يظهر من الروايات أن للإمام الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين زيارتين:
الأولى: زيارة جابر بن عبدالله الأنصاري رضوان الله تعالى عليه وهو من أجلّاء أصحاب رسول الله وأمير المؤمنين وأن الرسول (صلى الله عليه وآله) أخبره بطول عمره، وأنّه سيدرك الإمام الباقر(عليه السلام) ويبلّغه سلامه، وحدّث ما أخبر النّبي (صلى الله عليه وآله)، وزيارته هذه إمّا من إنشائه كما يظهر، أو أنّه قد أخذها من أهل البيت: لموافقتها بقية الزيارات المأثورة، وأنّها عالية المضامين.
بحار الأنوار بسنده: قال عطا ـ عطيّة العوفي ـ كنت مع جابر بن عبدالله يوم العشرين من صفر، فلمّا وصلنا الغاضريّة اغتسل في شريعتها ولبس قميصاً كان معه طاهراً، ثمّ قال لي: أمعك شيء من الطيب يا عطا؟ قلت: معي سعد، فجعل منه على رأسه وسائر جسده ـ ربما يتطيّب ذلك المكان الشريف ـ ثمّ مشى حافياً حتّى وقف عند رأس الحسين (عليه السلام) وكبّر ثلاثاً، ثمّ خرّ مغشيّاً عليه فلمّا أفاق سمعته يقول:
«اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا آلَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا صِفْوَةَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا خِيَرَةَ اللهِ مِنْ خَلْقِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا سادَةَ السّاداتِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا لُيُوثَ الْغاباتِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا سُفُنَ النَّجاةِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا اَبا عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنَ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ عِلْمِ الاْنْبِياءِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ آدَمَ صِفْوَةِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ نُوحٍ نَبِىِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ اِبْراهيمَ خَليüلِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ اِسْماعيüلَ ذَبيحِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ مُوسى كَليمِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ عيسى رُوحِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبيبِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يَا بْنَ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفى، اَلسَّلامُ عَلَيْك يَا بْنَ عَلِىٍّ الْمُرْتَضى، اَلسَّلامُ عَلَيْك يَا بْنَ فاطِمَةَ الزَّهْرآءِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يَا بْنَ خَديجَةَ الْكُبْرى، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا شَهيدُ بْنَ الشَّهيدِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا قَتيلُ بْنَ الْقَتيلِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وَلِىَّ اللهِ وَابْنَ وَلِيِّهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا حُجَّةَ اللهِ وَابْنَ حُجَّتِهِ عَلى خَلْقِهِ، اَشْهَدُ اَنَّك قَدْ اَقَمْتَ الصَّلوةَ، وَآتَيْتَ الزَّكـوةَ، وَاَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَرُزِئْتَ بِوالِدَيْك، وَجاهَدْتَ عَدُوَّك وَاَشْهَدُ اَنَّك تَسْمَعُ الْكَلامَ، وَتَرُدُّ الْجَوابَ، وَاَنَّك حَبيبُ اللهِ وَخَليلُهُ وَنَجيبُهُ، وَصَفِيُّهُ وَابْنُ صَفِيِّهِ، يا مَوْلاىَ وَابْنَ مَوْلاىَ، زُرْتُك مُشْتاقاً فَكُنْ لى شَفيعاً اِلىَ اللهِ، يا سَيِّدى، وَاَسْتَشْفِعُ اِلَى اللهِ بِجَدِّك سَيِّدِ النَّبِيّينَ، وَبِابيüك سَيِّدِ الْوَصِيّينَ، وَبِاُمِّك فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِسآءِ الْعالَمينَ، اَلا لَعَنَ اللهُ قاتِليك، وَلَعَنَ اللهُ ظالِميك، وَلَعَنَ اللهُ سالِبيك وَمُبْغِضيك، مِنَ الاْوَّلينَ وَالاْخِرينَ ».
