من محاضرة للمرجع الراحل سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره)
نحن في الحقيقة نعرف أهمية الزيارة وأهمية قصد الأئمة (عليهم السلام)، والمهم الآن أن نفكر ماهي الفائدة من هذه الزيارة؟ وما هو هذا الشيء المهم الذي أُركز عليه.
الأمر الأول: نفس الزيارة وثواب الزيارة وما ورد فيها من شد ومن تأكيد، شيء مهذل فالإنسان لا يحسب حسابه ولا يمكن أن يستوعبه الفكر لولا أن الزمن كشف لنا إن هذه القضية لها في بقاء المذهب وفي بقاء الإسلام وإلا لما كان يصدَّق هذا الحديث في اليوم الأول.
الأمر الثاني: تميزت هذه الزيارة بجمع المؤمنين من أقطار الأرض على اختلاف مشاربهم وقومياتهم ومراكزهم الاجتماعية، وعلى اختلاف حالاتهم، من جميع الجهات يتوحدون في وحدة واحدة وهي وحدة الإيمان ليس لهم شيء أخر ولم يكن هناك تمييز، بل إلغاء الفوارق حتى يعرف كل واحد ما يوجد عند الثاني وكل أحد يرى ما عند الثاني، وهذا الشيء من أهم الأشياء التي يؤكد عليها الأئمة (عليهم السلام).
عثرت على رواية معظمة، الإمام يخاطب رجل من أهل الكوفة يقول له " كم بينك وبين البصرة قلت: في الماء خمس إذا طابت الريح وعلى الظهر ثمان ونحو ذلك، فقال: ما أقرب هذا ؟ تزاوروا ويتعاهد بعضكم بعضا فإنه لابد يوم القيامة من أن يأتي كل إنسان بشاهد يشهد له على دينه. وقال: إن المسلم إذا رأى أخاه كان حياة لدينه إذا ذكر الله عز وجل".
في ذلك اليوم على ثمانية أيام والبصرة ليس فيها إمام ولا زيارة ولا شيء إنما تلاقي أخوان وتعارفهم، ثمانية أيام يمشي على الظهر فالإمام يؤكد أن في ذلك حياة لدينكم لأن الإنسان لو كان الهدف واحد فطبيعي يُذكره بموازينه، هذا من أهم الأشياء التي أكد عليها الأئمة (عليهم السلام).
فالمهم هو التلاقي بين الأخوان والتعارف والتحابب بينهم فمهما أمكن أن لا يرى أحد نفسه متميز على الأخر، نعم هناك مميزات جهات اختلاف ثقافية، اختلاف جنسية، اختلاف قومية، اختلاف لغة كل هذه الاختلافات موجودة، هذا كله يلغى في سبيل أشياء مشتركة عندنا هي التي يجب أن تجمعنا في هدف واحد.
وحدة الهدف توحد الأمة هذا الشيء الثاني الذي دائما نحن نؤكد عليه والشيء المطلوب لتحصيل ثمرتها، هذه المدرسة ينبغي للمؤمنين أن يستفيدون منها في طول حياتهم وتذكرهم بتعاليم القرآن في تعاطف المؤمنين وتآلفهم وحسن أخلاقهم (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) سورة النحل - الآية 125، (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) سورة فصلت - الآية 34، ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) سورة الإسراء- آية 34، والى اخر ما ورد عندنا في ما يتعلق بحسن التعامل وصدق الحديث وأداء الأمانة ومراعاة الحقوق العامة والخاصة وعدم الاستهانة بالآخرين واحترام المؤمنين واحترام الناس كلهم، احترام كل من يجامل لتعبيرالإمام الصادق (عليه السلام): (ليس منا من لم يمادح من يمادحه ولم يخالط من يخالطه ولم يحابب من يحاببه) يعني ما يحقق حالة التآلف وحسن المعاشرة على اختلاف الفئات مسلم وغير المسلم أن تكون أخلاقك أخلاق جيدة هذا أيضاً الشيء المهم.
الأمر الثالث: أن يكون للإنسان التزام بدينه وتذكير بدينه هناك أحكام شرعية وهناك واجبات هناك محرمات لابد ان يعرف أن هذه الأمورلا تترك فقط أيام الزيارة بل يلزم أن تكون عنده حالة من التذكير ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) سورة الذاريات- الآية 55...
