من قائمة الاحتجاجات التي يطلقها الكثيرون اليوم، الاعتراض على ما قام به النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ـ بعد انتصاره وهيمنته على مكة وعموم الجزيرة ـ من فرض الإسلام على الناس وإلزامهم به ديناً وعقيدة وإلا فهو القتل، واعتبار ذلك تعدياً واضحاً على الحرية الفكرية علاوةً على الشخصية، ولوناً بيّناً من ألوان الاستبداد.
فهل هو كذلك؟
شرعية الفرض
لو فحصنا الأطياف الدينية التي تعامل معها النبي محمد (صلى الله عليه وآله) سنجدها تنحصر بالمشركين (عبّاد الأصنام) وهم الغالبية العظمى من سكان الجزيرة، والنصارى واليهود. وسنتناولها تباعاً لنصل، في النهاية، إلى ما يدفع عن رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) تهمة التعدي وينفي عن ساحته المقدسة صفة الاستبداد.
المشركون
يتلخص الاعتراض، مع هذه الطائفة، في أنها فئة ذات عقيدة ولابد أن تحترم لما يفرضه الواقع الإنساني من ضرورة الالتزام بالتعددية واحترام العقائد المغايرة. فلا يجوز للنبي (صلى الله عليه وآله) إكراههم على اعتناق دينه فضلا عن تهديدهم بالقتل.
ويتلخص الرد على هذا الاعتراض في النقاط التالية:
1.إن عقيدة عبادة الأصنام تعبّر في واقعها الفعلي عن انحطاط هائل في العقل والوجدان الانسانيّين. وهي دافع وانعكاس في الوقت نفسه للواقع الاجتماعي المفزع الذي كان يعيشه سكان الجزيرة العربية من تقاتل وتناحر وقبلية وجهل وتخلف[1].
ولعل في كلام الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب (رضوان الله عليه) مع نجاشي الحبشة بياناً واضحاً عن ذلك الواقع "أيها الملك! كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك.."[2]
وعليه فإن عملية الإصلاح لا يمكن أن تتم في المجتمع الجاهلي إلا بالقضاء على هذه العبادة التي تأخذ بعقل الإنسان إلى مهاوٍ سحيقة حيث يصنع الصنم من الطين بيده ثم يضعه عند باب الخيمة في المساء ليجده في الصباح وقد بالت عليه الكلاب فينظفه ويعكف على عبادته، وإلى الاعتقاد بقدرته في التحكم بمقادير هذا الكون الشاسع. وهذا ما يؤكده علم الاجتماع الحديث في تعليله للأديان الوثنية القائمة على أساس الطوطم والخرافة بأنها انعكاس لمجتمع متخلف ولابد في عملية الإصلاح من حركة تنويرية تقضي على هكذا عقائد.
ثم ألا ينطلق الخط الإلحادي الداعي لاجتثاث الدين من أن العقيدة الدينية تمثل الحاضنة الخصبة لنمو كل ما هو متخلف يعيق عملية الإصلاح والتنوير؟
[1] انظر سيد المرسلين ج1 ص43 ـ 96 والسيرة النبوية عصرماقبل الهجرة \ عباس زرياب خوئي
[2] سيرة بن هشام ج2 ص 337