زيارة الأربعين في مواجهة ’الكآبة’ و ’العُزلة’!

موقع الأئمة الاثني عشر
زيارات:1279
مشاركة
A+ A A-
تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة "الأئمة الاثنا عشر"

كتب مرتضى معاش: زيارة الاربعين وتحديات تحقيق النهضة الشاملة

 

زيارة الأربعين مناسبة خاصة استثنائية ليس فقط بسبب القدسية العظيمة لهذه الزيارة بل هناك سبب آخر متمثل بالحشود الكبيرة التي تأتي من كل بقاع الأرض لزيارة المعشوق.

اشترك في قناتنا ليصلك كل جديد

وهذا الحماس الكبير الذي يملكونه جاء ضمن الانفتاح الكبير الذي حصل عليه الشيعة بعد ان كانوا محرومين منه قبل عام 2003، فقد كانوا يعيشون في ضنك وانغلاق تام وظلم واضطهاد ومازال الى الان الكثير يعانون هذه المعاناة، ولكن الشيعة في العالم والعراق بعد سقوط النظام البائد وحصول الانفتاح على العالم استطاعوا الوصول الى الامام الحسين (عليه السلام)، وهذا الدافع والحماس لم يخبو بل يتطور كل سنة.

وزيارة الأربعين بهذه الطاقة الكبيرة تفرض علينا ان ندرس هذه الظاهرة بشكل واسع من اجل تحقيق النهضة الشاملة وما نقصده هو النهضة الاجتماعية، السياسية، الاعلامية، الاقتصادية...الخ. وهذا تحدٍ كبير أمامنا كرجال دين وباحثين وحوزات دينية وجامعات ومراكز دراسات ومؤسسات ثقافية ونخب اكاديمية وثقافية وإعلامية وسياسية تفرضها علينا استحقاقات زيارة الأربعين.

وكذلك تحتاج الى وقفة عميقة مشتركة من خلال المؤتمرات والندوات ومراكز البحوث والدراسات للوصول الى الكيفية الصحيحة لاستثمارها في سبيل تحقيق التقدم الاجتماعي.

النهضة الاجتماعية

اليوم العالم يعيش تطورا تكنولوجيا كبيرا ووصل الى القمة بما يسمى بالذكاء الاصطناعي واعتماد المجتمعات على وسائل التواصل الاجتماعي مما جعلها تعيش حالة من الاختلال الثقافي والسلوكي وهذا ادى الى انعزال تام وأصاب الكثير حالة الاضطراب الفردي.

مما حدا ببعض الدول الاهتمام البالغ بإقامة المهرجانات والاحتفالات والتجمعات بهدف إخراج مجتمعاتهم من الحالة الفردية الى الحالة الجمعية من اجل تعزيز روح الجماعة، لان المجتمع الذي لا يوجد فيه تفاعل اجتماعي او تواصل يكون مجتمعا ميتا، فالانعزال يؤدي الى الكآبة والوحدة المقيتة.

ومن هنا علينا ان نعي ونعرف نعمة الزيارات وخصوصا زيارة الامام الحسين (عليه السلام)، فهذا التموج الجمعي الكبير التلقائي يدفع الناس لإظهار القيم الإنسانية النبيلة كالعطاء والتكافل والكرم التي تسهم في تعزيز الروح الجمعية وتكسر حواجز الانعزال والسلبية، فلابد ان ندرس هذه الحالة من اجل توطيد الثقافة المجتمعية والمشاركة الإنسانية التضامنية لترسيخ هذه القيم واستثمارها الشامل في الإصلاح الاجتماعي وتحقيق أمنيات الناس وتطلعاتهم.

وهذه المسؤولية تقع على عاتق النخب ولكن للأسف نلاحظ هناك بعض النخب تقوم بجلد ذاتها وجلد المجتمع عن طريق التعاطي مع هذه الظاهرة الجمعية الجميلة بطريقة سلبية وانتقادها، بينما الصحيح والمفروض هو استثمار هذه الظواهر كقيمة فكرية وتفاعلية في طريق الإصلاح والتغيير.

النهضة الاقتصادية

الانفتاح الشيعي على العالم له تحديات وواحدة منها هو التحدي الاقتصادي، وزيارات اهل بيت رسول الله (ص) بشكل عام والزيارات الحسينية بشكل خاص تعد من اهم الاسباب التي تحرك الاقتصاد العراقي.

ولكن هذا لا يكفي، لأنه يحتاج الى تنظير عملي لبناء الاقتصاد العراقي من قبل المفكرين والمتخصصين والمسؤولين وان يتناسب مع الحركة الاقتصادية الكبيرة ومحاربة الفساد والعمل على رفع العوائق الاستبدادية والبيروقراطية التي تعيق العملية الاقتصادية، فالكثير من المستثمرين في العالم يودون الاستثمار في الأماكن المقدسة للدوافع المعنوية ومعرفتهم الجيدة بفوائد السياحة الدينية، ولكن العوائق الداخلية والقوانين تشكل العائق الاكبر لهم.

فرغم الانفتاح الكبير الحاصل للعراق لكنه لم يتزامن معه بناء اقتصادي قوي ليسهم بتطور مدن العراق خصوصا المدن المقدسة كي تستوعب الزائرين.

ان الحكومة تواجه مشاكل كبيرة بسبب صراع الكتل السياسية التي تتداخل بها عوامل داخلية واقليمية. وواجبنا هو مشاركة مجتمعية لكافة المؤسسات والافراد في العمل على تغيير القوانين التي تمنع استثمار القطاع الخاص والتشجيع على تبني عقلية القطاع الخاص وتشغيل الأيدي العاملة في الصناعة والزراعة، وتحقيق التنمية في التعليم والصحة وبناء المدارس والجامعات.

والتأكيد في التعامل وفق نظرية الادارة الحديثة التي تحث على ثقافة الترشيد فهناك هدرٌ كبير في المال العام وازمة المياه تعد أحد أسباب الهدر ويجب ان نتعلم ونعلّم اولادنا على إدارة الموارد خصوصا الموارد المائية والكهربائية.

ويتحقق جزء من هذه الواجبات بسعينا نحن، كحوزات، جامعات، مؤسسات، واعلاميين، ورجال دين، حين نعمل على التثقيف الشامل وهذا يحتاج الى تغيير الافكار القديمة واستبدالها بأفكار جديدة تتناسب مع الانفتاح الحاصل.

النهضة في منظومة القيم

ان الامام الحسين (عليه السلام) عبرة وعبرة فأحداث عاشوراء تحرك العواطف وتهتز لها اقسى القلوب وتتزلزل لها الابدان فتترسخ في عمق الوجود الإنساني، فالبكاء في المجالس الحسينية هو علاج للمشاعر الانسانية حيث تتكسر جدران القسوة وتتفتت التراكمات لتفتح الطريق امام التغيير والاصلاح وبناء منظومة القيم النبيلة، فعندما يتعاطف ويتفاعل الشخص مع قضية ابي الفضل العباس (عليه السلام) يكون في محاولة لممارسة قيمة الوفاء وخصوصا الوفاء للقضية الحسينية ومبادئها السامية، فكل القيم الإنسانية العظيمة موجودة في عاشوراء، لذلك فان التكامل بين العبرة والعبرة في النهضة الحسينية هو من اجل بناء الانسان واصلاحه في امتداد مستمر الى يوم القيامة.

مواضيع مختارة