الحديث هنا حول موضوع العلاقة الزوجية لأنها من المسائل المهمة حيث أن الأسرة هي العماد الأساسي في بناء المجتمع ومتى ما كانت العلاقة بين الزوجين تسير في الاتجاه الصحيح أمكن للإنسان أن يستنتج إن البناء الاجتماعي في الاتجاه السليم.
ونشير هنا إلى بعض الجوانب تنبيهاً على أخطاء أو عثرات في العلاقة بشكل متتابع:
الأول: القول السيء: الأخطاء في العلاقة قد تكون فعلاً كالاعتداء والعنف كأن يتعدى أحد الزوجين على الأخر بالإيذاء أو الضرب أو التعنيف، وأحيانا لا يكون هناك فعلُ بهذا المعنى السيء.
الثاني: لحن القول السيء: قد يكون الإشكال من جهة اللفظ، فهناك بعض الناس ممن لا يصونون لسانهم عن السوء وأول من يصطلي بهذه النار اللفظية أهله -أبناءه وبناته وزوجاته ثم بعد ذلك سائر الناس، بل في كثير من الأحيان نجد بعض الناس في المجتمع لسانهم حسن بخلاف حالهم داخل البيت تجدهم ذات لسان سيء.
وذلك أما لعدم الرقابة.
أو لعدم إمكانية الرد: كما لو تهجم على ابنه ولم يقابله الابن بالرد، وإذا سخر من زوجته ربما لا ترد.
لكنه لو فعل ذلك في المجتمع لوجد له شخصاً ملسوناً أكثر منه، ومثل هذه النوعية قد تجد نفسها في داخل البيت سيئة اللسان واللفظ وفي المجتمع حسن الكلام، وقد يكون ذلك من كلا الطرفين من الزوج والزوجة.
وقد جاء في الكثير من الأحاديث ذم لهذه الشخصية والنوعية فقد نعت بأنه مبغوض من قبل الله تعالى ففي الحديث: “إن الله يبغض الفاحش المتفحش"(1).
وفي حديث أخر عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله): " إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذيء، قليل الحياء، لا يبالي ما قال ولا ما قيل له" (2).
الجنة طيبة يدخلها الطيبون والإنسان الفحاش قليل الحياء الذي لا يبالي كيف يطلق الكلام بل أحياناً يتباها بذلك فيقول (أنا مسحت بفلان أو فلانة الأرض).
بعض الناس تأتي بالألفاظ الفاحشة ولم يبالي بما قال ولم يعرف أن هذه الكلمة يكون لها من الأثار شيء عظيم جدا، ولا يبالي ما قال فيه.
ومنها: ذكر الله ولكن بلحن سيء في القول:
بأن يأتي الرجل أو المرأة ويقولون لا حول ولا قوة إلا بالله أو أستغفر الله ولكن مع لحن باللفظ، مع أن قولهم استغفر الله لفظ طيب وحسن لكن اللحن فيه سيء (3)، وبعض الكلمات يقولها البعض فتكون سيئة كقوله فيما لو اتصلت به زوجته (اتصلت حظي، أو هذا حظي من الدنيا) هذه الالفاظ ليس فيها عيب في أصل التحدث فيها لكنه يلحن بها ويقصد منها الشيء السيء، والله سبحانه وتعالى يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله) )وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ( (4)، لكن لحنهم بالقول وأسلوب الإبداء فيه نحو من التهكم والسخرية الاستفهام والتعجب، فلو قرأتها لم تلحظ فيها هذا النحو بخلاف ما لسمعتها مع طريقة لفضه لها لرأيت ذلك النحو من تهكم والاستهزاء.
وفي الحياة الزوجية بعض الأحيان يحصل مثل هذا الأمر تراه يتلفظ بكلام ليس فيه محذور لكن لو عاينت طريقة الكلام والأجواء التي تحف به القرائن الحالية كما يعبر العلماء تجدها تعطي معنى مخالف إلى ما كان مراد منه.
يمكن ان يقول حبيبتي بنحو يزرع الألفة بينهم وهي تقول زوجي العزيز بذلك النحو وممكن أن يكون كلاً منهما هذا الكلام بنحو يعاكس تماماً مع استخدام حركات معينة وإشارة خاصة تعطي عكس المعنى الذي قيلت فيه، فيلزم الالتفات إلى أن المسألة ليست أني لم أضرب زوجتي أو هي لم تضربني أو لم أشتمها ولم تشتمني، بل حتى في القول ينبغي أن يكون بشكل مناسب يعمّق المودة.
