إذا انطلقنا من تأمل محايد لمقاربة الرؤية الإلحادية للإنسان والكون، ومن خلال المعيار المعرفي الذي اختاره الإلحاد وجعله مقياساً للحقيقة، سوف نصطدم بمحطات غامضة لا تشوه فقط الرؤية البريئة التي اكتسبناها بتأملاتنا الفطرية، وإنما تدخلنا في دوامة من العبث الذي يشككنا حتى في مسلماتنا البديهية، ليس لكون الإلحاد رؤية عميقة تنتقل بنا الى فضاءات غير معتادة، وإنما لكونه رؤية لا تستقيم إلا بالاشتباك مع كل الاشتراطات المنطقية.
الإلحاد وعلاقته بالإنسان
لا أتحدث فقط عن عدمية المبدأ والمنتهى، وإنما أتحدث أيضاً عن عدمية الوجود والحياة ونحن فيها؛ فمعنى الإنسان بما يجده لنفسه من معنى، ومعنى الحياة بما لها من غاية، ومعنى كل ذلك بأن يكون له قيمة، والحديث عن المعنى والغاية والقيمة، لا يكون له معنى ولا غاية ولا قيمة بدون الحديث عن البداية والنهاية وما يقع بينهما من حِكمة وفلسفة.
فكيف يبدأ فهم هذا المعنى؟
وعلى أي أساس تقوم الحقيقة؟
ومن أي مصدر تستمد الأشياء قيمتها؟
الإنسان بوصفه الكائن الوحيد الذي يعي وجوده ووجود من حوله من الكائنات، كما أن بقية الموجودات بدورها لا تجد لنفسها وجوداً إلا من خلال تموضعها عبر الإنسان، فمن الطبيعي حينها أن يكون وعي الإنسان لذاته هو الأساس الذي يبني عليه معارفه، وإهمال هذه الحقيقة يمثل انتكاسة كبرى لطبيعة التفكير المنطقي للإنسان.
فالحديث عن المعرفة والفهم وإيجاد المعنى هو حديث عن العقل، فكلما تجلى العقل في الإنسان كل ما تجلى الكون كله فيه، ومن هنا فان غياب العقل هو غياب لهوية الإنسان وضياع لإنسانيته، وما نجده من خلط وتشويه ينتاب رؤية الإنسان في نظرته الكونية والمعرفية ليس إلا انعكاساً لما يعانيه الإنسان من عدم وضوح نفسه لدى نفسه.
والإنسان بقدر ما عليه من الوضوح والظهور كوضوح الذات للذات وظهور النفس للنفس، إلا أنه بذات القدر يكتنفه الغموض وعدم الوضوح حتى يغدو الإنسان هو ذلك المجهول، وهذا التقابل بين الوضوح والغموض يمثل البداية لمشكلة المعرفة وبداية المعالجة ايضاً؛ فلا النظرة الساذجة التي ترى الأشياء واضحة، ولا النظرة المفتعلة التي تجعل الواضح غامضاً هي التي تصلح لحل المشكلة؛ لأن السذاجة إهمال للحقيقة، والافتعال ضياع لها، والإنسان ليس حقيقة مجردة يمكن رصده وتقيمه بعيداً عن تداخلات الوجود.
فاللحظة التي نُخرج فيها الإنسان ونعزله لكي لا نرى غيره، هي ذاتها اللحظة التي يغيب فيها الوجود والإنسان معاً، كما أن اللحظة التي ننظر فيها للإنسان ضمن هذا التداخل الوجودي، هي ذاتها اللحظة التي يتعقد فيها الوعي وتتباين فيها الرؤى، والموازنة المطلوبة تكاد تكون معدومة؛ فالذاتية ساذجة، والموضوعية اقرب الى أن تكون مستحيلة، والخروج من هذا العمى لابد ان يسبقه خروج آخر، ولكن ليس خروجاً عن الإنسان، ولا خروج عن الوجود، ولا حتى خروج عن الإنسان المتداخل مع الوجود، وإنما خروج عن كل التصورات التي صنعها الإنسان وراكمها طوال القرون، فضبابية الرؤية ليس لأن الرؤية أمراً مستحيلاً في ذاتها، وإنما لكون فضاء المعرفة تحجبه سحب التصورات الداكنة، فصراع الإنسان مع نفسه، ومع أخيه الإنسان، ومع الطبيعة، وكل ما عاناه في الحياة أفسد صفاء الروح ونقاء العلم، فلم يعد العلم والمعرفة حقيقة مقدسة تعشقها الروح وتهواها النفس، بل أصبح أداة تسخر من أجل مكر الإنسان وأنانياته الضيقة.