ثمّ انحنى على القبر ومرّغ خدّيه عليه، وصلّى أربع ركعات، ثمّ جاء إلى قبر علي بن الحسين (عليه السلام) فقال:
«اَلسَّلامُ عَلَيْك يا مَوْلاىَ وَابْنَ مَوْلاىَ، لَعَنَ اللهُ قاتِليüك، وَلَعَنَ اللهُ ظالِميك، اِنّى اَتَقَرَّبُ اِلَى اللهِ بِزِيارَتِكُمْ وَبِمَحَبَّتِكُمْ، وَاَبَرَءُ اِلَى اللهِ مِنْ اَعْدآئِكُمْ».
ثمّ قبّله وصلّى ركعتين، والتفت إلى قبور الشهداء فقال:
«اَلسَّلامُ عَلَى الاَْرْواحِ الْمُنيخَةِ بِقَبْرِ اَبي عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا طـاهِريüنَ مِنَ آلدَّنَسِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا مَهْدِيُّونَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا اَبْرارَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمَلائِكَةِ الْحآفّينَ بِقُبُورِكُمْ اَجْمَعيüنَ، جَمَعَنَا اللهُ وَاِيّاكُمْ في مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِهِ وَتَحْتِ عَرْشِهِ».
ثمّ جاء إلى قبر العبّاس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) فوقف عليه وقال:
«السّلامُ عليك يابن أميرالمؤمنين أشهدُ أنّك قد بالغتَ في النصيحة وأدّيت الأمانة وجاهدتَ عدوّك وعدوّ أخيك، فصلواتُ الله على روحِك الطيّبة وجزاك الله من أخ خيراً».
ثمّ صلّى ركعتين ودعا إلى الله ومضى[1].
الزيارة الثانية:
تهذيب الشيخ بسنده عن صفوان بن مهران الجمّال: قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الأربعين: تزور عند ارتفاع النهار وتقول:
«السّلام على وليّ الله وحبيبه» إلى آخر الزيارة.
فالله السّلام، ومنه السّلام، وإليه يعود السّلام، وفي مقام الدعاء أو الإخبار تقول: السلام على ولي الله وحبيبه، فتخاطب الإمام الحسين(عليه السلام) بالسّلام عليه، برفع درجاته في عالم الملكوت، كما تخبره أنك سلم لمن سالمه كما أنه من قبلك لا يصل إليه الأذى بمعصية الله، وبما تشينه في دينه ومذهبه وشخصيّته، ثمّ تسلّم عليه، وتنسبه إلى ولاية الله وأنه محبوبه، والذين آمنوا أشدّ حبّاً لله، وأن الله يحبّهم ويحبّونه. وإليكم تمام الزيارة:
«اَلسَّلامُ عَلى وَلِىِّ اللهِ وَحَبيبِهِ، اَلسَّلامُ عَلى خَليلِ اللهِ وَنَجيبِهِ، اَلسَّلامُ عَلى صَفِىِّ اللهِ وَابْنِ صَفِيِّهِ، اَلسَّلامُ عَلىَ الْحُسَيْنِ الْمَظْلُومِ الشَّهيدِ، اَلسَّلامُ على اَسيرِ الْكُرُباتِ، وَقَتيلِ الْعَبَراتِ، اَللّـهُمَّ اِنّى اَشْهَدُ اَنَّهُ وَلِيُّك وَابْنُ وَلِيِّك، وَصَفِيُّك وَابْنُ صَفِيِّك، الْفآئِزُ بِكَرامَتِك، اَكْرَمْتَهُ بِالشَّهادَةِ، وَحَبَوْتَهُ بِالسَّعادَةِ، وَاَجْتَبَيْتَهُ بِطيبِ الْوِلادَةِ، وَجَعَلْتَهُ سَيِّداً مِنَ السّادَةِ وَ قآئِداً مِنَ الْقادَةِ، وَذآئِداً مِنْ الْذادَةِ، وَاَعْطَيْتَهُ مَواريثَ الاْنْبِيآءِ، وَجَعَلْتَهُ حُجَّةً عَلى خَلْقِك مِنَ الأْوْصِيآءِ، فَاَعْذَرَ فىِ الدُّعآءِ، وَمَنَحَ النُّصْحَ، وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فيك، لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَك مِنَ الْجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ، وَقَدْ تَوازَرَ عَلَيْهِ مَنْ غَرَّتْهُ الدُّنْيا، وَباعَ حَظَّهُ بِالاْرْذَلِ الأْدْنى، وَشَرى آخِرَتَهُ بِالَّثمَنِ الاْوْكَسِ، وَتَغَطْرَسَ وَتَرَدّى فى هَواهُ، وَاَسْخَطَك وَاَسْخَطَ نَبِيَّك، وَاَطـاعَ مِنْ عِبادِك اَهْلَ الشِّقاقِ وَالنِّفاقِ، وَحَمَلَةَ الاْوْزارِ الْمُسْتَوْجِبينَ النّارَ، فَجاهَدَهُمْ فيك صابِراً مُحْتَسِباً، حَتّى سُفِك فى طـاعَتِك دَمُهُ، وَاسْتُبيحَ حَريمُهُ، اَللّـهُمَّ فَالْعَنْهُمْ لَعْناً وَبيلاً، وَعَذِّبْهُمْ عَذاباً اَليماً، اَلسَّلامُ عَلَيْك يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يَا بْنَ سَيِّدِ الاْوْصِيآءِ اَشْهَدُ اَنَّك اَمينُ اللهِ وَابْنُ اَمينِهِ، عِشْتَ سَعيداً، وَمَضَيْتَ حَميداً وَمُتَّ فَقيداً مَظْلُوماً شَهيداً، وَاَشْهَدُ اَنَّ اللهَ مُنْجِزٌ ما وَعَدَك، وَمُهْلِك مَنْ خَذَلَك وَمُعَذِّبٌ مَنْ قَتَلَك، وَاَشْهَدُ اَنَّك وَفَيْتَ بِعَهْدِ اللهِ، وَجاهَدْتَ فى سَبيلِهِ حَتّى اَتيكَ الْيَقينُ، فَلَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ ظَلَمَكَ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً سَمِعَتْ بِذلِك فَرَضِيَتْ بِهِ، اَللّـهُمَّ اِنّى اُشْهِدُكَ اَنّى وَلِىٌّ لِمَنْ والاهُ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداهُ، بِاَبى اَنْتَ وَاُمّى يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، اَشْهَدُ اَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فىِ الاْصْلابِ الشّامِخَةِ وَالاْرْحامِ الْمُطَهَّرَةِ، لَمْ تُنَجِّسْك الْجاهِلِيَّةُ بِاَنْجاسِها، وَلَمْ تُلْبِسْك الْمُدْلَهِمّاتُ مِنْ ثِيابِها، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ مِنْ دَعآئِمِ آلدّينِ وَاَرْكانِ الْمُسْلِمينَ، وَمَعْقِلِ الْمُؤْمِنينَ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ الاْمامُ الْبَرُّ التَّقِىُّ، الرَّضِىُّ الزَّكِىُّ الْهادِى الْمَهْدِىُّ، وَاَشْهَدُ اَنَّ الاْئِمَّةَ مِنْ وُلْدِك كَلِمَةُ التَّقْوى، وَاَعْلامُ الْهُدى، وَالْعُرْوَةُ الْوُثْقى، وَالْحُجَّةُ على اَهْلِ الدُّنْيا، وَاَشْهَدُ اَنّى بِكُمْ مُؤْمِنٌ، وَبِاِيابِكُمْ مُوقِنٌ، بِشَرايِعِ دينى وَخَواتيمِ عَمَلى، وَقَلْبى لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ، وَاَمْرى لاِمْرِكُمْ مُتَّبِـعٌ، وَنُصْرَتى لَكُمْ مُعَدَّةٌ، حَتّى يَاْذَنَ اللهُ لَكُمْ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لامَعَ عَدُوِّكُمْ، صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكُمْ، وَعلى اَرْواحِكُمْ وَاَجْسادِكُمْ، وَشاهِدِكُمْ وَغآئِبِكُمْ، وَظاهِرِكُمْ وَباطِنِكُمْ، آمينَ رَبَّ الْعالَمينَ».