الثالث: من الأمور المتبادلة بين الزوجين: حق الإذن من قبل الزوج وعدم رعايته من قبل الزوجة.
من المعلوم عندنا في الفقه الإمامي للزوج على الزوجة حق التمكين الجنسي متى ما أراد من غير عذر شرعي أو عرفي.
حق الاستئذان عند الخروج من المنزل وهذا الحق الثاني ينطلق من أمور كثيرة.
أ- من طريق القوامة على الاسرة التي منحت للرجل.
ب - من صيانة ومسؤولية الرجل اتجاه أسرته بشكل لا يقبل الترديد فيه لكثرة الروايات ولإجماع الفقهاء على هذا الأمر.
والاستئذان إما أن يكون واضحاً وصريحاً أو يكون علماً برضاه، بأن تعلم الزوجة من خلال مجموعة القرائن ومن خلال المعاشر طول الفترة الزوجية بأن الزوج لا يمانع من الذهاب إلى الأهل بقدر هذا العلم كافي للخروج بدون إذنه، وكذلك عند الخروج للمسجد لأداء صلاة الجمعة فهنا لا تحتاج المرأة إلى تكرار طلب اللاذن منه للخروج في مثل هذه الحالات، بل يكفي العلم بالرضا وعدم الممانعة.
هذا عند انتقال الزوجة إلى منزل زوجها وقد دخل فيها، أما لو لم يدخل بها ولم تنتقل بعد إلى منزله هنا قال العلماء لم يجب الاستئذان منه في الخروج.
أما مع الاضطرار العرفي كما لو كان لديها علاج ولم يأذن لها بالخروج أولم تستطيع الوصول له فلا يجب عليها الاستئذان مع الممانعة، وكذا فيما لو وجب عليها الحج وامتنع من الموافقة فلم يجب عليها الاستئذان وأن كان من الأفضل تستأذنه وترضيه.
وفي المقابل لا يلزم على الزوج أن يستبد في رأيه بالممانع في صورة عدم الحاجة إلى ذلك كما لو أرادة زيارة أهلها، لان ذلك قد يأدي إلى زعزعت العلاقة الزوجية.
الرابع: ما جاء في قول الله عز وجل: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) (5)، من الأمور التي تزعزع العلاقة الزوجية أن يتجاوز الإنسان حده لحد غيره سواء في داخل المنزل كما لو فكر الزوج بأن هذه الزوجة عاملة (موظفة) فلماذا تمتنع من المساهمة في البيت، وهذا يصنع دافع عند الزوجة من التمسك على مالها وعدم المساهمة في التعاون الأسري بخلاف فيما لو تركها من ذات نفسها تبدي المساهمة ففي كلام أمير المؤمنين (عليه السلام): "احتج إلى من شئت تكن أسيره " (6)، فلا بد للزوج ان يتعفف ويستغني عن ذلك، " واستغن عمن شئت تكن نظيره"(7)، ولتكن انت صاحب الكلمة وصاحب اليد العليا " امنن على من شئت تكن أميره" (8)، فلا تمد عينك داخل الاسرة بل اقتنع بالذي انت قادر على توفيره، فضلاً عما كان خارج الأسرة فلا تنظر إلى نمط حياة الأخرين، فالآية تقول: (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) وفي سورة الجمعة يول الله تعالى: (وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (10).
حرره لموقع الأئمة الاثني: السيد علاء تكليف العوادي
الهوامش:
(1) المازندراني، مولي محمد صالح، شرح أصول الكافي، ج٩، ص٢٨٧.
(2) الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج٢، ص٣٢٣.
(3) يُريد الشيخ هنا بـ(اللحن) هو أن يصاحب الحوقلة (لا حول ولا قوة) والاستغفار حركات استهزائية بالغير.
(4) سورة محمد - الآية 30.
(5) سورة طه - الآية 131.
(6) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج٧١، ص٤١١.
(7) نفس المصدر.
(9) نفس المصدر.
(10) سورة الجمعة – الآية 11.