نلاحظ أن البعض من الذين يعشقون الجو العبادي والمناجاة مع رب العالمين، يهملون الجانب العلمي إلى درجة ازدراء العلميات، والبعض حتى لا يتفقه في الدين، ويعتبر كأن الرسالة العملية، إنما هي لعوام الناس، ولا قيمة لها، وهو صاحب التخشع والسير!
وهذه ظاهرة خطيرة في هذا المجال! فلابد من وجود برنامج علمي للمؤمن، ليقوي بنيته العلمية، يتضمن عدة مواد، تعينه في تقوية بصيرته، وتجعل سيره إلى الله تعالى على هدى والمواد هي: الفقه، والقرآن الكريم، وسيرة أهل البيت (ع) ورواياتهم، والعقائد.
وعلى رأس هذه المواد، ما يتعلق بهيكل العبادات، وهي: الرسالة العملية، فضروري جداً التفقه في الدين، وخصوصا في المسائل الابتلائية، وإلا فكيف للسالك أن يحرز رضا المولى تعالى، وهو حتى لا يؤدي تكليفه بشكل صحيح؟
ولهذا لو أنك رأيت إنساناً متميزا في بعض الجهات الروحية، وسألته: من تقلد، فقال: لا أقلد أحدا، فوراً تعلم أن هذا الإنسان ليس على شيء، ما دام لا يرجع إلى أهل الخبرة في ظاهر عباداته.
ومن المواد أيضا: تعلم القرآن الكريم تلاوة وتفسيراً، فإن الإنسان الذي لا يعلم المعاني الظاهرية لهذا الكتاب العظيم، بعيد عن هذا العالم.
وأيضا: الاطلاع على سيرة النبي (ص) وآله، ومن المناسب قراءة الكتب التي تتناول السيرة مع شيء من التحقيق والتحليل -لأن هناك سيرة سردية تنقل السيرة، كما هي من دون تحليل- فالقراءة التحليلية بليغة ومؤثرة في استلهام الدروس والعبر، وهذه الأيام -بحمد الله تعالى- عندنا كتب كثيرة في هذه المجال.
ومن الملاحظ أن البعض يركز على جانب من جوانب حياة المعصومين (ع)، فيهتم بجانب المصائب أو الفضائل أو الكرامات، ويهمل الجانب العملي! وإلا ماذا تقول عن إنسان يعشق أمير المؤمنين (ع)، وهو عديم الصلة بنهج البلاغة، فكيف تفسر عشقه هذا؟!.. أليس هذا يعني أنه فقط يهتم بشجاعة أمير المؤمنين (ع)، ويعول -مثلا- على شفاعته يوم القيامة، وهذه مسألة مسلّمة؟ فأين نحن من نهج البلاغة، هذا الكتاب الذي يمثل تراث علي في هذه الأمة؟! أو كيف تفسر أن إنساناً يتألم لمصائب الإمام زين العابدين (ع)، ولكنه لم يقرأ في حياته مرة واحدة صحيفته السجادية.
ومن المعلوم أن الإنسان كلما زاد علما، زاد تفاعلا روحيا، ومن هنا نقول: إن من المناسب جدا للذي يريد زيارة المعصوم أن يأخذ معه إلى جانب كتاب الدعاء والزيارة، كتابا عن سيرة ذلك المعصوم، ويقرأ عن حياة الإمام وكرمه ولطفه، وكيف كان تعامله مع الناس ومع من معه من الخدم، ويقرأ الكلمات الأخلاقية ووصايا الإمام؛ حتى يمتلك رصيدا فكريا معرفيا، مما يجعله يتفاعل بشكل متميز في الزيارة.
إلا أن بعض الناس يضع الجانب العلمي في مقابل الجانب الروحي، فلا يهتم إلا بالقضايا الروحية، فهو روحيا متألق، ولكن مستواه العلمي ضعيف.
ولأن هذا نقص، ومن هنا فهو حتى يبرر نقصه هذا في الجانب العلمي، وعدم امتلاكه ثقافة عالية، فإنه ينتقد العلميات إلى درجة الازدراء، فيقول: إن هذا علم صوري، هذا علم في الكتب، ونحن علومنا مستقاة من عالم الغيب!
ولكن أي غيب هذا؟! وهذه سيرة الذين بلغوا أعلى درجات الكمال في هذا المجال، ويقول عليها كذلك.
فعليه، لابد أن نؤكد على أن هذه البنية العلمية لابد من تحقيقها، لكن بشكل متوازن ومعقول.