نلاحظ في الخطاب الحسيني أنّه ركَّز على بيان المنطلقات الإيمانية له، وحاول جهد إمكانه أن يُقنع بها الآخر، فقد كان خطابه حافلاً بذلك، وكلماته مشهورة، ومنها ـ مثالاً لا حصراً: «فلمّا مات الحسن بن علي ازداد البلاء والفتنة، فلم يبقَ لله وليّ إلّا خائف على نفسه، أو مقتول، أو طريد، أو شريد. فلمّا كان قبل موت معاوية بسنتين حجَّ الحسين بن علي (عليه السلام) وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس معه. وقد جمع الحسين بن علي (عليه السلام) بني هاشم، رجالهم ونساءهم، ومواليهم، وشيعتهم، مَن حجّ منهم ومَن لم يحج، ومن الأنصار ممَّن يعرفونه، وأهل بيته، ثمّ لم يدَع أحداً من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومن أبنائهم والتابعين، ومن الأنصار المعروفين بالصلاح والنُّسك إلّا جمعهم، فاجتمع عليه بمنى أكثر من ألف رجل، والحسين (عليه السلام) في سرادقه، عامّتهم التابعون وأبناء الصحابة، فقام الحسين (عليه السلام) فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد: فإنّ الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم، وإنّي أُريد أن أسألكم عن أشياء، فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبت فكذّبوني، اسمعوا مقالتي، واكتموا قولي، ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم مَن أمنتموه ووثقتم به، فادعوهم إلى ما تعلمون؛ فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون. فما ترك الحسين شيئاً أنزل الله فيهم من القرآن إلّا قاله وفسّره، ولا شيئاً قاله الرسول في أبيه وأُمّه وأهل بيته إلّا رواه، وكل ذلك يقول الصحابة: اللّهم نعم، قد سمعناه وشهدناه. ويقول التابعون: اللّهم قد حدَّثنا مَن نصدِّقه ونأتمنه. حتى لم يترك شيئاً إلّا قاله، ثمّ قال: أنشدكم بالله إلّا رجعتم وحدَّثتم به مَن تثقون به. ثمّ نزل وتفرَّق النّاس على ذلك»[1].
وفي هذا النص عبرة لنا في شدّة اهتمامه (عليه السلام) بإيصال الحقّ والمحافظة عليه من الاندراس، ومواجهة عملية التجهيل المركّب الواسعة التي تقوم بها أجهزة إعلام الدولة التكفيرية الأُموية القمعية التي تُعظِّم الحاكم بالجور (الخليفة)، وتوظّف معالم الدين لخدمة سلطته المعادية لله وللرسول والمؤمنين.
وأيضاً بيان الحقّ في مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) في تعريف الإسلام للنّاس، وأنّ أيّ حذف لهم عن مقامهم الذي نصّبهم الله فيه فهو تشويه للدين وإضلال للمؤمنين.
كما قد حفلت كلماته التي وصلتنا بتعاريف إسلامية للمفاهيم التالية:
1ـ الحياة والموت: عند انتشار الباطل وضياع المقاييس: «فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة، ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً»[2].
2ـ الدنيا: فقد رُوي عنه: «عِبادَ الله، اتّقُوا الله وكونوا من الدّنيا عَلى حَذَر، فإنّ الدنيا لو بقيت لأحدٍ وبقي عليها أحدٌ، كانت الأنبياء أحقّ بالبقاء، وأَوْلى بالرضا، وأرضى بالقضاء، غير أنّ الله تعالى خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء، فجديدها بالٍ، ونعيمها مضمحل، وسرورها مُكْفَهِر، والمنزل بُلغَة، والدَّار قُلعَة»[3].
3ـ الفتح (النصر): فقد رُوي أنّه أرسل إلى أخيه محمد بن الحنفية: «بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى بني هاشم، أمّا بعد: فإنّه مَن أُلحقَ بي منكم استُشهِد معي، ومَن تخلَّف لم يبلغ الفتح، والسّلام»[4].
---------------------
[1]- الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص18 ـ19. وقد وردت الرواية مفصَّلة في كتاب سليم بن قيس الكوفي: ص320.
[2]- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص305.
[3]- ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج41، ص218.
[4]- الصفّار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات: ص502.