وتصلّي ركعتين وتدعو بما أحببت وتنصرف[2].
ومن الواضح الثابت: أن الزيارات المأثورة في مدرسة أهل البيت: لم تكن مجرّد ألفاظ وإبراز عواطف وأحاسيس من دون أن يكون من ورائها خزائن وكنوز من العلم والمعرفة، بل نصوص الزيارات تحتوي على مفاهيم شامخة في العقائد الحقّة، والأخلاق الحسنة، والسلوك الطيّب، والتفاعل مع صفات الإمام المزور، ومع حياته وسيرته الذاتيّة، وارتباطه بالسماء، وخلافته في أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، ومن هذا المنطلق نجد ما ورد في زيارة الأربعين، ولاسيّما في الثانية المنصوصة والمعتبرة دلالات واضحة وإشارات لامعة، تنصّ على فلسفة وجود الإمام الحسين وأنه من دعائم الدين، وأركان المسلمين، فكلّ مسلم يركن إليه في إيمانه وعقائده وعباداته وحياته، كما يدخل كلّ مؤمن في حصنه ومعقله، ويركب سفينته ويستضيء بمصباحه، فإنه الإمام البرّ التقيّ الرضيّ الزكيّ الهاديّ المهديّ، فكلّ واحد يقتدي ويأتم ويتأسّى بهديه وبرّه وتقواه، ثمّ بعلم وشهود يتبع الأئمّة المعصومين: من ولده، فإنّهم كلمة التقوى وأعلام الهدى، والعروة الوثقى، وحجّة الله الكبرى على أهل الدنيا، ولله الحجّة البالغة.
ويبدو لي أن البيت القصيد في هذه الزيارة الإشارة إلى سبب شهادته، وأنه لماذا اختار القتل في سبيل الله، وذلك في قوله عليه السلام: (وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة) فلولا قيامه وثورته لما كان يقوم للإسلام قائمة، فإن الإسلام كما هو المعروف محمّدي الحدوث وحسيني البقاء (إن كان دين محمّد لم يستقم إلّا بقتلي فيا سيوف خذيني) فنهض الإمام الحسين وبذل مهجته الطاهرة، وسفك دمه الزكيّ، ليستنقذ عباد الله من الجهالة، فإنهم غرقوا في جهلهم، فلابدّ من نجاة غريق وكما اختاروا في ضلالتهم عن الحق وأهله، فانّ من يدعي خلافة رسول الله كيزيد بن معاوية يشرب الخمور، ويسفك الدماء الزكيّة، وأنكر الوحي والمعاد قائلاً: (لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل) فلابدّ من هادٍ، فإن لكلّ قوم هاد، فثار الإمام عليه السلام وقدّم النفس والنفيس من أجل إعلاء كلمة الحق، وحفاظاً على إسلام جدّه وأبيه، ولا يبالي بالموت وقع عليه أم وقع على الموت، وإن اجتمع عليه ثلاثين ألف من المنافقين من غرّتهم الدنيا الدنيّة وزبرجها وزخرفها، وباعوا حظهم بالأرذل الأدنى، بطاعتهم لمثل يزيد ومن قبله من الطغاة والجائرين فباعوا آخرتهم بالثمن الأوكس القليل كملك الريّ، فتغطرسوا وتردّوا في هواههم واتبعوا شهواتهم، وأسخطوا الله وأسخطوا نبيّه، ومن يؤذى الله ورسوله فعليه لعنة الله في الدنيا والآخرة، وله عذاب مهين، فأطاعوا خلفاء الجور من أهل الشقاق والنفاق وحملة الأوزار المستوجبين للنار، إلى آخر ما في مفردات هذه الزيارة من الحقائق العقائديّة والتاريخيّة، كما يقف عليها العارف والمنصف، وكلّ من أراد أن يعرف الحق، وأنّه يبحث عن الحقيقة التي غابت شمسها وراء سحاب الظلم والجهالة وحبّ الدنيا.
