هل هناك نسبة أو صلة رحم بين الشمر بن ذي الجوشن (لعنه الله) والسيّدة أمّ البنين (سلام الله عليها)؟
إنّ السيّدة أمّ البنين (عليها السلام) هي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر الكلابيّة العامريّة، وأمّها ثمامة بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب. [ينظر: عمدة الطالب ص356].
وشمر (لعنه الله) هو ـ كما يُقال على الظاهر ـ ابن ذي الجوشن بن الأعور بن عمرو بن معاوية ـ وهو ضِباب ـ بن كلاب بن ربيعة بن عامر الضبابيّ الكلابيّ. وقد اختلف في اسم أبيه فقيل: اسمه أوس، وقيل: شرحبيل، وقيل: جوشن بن ربيعة الكلابيّ، وهناك تشويش وغموض في نسبه (لعنه الله).
وبناءً على هذا، يظهر أنّ الالتقاء في النسب في (كلاب)، فإنّ أمّ البنين (عليها السلام) من ذرية عامر بن كلاب، بينما الشمر من ذرية معاوية بن كلاب. وعليه، فما ورد في كتب السير والمقاتل [ينظر: اللهوف ص54]، من تسمية شمر (لعنه الله) لأبي الفضل العبّاس وإخوته (عليهم السلام) بـ « بني أختي »، وما جاء من قول الإمام الحسين (عليه السلام) لهم: «أجيبوه وإن كان فاسقاً، فإنّه بعض أخوالكم »، فليس ذلك على أنّها أخته حقيقة، فقد تقدّم: أنّ الالتقاء في الجدّ الأعلى لا الأب المباشر حتّى يكون بني أمّ البنين (عليها السلام) أولاد أخته، ولهذا قال العلّامة الأوردباديّ في [حياة أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) ص206] بعد تحقيق أنيق: « فتعبير الشمر (عليه لعائن الله) عن بني أمّ البنين بـ(بني الأخت) ليس إلّا لِمَا جرت عليه عادة العرب من تسمية بنت القبيلة بالأخت، وبنيها ببنيها، وابنها بالأخ، وبنيه ببنيه ».
وينبغي التنبيه على أنّه نقل الشيخ عبّاس القميّ (قدّس سرّه) في [سفينة البحار ج4 ص492]: « عن كتاب (المثالب) لهشام بن محمّد السائب الكلبيّ: أنّ امرأة ذي الجوشن خرجت من جبانة السبيع إلى جبانة كندة، فعطشت في الطريق ولاقت راعياً يرعى الغنم، فطلبت منه الماء فأبى أن يعطيها إلّا بالإصابة منها، فمكّنته فواقعها الراعي، فحملت بشمر »، وهذا ما يفسّر معنى قول سيّد الشهداء (عليه السلام) لشمر يوم عاشوراء: « يا ابن راعية المعزى » [ينظر: الإرشاد ج2 ص96، أنساب الأشراف ج3 ص187، تاريخ الطبري ج4 ص322، وغيرها]، وقد جاء كلام زهير بن القين (رضوان الله عليه) لشمر: « يا ابن البوّال على عقبيه، ما إيّاك أخاطب، إنّما أنت بهيمة، والله ما أظنّك تحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم » [ينظر: تاريخ الطبري ج4 ص324، الكامل في التاريخ ج4 ص63، وغيرها]..
ولهذا نجد مثل العلّامة الأوردباديّ في [حياة العباس (عليه السلام) ص204] يقول: « وأمّا شمر فنسبه الصوريّ أنّه ابن ذي الجوشن.. » إشارة منه إلى أنّه ابن زنا، ويقول المحقّق النمازي في [المستدركات ج4 ص220]: « شمر بن ذي الجوشن: تولّد من الزنا ».
وهذه الحقيقة تسندها الأحاديث القطعيّة المرويّة عند الشيعة والسنّة من أنّ نصب الشخص وبغضه لأمير المؤمنين (عليه السلام) ولأولاده (عليهم السلام) علامة كونه ابنَ زنا، كالمرويّ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): « يا عليّ لا يبغضك إلّا ولد الزنا »، وقد كان الصبيّ ـ إذا شُكّ في نسبه ـ على عهد الصحابة يُعرَض عليه محبّة أمير المؤمنين (عليه السلام) فإن قبلها أُلحق بمَن ينتمي إليه وإن أنكرها نفي، ورُوي: أنّ جابر بن عبد الله الأنصاريّ (رضوان الله عليه) كان يدور في سكك الأنصار بالمدينة وهو يقول: « يا معشر الأنصار، أدّبوا أولادكم على حبّ علي، فمَن أبى فانظروا في شأن أمّه ».
وتسندها أيضاً الأحاديث المستفيضة أنّه لا يقتل الأنبياء وأولاد الأنبياء (عليهم السلام) إلّا أولاد الزنا والبغايا وأنّ قاتل الحسين (عليه السلام) ابن زنا، وقد روى ابن قولويه في [كامل الزيارات ص161] جملة من الأحاديث وبأسانيد متعدّدة عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام): « كان قاتل الحسين (عليه السلام) ولد زنا ».
فأين هذا ابن البوّال على عقبيه وابن راعية المعزى، من سليلة الأشراف والشجعان، فقد رُوي: « أن أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) قال لأخيه عقيل - وكان نسّابة عالماً بأنساب العرب وأخبارهم -: انظر إلى امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً، فقال له: تزوّج أمّ البنين الكلابيّة، فإنّه ليس في العرب أشجع من آبائها، فتزوّجَها » [عمدة الطالب ص357، سر السلسلة العلوية ص88].
ويتبيّن ممّا تقدّم: أنّ صلة القرابة بين السيّدة الطاهرة أمّ البنين (عليها السلام) وبين أشقى الأشقياء شمر بن ذي الجوشن (عليه لعائن الله) هي أنهما أبناء عمومة بحسب الظاهر، ويلتقي نسبهما في (كلاب) الجدّ الأعلى، وأما بحسب الواقع فهو ولد لغية نتاج سفاح وزنا (قبّحه الله وأخزاه).