والإلحاد ليس إلا واحدة من تلك الرؤى المشوهة؛ ليس لكونه كفراً بالإله وإنما لأنه كفر بالوجود والإنسان والعقل، حيث تنصل عن الروح وآمن بالمادة، وكفر بالباطن وتعلق بالظاهر، وتجاهل العلة وتستر بالصدفة، وأهمل الغاية وتمسك باللاغاية والعبث، وترك العقل وتشبث بالحس، وعندما يكون الوجود بدون روح لا يكون له قيمة، وعندما يكون بدون باطن لا يكون له ظاهر، وعندما يكون بدون علة لا يكون له حقيقة، وعندما يكون بدون غاية لا يكون له حِكمة، وعندما يكون بدون عقل لا يكون له معنىً ولا طعماً، والنتيجة ليس كفراً بالله وإنما كفر بالوجود والإنسان والعقل معاً.
من أي زاوية يرى الإلحاد الإنسان؟
ولكي نقرب هذا المدعى لابد أن نرجع إلى ركائز الإلحاد ومنطلقاته، لنرى بأي منظار يشاهد الكون، وبأي ميزان يقيم الإنسان، وفي أي إطار يضع العقل، وفوق كل ذلك بأي ريشة يريد أن يرسم لوحة للحياة.
ولكي تستقيم الصورة لابد أن نبدأ من الإنسان في المنظور الإلحادي، ليس لكون الإنسان أوضح مظهرٍ في الوجود، وإنما لكون الوجود لا يكون ظاهراً إلا بالإنسان، فكيف نتحدث عن فهمنا للوجود والكون قبل أن نتحدث عن فهمنا للإنسان، ومن هنا كان من الضروري أن نتعرف عن الإلحاد وهو يقدم فهمه للإنسان.
عمل الإلحاد على إظهار نفسه مصطفاً إلى جانب الإنسان، ومدافعاً عن حقوقه وقضاياه، وحاملاً لراية تحريره من المخاوف والهواجس التي رمته في أحضان الخرافة والجهالة، فأصبح الإلحاد بذلك هو شمس العلم التي تشرق على البشرية بنور جديد، فلا غنى للإنسان عن الإلحاد؛ لأنه العلم ضد الجهل، والحقيقة ضد الخرافة، والتحرر ضد العبودية، والتقدم ضد الرجعية، وبالتالي هو بشارة العلم ونبوءة الإنسان الى الإنسان.
كيف يبني الإلحاد هذه الصورة المشرقة للإنسان؟
وكيف يكون الكفر بالإله، هو ضمان الخلاص للإنسان؟
وهل المادة وقانون الانتقاء الطبيعي هو النور الذي يبدد الظلام؟
العلم، الحرية، التقدم، وإنسانية الإنسان وغيرها من القيم تعلو على الخلاف والنقاش، ولا يمكن التأسيس لها بالادعاءات والمزايدات، والإلحاد الذي ملأ الدنيا ضجيجاً من أجل الإنسان، عليه ان يثبت أن له صلة واقعية بالإنسان، بحيث تكون فلسفته الإلحادية مقترنة وجودياً ومنطقياً بمصير الإنسان وكرامته، وبالشكل الذي لا يمكننا أن نتصور معه قيمة للإنسان دون أن نتصور الإلحاد، وبهذه الطريقة يتجاوز الإلحاد امتحان القدرة الفلسفية، وعندها سوف يستحق وبجدارة أن يكون عنواناً لمرحلتنا التاريخية.
أما ميدان الشعار والدعاية والإعلام ليس مجدياً في طرح الحقائق المصيرية، والإلحاد الذي بدأ وانطلق من عمق الحضارة الغربية، قد يحرجنا بما نحن عليه من جهل ورجعية، وقد كان ذلك سبباً لشعور بعض شبابنا بالدونية أمام بريق تلك الشعارات الإنسانية، فلم يجدوا سبيلاً غير الإلتحاق بموجة الإلحاد، ظناً منهم بأن للإلحاد صلة قوية وحتمية بتلك الشعارات، فكان من الضروري التفكيك بين هذه القيم وبين الإلحاد؛ لأن المؤمن أيضاً يتبنى تلك الشعارات، وحينها يجب أن تكون المقارنة بينهما بما يقدمه كل تصور من علاقة ضرورية وحتمية بين متبنياته الفلسفية وبين تلك القيم الإنسانية.