هذا ولا بأس أن أُشير إلى خبر جابر الأنصاري (رحمه الله) مرّة اُخرى فإنّه أوّلاً: يعدّ أوّل زائر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يزور الإمام الحسين (عليه السلام) بعد شهادته، وثانياً: لما في الحديث الشريف من فوائد وعوائد يقف عليها القارئ النبيل.
ورد في (بشارة المصطفى) بسنده عن عطيّة العوفي قال: خرجت مع جابر بن عبدالله الأنصاري؛ زائرين قبر الحسين بن علي بن أبي طالب فلمّا وردنا كربلاء دنا جابرمن شاطئ الفرات فاغتسل ثمّ ائتزر بإزار وارتدى بآخر، ثمّ فتح صرّة فيها سعد فنثرها على بدنه، ثمّ لم يخط خطوة إلّا ذكر الله حتّى إذا دنا من القبر قال: ألمسنيه، فألمسته، فخرّ على القبر مغشيّاً عليه، فرششت عليه شيئاً من الماء، فأفاق، وقال: يا حسين ـ ثلاثاً ـ ثمّ قال: حبيب لا يجيب حبيبه.
ثمّ قال: وأنّى لك بالجواب وقد شحطت أوداجك على أثباجك ـ أي تضرج بالدم ـ وفُرّق بين بدنك ورأسك، فأشهد أنّك ابن النبيّين، وابن سيّد المؤمنين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيّد النقباء، وابن فاطمة سيّدة النساء، ومالك لا تكون هكذا، وقد غذّتك كف سيّد المرسلين، وربّيت في حجر المتّقين، ورُضعت من ثدي الإيمان، وفطمت بالإسلام، فطبت حيّاً وطبت ميّتاً، غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيّبة لفراقك، ولا شاكّة في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريّا.
ثم جال ببصره حول القبر وقال:
«اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ أيُّها الاْرْواحِ الَّتى حَلَّتْ بِفِنآءِ قَبْرِ الحُسَين، وَاَناخَتْ بِرَحْلِهِ، اَشْهَدُ اَنَّكُمْ اَقَمْتُمُ الصَّلوةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ، وَاَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَجاهَدْتُمْ الْمُلْحِدينَ، وَعَبَدْتُمُ اللهَ حَتّى اَتيكُمُ الْيَقينُ».
والذي بعث محمّداً بالحقّ لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.
قال عطيّة: فقلت لجابر: كيف ولم نهبط وادياً ولم نَعلُ جبلاً، ولم نضرب بسيف، والقوم قد فُرّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأولادهم وأرملت الأزواج؟ فقال لي: يا عطيّة سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من أحبّ قوماً حشر معهم، ومن أحبّ عمل قوم أُشرك في عملهم، والذي بعث محمّداً بالحقّ إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه، خذوني نحو أبيات كوفان فلمّا صرنا في بعض الطريق فقال لي: يا عطيّة هل اُوصيك وما أظنّ انّني بعد هذه السفرة ملاقيك: أحب محبّ آل محمّد (صلى الله عليه وآله) ما أحبهم، وأبغض مبغض آل محمّد ما أبغضهم، وان كان صوّاماً قوّاماً، أرفق بمحبّ آل محمّد، فإنه ان تزلّ قدم بكثرة ذنوبهم، ثبتت لهم اخرى بمحبّتهم، فإن محبّهم يعود إلى الجنّة، ومبغضهم يعود إلى النار[3].
وهذه من أعظم البشارات إشارة للمؤمنين والمؤمنات، فطوبى لهم الجنّة وحسن مآب، طوبى لهم ولائهم وحبّهم لمحمّد وآل محمّد، ولمواليهم ومحبّيهم وشيعتهم الكرام.
اللّهم اجعلنا من شيعة أهل البيت في الدنيا والآخرة.
الهوامش:
[1] البحار::98 33 عن مصباح الزائر: 151 ـ 152.
[2] البحار: 98 ص332 عن التهذيب::6 113.
[3] البحار:98 169 عن البشارة: 74.
المصدر: رياض العارفين في زيارة الأربعين المرحوم السيد عادل العلوي، خصوصية زيارة الأربعين 112.