شهر، شهرين من أول محرم الى آخر صفر نحن مشغولين بذكر الحسين (عليه السلام)، والحسين هو الذي حافظ على الصلاة في أوقاتها في أحلك الظروف في أحلك الأوقات في أحلك الظروف حافظ على الصدق، وابتداءً تكلم بكل صدق فقال سأستشهد، لم يخدع أحداً ولم يكن في مقام خديعة، بل في مقام (وخُير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء)، وكتب الى بني هاشم (من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم أما بعد فان من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام)، ومعنى ذلك أنه صدق في حديثه، الإهتمام بصدق الحديث وكشف الواقع على واقعه، ليس هناك تغرير وليس هناك خديعة وتحايل ولف ودوران، يوجد وضوح منهج أنا هذا منهجي من أراده فبها ومن لم يريده فلا يريده (فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين)، هذا حديثه ولابد أن نستفيد منه طوال حياتنا لا فقط في أيام الزيارة.
وهذا الشيء يجب على المؤمنين أن يهتمون به وأن يعايشوا العالم كله، أصبحت رسالتهم موجهة للعالم كله، لأن العالم كله في أقصى الأرض في بوليفيا في تشيلي في المكسيك كلها جاءت تريد ان ترى أوضاع هذه الزيارة فالشيعة الآن أصبحوا مسؤولين أن يكونوا دعاة الى مذهبهم في أقطار الأرض، لا أن يفكر كل واحد منهم في تجارته وعمله بل لابد ان يفكر بأن له هدف وهو أن يكون مذكر بمذهبه مذكر بدينه مذكر بالله، قد شكى لي بعض رجال الدين المحترمين من بعض الأديان بأن التكنلوجيا الحديثة تعمل على أن تُنسي الناس ذكر الله، فقلت له علاجها أن يكون الانسان المبلغ صادق في دعواه؛ فاذا صدق المبلغ في دعواه يؤثر أثره، والقدر المتيقن أن هؤلاء هم المسؤولون في اقطار الأرض عن رفع كلمة الإسلام الصحيحة الصافية التي أخذت من القرآن ومن أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) ومن أحاديث الأئمة (عليهم السلام) ومن سيرتهم، وحتى سيرة الأنبياء عيسى (عليه السلام) أيضاً سيرته نفس السيروموسى أيضا نفس السيرة، كون الأمم شذت عن واقعها وخرجت عن تعاليم أنبيائها ليس معناه أن الأنبياء تعاليمهم منحرفة، بل تعاليمهم هي تلك التعاليم، وكذلك تعاليم إسلامنا أيضاً تعاليم صحيحة، ولكن شذوذ الأمم ليس معناه شذوذ التعاليم، الآن على المؤمنين الذين يؤمنوا بالحقيقة أن يبرزوها عملياً للناس، وهذه الزيارة مذكرة، بل المواسم كلها مذكرة فموت أمير المؤمنين يذكرنا بمواقف أمير المؤمنين المبدئية مقتل الإمام الحسن ومقتل الإمام الحسين والإمام الكاظم كذلك، وهكذا كل المناسبات التي لدينا في طول السنة هي تذكرنا بهذه المبادئ، فإذا أحد لديه تذكار فما عذره؛ فيجب عليه ان يستفيد من هذه المدرسة استفادة عملية، ويبرز وجه الإسلام الصحيح من طريق سلوكه الصادق لا ان يكون مبني على الرياء بل على الحقيقة، وهذه هي حقيقتي ليس لي غيرها، هذا الشي الذي يلزم ان نهتم به في ما بيننا وتعبير الآية الكريمة ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ "وَالْعَصْر ِإِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْر ٍإِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر) سورة العصر- الآية 1-3، وإلا الانسان في خسران إذا لم يسير على الموازين التي رسمها الله سبحانه وتعالى لعباده، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من المؤمنين.
ونحن أيضاً نقدم شكرنا واعتزازنا وامتناننا للمؤمنين المشاركين على اختلاف مشاركاتهم كل بموقعه على أن تكون القضية مبنية على حقيقتها وأن لا تخرج عن حقيقتها التي رسمت لها وهي دعوة سيد الشهداء كما يقول: (خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر)، فليس لنا حالة عنف تعالوا اصبحوا مثلي، أنا عليّ أن أبرز ما عندي والباقي كلٌ بتوفيقه من أراد الله أن يوفقه يوفقه وأن أراد هو ان يعرض والشيطان يغلبه، هو وشيطانه ( لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة المائدة - الآية 105، ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) سورة المدثر- الآية38، لابد أن نستفيد من هذه الزيارة وأمثالها من المواسم بما يذكرنا وينبهنا الى ابراز واقعنا وحقيقتنا.
(اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) سورة النحل - الآية 128، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة آل عمران- الآية 200، ونسأل الله حسن العاقبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.