رؤية الإلحاد إلى الإنسان تبدأ منذ أن كان خلية واحدة في ماء آسن منذ ملايين السنين، ولا نعلم ولا يعلمون من أين أتت هذه الخلية وكيف حصلت على الحياة؟ وأن المادة الميتة كيف يمكنها أن تهب الحياة لغيرها؟ كل ذلك لا يهم وإنما المهم عندهم أنها وجدت والسلام، ثم تطورت ومرت تلك الخليلة بمراحل مختلفة وتكاثرت حتى أصبحت اساساً لكل اشكال الحياة على كوكب الأرض.
أما الإنسان كيف ظهر على مسرح الحياة ضمن هذه النظرية؟ نجد أن التاريخ الحقيقي للتحول الإنساني قد بدأ مع مرحلة الثدييات، والتي تمثل في الواقع الجد الأوسط للإنسان بعد مرحلة الخلية الواحدة التي هي الجد الأعلى للإنسان، ومن بين تلك الثدييات كان هناك طور انفرد بأن يكون جداً حصرياً للإنسان والقرد معاً دون غيرهم من الثدييات، ثم شق كل من الإنسان والقرد طريقه في التطور حتى أصبح هذا الإنسان الذي نعرفه وذاك القرد الذي مازال قرداً يعيش في الغابة.
وكل هذه العملية التطورية لا يحكمها إلا قانون واحد وهو قانون (اصطفاء الأصلح) أو (البقاء للأفضل)، وقد نال هذا القانون شرحاً مفصلاً من علماء الأحياء فيما يخص البيئة الطبيعية للحياة وتأثيرها في الكائنات، ثم عدل هذا القانون في بعض أجزائه من قبل أنصار الداروينية لكي يتجاوزوا به التباين الكبير بين بعض مراحل التطور فأضيف إليه قانون (التحولات المفاجئة).
وهكذا تحقق التطور ضمن عملية كيميائية معقدة، إلا إن المادة لم تكن واعية لكل هذه الحركة التطورية، والأمر الذي تم إهماله هو كيف اكتسبت هذه المادة هذا الوعي الذي نجده في مرحلة الإنسان؟
وما يهمنا هنا ليس نقاش هذه النظرية إثباتاً أو نفياً، لأن ذلك ميدان خاص بعلماء الأحياء والبيولوجيا، كما أن دخولنا في هذه المباحث هو الفرصة التي يبحث عنها الإلحاد لممارسة خدعته المشهورة حيث يجر الخصم الى نقاش علمي النتيجة فيه محسومة لصالح العلم، في حين أن النقاش مع الإلحاد هو نقاش في الفلسفة وليس العلم، وما ذكره فيلو في كتابه (هناك إله) خير دليل على ذلك، يقول: "في عالم 2004م، قلت بأن أصل الحياة لا يمكن تفسيره إذا بدأنا بالمادة فقط. رد المنتقدون بروح المنتصر قائلين بأنني لم أقرأ قط مقالاً في مجلة علمية ولا تابعت التطورات العلمية الحديثة المتعلقة بالتولد التلقائي (التولد الذاتي من كائنات غير حية). هم بهذا النقد لم يفهموا الهدف الرئيسي من كلامي، فاهتمامي لم يكن منصباً على هذه الحقيقة أو تلك في الكيمياء أو في علم الجينات، بل كان اهتمامي منصباً على السؤال الرئيسي عن معنى أن يكون شيء ما حياً، وما علاقة ذلك بالحقائق الكيميائية والجينية ككل. أن تفكر على هذا المستوى، فأنت تفكر كفيلسوف"[1]
وبالتالي الذي يهمنا هو الوصف الذي قدمه الإلحاد لطبيعة الإنسان، ومن ثم ما علاقة ذلك بما يحمله الإلحاد من شعارات تتحدث عن قيمة الإنسان؟ وما هو الرابط بين المادة وبين حقائق كالمعنى، والقيمة، والأخلاق، والفهم، والإدراك؟
الإنسان بين الروح والمادة
سوف نفترض صحة النظرية التطورية ونسلم بأن الإنسان هو نتاج الطبيعة، إلا أن هذه النظرية قد تفسر لنا الجانب الطبيعي والمادي للإنسان، فنتيجة تفاعلات كيمائية وفيزيائية موجودة في المادة تحقق البعد المادي في الإنسان، إلا انها لا يمكن أن تفسر الجانب الروحي فيه، وتجاهل هذا الجانب والتنكر له لا يمنع من شعور الإنسان به وتفاعله معه.
