ما صحّة الحديث المنسوب للنبيّ (ص): "عليكم بدين العجائز" وهل يدلّ على كفاية الفهم السّطحي والظاهريّ للدّين والنهي عن التعمّق في مسائله؟
ليس لهذه المقولة مصدر روائيّ في جميع تصانيف الشيعة، وما هو موجود في كتب أهل السنّة محكوم بالوضع وعدم الصحّة كما في تذكرة الموضوعات وكشف الخفاء. وقد نقل العلامة المجلسيّ في بحاره هذه العبارة في معرض مناقشته لموضوع وجوب النظر في الدّين، حيث تعرّض لهذا الحديث بقوله: (فإنّ بعضهم ذكر أنّه من مصنوعات سفيان الثوري فإنّه روي أنّ عمر بن عبد الله المعتزليّ قال: إنّ بين الكفر والإيمان منزلة بين المنزلتين. فقالت عجوز: قال الله تعالى (هو الّذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) فلم يجعل من عباده إلّا الكافر والمؤمن، فسمع سفيان كلامها فقال: عليكم بدين العجائز) (بحار الأنوار ج 66 ص 136) وعليه يكون سفيان الثوري هو أوّل من تنسب له هذه العبارة.
وقد أورده الغزالي في كتابه أحياء علوم الدّين ج 3 ص 67 وعلّق عليه العراقي بقوله: قال ابن طاهرٍ في كتاب التذكرة: هذا اللفظ تداوله العامّة ولم أقف له على أصلٍ يرجع إليه من روايةٍ صحيحةٍ ولا سقيمة).
كما يروى عن أبي المعالي الجويني قوله: قرأت خمسين ألفًا في خمسين ألفاً، ثمّ خلّيت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضمّ، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام، كلّ ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحقّ بلطيف برّه، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرّحيل على كلمة الإخلاص: لا إله إلّا الله، فالويل لابن الجويني) (سير أعلام النبلاء 18 ص 470)
وقيل في شرح هذه العبارة أنّ المقصود هو سلامة الفطرة من التسليم وعدم التشكيك كما هو حال العجائز، إلّا أنّ ذلك لا يقبل على إطلاقه فالعادة أنّ الناس على دين آبائهم من دون وعيٍ وتبصّرٍ قال تعالى: (بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمّةٍ وإنّا على آثارهم مّهتدون [22] وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قريةٍ مّن نّذيرٍ إلّا قال مترفوها إنّا وجدنا آباءنا على أمّةٍ وإنّا على آثارهم مّقتدون [23])، وعليه؛ إن كان التسليم أمراً مطلوباً إلّا أنّ التعصّب للباطل أمر مرفوض، ولا يمكن التمييز بينهما إلّا من خلال النظر والتفكّر والوقوف على الدّليل، ويبدو أنّ هذه العبارة شاعت بين بعض المتكلّمين الذين خاضوا في مسائل زادتهم حيرةً ممّا جعلهم في حالة اضطرابٍ وتردّدٍ فكانوا يحنّون إلى السكينة بقولهم يا ليتنا بدين العجائز.
ومن المؤكّد أنّ التعمّق في الدين من خلال التدبّر في نصوصه والتتلمذ عليها أمر لابدّ منه، إلّا أنّ ذلك يحتاج إلى تزكية النّفس وترويضها على الإخلاص والابتعاد بها عن الأهواء المتمثّلة في التفاخر وحبّ الظهور، ففي الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السّلام): (ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق، ومن زاغ ساءت عنده الحسنة وحسنت عنده السيّئة، وسكر سكر الضّلالة، ومن شاق وعرت عليه طرقه وأعضل عليه أمره وضاق مخرجه. والشكّ على أربع شعب: على التماري، والهول، والتردّد، والاستسلام، فمن جعل المراء ديدنًا لم يصبح ليله) (بحار الأنوار 65 ص 348).