نجد في بابل 743776 دونم أصيب بالتملح بسبب المياه الجوفية وسوء الإدارة. وفي صلاح الدين ينتشر التملح في جميع المناطق الزراعية، وفي القادسية يوجد تملح متوسط الشدة في منطقة سومر- الشنافية- البدير بسبب عدم كفاءة نظام البزل، وفي ديالى يوجد في مناطق متفرقة، وفي الأنبار في صقلاوية – رمادي 12500 دونم وفي الخور- راوة 625 دونم، وفي ذي قار جميع الأراضي المروية من دجلة والفرات ومنطقة الطار متملحة جدا، وفي البصرة ينتشر التملح بسبب ملوحة مياه السقي وخاصة في المْدَينة والقرنة وشط العرب والفاو، وفي واسط 75% من مساحة المحافظة مصابة بالتملح بسبب ارتفاع المياه الجوفية واحتوائها على كلوريد الصوديوم، وفي نينوى في الشيخ شيخان والإدارات، وفي كربلاء في عموم المحافظة وخاصة في فريحة والخيرات وطريق الإبراهيمية وتقدر الأراضي المتملحة بـ 25% من مساحة المحافظة، وفي المثنى 1360325 دونم مصابة بالتملح وتشكل 6.5 % من مساحة المحافظة لعدم وجود مشاريع الاستصلاح ونظام كفؤ للبزل وارتفاع المياه الجوفية، وفي بغداد 29500 دونم أراضي متملحة في مناطق مختلفة ومن هذا يتبين لنا الانتشار الواسع والخطير لمشكلة التملح في أفضل الأراضي الزراعية.
ومن عوامل التصحر الأخرى تراجع الغابات التي تغطي 1.8 % من المساحة الكلية. وطبقا لمنظمة الفاو فإنها تحتل 789.000 هكتارا وزراعة الغابات 10.000 هكتارا. وهي تغطي المناطق الجبلية في الشمال والشمال الشرقي (كردستان). وكانت تغطي 1.851 مليون هكتار عام 1970 لكنها تراجعت إلى 1.5 مليون هكتار عام 1978 . وتراجعت النسبة الأولى إلى 1.1% وتبلغ المساحة المزالة سنويا 12 كم² والمعدل السنوي للإزالة 0.2% في الفترة 1990-2005.
نرى الآن غابات منفردة لأشجار البلوط في الأراضي الأكثر بعدا. وقد نتج تدهور الغابات من القطع الواسع والضغط الرعوي والحرق والعمليات العسكرية. وهذا يؤدي إلى زيادة التعرية المائية ويسبب اختفاء الطبقة الخصبة من التربة، ويؤثر سلبا على طاقة خزن السدود وكفاءة الري ويزيد من التكاليف.
كذلك تراجعت أعداد النخيل من حوالي 30 مليون إلى حوالي 9.5 مليون بسبب الحروب وبالأخص الحرب العراقية –الإيرانية وقلة المياه وملوحتها والأمراض الزراعية والإهمال. لذا بات تدهور الغابات والنباتات الأخرى عاملا مهما في تدهور البيئة وتوجهها نحو الجفاف.
ويساهم تدهور المراعي التي تشكل 70-75% من مساحة البلد في التصحر وينتج من: الضغط الرعوي، قطع واجتثاث نباتات العلف لأغراض الوقود، زراعة أراضي المراعي التي تقل الأمطار فيها عن 200 ملم في السنة، عدم تنظيم توزيع المياه الذي يؤدي إلى تركز الماشية في الأراضي التي تتوفر على الماء مع ما تتركه من تأثيرات سلبية على الغطاء النباتي. لذلك تدهورت المراعي في السنوات الأخيرة مما أدى إلى تدهور القيمة الرعوية لها.
مكافحة التصحر
ويحتاج الأمر برنامجا متكاملا لتنمية وتطوير الغطاء النباتي وزراعة الأشجار وتشييد الواحات والمزارع في الصحراء الغربية والبادية الجنوبية والأراضي الجرداء شرق العراق وفي المناطق الجبلية والأراضي المتموجة مستفيدين من المياه الجوفية المتجددة وتجميع المياه عبر السدود والخزانات الصغيرة المشيدة على مجرى السيول ومن مياه البزل والمياه العادمة بعد معالجتها.
ومن أجل ضبط الزراعة الديمية يتطلب الحد من توسعها تجاه الأراضي الأقل ملائمة من ناحية كمية الأمطار. إذ أن هذا التوسع يؤدي إلى تدهور التربة والنظام البيئي. ويمكن معالجة ذلك من خلال:
- تحسين الأساليب الزراعية واستخدام ما يناسب المناطق الجافة وشبه الجافة منها إذ أن كثيرا ما يؤدي استخدام المحراث الآلي إلى تفتيت التربة وتذريتها والمساهمة في تصحرها.
- ممارسة نظام الدورة الزراعية الذي يعتبر من الوسائل الفعالة في صيانة التربة ومكافحة انجرافها.
- استخدام الأسمدة إذ لا يزال الفلاح يستخدمها بكميات قليلة.
- العمل على رفع وعي الفلاح من خلال تكثيف الترشيد الزراعي وممارسة نظام الزراعة المختلطة والقيام بحجز أكبر كمية من الأمطار للاستفادة منها في الزراعة من جهة ولتقليل نشاط التعرية من جهة أخرى.
- إقامة مشاريع الري الملائمة لتخفيف الضغط على أراضي الزراعة الديمية.
- ضرورة تطوير معلومات توقع حدوث الجفاف واستعمال أنواع من المحاصيل تقاوم الجفاف ووسائل تعمل على تراكم الرطوبة في التربة وتشجيع زراعة المدرجات بالإضافة إلى محاصيل خاصة بالدورة الزراعية.
إن أولى الخطوات الواجب اتخاذها لضبط الاستخدام الرعوي هو تحديد قدرة المراعي على إعالة إعداد معينة من الحيوانات لتلافي تعريضها للتدمير. ويمكن الاستعانة بالأرقام الحرجة التي حددتها الأمم المتحدة وهي وحدة حيوانية لكل هكتار في المناطق شبه الجافة ووحدة حيوانية لكل خمسة هكتارات في المناطق الجافة كحدود قصوى يجب عدم تجاوزها وبخلاف ذلك يجب تقليل عدد الحيوانات والتعويض عن هذا بزيادة إنتاجيتها.
وبما أن الأمطار في العراق تتسم بقلتها وتذبذبها فإن الأمر يتطلب إتباع نظام الدورة الرعوية التي تتيح التجديد الطبيعي للمراعي وإنشاء مناطق محمية يمنع الرعي فيها في فترات معينة والقيام بالبذر الإصطناعي والتشجير في حالة المراعي المتدهورة بشكل ملحوظ. ويرى الجغرافي (بيتر هاغيت) أن إراحة أراضي الأعشاب والرعي الدوري وإضافة السماد إلى دورة المواد المغذية تعتبر طرق للتعامل مع مشكلة الضغط الرعوي.
إذ أن الأراضي التي تبدو وكأنها قد تصحرت سرعان ما تسترد غطاءها النباتي عند إخضاع الرعي إلى برامج رعوية مقننة. وتكمن المشكلة في مدى توفير حماية جيدة في المناطق التي يتزايد فيها السكان والمفتوحة للرعي دون تنظيم، كذلك الاحتفاظ بمخزون من العلف للسنوات الجافة، ومراعاة أن تكون مصادر المياه على مسافة متباعدة تتراوح بين 6-8 كم تفادياَ لإجهاد المراعي التي تقع حولها.
*نقلاً عن "بشرى"