فمن يؤمن بالروح لا ينفي الجسد الذي يربطه كإنسان بعالم المادة والطبيعة، أما الذي يرفض الروح كيف يمكنه أن يرتبط بعالم المعنى والقيم وكل المطلقات؟
وقد يغالط بعض الملحدين بأنه لا حاجة لهم للإيمان بالروح حتى يؤمنوا بهذه الحقائق، فإلحادهم لا يمنعهم من الإيمان بوجود الفهم، والوعي، والإدراك، والتأمل، والشعور، والحب، والجمال، والأخلاق.. إلا أن مجرد اعتراف الملحد بتلك الحقائق ليس دليلاً على كون هذه الحقائق صنيعة المادة، بل قد يكون دليلاً على أصالة الروح في الإنسان سواء آمن بها أو كفر، فالإلحاد الذي لا يجد تفسيراً للتحول الذي جعل المادة مصدراً لتلك الحقائق ليس في وسعه الإيمان بها قبل الإيمان بالروح ومن ثم الإيمان بالله.
فلا وجود لأي صلة واضحة بين المادة العمياء الصماء، وبين عالم العقل والمعاني، ففهم الحقائق والشعور بالأشياء شعوراً إدراكياً وقيمياً من سنخ عالم الروح وليس المادة.
والإلحاد بهذا التصور الموغل في المادية يحمل في طياته بذور موته، ما يكاد يولد ليموت في لحظة ولادته، إذ كيف يكون الفكر دليل على الإلحاد والمادة لا تنتج فكراً؟، ولو كان لها ذلك كيف نثق به؟، أو كما يقول المفكر الأيرلندي كليف لويس C. S. Lewis: "لنفترض أنها مجرد ذرات داخل جمجمتي تُعطي ناتج ثانوي يسمى فكر، إذا كان الأمر كذلك كيف أثق أن تفكيري صحيح؟ إنه مثل إبريق الحليب الذي عندما تخضه تأمل أن الطريقة التي تتناثر فيها بقع الحليب ستعطيك ذاتها خريطة لمدينة لندن، ولكن إذا لم أستطع أن أثق بتفكيري ولا أستطيع أن أثق في الحجج التي تؤدي إلى الإلحاد وبالتالي لا يوجد سبب لأكون ملحد أو أي شيء آخر، إلا إذا كنت أؤمن بالله، لا أستطيع أن أؤمن في الفكر: بحيث لا يمكن أبدًا أن أستخدم الفكر لعدم الإيمان بالله."[2]
فهناك شعور بالجسد يجده كل إنسان، ويقابله شعور آخر وهو شعور الإنسان بروحه، ولا يمكن مصادرة هذا الشعور والتنكر عليه، لكونه واقعاً يتفاعل معه الإنسان يومياً، فعندما يتأمل الإنسان ويغوص في عالم الفكر، أو عندما يستشعر الجمال ويسترسل فيه، أو عندما يعيش حلماً جميلاً في يقظته، أو عندما ينجذب كما ينجذب الصوفي الولهان، لا يكون حينها وهو يعيش هذه الحالة مجرد مادة صماء، بل حتى عندما يعيش الإنسان في عالم الخيال والوهم ويستغرق فيه لا يكون عايشاً فيه بجسده.
كل ذلك لا يمكن تفسيره مادياً سواء كان كيميائياً أو فيزيائياً، فالوعي والإدراك والفهم ليست من خصائص المادة، والمغالطة التي يعتمدها الإلحاد في إرجاع كل ذلك لطبيعة المادة مغالطة غير مفهومة، لأننا لا نختلف معهم على وجود نشاط كيميائي في الجسم عندما يفكر الإنسان أو يشعر، وإنما نختلف معهم في الفهم بما هو فهم كيف يكون مادي؟
والقيمة بما هي قيمة كيف تكون حسية؟، والوعي بما هو وعي كيف يكون كيميائي؟ فعلمنا مثلاً بتركيبة العين ووظائف كل جزء منها في عملية الإبصار، لا يجعل البصر بما هو بصر حالة مادية، وإلا كيف يبصر الإنسان وبوضوح تام بدون عين، وكيف يسمع ويميز الأصوات بدون أذن، وكيف يتكلم بأفصح العبارات بدون لسان، وكيف يفرح ويحزن ويضحك ويبكي ويتألم وهو في عالم النوم؟
مهما ينجح الإلحاد في إيجاد تفسير لهذه الحقائق، إلا أنه لن ينجح أبداً من منع شعور الإنسان بروحه، ومهما امتلك من أدلة على نظرية التطور إلا أنه لن يستطع أن يمنع الإنسان من التطلع نحو الغيب والتقرب منه، ومهما كانت المادة متحكمة لا يمكنها أن تمنع الروح من البحث عن المناقب والقيم والكمال، فكما أن المادة هي مصدر غذاء الجسد فإن الغيب هو مصدر غذاء الروح، واهمال هذا البعد الأصيل في الإنسان تشويه لحقيقته وطمس لإنسانيته، ومن هنا لم يكن الإلحاد إلا صورة مشوهة للإنسان.
فالناتج الطبيعي الذي يتناسب مع فلسفة الإلحاد المادية هو أن يعيش الإنسان محبطاً قلقاً كما عبر كثير من فلاسفة الإلحاد عن هذا الهاجس، ولا يناسبه أيضاً أن يكون هناك تفكير عن قيمة للإنسان فرداً كان أو جماعة؛ لأن الكلام عن القيمة لا يستقيم له معنى مالم يكن هناك كلام عن الغاية السامية التي يسعى لها الإنسان، فالذي كان مجيئه من العدم وذهابه الي العدم فقيمته العدم ايضاً.
ولذا تنبه بعض فلاسفة المدرسة النفعية لأهمية الدين في حياة الإنسان أمثال وليم جيمس الذي كان ينبه باستمرار على أهمية الدين في تحصيل السعادة النفسية والروحية، فالدين يمثل ضرورة إنسانية حتى من زاوية المنطلقات النفعية البحتة، بوصفه سبيل للوصول إلى الاستقرار والراحة والطمأنينة في حالات القلق والاضطراب. ينقل الشهيد مطهري عن وليم جيمس في كتابه العدل الإلهي وصفه لشعور بعض الفلاسفة الملحدين بقوله: "إن كلمات مارك أورل ذات مرارة تنبع من جذور الهم والانقباض، وصوته الحزين يشبه صوت الخنزير الذي يضجع تحت السكين. والوضع الروحي لنيتشه وشوبنهاور عابس، ويرى من سلوكهم الخلقي الانحراف ممزوجاً بالمرارة. وصوت هذين الكاتبين يتميز بمرارة يذكرنا بصوت الجرذان وهي في حالة نزاع. ولا يرى المعنى والمفهوم الصافي العذب الذي يعطيه الدين لمشاكل الحياة ومشتقاتها في تضاعيف سطور هذين الكتابين"[3]
وفي ختام هذا المقال نشير إلى نتائج دراسة نشرتها مجلة الطب النفسي الامريكية (The American Journal of Psychiatry) سنة 2004م تثب وجود علاقة بين الإلحاد والانتحار كما أوصت الدراسة بالدين كعلاج لهذه الظاهرة.
1- نسبة الانتحار لدى الملحدين أعلى ما يمكن!
2- نسبة الانتحار كانت أعلى لدى غير المتزوجين!
3- نسبة الانتحار قليلة بين مَن لديهم أطفال أكثر!
4- الملحدون أكثر عدوانية من غيرهم!
5- الإنسان المؤمن أقل غضباً وعدوانية واندفاعاً!
6- الدين يساعد على تحمل أعباء الحياة والإجهادات ويقلل فرص الإصابة بالاضطرابات النفسية المختلفة!
7- الملحدون كانوا أكثر الناس تفككاً اجتماعياً، وليس لديهم أي ارتباط اجتماعي لذلك كان الإقدام على الانتحار سهلاً بالنسبة لهم!
8- ختمت الدراسة بتوصية: إن الثقافة الدينية هي علاج مناسب لظاهرة الانتحار!
[1] - أنتوني فلو، ترجمة صلاح الفضلي، هناك إله، الناشر المترجم دولة الكويت، تاريخ الطبع 2015م ، ص 108
[2] - د هيثم طلعت، اسلام ويب http://articles.islamweb.net/media/index.php
[3] - العدل الإلهي، الشهيد مطهري، ترجمة محمد عبد المنعم الخاقاني، ص 98